ظمأ الماء لعادل القرين للناقد الأديب: حميد بركي

( بريد الشبكة )

في نص "أهي الأحساء؟" لعادل القرين، تتجلّى الأحساء كعلامة كبرى تتقاطع فيها الذاكرة، الهوية، والحواس، ينفتح على فضاء الطفولة بوصفه أصل الوعي بالمكان، حيث تشكّل الأزقة والسوابيط والفرجان، إشارات دالة على حميمية البيئة الأولى، كلمات، مفردات مكانية، تحمل قيمة رمزية ترتبط بالانتماء والدفء الإنساني.

ثم تأتي أسماء المواقع التاريخية كقصر إبراهيم، والقيصرية وشارع الحداديد، لا بوصفها معالم سياحية بل كمستودعات لذاكرة جماعية تقترن بروائح القهوة والبهارات، إشارات حسية تختزل عمق العلاقة بين الإنسان ومكانه.

الأحساء هنا ليست مكانًا فحسب، بل كيانًا حيًّا ينبض في اللاوعي الجمعي..
والمقطع الشعري باللهجة الحساوية يشتغل على تحويل عناصر الطبيعة إلى رموز للهوية والعشق والانتماء..

ريحة الطبينة، على سبيل المثال، تتجاوز الحاسة الشمية لتصبح علامة ارتباط عضوي بالوطن؛ وكذلك الأحساء تحضر في صورة الأنثى/المحبوبة حين يقول العشق غالي بهلها، فتحوّل دلالي يجعل من الأرض كيانًا محبوبًا.

العذق، النخل، التمر تتحول بدورها إلى رموز سيميائية للخصوبة والكرامة والجذور، ويتم تأكيد هذا عبر قول الشاعر: "يمه رسمني هالعذق"، حيث النخل يُسقط على الذات ويعيد تشكيلها، في تماهٍ وجودي بين الإنسان والطبيعة.. رسم القصائد على الثبر وخلط العصيدة بالتمر يوحي باتحاد الشعر بالتراب، والقول بالفعل، في صورة ثقافية محلية مكثفة.

هذا النص يمارس وظيفة مزدوجة: فهو يحفظ الذاكرة ويؤدي طقس الانتماء.. كما يُعيد إنتاج الهوية الحساوية من خلال شفراتها العاطفية والحسية واللغوية.