2018/04/01 | 0 | 4511
سماحة الشيخ محمد العباد : الإمام علي عليه السلام ومدرسة الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف خلق الله والمرسلين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.
نبارك لكم ولعموم المؤمنين والمسلمين ومحبي العدالة الإنسانية بذكرى مولد مولى الموحدين وسيد الساجدين الإمام علي ابن ابي طالب عليه السلام .
شخصية الإمام علي عليه السلام شخصية نموذجية ليس لها مثيل ولاشبيه ولايعادلها فضل إلا شخصية وفضل النبي الأعظم محمد (ص) فكل أبعاد هذه الشخصية - الإمام علي - تعتبر مدرسة من المدارس التي ينهل منها الإنسان و من معالمها ومعارفها ودروسها والإقتداء بها ،
وتباعاً لخطب ماضية اخترنا أن يكون حديثنا حول ( الإمام علي عليه السلام ومدرسة الصلاة ) .
معالم مدرسة الصلاة عند أمير المؤمنين (ع)
اقتران ولادته بقبلة الصلاة : -
أول ماتتجلى من معالم هذه المدرسة أن الله جل وعلا ماأخرج هذا النور - نور علي ابن ابي طالب (ع) - في هذا الوجود إلا في وسط الكعبة التي يتوجه إليها المصلي عند صلاته ، ففي وسط الكعبة المشرفة ولد علي عليه السلام ويعني هنا اقتراناً وثيقاً جداً بين الإمام علي والصلاة وهذا مايؤكد عليه المؤرخون وإن كان هناك من سعى للتشكيك في هذا المعنى إلا أن التاريخ يُكذب هذا التشكيك ويؤكد على هذه العلاقة الوثيقة بين الإمام علي (ع) والكعبة المشرفة ،
- فالحاكم النيسابوري وهو أحد علماء السنة المعروفين له كتاب تحت عنوان المستدرك على الصحيحين (أي على صحيح الإمام البخاري و الإمام مسلم) ومعنى المستدرك يعني الذي لم يروه هذان المحدثان البخاري ومسلم فهو استدرك ودون احاديث أيضاً على شرط الشيخين .ويقول النيسابوري في المستدرك الجزء الثالث ص 483 قال : - (وقد تواترت أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ) فليس هناك مجال للتشكيك في هذا الحدث التاريخي المتواتر عند المؤرخين.
- و عبدالباقي العمري شاعر اشار في شعره الإقتران والعلاقة بين الكعبة والإمام علي عليه السلام في قوله : -
أنت العلي الذي فوق العلا رفعا
ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا
هذا الشعر لعبدالباقي العمري وهو من الشعراء السنة المشهورين آنذاك هو الذي أنشد هذه القصيدة انسجاماً مع ماهو متواتر في التاريخ من ولادة الإمام علي (ع) في جوف الكعبة المشرفة
- و يعلق على هذه الأبيات شهاب الدين الآلوسي أحد المفسرين المعروفين من علماء السنة له كتاب تفسير روح البيان وله كتاب اخر بعنوان سرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية
يقول شهاب الدين الآلوسي : - ( وماأحرى بإمام الأئمة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين) ،
فالمؤمن عندما يتوجه للقبلة يتوجه للمكان الذي ولد فيه الإمام علي عليه السلام وهذا تأكيد على أن هناك بيئة إلهية لها دور كبير جداً في علاقة الإنسان بالصلاة ، وأول مابزغ نور الإمام علي (ع) كان في تلك البيئة وهي بيئة العبادة والصلاة التي تتوجه إليها الناس عند صلاتهم ، وهذه بيئة نحن نحتاجها كذلك إذا اردنا الإقتران بالصلاة أكثر ورغبنا في تجذير الصلاة في قلوبنا ووجداننا وأوقاتنا علينا أن نلحظ البيئة التي تعيش الصلاة ومعانيها ، من الذهاب الى المساجد ومجالسة المؤمنين الذين يحافظون على الصلاة في أوقاتها هذه تساعد على توثيق العلاقة بين المسلم وصلاته ، وهذه البيئة تواصلت مع الإمام علي ابن أبي طالب في كل مراحل حياته فهو أول من صلى مع النبي الأعظم (ص) وهذا مايؤكده التاريخ والمورخون جميعاً، ونقول هنا أننا لانقبل مقولة أول من أسلم من الفتية هو الإمام علي (ع) ، فمتى كان الإمام كافراً حتى يسلم؟!
لكننا لو تنازلنا وقبلنا هذه المقولة فإننا نقول أن أول من صلى مع النبي الأعظم (ص) هو الإمام علي (ع). فالشخصية التي يكون مبدأ نور وجودها الصلاة وغياب نورها ايضاً الصلاة هذه الشخصية لاتكون إلا باقتران وثيق بينها وبين الصلاة ،
وهنا فأول مانستفيد من مدرسة الإمام علي (ع) هو خلق البيئة المناسبة للإقتران والإهتمام بالصلاة ولذلك نحن نعلم أن المولود عندما يولد فأول مايستحب أن يسمعه المولود هو الأذان والإقامة وذلك لتفعيل الفطرة وهذه البيئة الإيمانية الحاضنة للطفل من خلال اقترانه بالصلاة .
ثقل أمانة الصلاة : -
النظر إلى الصلاة على انها أمانة و أنها أمانة ثقيلة وليست سهلة بحيث أن الإنسان يتهاون في الحفاظ عليها ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ) أي حافظوا على هذه الأمانة التي حملكم الله إياها
وفي الروايات أن الإمام علي ابن ابي طالب إذا حان وقت الصلاة يتململ ويتغير وجهه ولونه فإذا سئل عن ذلك قال : - ( لقد حان وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض) .
وفي هذا قال تعالى : - ( وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ )إشارة إلى ثقلها على غير المؤمنين المخلصين لله عز وجل من المنافقين والمتهاونين بالصلاة ، لكن الإنسان المؤمن الذي يعي الصلاة وأهميتها ويدرك عظمة الصلاة حتى لو كان يشعر بثقلها فهو يشعر بمسؤوليته في أداء هذه الأمانة طاعة الله .
و روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في حق علي عليه السلام : - ( إذا وقف أمير المؤمنين للصلاة وقبل أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو يقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض -إلى آخر هذا الدعاء- يتغير لون أمير المؤمنين حتى يُعرف ذلك في وجهه) (فلاح السائل ص101)
لأنه عليه السلام يدرك ويعلم بين يدي من يقف ولمن يؤدي الأمانة ، ويعلم أن الله يقبل من الصلاة بقدر حضور القلب ،
فمن هنا ندرك أن من معالم مدرسة الصلاة عند أمير المؤمنين عليه السلام ان يدرك المؤمن ثقل هذه المسؤولية وأهمية أداء الأمانة التي كلفه الله جل وعلا بها وأعطاه القدرة والإستعداد لتحملها ، فالجبال لاتتحمل هذه المسؤولية والسماوات والأرضون وإنما يتحملها المؤمن ويقوم بأدائها بنشاط وحيوية وإقبال .
صلاة الخشوع : -
وهناك فرق بين أن يؤدي إنسان عملاً عادياً في حياته لايحتاج الى حضور قلبي وإنما عمل باليد او السمع والبصر لكن الصلاة تحتاج إلى خشوع القلب
--قال تعالى : - ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )
وقد تحدثنا في خطبة سابقة عن دور الصلاة في السلوك الإنفعالي وضبط السلوك بالصلاة من توفيقات الله جل وعلى ، ايضاً الفلاح للمؤمن ليس كل مصل ينال هذا التوفيق وإنما المصلي الخاشع لله .
- و روي عن امير المؤمنين (ع) قوله : - " ياكميل ليس الشأن أن تصلي وتتصدق إنما الشأن أن تكون الصلاة فعلت بقلب نقي وعمل عند الله مرضي وخشوع سوي " فالصلاة لابد أن تكون لها آثار منعكسة على قلب المصلي
قصة وعبرة : -
كما ينقل أحدهم أن في أحد المجالس ،كان ينشد المنشد في فضائل الإمام علي وأشار الى أن الإمام عليا في معركة صفين أصيب بسهام وهو في صلاته فجاؤوا يقتلعون تلك السهام لكن الإمام عليه السلام لم يشعر بها من شدة إنقطاعه الى الله عز وجل ،
فقام أحد الحضور وقال للمنشد ان ماتذكره خرافة فكيف لايشعر الإمام بالألم وقد غُرست السهام في رجله ؟
فقال له في مجلس زليخة عندما دخل نبي الله يوسف على النسوة ماذا اخبرنا القرآن الكريم عن ذك : - ( فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا ) هذه النسوة إنما رأين رجلا مخلوقا ومع ذلك قطعن ايديهن بالسكاكين و لم يشعرن بذلك فكيف بالإمام إذا عاش في صلاته وهو يرى جمال الله جل وعلا ، فهل سيشعر بأمر آخر غير جمال الله !؟ فجمال الله وألطافه وعظمته ينسيه كل شيء فهذا هو الإمام علي عليه السلام ومدرسته في الصلاة ، على قدر الخشوع تنفع الصلاة وتكون الصلاة مربية للإنسان ومفيدة ونافعة
الصلاة صلة بين المصلي و عباد الله : -
صلاة علي (ع) حلقة وصل بين الله وعباده
هناك من يصلي لنفسه غير ملتفت للآخرين ، لكن القرآن الكريم يوضح أن الصلاة التي يصليها الامام علي -ع - تعتبر جسرا للعلاقة بين الله وبين عباده قال تعالى : - ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فالزكاة تكون على مسكين وفقير وسائل ،
وقد ذكرنا مدى خشوع الإمام في صلاته حتى أنه لم يشعر بالسهام في جسده لكن هذا الخشوع لم ينسه عباد الله وانما يستشعر حاجة الإنسان الفقير والمسكين بل ويمد يده الى السائل وهو في عمق الصلاة ويعطيه ويتصدق عليه ، كل ذلك يشكل أهم معلم من معالم الصلاة وهو أن الصلاة التي نصليها لابد أن تكون جسراً للعلاقة بين الله وبين عباد الله فنكون نحن الجسر من خلال هذه الصلاة .والحمدلله رب العالمين
