2018/04/16 | 0 | 4291
سماحة الشيخ محمد العباد دور الصلاة في استمداد القوة -النبي الاعظم(ص) مثالا-
نبارك لكم ذكرى المبعث الشريف للنبي الأعظم (ص) مبعث النور لكشف الظلمة وجلالها ، ومبعث العلم لمحاربة الجهل ومبعث العدل والعدالة لمواجهة الظلم والجور .
يامبعث الخير والنعمة بدايتها
اقرأ و آخرها الإتمام يكتمل
ياخير مبعوث حق لا مثيل له
ماالوحي وافاك والتامت بك المثل
والحق عندك عهد الله يحفظه
رغم الطغاة بما غالوا وما بذلوا
بهذه المناسبة العطرة وضمن سلسلة الخطب السابقة عن الصلاة وفلسفتها وأهدافها نستعرض هنا دور ( الصلاة في استمداد القوة - والنبي الأعظم مثالا)
السؤال الذي ممكن أن نطرحه هنا اين تكمن قوة الإنسان ،ومن أين يستمد قوته ؟
قد يذهب البعض الى ان قوة الإنسان تكمن فيما يملكه وماهو تحت تصرفه ، ويظن أن الأمور التي هي تحت تصرفه هي مصدر القوة ويغفل عن أن هذه الممتلكات التي تحت يده وتصرفه لم يوجدها هو ولم يصل اليها بقوته من العلم والجاه والمال فقط .. ناهيك أنه عندما يجهل العبد مصدر القوة الحقيقية ويستند على الأمور التي تحت تصرفه وممتلكاته فإن هذه المصادر المادية ستكون سبباً لضعفه وربما الى هلاكه .
و القرآن الكريم يطرح لنا أمثلة على ذلك في قارون عندما كان يظن ان سر قوته في أمواله التي يمتلكها وكان يقول : - (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ) فهو قد اغتر بهذه القوة المادية والعلمية التي كان يمتلكها ووصلت به الى الثراء الباذخ ، لكن المال كان سبباً لهلاكه فقد أهلكه الله وخسف به الأرض وخسف به داره وأصبح في طي النسيان لم تنفعه امواله التي كان يستند عليها في سر قوته كما يظن ،
ايضاً قوم سبأ ظنوا أن مصدر قوتهم فيما يملكونه من القوة العسكرية والجنود لكن اعتمادهم على هذه القوة والعدة لم تنفهم وانتهى دورهم واصبح نبي الله سليمان (ع) هو الحاكم انذاك ، فهذه القوة في العدة والعدد لم تكن شفيعة لهم في إبقائهم (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ )
كذلك فرعون كان يتباهى بقوته وسلطته على مصر ووصل به الغرور الى أنه ادعى الربوبية ، لكن استناده على هذه القوة لم ينفعه بل أهلكه الله بجرمه وتكبره وغروره بقوته المزيفة ،
وابليس اغتر بعنصره (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) لكن اعتماده على القوة العنصرية كان سبباً لاستكباره وخروجه من الجنة بعدما كان من عداد الملائكة المتعبدين لله ولازال إبليس يعيش الضعف ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا) فإبليس لايمتلك قوة ابداً وذلك بسبب اعتماده على قوته العنصرية.
هنا اقول من يظن أن سر قوته فيما يملكه من الماديات فإن الإعتماد على القوة الزائلة يؤدي الى ضعفه وخسارته .
و القرآن يشير الى معركة حنين - وهي تعتبر إحدى المعارك المهمة التي من المفترض أن تكون مصيرية في صالح الأمة الإسلامية انذاك-لكن رجع الجيش الإسلامي خائباً مدبراً خاسراً للمعركة وذلك لأنهم اغتروا وأعجبتهم كثرتهم وظنوا أن سر نصرهم وقوتهم في عددهم وعدتهم العسكرية آنذاك. ومع أن النبي الأعظم (ص) كان موجوداً لكن أكثر الصحابة قد اغتروا بكثرة عددهم وقوتهم
قال تعالى: - (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ)
مع إيمانهم بالله عز وجل لكن هذا الإيمان من المفترض ان يدفع الإنسان بعدم الإعتماد على الممتلكات المادية في القوة ، إنما الممتلكات هي أدوات يستخدمها الإنسان وليست سر قوته في الحياة الدنيا .
أين تكمن القوة إذا ؟!
تكمن القوة عندما يستند العبد على الله عز وجل ويعتمد عليه ويسند ظهره ويتوكل على القوي و صانع القوة سبحانه ،
فإذا وفق العبد الى امتلاك هذه العناصر في علاقته بالله عز وجل فإنه قد ملك القوة لأن سر القوة مع الله عز وجل.
و الإنسان مخلوق ضعيف يحتاج أن يستمد القوة من القوي وهو الله عز وجل ، ولايستند على مايملكه . مهما كان مايملكه من العلم والمال والوجاهة يبقي العبد ضعيفا وفقيرا في كل شيء و يحتاج الى قدرة الله عز وجل ( أنتم الفقراء إلى الله)
من هنا فإن العبد يحتاج أن يستمد القوة من مصدرها وأساسها الحقيقي وهو الله عز وجل ، وفي هذا قد أكد القرآن الكريم وبين السبل والطرق التي من خلالها يستمد العبد قوته ومنها : -
الصلاة
قال تعالى : - (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)
الإستعانة تأتي عندما يكون هناك شيء غير قادر عليه الإنسان فيستعين بمن عنده القدرة .
يقول أحد العلماء(حركة الإنسان في هذه الحياة لا يوقفها شيء مادام يستعين بالله عز وجل )
وفي سورة البقرة تكرر أمر الاستعانة بالله من خلال عبادة الصلاة
في الإية (45) واية (153)
- *وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ *
- *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ *
فنحن نحتاج الى خشوع وإلى صبر
ثم لماذا الصلاة تميزت بعون المؤمن على الصبر؟ لعلها لأنها مكررة في اليوم خمس مرات والعبد بحاجة دائماً الى الاستعانة والصبر وقوة التحمل ،
فالخشوع حالة اتصال يستمد منها العبد القوة من إله القوة .
و الصبر حالة نفسية سلبية ليواجه به الإنسان المغريات والإبتلاءات وبالصلاة يستمد العون من الله
فعنصر الصبر وحده لايمكن أن يكون عامل قوة إلا بالصلاة .
- الكسيس كاريل عالم نفس له كتاب بعنوان( الإنسان ذلك العالم المجهول) يقول : - ( فيه ان الصلاة كمعدن (الراديوم) مصدر الإشعاع مولد ذاتي للنشاط وبالصلاة يسعى الناس الى استزادة نشاطهم المحدود حين يخاطبون "القوة" التي تهيمن على الكون)
- الراديوم مادة كيميائية تعتبر احد مصدر الاشعاع وهو ابيض ونقي نسبياً - يشبه الصلاة بهده المادة سواء عند المسلمين أو اي ديانة أخرى بمعنى التوجه الى الله والخضوع إليه والصلاة بحد ذاتها تبعث في العبد النشاط والقوة .
عالم النفس لايتحدث عن الصلاة من منظور ديني إنما من منظور علاجي ويقول ( كثيراً من الامراض النفسية عجزت العقاقير عن علاجها واستطاع العلماء ان يعالجوها بالصلاة)
و في القرآن الكريم تعتبر الصلاة من أهم المصادر لإكتساب القوة في عدة أمور نذكر بعضها : -
- الصلاة مصدر القوة في مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها وابتلاءاتها وتحملها وفي ذلك قوله سبحانه : - ( واستعينوا بالصبر والصلاة)
و نبي الله موسى وهارون عليها السلام أُحيطا بالإبتلاءات مع قومهما من قبل فرعون وجنوده وقومه، وقد قدم لهم الله مفتاح النجاة من هذه المحن بالصلاة
قال تعالى : - (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ)
-- في مواجهة القيود الخاطئة
فقد تقيد الانسان قيود اجتماعية باطلة وعادات خاطئة والصلاة تعطي القوة والإرادة للخروج من دائرة الباطل والسجن الإجتماعي المعيق للنمو الروحي و الفكري
قال تعالى : - في شأن شعيب (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)
- الصلاة تحرر العبد من قيود النفس وأهوائها
ويشير إلى ذلك قوله تعالى : -
(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
- الاستعداد المعنوي لتلقي الألطاف الإلهية :-
فهناك ألطاف لايحضى بها العبد إلا إذا وفق للصلاة والإهتمام بها فهذه الصلاة تزيد من خصوبة الروح لتلقي الألطاف الخاصة
قال تعالى : - في حق زكريا (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ)
فهذه الألطاف والخصوصية لايمكن للعبد أن يصل اليها من خلال الطرق الإعتيادية والعبادات الأخرى بغير الصلاة
النبي -ص- القدوة والمثال : -
-- صلاته -ص- إعداد لتلقي المهام الصعبة : -
إن النبي الأعظم (ص)إحتاج قوة ليتحمل بها تلقي الوحي والأوامر الشديدة المهمة فأمره الله بالصلاة ، بل و أمره الله بصلاة الليل وجعلها واجبة عليه بخلاف سائر المسلمين والنبي الأعظم تقع عليه مسؤولية عظيمة تحتاج الى قوة عظيمة يستمدها من رب القوة ، وفي تخصيص النبي الأعظم وتكليفه بصلاة الليل سر وهو كلما احتاج الإنسان قوة أكبر كلما زادت علاقته بالصلاة لاستمداد القوة والهمة من الله عز وجل .
قال الله تعالى : -
(ان ناشئة الليل هي أشد وطا وأقوم قيلا!!) صلاة الليل أقوى وأثبت وامتن لشخصية العبد وإرادته وقوته فضلاً عن الصلوات الخمس الواجبة
-- صلاته -ص- لمواجهة هموم الدعوة
و قد روى حذيفة اليماني انه صلى الله عليه وآله إذا احزنه امر صلى "
-- صلاته -ص- لطلب النصر الإلهي : -
ليلة الأحزاب تعتبر ليلة قاسية على المسلمين فيها اجتمعت القبائل العربية وغير العربية لمحو الدعوة الإسلامية وآثارها وقتل النبي الأعظم (ص) وكل الصحابة ،
في تلك الليلة يروي حذيفة ( رجعت الى النبي (ص) وهو مشتمل في شملته يصلي )
والإمام علي عليه السلام يذكر ان ليلة بدر كان الصحابة جميعاً نياما إلا رسول الله (ص) كان مشتغلاً بالصلاة آنذاك ، فالصلاة تعطي العبد القدرة والقوة على تحمل الصعاب .
والقرآن يذكر ان الإنسان بطبعه ضعيف أمام الإبتلاءات والنعم
وقد عالج هذا الضعف بالصلاة في عدة مواقع
منها قوله سبحانه (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ )
- صلاة النبي قوة لشكر النعمة
فالله يأمر النبي (ص) بالصلاة عندما أعطاه نعمة الكوثر ويحوي ذلك أن عظم النعمة يحتاج إلى قوة الصلاة لشكر الله تعالى
( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فهذه الذرية الطيبة تعتبر من أكبر النعم التي انعم الله بها على النبي الاعظم (ص) والتي تحتاج أن يقابلها بالصلاة كذلك لمواجهة من يتخذ موقف ضده محاولاً اذيته (ص) .
فالصلاة ليست مظهرا عباديا جافا وإنما وسيلة لإستمداد القوة و صلابة الإرادة والتغلب على مشاكل الحياة وصعوباتها من خلال الأستعانة بالله عز وجل .
والحمدلله رب العالمين
جديد الموقع
- 2024-12-18 جامعة الملك فيصل بالاحساء تحقق المركز الثالث في قياس التحول الرقمي لعام 2024 على مستوى قطاع التعليم والتدريب
- 2024-12-18 سمو محافظ الأحساء يدشن "برامج أكاديمية ريف السعودية"
- 2024-12-18 الأحساء.. وجهة سياحية تنبض بالتاريخ والطبيعة الخلّابة
- 2024-12-18 اللغة العربية في التعريب
- 2024-12-16 تناول الشوكولاتة الداكنة مقترن بانخفاض نسبة احتمال الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني
- 2024-12-16 تقييم التحكم في ضغط الدم طويل الأمد باستخدام المدى الزمني للنطاق العلاجي بين مرضى سعوديين
- 2024-12-16 وقفة مع تاريخ العطاء
- 2024-12-15 حكاية رجل على هيئة ساعة
- 2024-12-15 تشييع 7 جثامين في حادث سير بالأحساء
- 2024-12-15 "قلق الرياضيات" قلق حقيقي، ولكن هناك مقاربات للتعامل معه وإدارته