أنت كما تأكل، كما يقول المثل. لكن دراسة جديدة من جامعة تولين Tulane وجدت أنه إذا كان الطعام ناقص البروتينات فقد يؤثر سلبًا في صحة الأحفاد والأسباط إلى الجيل الرابع.
تدعم الدراسات الحديثة فكرة أن المجاعة في أحد الأجيال قد تترك آثارًا وراثية ضارة في الجيل التالي. لكن التساؤل ظل قائمًا عن عدد الأجيال التي يمكن أن تتأثر سلبًا لو أن أحد الأسلاف كابد أزمة غدائية [نقص في الأغذية الضرورية الأساسية، ومنها البروتينات].
في دراسة (1) نشرت في مجلة Heliyon، وجد باحثو جامعة تولين أنه عندما تم تغذية فئران بغذاء منخفض البروتين، كان نسل هذه الفئران على مدى الأجيال الأربعة التالية عند الولادة أخف وزنًا وبحجم كلى أصغر من المعتاد، مما أدى إلى عوامل احتمال الإصابة بأمراض الكلى المزمنة (2) وارتفاع ضغط الدم.
"قد يعتقد المرء أن بإمكانه إصلاح النظام الغذائي في الجيل الأول من النسل بحيث تتوقف هذه المشكلات الصحية عند هذا الحد، ولكن حتى لو كان لدى هذا الجيل نظام غذائي جيد، فإن الأجيال القادمة قد تولد بوزن أخف عند الولادة وعدد الكُلْيونات nephron منخفض [الكُلْيُون أو وحدة كُلْوِيَّة وهي الوحدة الفاعلة الأساسية في الكلية، ويمكن تسميته اصطلاحًا بـ مصفاة الكلية (3)]، حتى ولو لم تتكبد مجاعة قط." بحسب جيوفاني تورتيلوت Giovane Tortelote، أستاذ مساعد في أمراض كلى الأطفال.
ووجد الباحثون أن تصحيح النظام الغذائي في النسل لم يكن له أي تأثير، واستمرت الأجيال اللاحقة في الولادة بعدد منخفض من الكليونات (3)، وهي وحدات تصفية (ترشيح) حيوية تساعد الكلى على إزالة النفايات [الفضلات أو المواد غير المستفاد منها] من مجرى الدم. بالرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من العمل البحثي لمعرفة ما إذا كانت هذه النتائج يمكن أن تنطبق على البشر، فإن النتائج تؤكد احتمالية أن تؤدي ندرة الغذاء أو سوء التغذية إلى عقود من المخرجات الصحية السلبية.
وقال المؤلف الرئيس جيوفاني تورتيلوت Giovane Tortelote، الأستاذ المساعد في أمراض كلى الأطفال في كلية الطب بجامعة تولين: " أثر سوء التغذية كالانهيار الجليدي ما إن يبدأ إلَّا وتتعاقب إنهياراته. " "قد يعتقد المرء أن بإمكانه إصلاح النظام الغذائي (وذلك بالتغذية الجيدة) في الجيل الأول بحيث تتوقف المشكلة عند هذا الحد، ولكن حتى لو كان هذا الجيل على نظام غذائي جيد، فإن الأجيال القادمة - الأحفاد، وأحفاد الأحفاد، وأحفاد أحفاد الأحفاد [وربما الأسباط وإن نزلوا] - قد يولدون بأوزان جسم أخف عند الولادة وعدد كليوينات منخفض بالرغم من عدم تكبدهم مجاعة أو تناولهم غذاء منخفض البروتين.
تصحيح الغذاء في أي من الأجيال قد أخفق في إعادة نمو الكلى لدى الـنسل إلى مستوى حجمها الطبيعي (بعدد وحدات الكليونات الطبيعية).
بالرغم من أن تغذية الأم يُعد أمرًا بالغ الأهمية لنمو الرضيع، فقد وجدت الدراسة أن ذرية الجيل الأول تأثرت سلباً بغض النظر عما إذا كان النظام الغذائي للأم أو حتى للأب ناقص البروتين.
يعد هذا الاكتشاف الجديد عن مدى تأثير الغذاء عبر الأجيال في نمو الكلى إلى حجمها الطبيعي، واحدًا من أحدث الاكتشافات في مجال علم فوق الجينات (التخلق المتعاقب) (4)، وهو علم يُعنى بدراسة مدى تأثير العوامل البيئية في التعبير الجيني دون تغيير تسلسل الحمض النووي (دنا).
درس الباحثون أربعة أجيال من النسل، حيث بدأت أعداد الكليونات في إظهار علامات على العودة إلى طبيعتها في الجيلين الثالث والرابع. وقال تورتيلوت إن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لمعرفة أي جيل تعود الكلى فيه إلى نموها السليم، ولماذا تتوارث هذه المشكلة بين الأجيال في المقام الأول.
وقال تورتيلوت: "إن غذاء الأم له أهمية بالغة، ولكن يبدو أن هناك أيضًا شيئًا فوق جيني (4) من الأب يتحكم في النمو السليم للكلى،"
الدراسة سلطت الضوء أكثر على معرفة الأسباب الكامنة وراء مرض الكلى المزمن (2)، وهو السبب الرئيس الثامن للوفاة في الولايات المتحدة.
"إذا ولد شخص بعدد أقل من الكليونات (3)، فقد يكون أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم، وعليه كلما زاد ارتفاع ضغط الدم، كلما زاد احتمال تلف الكلية، لذا فهي تعتبر نوع دورٍ فظيعٍ، وأزمة صحية عامة يمكن أن تؤثر في كبار السن ممن يتراوحون بين 50 إلى 60 عامًا في السن لو طبقنا ذلك على متوسط أعمار الناس،" كما قال تورتيلوت ."هناك سؤالان رئيسان الآن: هل يمكننا إصلاح هذا الضرر وكيف يمكننا إصلاحه؟"