2025/11/16 | 0 | 93
على ثلاث ركائز الثَّرَاءُ التُّرَاثِيُّ في نصوص شعراء شباب عكاظ .
مجلة اليمامة
يُمَثِّلُ التُّرَاثُ العَرَبِيُّ في الشِّعرِ السُّعُودِيِّ الحَديثِ مَعِينًا فَيَّاضًا يَسْتَمِدُّ مِنْهُ الشُّعَرَاءُ طاقَتَهُمُ الإبْداعيَّةَ، وَيُفَاعِلُونَ فِيهِ بَيْنَ المَاضِي وَالحَاضِرِ، فَيَجْعَلُونَ مِنَ المَقَامَاتِ وَالشَّخْصِيَّاتِ وَالأَمَاكِنِ نُقَطَ ضَوْءٍ تَتَّقِدُ فِي نُصُوصِهِمْ.
وتتوقّف هذه الدِّراسَةُ عِنْدَ نَماذِجَ مُخْتارَةٍ مِنَ الفَائِزِينَ بِجائِزَةِ شُعَرَاءِ شَبَابِ عُكَاظ، لِتُبَيِّنَ كَيْفَ تَشَكَّلَ الثَّرَاءُ التُّرَاثِيُّ فِي ثَلَاثِ رَكَائِزَ رَئِيسَةٍ: الشَّخْصِيَّاتِ، الأَمَاكِنِ، وَسُوقِ عُكَاظٍ كَمُلْتَقًى ثَقَافِيٍّ، حَيْثُ يَتَجَلَّى فِيهَا التَّمَازُجُ بَيْنَ الرَّمْزِ وَالحُضُورِ، وَبَيْنَ المَاضِي الَّذِي يُلْهِمُ وَالحَاضِرِ الَّذِي يُبْدِعُ، فَتُصْبِحُ النُّصُوصُ مَسَاحَاتٍ لِاسْتِعَادَةِ الأَصَالَةِ وَإِعَادَةِ صِيَاغَةِ الهُوِيَّةِ الجَمَالِيَّةِ فِي سِيَاقٍ مُعَاصِرٍ تتوقّف هذه الدراسة عند نصوص سبعة من الفائزين بالجائزة، بوصفها نماذج تعبّر عن التقاء الوطن بالتراث:
1.أحمد القيسي – «وتسألني» (2009)
2.ناجي حرابة – «عناقيد من خابية الوطن» (2010)
3.إياد الحكمي – «عتبات وبوابة مشرعة» (2012)
4.حيدر جواد العبدالله – «رملة تغسل الماء» (2013)
5.علي الدندن – «حناء من سراب» (2014)
6.حسن طواشي – «وحي من سدة الغيم (خبر الأمس)» (2015)
7.خليف غالب الشمري – «حزن صعلوك متأخر! رسالة إلى الشنفرى» (2016)
وَيَحْتَوِي الثَّرَاءُ التُّرَاثِيُّ عَلَى ثَلَاثِ رَكَائِزَ:
الشَّخْصِيَّاتِ – الأَمَاكِنِ – سُوقِ عُكَاظٍ (مُلْتَقًى ثَقَافِيٍّ)
الرَّكِيزَةُ الأُولَى:
الشَّخْصِيَّاتُ فِي الثَّرَاءِ التُّرَاثِيِّ
اسْتَحْضَرَ حَيْدَرُ العَبْدُاللهِ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ﷺ، مُؤَكِّدًا عَلَى القُدْوَةِ الإِلَهِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِ الإِلَهِيِّ:
«حَسْبُنَا أَنَّ لَدَيْنَا المُصْطَفَى،
وَلَنَا الأَرْضُ الَّتِي اللهُ اصْطَفَى لَهْ»
وَأَبْرَزَ نَاجِي حَرَابَةُ طَرَفَةَ بْنَ العَبْدِ وَالنَّابِغَةَ الذُّبْيَانِيَّ فِي لَحْظَةٍ شِعْرِيَّةٍ تَمْزِجُ بَيْنَ الحُضُورِ وَالْمَاضِي:
«هُنَا (طَرْفَةٌ) فِي الشِّعْرِ يَدْفُنُ سِرَّهُ،
فَيَحْفِرُ مِنْ (ذُبْيَانَ) شَيْخٌ لِيَطْلَعَا»
ثُمَّ اسْتَدْعَى حَيْدَرُ العَبْدُاللهِ سَامًا، رَمْزَ الفِعْلِ البَشَرِيِّ وَالجَلَالِ الإِنْسَانِيِّ:
«مُنْذُ (سَامَ) الأَبِ وَالنَّاسُ هُنَا،
يَبْذُرُونَ المَجْدَ، يَجْنُونَ الجَلَالَةَ»
وَذَكَرَ خَلِيفُ الشَّمَّرِيُّ الصَّعَالِيكَ وَسَيِّدَ الأَزْدِ، مُجَسِّدًا التَّمَرُّدَ الشِّعْرِيَّ وَالمُوَاجَهَةَ الرَّمْزِيَّةَ لِلسُّلْطَةِ التَّارِيخِيَّةِ:
«إِنَّا صَعَالِيكُ هَذَا العَصْرِ يَا أَبَتِي
أَجْسَامُنَا ذَبُلَتْ.. شَحَّتْ عَطَايَانَا!
نُصَادِقُ الوَرَقَ المَحْمُومَ..
نَسْرِقُهُ .. هَمًّا
وَنُهْدِيهِ.. مَا أَقْسَى هَدَايَانَا!
يَا سَيِّدَ الأَزْدِ.. شِعْرِي لَا يُطَاوِعُنِي
أَفِقْ! نُرِيدُ لِهَذَا الشِّعْرِ عِصْيَانًا..
أَفِقْ.. فَقَلْبُ اللَّيَالِي رَاجِفٌ..
وَأَنَا طِفْلٌ
وَصِدْقِي غَدَا زُورًا وَبُهْتَانَا»
وَاسْتَدْعَى أَحْمَدُ القَيْسِي قَيْسَ بْنَ المُلوَّحِ، رَامِزًا لِلتَّوَحُّدِ وَالْفِكْرِ الْعَاطِفِيِّ الْمُتَجَذِّرِ فِي التُّرَاثِ:
وتسألني :
لمـاذا الـليـلُ فـي عـيـنـيـكَ مَصلُوبٌ ؟
يُحِيكُ شجَاكَ أغنيةً
لِمَن عَبرُوا عَلَى جِسرِ احتضاراتِكْ
لمـاذا « قيـسُ» رمزٌ في حكاياتِكْ ؟
وَقَدْ وَظَّفَ حَسَنُ طَوَاشِي الغَزَلَ، مُجَسِّدًا الرِّقَّةَ وَالِانْسِجَامَ العَاطِفِيَّ:
«لَيْلَايَ سِرْبُ عَبِيرٍ بَتَّ تُقْرِئُهَا
مِنْ نَايِ حِبْرِكَ مَا لَا يُتْقِنُ الغَزَلُ»
وَجَعَلَ حَيْدَرُ العَبْدُاللهِ مِنَ الفَلَّاحِ رَمْزَ البَذْلِ وَالإِبْدَاعِ المُرْتَبِطِ بِالأَرْضِ:
«كَمْ زَرَعْنَاهُ بِأَحْلَامِ النَّدَى،
وَشَرِبْنَا مِنْ سَوَاقِيهِ زُلَالَهْ
وَطَنٌ كَالقَمْحِ، إِنْ أَعْطَيْتَهُ
نِيَّةَ الفَلَّاحِ، أَعْطَاكَ غِلَالَهْ»
وَاسْتَدْعَى عَلِيُّ الدَّنْدَنُ الفَلَّاحَ، مُضِيفًا بُعْدًا إِنْسَانِيًّا وَعَاطِفِيًّا لِلبَذْلِ وَالِانْتِمَاءِ:
«سَيَفْنَى -لِيَبْقَى الحُبُّ- كُلُّ مُدَجَّجٍ
بِقَامَةِ لَيْلَاهُ، وَأَعْطَافِ خَوْلَتِهِ
إِذَا عَشِقُوا أُنْثَى.. تَطُولُ نَخِيلُهُمْ
فَلَا يَعْشَقُ الفَلَّاحُ مِنْ دُونِ نَخْلَتِهِ»
وَأَبْرَزَ إِيَادُ الحَكَمِيُّ الأَبْطَالَ الوَطَنِيِّينَ، مُجَسِّدًا الفَخْرَ بِالوَطَنِ وَالِارْتِبَاطَ بِالمَاضِي المَجِيدِ:
«هُنَا مَشَى مَلَأٌ أَعْلَى أَمَارَتُهُمْ
قَالُوا فَلَمْ يَذَرُوا مَاتُوا فَمَا اندَثَرُوا
هُمْ قَدْ أَحَاطُوا بِكُنْهِ الطِّينِ هُمْ عَرَفُوا
مَعْنَى جَلَالَتِهِمْ إِذْ إِنَّهُمْ بَشَرُ»
وَاسْتَدْعَى حَسَنُ طَوَاشِي المَارِقِينَ، مُجَسِّدًا التَّهْدِيدَ الفِكْرِيَّ وَالعَدَاءَ لِلوَطَنِ:
«الحِقْدُ يَغْزُو بِقَيْحِ الفِكْرِ شُرْفَتَنَا
وَالمَارِقُونَ عَلَى أَفْكَارِهِمْ حَبِلُوا
أَغْبَى البَرَايَا أُنَاسٌ يَدْفَعُونَ إِلَى
أَعْدَائِهِمْ تُرْبَةَ الفِرْدَوْسِ إِنْ بَخِلُوا»
وأخيرًا جَسَّدَ حيدر العَبْدُاللهِ صِرَاعَ الحُبِّ وَالخَطِيئَةِ الإِنْسَانِيَّةِ بَيْنَ هَابِيلَ وَقَابِيلَ:
«فِكْرَةُ الحُبِّ الَّتِي أَبْدَعَهَا
قَلْبُ هَابِيلَ، حَرَسْنَاهَا هُنَا لَهْ!
فِي دِمَانَا وَطَنُ الكُلِّ الَّذِي
لَمْ وَلَنْ يَرْضَى لِقَابِيلَ اخْتِزَالَهْ»
الـرَّكِيـزَةُ الثَّانِيَةُ:
الأَمَاكِنُ فِي الثَّرَاءِ التُّرَاثِيِّ:
اسْتَحْضَرَ حَيْدَرُ جَوَادُ العَبْدُاللهِ مَنَاطِقَ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، مُجَسِّدًا سِحْرَ الأَرْضِ وَبَهْجَةَ المَكَانِ، مُسْتَدْعِيًا الأُفُقَ وَالجَنُوبَ وَالشَّمَالَ، وَمُجَسِّدًا المُوسِيقَى وَاللَّوْنَ وَالإِبْدَاعَ فِي الطَّبِيعَةِ:
«مِنْ خَلِيجِ اللُّؤْلُؤِ الغَضِّ إِلَى
أَحْمَرِ المَرْجَانِ هُدْبٌ وَاكْتِحَالَةْ
وَكَأَنَّ الأُفُقَ عُرْسٌ، فَابْتَهِجْ
يَا جَنُوبَ الحُبِّ، وَافْرَحْ يَا شَمَالَهْ
أَلْهِمِينَا يَا حِجَازَ اللهِ، يَا
هَجَرَ النَّخْلَةِ، يَا نَجْدَ الغَزَالَةْ
مِنْ لَذِيذِ اللَّحْنِ (مُوسِيقَى)، مِنَ الـ
ـلَّوْنِ سِحْرًا، وَمِنَ الإِبْدَاعِ حَالَةْ»
واستَدْعَى نَاجِي حَرَابَةُ مَكَّةَ وَزَمْزَمَ وَالكَعْبَةَ وَحَجَرَ إِسْمَاعِيلَ، مُضِيفًا بُعْدًا مُقَدَّسًا لِلأَمَاكِنِ، وَمُجَسِّدًا سُمُوَّهَا الرُّوحِيَّ وَمَوْرُوثَهَا الشِّعْرِيَّ:
«تَفِيضُ عَلَى جَنْبَيْكَ مِنْ (زَمْزَمِ) التُّقَى
جَدَاوِلُ مِنْ قَلْبٍ (بِمَكَّةَ) أُتْرِعَا
لِقَامَتِكَ الفَرْعَاءِ هَامٌ مُقَدَّسٌ
تَخُرُّ لَهُ الهَامَاتُ هَيْمَا وَخُشَّعَا
فَتَاجُكَ - شَاءَ اللهُ - أَضْلَاعُ (كَعبَةٍ)
وَبِـ(الحَجَرِ) الأَسْنَى اسْتَطَالَ مُرَصَّعَا»
واستَرْسَلَ نَاجِي حَرَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا غَارَ حِرَاءٍ، مَرْكَزَ الوَحْيِ وَالإِلْهَامِ، لِيُجَسِّدَ البِدَايَةَ الرُّوحِيَّةَ لِلرِّسَالَةِ الثَّقَافِيَّةِ:
«هُنَا ذَاتَ وَحْيٍ فَوْقَ ثَغْرِ (حِرَائِنَا)
تَفَتَّقَ آيٌ فَجَّرَ الحَرْفَ مَنْبَعَا
سَقَى وَطَنِيْ مَاءَ الهُدَى صَافِيًا فَمَا
عَلَا سَعَفٌ فَوْقَ النَّخِيلِ سِوَى دُعَا»
واستَدْعَى عَلِي الدَّنْدَنْ ذِي قَارٍ، مُوَثِّقًا حُضُورَ المَكَانِ فِي الشِّعْرِ وَرَابِطًا إِيَّاهُ بِالصَّحَارَى وَالحُقُولِ:
«خُـزَامَى حُقُولِ الشِّعْرِ طَعْمُ شِفَاهِهِ
تَوَدُّ الصَّحَارَى لَوْ تَفُوزُ بِقُبْلَتِهِ
يَسِيرُ.. ضُلُوعُ الرَّمْلِ تَحْرُسُ خَطْوَهُ
وَأَصْدَاءُ (ذِي قَارٍ) تَرُنُّ بِرُكْبَتِهِ»
وَذَكَرَ حَسَنُ طَوَاشِي وَادِي عَبْقَرٍ، مُجَسِّدًا جَمَالَ المَشْهَدِ وَرَابِطًا إِيَّاهُ بِالذَّاكِرَةِ المُوسِيقِيَّةِ وَالشِّعْرِيَّةِ:
«أَدِرْ بِطَرْفِكَ تُبْصِرْ هَالَتَيْ قَمَرٍ
وَعَبْقَرًا مِنْ مَرَايَا الضَّوْءِ يُخْتَزَلُ
فَاقْبِضْ مِنَ الرَّمْلِ أَنْغَامًا وَذَاكِرَةً
مِمَّنْ عَلَى الصَّخْرَةِ الأَبْهَى رُؤًى نُسِلُوا»
وختامًا استَحْضَرَ نَاجِي حَرَابَةُ أَيْضًا وَادِي عَبْقَرٍ، مُؤَكِّدًا رَمْزِيَّةَ المَكَانِ فِي الشِّعْرِ وَصُوَرِ الخَيَالِ:
«هُوَ الشِّعْرُ نَبْعُ البِيدِ، رَاحِلَةُ الهَوَى
كِنَانَةُ صَدْرٍ، (عَبْقَرٌ)، رَاحَتَا دُعَا»
الـرَّكِيـزَةُ الثَّالِثَةُ:
سُوقُ عُكَاظَ
يُعَدُّ سُوقُ عُكَاظَ مِنْ أَبْرَزِ مَعَالِمِ التُّرَاثِ العَرَبِيِّ قَبْلَ الإِسْلَامِ؛ فَقَدْ كَانَ مُلْتَقًى لِلتِّجَارَةِ وَالسِّيَاسَةِ، وَلَكِنَّ الشِّعْرَ تَصَدَّرَ مَشْهَدَهُ، فَصَارَ رَمْزًا لِلهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ وَذَاكِرَةً لِلإِبْدَاعِ.
عُرِفَ عُكَاظُ بِكَوْنِهِ حَاضِنَةً لِلمُعَلَّقَاتِ، وَمِنْبَرًا لِـالنَّابِغَةِ وَزُهَيْرٍ وَعَنْتَرَةَ، وَمَوْطِنًا لِلْخُطَبِ الحَكِيمَةِ كَخُطَبِ قِسِّ الإِيَادِيِّ.
وَجُغْرَافِيًّا، ارْتَبَطَ عُكَاظُ بِـالطَّائِفِ، فَغَدَا المَكَانَانِ مَعًا شَاهِدَيْنِ عَلَى تَمَازُجِ المَكَانِ وَالطَّبِيعَةِ وَالشِّعْرِ، كَمَا ارْتَبَطَتْ بِهِ رُمُوزٌ مِثْلُ الخَيْمَةِ الحَمْرَاءِ (مَوْضِعِ التَّحْكِيمِ الشِّعْرِيِّ).
اسْتَحْضَرَ حَسَنُ طَوَاشِي (الطَّائِفَ)، مُجَسِّدًا خُصُوبَةَ المَكَانِ وَطَعْمَهُ الشِّعْرِيَّ، وَمُظْهِرًا انْسِجَامَ الطَّبِيعَةِ مَعَ الإِبْدَاعِ:
«هَا طَائِفَ الشِّعْرِ قَلْبِي تَاجُ سَوْسَنَةٍ
لِلنَّحْلِ يُرْشَفُ مِنْ أَعْمَاقِهِ العَسَلُ
نَمَا القَرِيْضُ عَلَى إِكْلِيلِهِ كَحِلاً
فَجَاءَ يَهْمِسُ مَا أَوْحَى بِهِ الكُحْلُ»
وَاسْتَدْعَى إِيَادُ الحَكَمِيُّ (الطَّائِفَ)، مُبْرِزًا دَوْرَهُ فِي الإِلْهَامِ الشِّعْرِيِّ وَالحُضُورِ الثَّقَافِيِّ:
«أَوْ أَنَّهُ الطَّائِفُ الغَرْبِيُّ مُبْتَدِرًا
أُخْرَى الجِهَاتِ، وَلَا يَنْفَكُّ يَبْتَدِرُ»
وَقَدْ أَبْرَزَ حَيْدَرُ العَبْدُاللهِ شَخْصِيَّةَ قِسِّ الإِيَادِيِّ، خَطِيبِ العَرَبِ فِي عُكَاظَ، رَابِطًا بَيْنَ التَّجْدِيدِ الفَنِّيِّ وَالأَصَالَةِ التُّرَاثِيَّةِ:
«يَا عُكَاظَ الفَنِّ، أَشْرِبْنَا مِنَ الـ
ـفَنِّ تَجْدِيدًا، وَأَطْعِمْنَا أَصَالَةْ
لَمْ يَزَلْ (قِسُّ الإِيَادِيِّ) هُنَا،
طَيْفُهُ يَكْشِفُ لِلرِّيحِ سِلَالَةْ»
وَاسْتَدْعَى نَاجِي حَرَابَةُ (عُكَاظَ) مَقْرُونًا بِـالخَيْمَةِ الحَمْرَاءِ وَجَبَلِ المُشَقَّرِ بِالأَحْسَاءِ، كَاشِفًا عَنْ تَارِيخٍ مُشْبَعٍ بِالشِّعْرِ وَالبُطُولَاتِ:
«هُنَا الشِّعْرُ إِنْ أَوْرَتْ (عُكَاظٌ) نُجُومَهُ
يَتِيْهُ مَسَاءٌ فِي (المُشَقَّرِ) شَعْشَعَا
وَمَا (الخَيْمَةُ الحَمْرَاءُ) فِي أُفْقِ دَارِنَا
سِوَى هَزَجِ التَّارِيخِ بَاحَ فَأَسْمَعَا»
وَأَعَادَ إِيَادُ الحَكَمِيُّ إِلَى عُكَاظَ بَهَاءَهُ، مُسْتَحْضِرًا صُوَرَ النَّشْوَةِ وَالخَصْبِ وَالتَّجَدُّدِ، وَكَأَنَّهُ خَمْرَةٌ ثَقَافِيَّةٌ تُسْكِرُ وَتُنْعِشُ:
«أَدِرْ عُكَاظَكَ نَثْمَلْ قَدْرَ شَاهِقَةٍ
تُرَاقِصُ الغَيْمَةَ الأَشْهَى وَتَعْتَصِرُ
مِمَّا رَحِيلِكَ أَنْفَاسٌ لَنَا هُزِمَتْ
أَمَا وَقَدْ عُدْتَ، فَالأَنْفَاسُ وَالظَّفَرُ»
وَأخيرًا غَاصَ عَلِي الدَّنْدَنْ فِي ذَاكِرَةِ عُكَاظَ الشِّعْرِيَّةِ لِيَسْتَدْعِي رُمُوزَهَا الكُبْرَى:
«أَرَى فِي عُكَاظِ البَدْءِ “نَابِغَةَ” الَّذِي
أَحَالَ رُمُوشَ الحَرْفِ سَقْفًا لِخَيْمَتِهِ
إِذَا مَسَّتِ الرُّؤْيَا “زُهَيْرًا” بِبُؤْسِهَا
وَرَاءَ تُخُومِ النَّفْسِ يَخْلُو بِحِكْمَتِهِ
وَبَانَتْ سُعَادُ الرُّوحِ عَنْ عَيْنِ “كَعْبِهَا”
فَدَانَتْ سُعَادُ الشِّعْرِ فِي نَسْجِ بُرْدَتِهِ
وَ”عَنْتَرَةٌ” لَمْ يَحْتَكِرْ قَطُّ حُبَّهُ
فَعَبْلَةُ مُلْكُ الأَرْضِ.. لَيْسَتْ بِعَبْلَتِهِ
أَرَى “مَالِكَ ابْنَ الرَّيْبِ” يَصْقُلُ حَرْفَهُ
لِيَصْطَادَ عِنْدَ المَوْتِ ظَبْيَةَ مَوْتَتِهِ»
الخاتمة:
يَكْشِفُ التَّأَمُّلُ فِي نُصُوصِ شُعَرَاءِ شَبَابِ عُكَاظَ أَنَّ التُّرَاثَ لَيْسَ مَجَرَّدَ ذَاكِرَةٍ مَاضِيَةٍ، بَلْ كِيَانٌ مُتَجَدِّدٌ يَتَشَكَّلُ فِي الشِّعْرِ كَوَعْيٍ وَجَمَالٍ وَهُوِيَّةٍ.
فَالشَّخْصِيَّاتُ المَاضِيَةُ تَتَجَدَّدُ فِي الرُّمُوزِ، وَالأَمَاكِنُ التُّرَاثِيَّةُ تَسْتَعِيدُ صَوْتَهَا فِي الوَطَنِ، وَسُوقُ عُكَاظَ يَعُودُ كَمِسَاحَةٍ لِلتَّجَاوُزِ وَالإِبْدَاعِ.
وهكذا تُؤَكِّدُ التَّجَارِبُ الشِّعْرِيَّةُ الشَّابَّةُ أَنَّ الثَّرَاءَ التُّرَاثِيَّ فِي شِعْرِ عُكَاظَ لَيْسَ رُجُوعًا إِلَى المَاضِي، بَلْ انْبِعَاثٌ جَدِيدٌ لِلْمَعْنَى وَالذَّاكِرَةِ فِي لُغَةٍ تُجَدِّدُ التُّرَاثَ وَتُؤَصِّلُ الحَاضِرَ.
جديد الموقع
- 2025-11-16 افراح البطيان والبحراني بالهفوف
- 2025-11-16 الاستشارية الدكتورة سارة الريفي : نسب الشفاء من سرطان الثدي قد تصل إلى 99% عند التشخيص المبكر
- 2025-11-16 القراءة في رواية متعب وأمشي
- 2025-11-16 القراءة في كتاب تقنيات الخيال العلمي
- 2025-11-16 بيني وبين المعتزلة والأشاعرة
- 2025-11-16 الملا يدشن مشروع كساء بمركز بر حي الملك فهد
- 2025-11-16 الدوبامين يجعل الناس أطول صبرًا وأقل اندفاعيةً وأقوى على مقاومة الإغراءات الآنية
- 2025-11-15 الحربي هنأ القيادة على الإنجاز المشرف يعانق فضية التضامن الإسلامي
- 2025-11-15 جنا معشي تتألق بالذهبية في SGiE 2025 بنظام ذكي لمعالجة المياه الرمادية
- 2025-11-15 ٥ مواهب قدساوية ضمن قائمة أخضر الشابات تحت ٢٠ عام