2024/08/03 | 0 | 1666
السهلة الأدبي: كتاب (أبوالشهداء الحسين بن علي)، لعباس محمود العقاد... في سلسلة مراجعة الكتب.
أقام نادي السهلة الأدبي عبر منصة هاوي فعالية "قراءة في كتاب"، وفي هذا الشهر اختير كتاب (أبوالشهداء الحسين بن علي) لعباس محمود العقاد، وذلك مساء الخميس ليلة الجمعة، بتاريخ 26 محرم 1446هـ/ 1 أغسطس 2024م، وانعقد اللقاء 8:30م-9:45م، في المزرعة الفائزية.
استهل مقدم الندوة أ. حسن الربيح، بقوله: "ها نحن الليلة نقدِّم قراءة تحليليّة نقديّة حول كتاب تاريخي، وحين نصفه بالتاريخي، فإننا أمام طرق شائكة فالتاريخ أحداث وشخصيات ومرويّات تُنقَل في صيغ عدَّة فيتلقَّاها اللاحق عن السابق، ويقرؤها إمَّا محمَّلًا بإرثه الخاص، أو محقِّقًا يحاول أن يبحث عن الحقيقة. وما بين التاريخ وقراءته تتداخل سياقات عديدة في تكوينه فتتشوَّه الحقائق وتضيع القيم، ولا ينجو من هذا الالتباس إلا الباحثُ الحر الذي يرى بهدوء، ويتحرك بتُؤَدَةٍ في أدغال التاريخ، الباحث الذي يدخل إلى التاريخ عاريًا من ثياب إرثه، يخلص إلى نتائج لم تخطر في باله قبل أن يبدأ، تلك هي الكتابة المعضلة. وإذا كان التاريخ في جانبه المدوَّن يشكّل صدمةً لمن يتنقل في صفحاته، فإن الجانب غير المدوَّن يفتح المخيلة على أبعاد لا تنتهي من الصراعات والحقائق المؤلمة".
ومما جاء في الورقة التي أعدها أ. جابر الخلف:
والتزاما بعنوان الفعالية ستكون مقاربتنا للكتاب مقاربة نقدية.. غير أننا سنعبر -جميعا- إلى ذلك من خلال تقديم الكتاب أولا.. ثم تناول إشكاليته ثانيا.. ثم المدونة التي يشتغل بها الكتاب ثالثا.. ثم الحصيلة المنهجية والمعرفية من قراءته رابعا.. ثم النقود الموجه إلى الكتاب أخيرا.. وبذلك نتيقنُ أننا أنصفنا الكاتب والكتاب.
وجاء في الورقة:
بلغ ما حرره العقاد في مجال التراجم والسير قرابة أربعين كتابا، فقد كتب حول الأنبياء والمصلحين وعظماء الأديان، مثلما كتب حول الشعراء والفلاسفة والقادة والسّاسة. وفي هذه التراجم والسير لا يحفل العقاد بتقديم سيرة مفصلة للمترجم له، وإنما يحاول أن يقدم لنا لمحة من صورته الإنسانية، وسماته النفسية، وطبائعه الشخصية، فهو يؤكد دائما على أنه لا يقدم تاريخا ولا يكتب ترجمة لمن يطلبون التاريخ والتراجم، ولا يفصل القول في أحداث العصر، ولكنه يقدم دراسة لأطواره، ودلائل على خصائص عظمته.
وبناء عليه فالعقاد لا يلتزم بمنهج السرد التاريخي في ترتيب أحداث التاريخ، ووقائع الحياة، وإنما هو أكثر التزامًا بالمنهج النفسي الذي يهتم بتحليل الجوانب النفسية والسلوكية للشخصية الإنسانية.
وقد ربط العقاد في كتابه (أبوالشهداء) بين تحليل التاريخ والشؤون النفسية، والطبائع الإنسانية؛ انطلاقا من آليات المنهج النفسي الذي ارتضاه العقاد منهجا نقديا في أكثر مؤلفاته، خصوصا التراجم والسير منها.. فكلما توغل القاريء في الكتاب استبانت له مفاهيم المنهج النفسي ومصطلحاته وآلياته، سواء في عناوين الكتاب الفرعية أم في طيّات الكتاب، من قبيل المزاج، والخَلِيقَة، والطبائع، والأريحية، والمنفعة، وأثر البيئة، ومفهوم الصراع، والتِّرات الموروثة.
يقول العقاد تحت عنوان طبائع الناس: "يتناوبُ طبائعَ النّاسِ مزاجانِ متقابلان: مِزاجٌ يعملُ أعمالَه للأريحيَّةِ والنَّخْوةِ، ومِزاجٌ يعملُ أعمالَه للمنفعةِ والغنيمة. والمزاجانِ لا ينفصلانِ كلَّ الانفصالِ، فقد تقترنُ الأريحيةُ بالمنفعةِ، وتقترنُ المنفعةُ بالأريحيةِ. ولكنهما إذا اصطدما -ولا سيّما في الأعمالِ الكبيرة - لم يعسرْ عليك أنْ تفصلَ المزاجينِ، وتعزلَ المعسكرين. فهذا للأريحيةِ حتّى يَجُبَّ المنفعةَ ويُخْفيَها، وهذا للمنفعةِ حتّى يَجُبَّ الأريحيّةَ ويُخْفيَها ... أو كذلك يتراءيان" (ص11)
فهذا التَّصنيفُ النَّفْسِيُّ الذي يَسْتهلُّ العقّادُ به الكتابَ يدخلُ في صميمِ إشكاليته التي يسعى بكلِّ ما أوتي من قوة التّحليل أن يبنيَ صورة الإمام الحسين (ع)، وصورة خصومه.
وقد بذل العقاد جهدا لافتا في تحليل الشخصيات وفق تتبع الجذور التاريخية للصراع بين الهاشميين والأمويين، وقد فصّل القول في الموازنة بين الحيين من قريش في نواحٍ نفسية شتى: في اختلاف الطبائع، واختلاف النشأة والعادة، واختلاف الخلقة الجسدية، ويرى أنها اختلافات صالحة لتفسير الفارق بين أبناء هاشم وأبناء عبدشمس.
وفي جانب النقود وجهت إلى كتاب (أبوالشهداء الحسين بن علي) نقود عدة، يمكن إيجازها في مجالين اثنين:
(أ) مع ما يتمتع به الكتاب من قيمة تحليلية فائقة إلا أنه لم يتحرَّ الدقة في نقل الأخبار، فقد كان يعتمد الأخبار التي لم تثبت، ولم تسلم من النقد في السردية التاريخية الحسينية. ولم يفت العقاد أن ينقد الأخبار المتعلقة بأخبار الميلاد إلا أنه لم يفعل ذلك فيما يتعلق بأخبار الاستشهاد.. ومن ذلك قوله: وروي عنه كثير من الأساطير التي تحيط بها الأمم تلك الشخوص الرمزية التي تعزها وتغليها، فتلتمس لها مولدا غير المولد المألوف والنشأة المعهودة وتلحقها أو توشك أن تلحقها بالخوارق والمعجزات (ص40).. إلا أنه لم ينقد الأخبار والأسانيد والنقولات التاريخية التي تتعلق بحادثة كربلاء المتصلة باستشهاده.
ومن النقود الموجه إلى الكتاب:
1-لم يولِ العقاد ذكر المصادر عنايته، وعلى القاريء أن يستظهرها بنفسه.
2-يكثر في أسلوب الكاتب الاعتماد على تمريض الفعل بالبناء للمجهول، واستعمال أسلوب الشرط في غير موضعه، مثل قوله: وكانت زينبُ هذه على ما قيل أشهر فتيات زمانها بالجمال (ص29). وقيل إن الحسين سمع بهذه المكيدة (ص29). فإن صحّت هذه القصة، وهي متواترة في تواريخ الثقات (ص30). وقيل إن هانئا عرض على مسلم (ص18). وقيل إن الذي عرض ذلك رجل من صحبة هانيء المقربين (ص18). ورويت الغرائب في اختبار حذقه بالفقه واللغة، كما رويت أمثال هذه الغرائب في امتحان قدرة أبيه (ص43). فقيل: إن أعرابيًّا دخل المسجد الحرام (ص43).
3-الاعتماد على نسبة القول، لا على تحقيقه، مثل قوله: حين قال -فيما نُسِب إليه- (ص48). ويُنسبُ إليه أنه قال (ص55). فإن لم تكن هذه الأبيات من لسانه، فهي ولا شك من لسان حاله (ص56).
4-وقد يلتفت العقاد إلى زعم المؤرخين، ولكنه لا يبالي في الاعتماد على هذا الزعم في التحليل، مثل قوله: ويزعم كثير من المؤرخين (ص59). وتضطرب الأقاويل في وقائع هذه الأيام لتلاحقها وكثرتها وكثرة رواتها والعاملين فيها (ص61).
5-اعتماد العقاد على كثرة الأخبار وشهرتها، وهو يدرك تماما أن كثرتها وشهرتها لا تغني من الحق شيئا، مثل قوله: كثرت روايات المؤرخين (ص17). وعلى ما اشتهر من الروايات (ص18).
6- نسبة الأشعار إلى الإمام الحسين، مع عدم التوثق من صحة النسبة، فمن غرائب ذلك في الكتاب قوله: وتواترت الروايات بقوله (الإمام الحسين) الشعر في أغراض الحكمة، وبعض المناسبات البيتية، ويورد هذه الأبيات:
اغنَ عن المخلوق بالخالق/ تغنَ عن الكاذب والصادق
واسترزقِ الرحمن من فضله/ فليس غيرُ الله من رازق
من ظنَّ أنَّ النَّاسَ يغنونه/ فليس بالرحمن بالواثقِ
ويورد بيتين في زوجته وابنته:
لعمرك إنني لأحب دارا/ تكون بها سكينةُ والربابُ
أحبهما وأبذل كلَّ مالي/ وليس لعاتب عندي عتابُ
ويعلق بقوله: هما – سواء صحت نسبتهما إليه أو لم تصح- معبران عن خلقه في بيته وبين أهله. إن تمريض العقاد العبارة بقوله (صحت أم لم تصح) تنفي دعوى التواتر أعلاه.
وقد تعقب الدكتور صالح بن سعد اللحيدان في كتابه (نقد آراء العلماء والمؤرخين ومروياتهم) ط 2019م. العقاد في عبقرياته وفي سيره وتراجمه، ومنها كتابه (أبوالشهداء)، فكتب (53) صفحة في نقد الكتاب من ناحية الأسانيد ونقل الأخبار. ومنها قوله: نجد المؤلف (العقاد) يتحدث ويقطع ويتفاعل كأنه يتحدث من خلال نص لم يرده راد، ولم ينهض له ناهض، ففي السند ما لم يسم، وفيه مجاهيل.. وهكذا يكون شأن كل من يحطب الآثار حطبا، ويجمعها جمعا، فيهوي بها؛ لتكون نارا كثيرة كبيرة.. والمقصود إن عدم تحقيق السند والتوثق منه يجعل الآثار منتشرة متكاثرة، فيسود بهذا جهل علاجه صعب، وبيانه يطول؛ لأن الناس قد رسخ في أذهانهم ما رسخ من الكذب والبطلان.
(ب) وقد وجهت بعض النقود إلى تطبيق العقاد للمنهج النفسي في تحليل الشخصيات التاريخية. إن التزام العقاد بالمنهج النفسي اقتضى منه التخلي عن "المنهج السّردي" في كتابة التراجم، فلذا خالف ترتيب وقائع الأحداث، بل أخذ يقدم ويؤخر في السيرة؛ تبعًا لمقتضيات المنهج الذي ارتضاه في التحليل. وقد وظف العقاد ثقافته الموسوعية والنفسية في عرض مختلف القضايا ومناقشتها، وربط الظواهر بأسبابها، واستخلاص النتائج التي ينتهي إليها؛ لتحديد ملامح صورة الشخصية التي يدرسها.
وقد أبدى العقاد نفسه ملاحظات نقدية في كتابه "أبو نواس: الحسن بن هانئ" على المنهج النفسي، خصوصا على الرائد المؤسس له، ومنها قوله:"وأولى الأقطاب النفسيين بالحذر من تعليلاته وتعميماته هو رائدهم الأول سيجموند فرويد، وإنما كان الأولى بالمحاذرة؛ لأنه الرائد الأول، وفيه إلى جانب فضائل الرواد كل عيوب الارتياد، ومنها الاقتحام، فالفضل الذي يشكر عليه فرويد لا نزاع فيه بين مؤيديه ومخالفيه، فقد دخل بالتحليل النفسي في دور جديد لم يسبق إليه، ولكنه وثب منه إلى تعليلات وتعميمات لا تستند إلى الوقائع والمعلومات، وقد تبطلها وتفندها جميع الوقائع والمعلومات؛ كدعواه الأخيرة عن إرادة الموت في الإنسان، وأنها إرادة كامنة فيه كإرادة الحياة".
فإن طريقة العقاد في التحليل النفسي ليست مأمونة من المزالق، فهو يستنتج من حادثة تاريخية، أو جزءا من عبارة (ربما لم تثبت) سمة إنسانية، أو طبيعة نفسية. كما أن الشخصية الإنسانية ليست وحدة ثابتة في جميع الظروف والأحوال، فالاكتفاء بالسمات البارزة، والخصائص الكبيرة والحوادث المختارة لا يكفل تصوير الشخصية من كل جوانبها.. ويضيف جابر قميحة في دراسته (عبقريات العقاد الإسلامية في عيون الناقدين): كان العقاد في العبقريات وغيرها من التراجم يعتمد -أحيانًا- على كلمة عابرة تصدر من الشخصية، أو على حدث واحد صغير، ويستخلص منه سمة من سماتها، وأحيانًا سمات ودلالات متعددة، فلو فرضنا أن هذا الحدث موضوع، لا مكان له على مسرح الواقع؛ لانهار كل ما رتبه عليه العقاد من سمات ودلالات.
ثم تلا الورقة جملة من المداخلات القيمة، تفضل بها كل من:
أبو محسن عبدالله الجاسم (المطيرفي).
د. علي البراهيم (الحليلة).
د. يحيى العبداللطيف (الهفوف).
أ. صالح العلي (الطرف).
أبو فراس محمد المهنا (الطرف).
د. يونس البدر (الهفوف).
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين