2009/09/18 | 3 | 6193
التوحيد في الرازقية في الصحيفة السجادية
نعم، إن هذا الإيمان يتجلى في الصحيفة السجادية المباركة، كيف لا وهي تتضمن تلك المفاهيم القرآنية، فإذا قلنا أن لب العقائد الإسلامية في القرآن الكريم فقد حوت تلك الصحيفة المفاهيم القرآنية التي تشرح عقائد القرآن وتبين مفاهيمه، لذا يتجلى هذا المفهوم العقدي بقوة في الصحيفة السجادية ليبين لنا أن خط الصحيفة هو خط القرآن، وأن مفاهيم القرآن في تلك الصحيفة، فالإيمان بالله، وبوحدانيته، وبوحدانيته في الرزق مفاهيم تتناولها الصحيفة السجادية لتعبر عن العقيدة الإمامية الصحيحة بما يتطابق مع القرآن.
ونحاول في هذه الدراسة تناول بعضٍ من هذه العقيدة كما تناولها إمام الساجدين وزين العابدين في صحيفته المباركة.
الحاجة في الرزق إلى الله فقط:
صاحب الحاجة في كل حاجة في الرزق وغيره هو الله، إنه رب الأرزاق ومسبب الأرزاق وموزع الأرزاق على عباده في كل وقت، بطلب منهم للرزق وبدون، لأن كرمه تعالى (لاَ يَضِيقُ عَنْ سُؤَال أحَد) وَأَنَّ يَدَه (بِالْعَطايا أَعْلَى مِنْ كُلِّ يَد) ولأنه كما يقول الإمام (أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحَّاجَةِ إلاّ إلَيْهِ) دعاء1، (لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ) التوبة:118، فهو (مُنْتَهَى مَطْلَبِ الْحَاجَاتِ، و... عِنْدَه نَيْلُ الطَّلِبَاتِ) فهو (لا يَبِيْعُ نِعَمَهُ بالاثْمَانِ، و... لا يُكَدِّرُ عَطَايَاهُ بِالامْتِنَانِ، ....ولاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ ) دعاء13، فطلب الحاجة منه و(مَنْ حَاوَلَ سَدَّ خَلَّتِهِ مِنْ عِنْدِكَ وَرَامَ صَرْفَ الْفَقْر عَنْ نَفْسِهِ بِكَ فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّها وَأَتَى طَلِبَتَهُ مِنْ وَجْهِهَا وَمَنْ تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَوْتَ الاِحْسَانِ ) دعاء13، فالحرمان نصيب الفرد إذن كما يقول الإمام لمن طلب حاجته من المخلوق، والمخلوق على إطلاقه أو حتى جعله سبباً لنيله من دون الله فـ (كَيْفَ يَسْأَلُ مُحْتَاجٌ مُحْتَاجـاً، وَأَنَّى يَرْغَبُ مُعْدِمٌ إلَى مُعْدِم؟!) والحال أن كل الخلق بما فيهم أفضلهم وأكرمهم عند الله محمد بن عبدالله (ص) محتاج إليه سبحانه، فالرغبة والرهبة لخالق الوجود (فَقَصَدْتُكَ يا إلهِي بِالرَّغْبَةِ، وَأَوْفَدْتُ عَلَيْكَ رَجَائِي بِالثِّقَةِ بِكَ، وَعَلِمْتُ أَنَّ كَثِيرَ مَا أَسْأَلُكَ يَسِيرٌ فِي وُجْدِكَ، وَأَنَّ خَطِيرَ مَا أَسْتَوْهِبُكَ حَقِيرٌ فِيْ وُسْعِكَ) دعاء13.
وإنما يكون الطلب من الله لأنه واجد الحاجات ومالكها وإنما يطلب الشيء من مالكه، فهو واهب العطايا وواهب الرازقين والمرزوقين، هو المتفرد بالعطاء، وغيره إنما هو وسيلة لذلك العطاء، والوسيلة هي من الله وبإرادة الله، إن شاء جعل الإنسان وسيلة لغيره وإن لم يشأ لم يكن، لذا فإن الإمام عليه السلام يقول (اللَّهُمَّ لاَ طَاقَةَ لِي بِالجَهْدِ، وَلاَ صَبْرَ لِي عَلَى البَلاَءِ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ، فَلاَ تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي، وَلاَ تَكِلْنِيْ إلَى خَلْقِكَ بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي، وَتَولَّ كِفَايَتِي، وَانْظُرْ إلَيَّ وَانْظُرْ لِي فِي جَمِيْعِ اُمُورِي، فَإنَّكَ إنْ وَكَلْتَنِي إلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا، وَلَمْ اُقِمْ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهَا، وَإنْ وَكَلْتَنِي إلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي، وَإنْ أَلْجَأتَنِيْ إلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي، وَإنْ أَعْطَوْا أَعْطَوْا قَلِيْلاً نَكِداً، وَمَنُّوا عَلَيَّ طَوِيلاً وَذَمُّوا كَثِيراً. فَبِفَضْلِكَ أللَّهُمَّ فَأَغْنِنِي، وَبِعَظَمَتِـكَ فَانْعَشنِي، وَبِسَعَتِكَ فَابْسُطْ يَدِي، وَبِمَا عِنْدَكَ فَاكْفِنِي ) دعاء22.
فالإمام يطلب من الله أن لا يكل رزقه إلى المخلوقين عن طريق الصدقات وغيرها، لأنهم لا يملكون الرزق لهم وإن كان الله جعل بعضهم وسيلة لإيصال الرزق، لأن بعضهم قد يعبس في وجهه وبعضهم قد يحرمه وإن أعطاه أعطاه قليلا ثم يمنّ عليه كثيراً.
ثم يبين الإمام أن طلب الحاجة إنما هو من الله الذي لا يحتاج للمخلوقين، وأن طلب المخلوق الرزق من مخلوق آخر إنما هو سفه من رأيه (وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأيِهِ وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ)، لماذا؟
لأنه كم من (اُناس طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا، وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ فَافْتَقَرُوا، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا، فَصحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ وَأَرْشَدَهُ إلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ بِاخْتِبَارِهِ).
فلا يوجد أحد يعطي شيئاً بدون مقابل مهما يكن فإنه يأخذ ثمنه بالكامل حتى لو كان تقيا، فإنه يرجو الثواب والأجر لأنه مهما كان محتاج، والله فقط هو الذي لا يحتاج لأحد وهو الذي يعطي ولا يأخذ لأنه هو الغني عن كل شيء وإليه تفتقر كل المخلوقات. فلذا قال الإمام (فَأَنْتَ يَا مَوْلايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُول مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوب إلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي) دعاء28، ولو حظر الله الرزق عن عبده لم يجد سبيلاً للحصول على مراده من دون الله، كما يقول الإمام (اللَّهُمَّ إنَّكَ إنْ صَرَفْتَ عَنِّي وَجْهَكَ الْكَرِيْمَ، أَوْ مَنَعْتَنِي فَضْلَكَ الْجَسِيمَ، أَوْ حَظَرْتَ عَلَيَّ رِزْقَكَ أَوْ قَطَعْتَ عَنِّي سَبَبَـكَ لَمْ أَجِدِ السَّبِيـلَ إلَى شَيْء مِنْ أَمَلِي غَيْرَكَ، وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَا عِنْدَكَ بِمَعُونَةِ سِوَاكَ) دعاء21، فليس من أحدٍ سواك من الكائنات يملك شيئاً حتى نرفع إليه الحاجات! أبداً أنت وحدك (الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي لاَ يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي) فالرجاء والطلب إنما هو من الله فقط حتى الأنبياء والأولياء لا يرجى منهم شيء ولا يطلب منهم شيء ، إنما نقدمهم في طلبنا الله ليقبل طلبنا ويستجيب لنا لما لهم من المكانة والمنزلة عنده وكل ذلك بعد تحقق كل شروط الطلب.
وهل نستطيع أن نعيش في ملك الله سبحانه دون أن نستفيد من رزقه، كلا لا نستطيع ذلك، وإنما يمكننا أن نعيش بدون عطايا المخلوقين والمرزوقين، لأنهم لا يملكون منع أرزاقنا وإن لم يساعدوننا لكن الله يستطيع أن يمنع رزقنا ويستطيع أن يرزقنا وإن منعنا الناس (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) ﴿الملك: ٢١﴾ لذا فإننا لا نستطيع أن نعيش بدون رزق الله كما يقول الإمام (أَوْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْكَ مَنْ لاَ حَياةَ لَهُ إلاَّ بِرِزْقِكَ؟) دعاء52، وعليه نقول إن الله سبحانه وحده مالك الملك، وهو وحده القادر على كل شيء، وإليه يرجع الأمر كله، فالحاجات ملكاً وطلباً إنما هي من الله وحده دون غيره فهو مالك الحاجات وواهبها للمخلوقين متى شاء (لَئِنْ شَكَـرْتُمْ لازِيدَنَّكمْ وَلَئِنْ كَفَـرْتُمْ إنَّ عَذابِيْ لَشَدِيدٌ) إبراهيم:7.
وقد برزت هذه العقيدة – التوحيد في الرازقية – في كلمات الإمام في صحيفته المباركة تحت عنواين متعددة نتناولها كالتالي:
أ-توزيع الرزق من قبل الله:
يقرر الإمام في أدعيته المباركة أن الله قسم الأرزاق بين عباده، وأن لكل إنسان رزقاً معلوماً (وَجَعَلَ لِكُلِّ رُوْح مِنْهُمْ قُوتَاً مَعْلُوماً مَقْسُوماً مِنْ رِزْقِهِ لاَ يَنْقُصُ مَنْ زادَهُ نَاقِصٌ، وَلاَ يَزِيدُ مَنْ نَقَصَ منْهُمْ زَائِدٌ) دعاء1.
وبين الإمام أن رزق كل مخلوق من عند الله، كما قال تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) ﴿النحل: ٥٣﴾ وقال (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) ﴿الحجر:٢١﴾، بقدر معلوم كما يقول رب العزة والجلالة لأن الله تكفل برزق المخلوقات جميعا (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) ﴿هود: ٦﴾
وقد قسم الله الأرزاق بين الناس وأعطى كل إنسان ما يستحق (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ﴿الزخرف: ٣٢﴾ وأن ذلك التقسيم بين العباد بالعدل بينهم كما يقول الإمام (شَهِدْتُ أَنَّ اللهَ قَسَمَ مَعَايِشَ عِبَادِهِ بِالْعَدْلِ ) دعاء35، قال تعالى (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) ﴿طه: ٥٠﴾
فلا نقصان في الرزق ولا زيادة (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ﴿آل عمران : ٣٧﴾ وقد حثنا ربنا بقوله ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ﴿الملك : ١٥﴾.
لذلك كله يحثنا الإمام ويعلمنا كما في أدعيته الشريفة أن نطلب الرزق من الرازق الوحيد وهو الله (وَأَجرى عَلَيْنَا طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ ) دعاء1 (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) البقرة:172، وقال عليه السلام (يا غَنِيَّ الاغْنياء، هَا نَحَنُ عِبادُكَ، وَأَنَا أَفْقَراء إليْكَ فَأجْبُرْ فاقَتَنا بِوُسْعِكَ، ولاتَقْطَعَ رَجَاءنا بِمَنْعِكَ فَتَكُوْنَ قد أَشْقَيْتَ مَنِ اسْتَسْعَدَ بِكَ، وَجَرَمْتَ مَنِ آسْتَرْفَدَ فَضْلَكَ) دعاء10، فإن الله غني عن كل شيء وكل شيء لا يستغني عنه فأنت يا غني الأغنياء يسر لنا طريق الرزق والهداية بتوفيقك (وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) ﴿الكهف: ١٠﴾ . وقال عليه السلام (وَأَغْنِنَا إذْ طَرَحْنَـا أَنْفُسَنَا بَيْنَ يَـدَيْكَ) دعاء10، فإننا يا رب ندعوك فأغننا من فضلك إذا دعوناك ونحن نعلم أنك (الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ﴿الذاريات: ٥٨﴾ وقال عليه السلام (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ الاكْتِسَابِ، وَارْزُقْنِي مِنْ غَيْرِ احْتِسَاب، فَلاَ أَشْتَغِلَ عَنْ عِبَادَتِكَ بِالطَّلَبِ وَلا أَحْتَمِلَ إصْرَ تَبِعَاتِ الْمَكْسَبِ)دعاء20، أي يا رب سهل عليّ طريق العمل لاكتساب رزقك واجعل ذلك بغير حساب كما قال تعالى (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ﴿الطلاق: ٣﴾
وقال عليه السلام (وَاجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ الامْلاَقِ، وَسُقْ إلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ وَخِصْبَ سَعَةِ الارْزَاقِ) دعاء42 أي اجبر حاجتنا بالقرآن من الفقر، ووسع علينا في الرزق، وقال عليه السلام (وَأَتَضَـرَّعُ إلَيْكَ فِي أَنْ تُسَهِّلَ إلَى رِزْقِي سَبِيلاً) (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ﴿العنكبوت: ١٧﴾ أي سهل لي طريق الرزق يا الله، ثم يكمل الإمام ليقول (....وَسَهِّلْ عَلَيَّ رِزْقِي وَأَنْ تُقَنِّعَنِي بِتَقْدِيرِكَ لِيْ، وَأَنْ تُرْضِيَنِي بِحِصَّتِيْ فِيمَا قَسَمْتَ لِيْ، وَأَنْ تَجْعَـلَ مَـا ذَهَبَ مِنْ جِسْمِيْ وَعُمُرِيْ فِي سَبِيْلِ طَاعَتِكَ إنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) دعاء32
ويقول عليه السلام في دعاء 25 (وَاجْعَلْنِي فِي جَمِيعِ ذلِكَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بِسُؤَالِي إيَّـاكَ، الْمُنْجِحِينَ بِالـطَّلَبِ إلَيْـكَ، غَيْـرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، الْمُعَوَّدِينَ بِالتَّعَوُّذِ بِكَ، الرَّابِحِينَ فِي التِّجَارَةِ عَلَيْـكَ، الْمُجَارِيْنَ بِعِـزِّكَ، الْمُـوَسَّـعِ عَلَيْهِمُ الـرِّزْقُ الْحَـلاَلُ مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، الْمُعَزِّينَ مِنَ الذُّلِّ بِكَ، وَالْمُجَارِينَ مِن الظُّلْمِ بِعَدْلِكَ، وَالْمُعَافَيْنَ مِنَ الْبَلاءِ بِرَحْمَتِكَ، وَالْمُغْنَيْنَ مِنَ الْفَقْرِ بِغِنَاكَ).
نعم إن الله هو من (غَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ، وَأقْنانَا بِمَنِّهِ) دعاء1 (هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ) ﴿النجم: ٤٨﴾ وهو الذي رزقه مبسوط للجميع حتى لمن عصاه كما يقول عليه السلام (رِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ) دعاء46 (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ﴿العنكبوت: ٦٢﴾ وهو أهل الغنى عن الناس وهم أهل الفقر (تَمَدَّحْتَ بِالْغَنَاءِ عَنْ خَلْقِكَ وَأَنْتَ أَهْلُ الْغِنَى عَنْهُمْ، وَنَسَبْتَهُمْ إلَى الفَقْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْفَقْرِ إلَيْكَ ) دعاء13.
لذا يا الله فإننا ندعوك لأنك الغني الذي يفتقر إليه كل شيء، وأنت أهل الغنى، وأنت من تغني وإنما نطلب الغنى منك (فَإنَّ الغَنِيَّ مَنْ أَغْنَيْتَ) دعاء36.
ب-تسخير الأشياء لرزق المخلوقات:
لقد خلقنا الله وحده ورزقنا وحده (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ﴿الروم: ٤٠﴾ وسخر أشياء متعددة لتسهيل الرزق علينا ولنا، فالله قادر على أن يرزق المخلوق بدون سبب كما يرزقه بسبب لذا فإن الإمام عليه السلام يعلمنا أن نطلب من الله أن يسخر الأشياء لرزقنا كما يقول (اللَّهُمَّ يسِّرْ عَلَى الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ مَؤُونَتَنَا) دعاء6.
كما أن الله خلق النهار ليبتغي الإنسان رزقه فيه كما يقول الإمام (وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الاجِلِ فِيْ اُخْراهُمْ) دعاء6، كما قال تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ) ﴿الإسراء: ١٢﴾.
كما أن الإمام يبين لنا في دعاء كامل كيف يكون الغيث سبباً في رزقنا لذا فإنه يطلب الغيث من الله ليكون ذلك طريقاً إلى الرزق المتعدد كما في دعائه عند الاستسقاءِ بعد الجدب:
(أللَّهُمَّ اسْقِنَـا الْغَيْثَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَـا رَحْمَتَـكَ بِغَيْثِكَ الْمُغْدِقِ مِنَ الْسَّحَابِ الْمُنْسَـاقِ لِنَبَاتِ أَرْضِـكَ الْمُونِقِ فِي جَمِيـعِ الافَاقِ، وَامْنُنْ عَلَى عِبَادِكَ بِإينَاعِ الثَّمَرَةِ، وأَحْيِ بِلاَدَكَ بِبُلُوغِ الزَّهَرَةِ. وَأَشْهِدْ مَلائِكَتَكَ الْكِرَامَ السَّفَرَةَ بِسَقْي مِنْكَ نَافِع دَائِم غُزْرُهُ وَاسِعٌ دِرَرُهُ وَابِل سَرِيع عَاجِل تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَات، وَتَرُدُّ بهِ مَا قَدْ فَاتَ، وَتُخْرِجُ بِهِ مَا هُوَ آت، وَتُوَسِّعُ بِهِ فِي الاَقْوَاتِ، سَحَاباً مُتَرَاكِماً هَنِيئاً مَرِيئاً طَبَقاً مُجَلْجَلاً غَيْرَ مُلِثٍّ وَدْقُهُ، وَلاَ خُلَّب بَرْقُهُ. أللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مَغيثَاً مَرِيعاً مُمْرِعاً عَرِيْضَاً، وَاسِعاً غَزِيراً تَرُدُّ بِهِ النَّهِيضَ وَتَجْبُرُ بِهِ الْمَهِيضَ. أللَّهُمَّ اسْقِنَا سَقْياً تُسِيلُ مِنْهُ الظِّرابَ، وَتَمْلا مِنْهُ الْجِبَابَ، وَتُفَجِّرُ بِهِ الانْهَارَ، وَتُنْبِتُ بِـهِ الاشْجَارَ وَتُرْخِصُ بِهِ الاسْعَارَ فِي جَمِيع الامْصَارِ، وَتَنْعَشُ بِهِ البَهَائِمَ وَالْخَلْقَ، وَتُكْمِلُ لَنَا بِهِ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَتُنْبِتُ لَنَا بِهِ الزَّرْعَ، وَتُدِرُّ بِهِ الضَّرْعَ، وَتَزِيدُنَا بِهِ قُوَّةً إلَى قُوَّتِنَا. أللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ظِلَّهُ عَلَيْنَا سَمُوماً وَلاَ تَجْعَلْ بَرْدَهُ عَلَيْنَا حُسُوماً، وَلاَ تَجْعَلْ صَوْبَهُ عَلَيْنَا رُجُوماً، وَلا تَجْعَلْ مَاءَهُ عَلَيْنَا اُجَاجـاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ).
وقال عليه السلام (وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالاِفْضَـالِ، وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ) دعاء26.
كما قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) ﴿الشورى: ٢٨﴾
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) ﴿البقرة: ٢٢﴾
(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) ﴿يونس:٣١﴾
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ) ﴿غافر: ١٣﴾
وكما الغيث سبب لأرزاقنا، كذلك الأم ونحن في رحمها سبب لرزقنا كما يقول الإمام (بِالْحُجُبِ تُصَرِّفُنِي حَالاًَ عَنْ حَال حَتَّى انْتَهَيْتَ بِيْ إلَى تَمَامِ الصُّورَةِ وَأَثْبَتَّ فِيَّ الْجَوَارحَ كَمَا نَعَتَّ فِي كِتَابِكَ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَاماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأتَنِي خَلْقَاً آخَرَ كَمَا شِئْتَ، حَتَّى إذَا احْتَجْتُ إلَى رِزْقِكَ، وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِيَـاثِ فَضْلِكَ جَعَلْتَ لِي قُـوتـاً مِنْ فَضْلِ طَعَام وَشَرَاب أَجْرَيْتَهُ لاِمَتِكَ الَّتِيْ أَسْكَنْتَنِي جَوْفَهَا وَأَوْدَعْتَنِي قَرَارَ رَحِمِهَا، وَلَوْ تَكِلُنِي يَا رَبِّ فِي تِلْكَ الْحَـالاتِ إلَى حَوْلِي، أَوْ تَضْطَرُّنِي إلَى قُوّتي لَكَانَ الْحَوْلُ عَنِّي مُعْتَزِلاً، وَلَكَانَتِ الْقُوَّةُ مِنِّي بَعِيدَةً، فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِذَاءَ البَرِّ اللَّطِيفِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ بِي تَطَوُّلاً عَلَيَّ إلَى غَايَتِي هَذِهِ، لاَ أَعْدَمُ بِرَّكَ وَلاَ يُبْطِئُ بِي حُسْنُ صَنِيعِكَ ) دعاء32.
كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ﴿الحج: ٥﴾.
ويؤكد الإمام عليه السلام في دعائه طلب الغنى منه والكفاف عن الناس ليكون العبد أحوج ما يحتاج إلى الله، لا يحتاج إلى غيره، بل كل تفكيره في الله (وَأَغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي، وَزِدْنِي إلَيْكَ فَاقَةً وَفَقْراً) دعاء46.
ج-المحافظة على الرزق:
من هو المعطي؟ ومن هو المحافظ على هذا العطاء؟ ومن هو الذي ينمي هذا العطاء؟
الجواب على ذلك كله: هو الله وحده . وقد تحدث الإمام في أدعيته المباركة عن ذلك في عدة مواضع كما في قوله عليه السلام (وَامْنَعْنِي مِنَ السَّـرَفِ وَحَصِّنْ رِزْقِي مِنَ التَّلَفِ) كما قال تعالى (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ﴿الأنعام: ١٤١﴾. فإن الفرد قد يبذر ويسرف في رزق الله لذا فإن الإمام يدعو الله ويعلمنا أن ندعوه كذلك بأن يبعدنا عن الإسراف والتبذير ويدعونا إلى استخدام رزقه فيما ينفع ويبعدنا عما يضر (اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَاحْجُبْنِي عَنِ السَّرَفِ وَالازْدِيَادِ، وَقَوِّمْنِي بِالْبَذْلِ وَالاقْتِصَـادِ، وَعَلِّمْنِي حُسْنَ التَّقْدِيرِ، وَاقْبِضْنِي بِلُطْفِكَ عَنِ التَّبْذِيرِ وَأَجْرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَلاَلِ أَرْزَاقِي، وَوَجِّهْ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إنْفَاقِي، وَازْوِ عَنِّي مِنَ الْمَالِ مَا يُحْدِثُ لِي مَخْيَلَةً أَوْ تَأَدِّياً إلَى بَغْي، أَوْ مَا أَتَعَقَّبُ مِنْهُ طُغْيَـاناً. أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيَّ صُحْبَـةَ الْفُقَرَآءِ، وَأَعِنِّي عَلَى صُحْبَتِهِمْ بِحُسْنِ الْصَّبْرِ، وَمَـا زَوَيْتَ عَنِّي مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ فَاذْخَرْهُ لِيْ فِي خَزَائِنِكَ البَاقِيَةِ، وَاجْعَلْ مَا خَوَّلْتَنِي مِنْ حُطَامِهَا، وَعَجَّلْتَ لِي مِنْ مَتَاعِهَا بُلْغَةً إلَى جِوَارِكَ، وَوُصْلَةً إلَى قُرْبِكَ، وَذَرِيعَةً إلَى جَنَّتِكَ إنَّكَ ذو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيْمُ) دعاء30.
وقال تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) ﴿الإسراء: 36-٢٧﴾
د-عدم الاسترزاق من المرزوقين:
إن كل المخلوقات مرزوقة، والله هو رازقها وإنما جعل الله العباد بعضهم مع بعض سبباً في الرزق، وكل ذلك من الله ويؤكد الإمام ذلك كما يقول في دعاء 25 (وَأَدْرِرْ لِي وَعَلَى يَـدِي أَرْزَاقَهُمْ) أي ما دام الأولاد صغاراً فليس لديهم القدرة على تحصيل الرزق فأدرر يارب رزقهم على يدي حتى إذا بلغوا أشدهم سعوا في الأرض، وأكلوا من يمينهم وتعبهم وكدهم وقريب من هذا المعنى قوله تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) ﴿النور: ٣٣﴾ وقوله في دعاء 27 وهو الدعاء لأهل الثغور(وَأَسْبغَ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ) أي حسن يا رب أحوالهم وأعطهم الغنى وسهل لهم طريق رزقك.
فكيف نستعين بهم في الرزق أو نطلب الرزق منهم وهم مرزوقون؟! لذا فإن الإمام يوجهنا إلى أن ندعو الله أن يبعدنا عما في أيدي المرزوقين كما يقول (اللَّهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ هِبَةِ الْوَهَابِيْنَ بِهِبَتِكَ) دعاء5 ، فالإمام يقول اللهم أبعدنا عن عطاء المرزوقين الموهوبين الذين هم حصلوا على الرزق وذلك كما ورد من دعاء عن رسول الله (ص) (اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك ومن الذل إلا لك ، ومن الخوف إلا منك).
ويقول أيضاً في دعاء5 (وَأغْنِنَا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفَادِكَ) أي أعطنا من عطائك وأبعدنا عن غيرك ممن ليس لهم حول ولا قوة إلا بك فإنك قلت في كتابك (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) ﴿فاطر: ٣﴾.
كما في أدعية النهج (اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك ، أو أضل في هداك ، أو أضام في سلطانك ، أو أضطهد والأمر لك).
وينبه الإمام إلى عدم الحاجة إلى المثيل (الكفء) كما في قوله في دعاء8 (وَنَعُوذُ بِـكَ .... وَمِنَ الْفَقْرِ إلَى الاَكْفَاءِ وَمِنْ مَعِيشَة فِي شِدَّة) أي لا تحوجني إلى عبد مثلي في الرزق تول أنت رزقي وكفايتي وقد جعلت لك فرد منا رزقاً معلوماً (أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ) ﴿الصافات: ٤١﴾.
لذلك كله يؤكد الإمام ويعلمنا ذلك أن لا نلجأ إلى مثلنا من المرزوقين في طلب الرزق فهو الرازق وحده وهو القادر على رزق جميع العباد، فالإمام يطلب من الله أن يحفظه من التعرض لسؤال غيره – وإن كان هو لا يطلب – ليعلمنا ذلك، فالناس كما يقول الإمام مرزوقون فلا تجعلني أطلب الرزق من المرزوقين (فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ) وأنا (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ) ﴿الذاريات: ٥٧﴾. كما يقول (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَصُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ، وَلاَ تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالاقْتارِ فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ، وَأَسْتَعْطِيَ شِرَارَ خَلْقِكَ، فَأفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، وَاُبْتَلَى بِـذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيُّ الاعْطَاءِ وَالْمَنْعِ).
وقال أيضاً (اَللَّهُمَّ إنَّكَ ابْتَلَيْتَنَا فِي أَرْزَاقِنَا بِسُوءِ الظَّنِّ وَفِي آجَالِنَا بِطُولِ الامَلِ حَتَّى الْتَمَسْنَا أَرْزَاقَكَ مِنْ عِنْدِ الْمَرْزُوقِينَ) دعاء29. أي أننا نسترزق طالبي رزقك ونستعين بمن لا حول ولا قوة إلا بحولك وقوتك في طلب الرزق فأبعدنا عن هذا.
وقال أيضا في نفس الدعاء (وَاجْعَلْ مَا صَرَّحتَ بِهِ مِنْ عِدَتِكَ فِي وَحْيِكَ، وَأَتْبَعْتَهُ مِنْ قِسَمِكَ فِي كِتَابِكَ قَاطِعاً لاهْتِمَامِنَا بِـالرِّزْقِ الَّـذِيْ تَكَفَّلْتَ بِهِ وَحَسْمَاً لِلاشْتِغَالِ بِمَا ضَمِنْتَ الْكِفَايَةَ لَهُ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ الاصْـدَقُ وَأَقْسَمْتَ وَقَسَمُكَ الاَبَرُّ الاَوْفى: (وَفِي آلسَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) ثُمَّ قُلْتَ: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالاَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُوْنَ). دعاء29.
الشكر على الرزق:
والوفاء لهذا العطاء كله هو الشكر، إنما هو الشكر الذي يساعد على زيادة الرزق (لَئِنْ شَكَـرْتُمْ لازِيدَنَّكمْ وَلَئِنْ كَفَـرْتُمْ إنَّ عَذابِيْ لَشَدِيدٌ) إبراهيم:7 ولكن كما يقول الإمام (كَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ أَمْ مَتَى نُؤَدِّي شُكْرَهُ؟!) و(أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وَأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ، أَوَقْتُ الصِّحَةِ الَّتِي هَنَّـأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، وَنَشَّطْتَنِي بِهَا لابْتِغاءِ مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَـا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَـاعَتِـكَ أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا، وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَى ظَهري مِنَ الْخَطِيئاتِ وَتَطْهيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ) دعاء15، و(أَنْطِقْ بِحَمْدِكَ وَشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْكَ لِسَانِي) و(إغْرَاقاً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ، وَذَهَاباً فِي تَمْجيدِكَ وَشُكْراً لِنِعْمَتِكَ وَاعْتِرَافاً بِإحْسَانِكَ وَإحْصَاءً لِمِنَنِكَ) (وَاجْعَلْ سَلاَمَةَ قُلُوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ وَفَرَاغَ أبْدَانِنَا فِي شُكْرِ نِعْمَتِكَ وَانْطِلاَقَ أَلْسِنَتِنَا فِي وَصْفِ مِنَّتِكَ ) (وَاجْعَلْ شُكْرِي لَكَ عَلَى مَا زَوَيْتَ عَنّي أَوْفَرَ مِنْ شُكْرِي إيَّاكَ عَلَى مَا خَوَّلْتَنِي) (وَلَكَ الشُّكْرُ عَلَى مَا خَوَّلْتَنَا مِنَ النّعْمَاءِ حَمْداً يُخَلِّفُ حَمْدَ الْحَامِدِينَ وَرَاءَهُ، حَمْداً يَمْلاُ أَرْضَهُ وَسَمَاءَهُ إنَّـكَ الْمَنَّانُ بِجَسِيمِ الْمِنَنِ، الْوَهَّابُ لِعَظِيمِ النِّعَمِ، القَابِلُ يَسِيْرَ الْحَمْدِ، الشَّاكِرُ قَلِيْلَ الشُّكْرِ، الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ ذُو الطَّوْلِ لا إلهَ إلاّ أَنْتَ إلَيْكَ الْمَصِيرُ).
اللهم ولك الشكر على (إلْهَامِكَ الشُّكْرَ عَلَى الإحْسَانِ وَالإنْعَامِ) وعلى ما (أَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ، فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدِي ما يَعْجِزُ عَنُهُ شُكْرِي، وَلَوْلاَ إحْسَانُكَ، إلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَآئِكَ عَلَيَّ مَا بَلَغْتُ إحْرازَ حَظِّي، وَلاَ إصْلاَحَ نَفْسِي، وَلكِنَّكَ ابْتَدَأْتَنِي بِالاحْسَانِ، وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاءِ، وَمَنَعْتَ مِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَآءِ) و(ارْزُقْنِي الْحَقَّ عِنْدَ تَقْصِيرِي فِي الشُّكْرِ لَكَ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فِي اليُسـرِ وَالْعُسْرِ وَالصِّحَّـةِ وَالسَّقَمِ) وألهمني (أَنْ أَشْكرَ الْحَسَنَةَ وَاُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَـةِ) بالليل والنهار (وَامْلا لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وَشُكْراً) (وَأَوْزِعْنَا فِيهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ)
(اللَّهُمَّ إنَّ أَحَداً لاَ يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غَايَةً إلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْرَاً ) (اللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ) (وَلاَ تُذْهِبْ عَنِّي شُكْرَكَ) فإنَّ(أَشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ).
(وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ) ويا من (يَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ. وَيَا مَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيْلِ، وَيُجَازيْ بِالْجَلِيلِ) (تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ) (وَإحْسَانُكَ أكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ عَلَى أَقَلِّهِ) (فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ) (تَشْكُرُ للْمُطِيْعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ) (حَتَّى كَأَنَّ شُكْـرَ أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوَابَهُمْ وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطَاعَةَ الامْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَكَ) (تَشْكُرُ يَسِيرَ مَا شُكِرْتَهُ).
(إلهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ الاخِرَةِ وَالاُولى لِقِلَّةِ شُكْرِي) اللهم إنك قلت وقولك الحق (اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِيْ وَلا تَكْفُرُونِ) وَقُلْتَ (لَئِنْ شَكَـرْتُمْ لازِيدَنَّكمْ وَلَئِنْ كَفَـرْتُمْ إنَّ عَذابِيْ لَشَدِيدٌ).
هكذا يعلمنا الإمام السجاد بأدعيته الشريفة كيف ندعو، ومن ندعو، وفضل من نؤمل!
إن أدعية الإمام وطلبه الرزق هو تأصيل للاعتقاد بتوحيد الله في الرازقية ، فهو يعلمنا أن الرزق من عند الله، وأن جميع المخلوقات بلا استثناء مرزوقون فلا يطلب الرزق من المرزوقين، بل من الله الرازق الوحيد والفعال لما يريد الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فيسخر لنا الأرزاق بكينونته وإرادته وبكيفيته، فلا تعجزه الطرق ولا تمنعه الوسائل عن إيصال رزقه للمخلوقات.
نعم إن الإمام يؤصل للاعتقاد الصحيح في التوحيد بالله في رازقيته وغير ذلك مما تحويه تلك المدرسة الربانية والإيمانية التي تفوح من عطر القرآن إيماناً واعتقاداً وتصديقاً ومفهوماً، هكذا هي الصحيفة السجادية كما نعتقد.
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية
تعليقات
بو أحمد ( المشاركة الاولى )
2009-09-19بسم الله الرحمن الرحيم نشكر الاخ عباس الموسى على جهده واكثاره من ايراد الايات والادعية والاحاديث . الا ان الاستاذ المحترم اغفل او نسي او لم يلتف الى ايتين في كتاب الله عز وجل تتعارض مع ما اتعب نفسه في تحصيل نتيجته فقد سعى الكاتب المحترم لاقناع القارئ بعدم الوقوع في شركيات توحيد الرازقية على طريقة ابناء العامة حفظهم الله ونسى ان الفضل يكون من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه واله وسلم قال تعالى ( وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ) التوبة74
بو أحمد ( تتمة المشاركة
2009-09-19وقال تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ }التوبة59 ولا اعلم ان كان طلب الرزق من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ( وهو من المخلوقين ) يو قع في شرك الرازقية فماذا نقول في الايتين التي تقول صراحة ان الفضل من الله سبحانه ومن رسوله صلى الله عليه واله وسلم
بو احمد ( تتمة )
2009-09-19اخي العزيز لا يوجد شيعي واحد يقول استغناء الرسول صلى الله عليه واله وسلم عن الله سبحانه حين يطلب الرزق من رسول الله صلى الله عليه واله ونجد ان القران نفسه يدلنا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كمصدر للفضل وهنا تتجسد عظمة الله سبحانه حين افاض على رسوله والولياءه ووهبهم القدرة على الاغناء والرزق والعديد من المقامات التي يصعب على العقول القاصرة ادراكها