قبل أيام دعاني الصديق الأستاذ أحمد البقشي إلى حضور حفل إصدار كتابه الجديد بعنوان "شذرات من حياة الوالد".

والدعوة في مثل هذه المناسبات أشبه ما تكون دعوة لحضور حفل زواج أحد أبناء صاحب الدعوة ، فهي مناسبة لمنتجٍ أخذ جهدًا كبيرًا مضنيًا ، ولقيمتها الاعتبارية كإضافة ثقافية وتاريخية .
كان لي شرف الحضور لأشارك صديقي فرحته بهذا الإنجاز القيم .
الحفل كان منظماً بشكل مميز، حيث تميز بالأجواء الودية والجمع بين الأصدقاء والعائلة ومحبي الأدب والشعر والثقافة في الأحساء الحبيبة .

في الحفل تحدث الأستاذ أحمد للجمهور عن الكتاب وعن مدى تأثره بوالده ، وعن سبب إقدامه على كتابة هذه السيرة التي تجمع بين أحداث عائلية وذكريات من ماضٍ مر به والده ، ويحمل في طياته الكثير من الدروس والعِبر التي يجب أن تُروى .

الكتاب لم يكن مجرد توثيق لسيرة شخصية أو حياة فرد من العائلة، بل كان سرداً لمراحل زمنية ومناطقية عاصرتها أسرة والده، وشمل قصصاً وذكريات متعلقة بدول مجاورة وثقافات متنوعة، وتعريف بأسماء وشخصيات صاحبت ورافقت والده مما أعطى الكتاب بُعداً أوسعَ من مجرد السيرة العائلية .

قد يعتقد البعض أن هذا التوثيق يخص شخصية أسرية فقط، وأنه يقتصر على دائرة ضيقة من الاهتمام .
ولكن ما أدركته من خلال قراءتي للكتاب هو أن أهمية هذا التوثيق تتجاوز مجرد سرد الأحداث العائلية.
فهو يوثق بين صفحاته العديد من الوقائع الاجتماعية والثقافية التي تستحق أن تُنقل للأجيال القادمة ، خصوصاً أن مرور الزمن يزيد من قيمة هذه التفاصيل الصغيرة التي قد تكون شهدت تغييرات كبيرة مع مرور الوقت .

مثل هذه الكتابات تساهم في الحفاظ على التراث الشعبي والاجتماعي، وتمثل جسراً يربط الماضي بالحاضر والمستقبل ، وتُظهر كيف تطورت المجتمعات وتغيرت مع مرور الزمن .

إنها ليست فقط قصة فرد ، بل هي قصة مجتمع بكامله، ينعكس في عادات وتقاليد وتحديات تلك الفترة .
يمكن للقارئ أن يجد بين السطور ملامحَ اجتماعيةً لمجتمع قديم، وربما يرى أوجه تشابهٍ مع حاضره، ما يجعل القراءة تجربة غنية وداعية للتأمل.

بعد انتهاء الحفل، غادرت وأنا أحمل الكتاب بين يدي، وفي قلبي تقدير عميق لجهود صديقي في جمع هذه الذكريات وتوثيقها .
فقد أدركت أن مثل هذه الأعمال ليست مجرد كتابات شخصية، بل هي إرث ثقافي يحمل بين صفحاته الكثير مما يستحق أن يُحفظ ويُروى .