2024/09/05 | 0 | 3434
(رسالة إلى ولدي 15) هكذا فهمت التقليد
ملاحظات مكررة في كل رسالة :-
1- هذه سلسلة من الرسائل تحتوي على الكثير من التجارب والأحداث والمواقف والقرارات التي عشتها أنا أو عاشاها أبناء جيلي ، فمنها الايجابي ومنها السلبي وفيها القرارات الصحيحة وفيها القرارات الخاطئة ، فنحن لم نأتي إلى هذه الدنيا معصومين من الخطأ ،وتتناول هذه الرسائل موضوعات ومجالات متنوعة كالدينية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والتربوية وغير ذلك ، ونظراً لأن الإنسان لايملك إلا عمراً واحداً قصيراً وقد لايحتمل الكثير من التجارب الخاطئة وبالتالي الكثير من التصحيح شرعت في كتابة هذه الرسائل التي أرجو أن تستفيد منها الأجيال القادمة من أبناءنا وبناتنا وأن تمهد لهم الطريق لما هو أفضل بإذن الله تعالى ، وما أجمل كلمات أمير المؤمنين علي عليه السلام فيما روي عنه من قول في هذا الشأن حيث قال ( العاقل من وعظته التجارب ) .
2- هذه الرسائل غير موجهة لجماعة معينة أو لشخصية بعينها فقد يكون ما أذكره عامل مشترك لتفكير الكثير من الناس .
3- قد يقتلنا المديح وينقذنا النقد .
التجربة :-
ولدي العزيز من المسائل التي ستواجهك في هذه الحياة أنت وأبناء جيلك هي مسألة التقليد ، ويمكن تعريف التقليد بأنه العمل بالأحكام الشرعية طبقاً لرأي المرجع الجامع لشرائط التقليد ، وهذا يعني أن التعامل مع مرجع التقليد هو في الالتزام بأخذ الحكم الشرعي من الفقيه الجامع للشرائط مع كامل الحب والإحترام والتقدير لمراجعنا العظام على جهودهم الطيبة ونسأل من الله العلي القدير أن يتقبل منهم هذا العمل وأن يرحم الأموات منهم ويؤيد ويسدد الأحياء العاملين لخدمة دينه ، فالعالم المرجع إذا جاء لخدمة الإنسان متقرباً في عمله هذا إلى الله تعالى .. أما نحن ياولدي العزيز ونتيجة لعدد من العوامل ولعل أهمها الجهل وضيق الأفق وقلة التجربة فتعاملنا مع موضوع التقليد خارج ذلك الإطار الذي رسمه لنا الشارع المقدس وسيرة العقلاء فأدخلنا التقليد وبعض الرموز وأتباعهم في كل تفاصيل حياتنا ولا أبالغ إن قلت لك بأننا أدخلناهم حتى في تنظيم علاقاتنا الخاصة في البيت الواحد والأسرة الواحدة والعائلة الواحدة ، وقمنا بالعقاب التطوعي للأجيال القادمة من خلال زرع مفاهيم وأفكار خاطئة في جسد العائلة والمجتمع وهي أشبه بالمفخخات الفكرية التي لانعلم متى تنفجر وكيف تنفجر في ذلك الجسد ، وقمنا بقراءة نوايا الآخر عبثاً وتصنيف كل من يمارس النقد البناء والهادف لأفكارنا وآراءنا ومشروعنا بأنه ضد الله وضد النبي وضد الأئمة ، وكذلك أحببنا كل شخص يتفق مع جماعتنا الخاصة ورموزها وقربناه وأبغضنا كل شخص يختلف معهم وأبعدناه حتى لوكان ذلك الشخص من أقرب المقربين لنا الذي حث القرآن الكريم والروايات الشريفة الواردة عن المعصومين عليهم السلام على وجوب محبتهم والتواصل معهم كالأرحام والأقارب .. ولدي العزيز لا أخفيك سراً إن قلت لك بأننا استطعنا وبجهلنا المركب أن نخترع قاعدة اجتماعية يمكن أن أسميها بقاعدة ( الحُسنُ والقُبحُ الانتمائيان ) وانطلاقاً من هذه القاعدة توجهنا دون ضوابط شرعية أو قواعد عقلية نحو العبودية المختارة للرمز تارة وللعناوين الضيقة تارة أخرى وعندها أصبحت نفوسنا هي المسيطرة على كل وجودنا ومواقفنا وقراراتنا وما العقل إلا جندي وخادم مطيع لتلك النفس المريضة والمنفلتة فأصبحت تلك النفس تقبل بالجهلة الذين لم يعرف لهم سابقة علمية في التعليم الأكاديمي أو الحوزات العلمية وقبلت أيضا بالمنتفعين وأصحاب السيرة النظرية والعملية السيئة الذين لاهم لهم إلا تعاظم أرصدتهم الاجتماعية بحجة أنهم يمثلون خط الانتماء ومن نفس الدائرة وكذلك رفضت أصحاب الكفاءات العلمية ومن عرفت سيرتهم بالتقوى والورع والأمانة والخلق الرفيع باعتبار أنهم لايمثلون خط الانتماء وليسوا من نفس الدائرة .. ولدي العزيز ستجد هذه القاعدة اللاإنسانية التي أنشأناها وطبقناها بحماقاتنا حاضرة وواضحة في الكثير من المشاهد والمواقف وتتجلى بصورة أوضح في انقلاب هرم أولوياتنا سواء في علاقتنا مع الآخر أو في علاقتنا مع الأشياء والحياة من حولنا فمن خلال تغوّل وتضخم هذه القاعدة في نفوسنا جعلتنا نتعامل مع معظم تفاصيل حياتنا انطلاقاً من قاعدة الحُسنِ والقُبحِ الانتمائيين فما تحسنه جماعتنا هو الحسن بذاته وماتقبحه هو القبح بعينه فكانت هذه القاعدة أحد الأسباب المهمة للكثير من المآسي لمجتمعنا على مستوى القيم والمثل العليا التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام .. والخلاصة ياولدي إذا أردت أن تقلد فقلد من شئت ولكن وفق الشرائط المذكورة والمشهورة في الحواضر العلمية وإياك ثم إياك أن تجعل التقليد بمثابة انتماء عبثي وفوضوي لايحكمه دين ولاعقل فتفتح من خلاله أبواب العداوات بينك وبين الأرحام والأقارب والمؤمنين ، فإعتناقك لفكرة معينة أو رأي معين لايعطيك مبرراً شرعياً أو عقلياً على أن تمارس دور الاقصاء للآخرين والاعتداء عليهم أو أن تتخلى عن منظومة القيم والمثل العليا كصلة الرحم والأخلاق والصدق والوفاء والأمانة والحب والتسامح والتعاون والإحساس بالانتماء الحقيقي للإيمان وللمؤمنين وفق ضوابط أخلاقية وإنسانية متفق عليها عند العقلاء والمشرعة وليست وفق ضوابط خاصة ومعايير فئوية اختلقها جهلة لايفقهون المعنى الحقيقي والأهداف العليا للتقليد والمرجعية فهم وللأسف أشبه بالنفعيين والانتهازيين الذين استطاعوا أن يضعون ضوابط ومعايير وأطر فكرية وثقافية تم تفصيلها بالمقاسات المطلوبة لهم وذلك لبناء سور وهمي حول الجماعة المستضعفة لضمان عدم اختلاطهم واحتكاكهم بالجماعات المؤمنة الأخرى بحجة أنكم غير ، وأنكم الأفضل والأكمل والأتقى و..و..و ليستمر مسلسل الاستغفال ولتستمر معها تدفق المنافع والمكاسب الدنيوية .. ولدي العزيز بكلمة مختصرة ومركزة أي رمز وأي فكرة وأي رأي يدفعانك للاصطفاف الوهمي لمعاداة الأرحام والمؤمنين بالقول أو الفعل بالتصريح أو التلميح هي الأولى من يجب أن تتخلى عنها وترفضها رفضاً مطلقاً مهما كانت تلك الفكرة ومهما كان ذلك الرأي ومهما كانت تلك الجهة الرمزية التي صدرت منها أو تقف معها ، لأنها في الحقيقة والواقع هي فكرة ورأي ضد الدين وضد العقل وضد الفطرة السليمة .
جديد الموقع
- 2025-01-14 أسرة المهناء بالمطيرفي تحتفي بزفاف ابناء الحاج "جواد " تهانينا
- 2025-01-14 " المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي "
- 2025-01-14 أسباب الإخفاق في الإلتزام بقرارات العام الجديد
- 2025-01-14 هل بإمكان الجزر أن ينظم نسبة السكر في الدم؟
- 2025-01-14 محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية التي تجري في اللاوعي وتشكل انفعالاتنا وقراراتنا وسلوكنا
- 2025-01-13 تنظيم علاقة الإنسان بريه
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة