2025/01/13 | 0 | 33
تنظيم علاقة الإنسان بريه
قراءة في كتاب أفعال الله –اتصافها بالحكمة وتعليلها بالغايات-، تأليف /علي محمد عساكر، الطبعة الأولى :1446هــ / 2024م
جزء من توطئة:
وهناك الكثير من الأدلة التي تؤكد أن الله حكيم، وتثبت أن أفعاله كلها متصفة بالحكمة معلّلة بالغايات، سواء من الكتاب العزيز، أم السنة المطهرة أم من العقل، بل أصبح من الممكن إثبات ذلك حتى من خلال البحوث العلمية الحديثة بما توصلت إليه من اكتشافات عظيمة في شتى الحقول والميادين.
فالإنسان مفطورعلى الدين والإيمان،كما يقول سبحانه وتعالى:{ فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ..}[سُورَةُ الرُّومِ:٣٠]
وفي الحديث الشريف عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر(ع): قول الله في كتابه:{... فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ..}[سُورَةُ الرُّومِ:٣٠]
قال: فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة أنه ربهم.
قلت: وخاطبوه؟!
قال: فطأطأ رأسه ثم قال: (لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا رازقهم).
وعنه قال: سألت أبا جعفر(ع) عن قول الله تعالى: { حُنَفَاۤءَ لِلَّهِ غَیۡرَ مُشۡرِكِینَ بِهِۦۚ ... }
[سُورَةُ الحَجِّ: ٣١]
فقلت: ما الحنفية؟ قال: هي الفطرة.
وفي نقل آخر أنه قال: (هي الفطرة التي فطر الناس عليها، فطر الله الخلق على معرفته). وعلق العلامة المجلسي على هذا الحديث بقوله: «أي الملة الحنفية هي التوحيد الذي فطر الله الخلق عليه، ويومئ إليه قوله تعالى: { فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ...}[سُورَةُ الرُّومِ: ٣٠]
واختلف في معنى الفطرة فقيل: المعنى أنه خلقهم على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من الآفات، وتقليد الآباء والأمهات.
وقيل: كلهم مفطورون على معرفة الله والإقرار به، فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن الله صانع له، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره.
وقيل: المعنى أنه خلقهم لها، لأنه خلق كل الخلق لأن يوحدوه ويعبدوه...... إلى أن ختم بقوله: (الذي يظهر من الأخبار هو أن الله تعالى قرر عقول الخلق على التوحيد والإقرار بالصانع في بدء الخلق عند الميثاق، فقلوب جميع الخلق مذعنة بذلك وإن جحدوه معاندة).
والشاهد أن الإنسان مفطور على الدين والإيمان، ومحتاج إلى إقامة العلاقة مع خالقه وهو ما لا يمكن أن يتحقق له إلا من خلال التشريع الإلهي الذي يبين كيفية إقامة تلك العلاقة، ويوضح الطريق الذي يجب أن يسلكه الإنسان ليصل إلى ربه، وليعبده كما يريد هو سبحانه وتعالى.
فهناك علاقة بين طرفين أحدهما أعلى وهو الله بل والثاني أدنى وهو الإنسان، وتكاليف وتشريعات يشرعها ويفرضها الطرف الأعلى ويلتزم بها الطرف الأدنى لتتحقق بذلك تلك العلاقة بين الطرفين وفق التكاليف والتشريعات التي شرعها وفرضها المشرع العظيم سبحانه وتعالى.
وفي القرآن الكريم ما يدل على ما أشرنا إليه من أن التشريع إنما ظهر في حياة الإنسان مع تكوّن حياته الاجتماعية، وكان الهدف منه رفع الاختلاف بين البشر، وتنظيم حياتهم الدينية والاجتماعية على حد سواء.
ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ فِیمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِیهِ إِلَّا ٱلَّذِینَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمٍ }[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢١٣]
فالآية الكريمة تشير إلى أن الناس كانوا يعيشون الحياة بفطرتهم وبساطتهم، وكانوا أمة واحدة لا توجد بينهم خلافات لا دينية ولا اجتماعية تفرّق وحدتهم، وتشتت شملهم، وتزرع الفتنة بينهم، وذلك منذ أن وجد الإنسان على الأرض إلى عصر نبي الله نوح (ع)، حيث بدأ تشكل المجتمعات البشرية، فكان ذلك سببا في ظهور الاختلافات الدينية والعقائدية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فبعث الله الأنبياء وأنزل معهم الكتب بما تحتوي عليه من قوانين وتشريعات لحفظ الوحدة ورفع الاختلاف. ولكن بغي الإنسان دفعه مرة أخرى إلى ترك هدي الأنبياء وعدم الأخذ بتعاليمهم، أو الالتزام بما أتوا به من تشريعات من عند ربهم، فدب الخلاف ونشأ الاختلاف بينهم من جدید .
فهناك اختلافان:
الأول: اختلاف تقتضيه الطبيعة البشرية، وتفرضه العلاقات والمعاملات الاجتماعية، كونه يعود إلى ما يحدث بين الناس من نزاعات ومشاجرات في تعاملهم مع بعضهم.
وهذا رفعه الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع التشريعات الإلهية الحاكمة بينهم فيما هم فيه مختلفون.
الثاني: اختلاف في الدين عقيدة وشريعة، من خلال الاختلاف فيما جاءت به الكتب الإلهية من معارف دينية متعلقة بالأصول والفروع.
وهو ليس مما تقتضيه الفطرة أو الطبيعة الإنسانية، ولا هو مما تفرضه الحياة الاجتماعية، وإنما هو اختلاف نشأ من بغي أهل الكتاب وتحريفهم الكلم عن مواضعه، كما صرح القرآن الكريم بذلك في بعض آياته، كقوله عز وجل: { مِّنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَیَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَیۡرَ مُسۡمَعࣲ وَرَ ٰعِنَا لَیَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنࣰا فِی ٱلدِّینِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا }[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٦]
جديد الموقع
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة
- 2025-01-11 الشاعر والناقد الدكتور عبدالله الخضير يمثّل المملكة في مجال النقد في مهرجان الشارقة للشعر العربي.
- 2025-01-09 قد لا يكون نمو دماغ الرضيع بنحو أسرع مما ينبغي دائمًا حالة صحية
- 2025-01-09 العوامل التي أدت إلى سقوط الإمبراطورية البيزنطية - وماذا بإمكاننا أن نتعلم منها
- 2025-01-09 هل «القرية - المدينة» نموذج معياري لقراءة النصوص ؟
- 2025-01-09 سمو محافظ الأحساء يؤدي صلاة الميت على إبراهيم آل هاشم
- 2025-01-09 فريق طبي في مدينة الصدر الطبية ينجح بإنهاء معاناة مريضة استمرت 3 سنوات