عادةً ما يُطرح سؤال روتيني في مقابلات التوظيف والمواعدة الأولى (مع شريك الحياة المستقبل) ولعبة الطاولة (لعبة النرد) وما إلى ذلك: ما أهم خصلة يتحلى بها الآخرون نتحرى ونسأل عنها؟
هناك تباينات في هذه الخصال (على سبيل المثال "ما هي الخصلة الأكثر جاذبية التي عادة نتحرى عنها في شريك حياة محتمل؟" أو "ما هي أعظم نقاط قوة يتميز بها؟" ، وما إلى ذلك) ولكن بشكل عام ، تظل الإجابة كما هي: خصالك الشخصية المميزة التي تتمسك بها فوق كل اعتبار. عندما أشعر بالضغط ، كثيراً ما أتلعثم وأجد نفسي مجبرًا لقول أي شيء حتى لو كان غير صحيح: الخصال الشخصية كالأمانة والصدق والفكاهة والثقة والكاريزما ، إلخ. تعتبر إجابات جيدة ولكنها ليست في تقديري إجابات صحيحة.
وهكذا، ذات يوم ، جلست على أريكتي، وأعددت بعض شاي الريحان المقدس(1)، وحاولت جاهدًا اختزال جوهر السبب الذي جعل الناس المثيرين للإعجاب والخاصين جذابين بشكل ملفت. لقد قمت بتحليل منْ احترمُهم ومنْ انجذب إليهم ومن لا أحلم أن أعيش بدونهم. ووجدت أن الإجابة لا يمكن أن تكون مختزلة أبدًا في خصلة واحدة، وأن الكثير من الأمور التي أعتقد أنني معجب بها ومنجذب إليها هي مظاهر لخصال أخرى أعمق أُجلُّها أكثر. وفيما يلي هذه الخصال الثلاث التي، عندما تؤخذ معًا، تخلق من الشخص شخصيةً أخاذةً لامعةً - شخصية تتمكن من فرض حضورها في المجتمع ومسؤولة عن تصرفاتها ونتائج تلك التصرفات، شخصية يمكن أن تكون إيثارًية وذكية على حد سواء. ولذا فإنني أضع هذه الخصال بين يديك وأحاول إثبات أهميتها.
التواضع
هذه الخصلة هي أصل كل نمو وتعلم وطيبة(2). وتتمثل في الاعتقاد بأنك لست بتلك العظمة بعد لدرجة أنك لا يمكن أن تكون متفتح الذهن واسع الأفق وحدك، بل الحضور الذهني الذي يذكرك بأن كلنا جميعًا مرتبطون ببعضنا ارتباطًا تبادليًا وبنفس القوة ولا غنى لواحد منا دون الآخر، وأن الظلم ضد واحد منا هو ظلم ضد الجميع. وهو، بصراحة، غياب عقلية الإستحقاق [المترجم: عقلية الاستحقاق هو شعور المرء بأن له استحقاقات مقابل ما يقدمه حتى لو كان ما قدمه بسيطًا لا يذكر(3)]. المتواضعون يتركون أعمالهم هي التي تتكلم عن نفسها، ويبقون رواقيين في وجه ما يعانونه من ألم ومصاعب ويذكّرون أنفسهم - وغيرهم - بأن الحياة لا أمان لها وبالتالي فهي نفيسة. التواضع يقمع الجهل ويزرع الفضيلة. أرغب في أن تكون خصلة التواضع في الناس الذين أحبهم . [المترجم: الرواقي stoic هو الذي يستطيع تحمل الألم أو المشقة دون إظهار مشاعره أو شكواه، بحسب التعريف.]
حب الاستطلاع ( الفضول)
بدون الفضول، لا يمكنك أن تكون آسراً أو حتى جذابًا، ولا - في أكثر الأمور بدائيةً ناجحاً . هذا بصراحة مستحيل. الفضول يدفع إلى البحث عن المعرفة والثقافة والجدةnovelty (4) والخبرة والجمال والفن والعلاقات. هذا هو الأساس الذي يمكنك من خلاله بناء حياة مليئة بالحكايات والذكريات والإنجازات والعلاقات. يمكن للذين يمارسون الفضول أن يصبحوا أسياداً أو موسوعيين أو مخرجي أفلام - لكن يجب أن يكون لديهم ذهنية متفتحة دائمًا. فهم يسعون أولاً ليسمعوا ويستوعبوا ما قيل لهم وينغمسوا ويتأملوا في كل ذلك. العالم كبير جدًا ووقتهم فيه أقصر من أن يصبحوا راضين تمامًا عن سعيهم وراء الاستفادة من الأفكار الجديدة التي تمر أمامهم سريعًا. رغبتي في أن يبقى الناس من حولي فضوليين ، ويقومون بشكل دوري بإستكشاف العالم بنظرات جديدة باحثين عن أفكار جديدة هناك في داوية من زوايا العالم.
التقمص الوجداني
هذه الخصلة هي الدواء المعجز للبشرية (وكذلك الحال للفيلة والدلافين). إنها الخصلة الأبسط والأحلى والجديرة بالاهتمام التي يمكن للمرء أن يتحلى بها لتحقيق أهدافه الاجتماعية، بما في ذلك، مثلًا، الشهرة والمكانة الاجتماعية وغيرهما في مجتمعه. التقمص الوجداني(5) يقرب الناس إلى بعضهم بعض، ويجعل الآخرين يشعرون بأن غيرهم يفهمونهم ويشعرون بهم ويتفاعلون مع مشاعرهم حتى لا يحسون بالعزلة في دواخلهم . وإذا كان هناك شيء واحد نتطلع جميعًا إلى الإقلال منه فهو الإحساس بالوحده. عندما أجد ناسًا متحلين بخصلة التقمص الوجداني بالفعل، فسأجدهم أناسًا مهتمين ومعتنين بإخلاص ، بل أيضًا هناك ناس يذكِّروننا دائمًا أنه لا بأس أحيانًا أن نلازم صداقة شخص آخر لكن بلا تعدٍ على مساحته الشخصية أو على حدوده. هذه القدرة الفريدة لمعرفة ألمجتمع من خلال عيون الآخرين والشعور وجدانيًا بما يشعرون به ويتعرضون له. التقمص الوجداني ينشر الشفقة والحنان والتعاطف والترابط والحب. التقمص الوجداني بادرة مهمة تدل على صفاء النية.
ربما لاحظت أن الخصال الثلاث مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببعضها. هذا الارتباط ليس مجرد صدفة. في الواقع ، عندما تضع التواضع والفضول والتقمص الوحداني مع بعض، يمكنك أن ترى بسهولة كيف تتعاضد إحداها مع الخصلتين الآخريتين .
التواضع بمنزلة الروح والفضول بمنزلة العقل والتقمص الوجداني بمنزلة القلب.
التواضع عبارة عن مدى تقييمك لنفسك والفضول عبارة عن مدى تقييمك للآخرين والتقمص الوجداني عبارة عن مدى تقييمك للروابط التي بينك وبين الآخرين.
التواضع بمثابة تربة المعرفة. والفضول هو الماء الذي يساعد التواضع على النمو. والتقمص الوجداني هو ضوء الشمس الذي يدلنا إلى أي جهة يجب أن نميل ونخضع.
ولو أخذت أي خصلتين دون الخصلة الثالثة، فستكون فاقداً لعنصر مهم: فالمتواضعون والفضوليون ولكن فاترو الشعور هم متلكئون (كسولون). أما المتواضعون والساخطون المتمردون والمتقمصون وجدانيًا حساسون ولكنهم ليسوا مهتمين جدًا. الرُعناء والفضوليون والمتقمصون وجدانيًا منهكون. ولكن عندما تضم هذه الخصال الثلاث إلى بعضها بعض فستخلق منها ثالوث خير.
هذه الخصال الثلاث هي المفتاح لكي تصبح حميمياً وذكياً وبارزًا اجتماغيًا. هذه الخصال خصال اخلاقية ودائمًا حيوية لا تقاوم ولا تحد. هذه الخصال التي أفضِّل شخصيًا أن يتحلى بها الآخرون: الآخرون الأكثر جاذبية والأقوى والأكثر إثارة للإعجاب. وسواء رغبت في قبولهم كموظفين أو قبلت بمواعدتهم أو رغبت في التعلم منهم ، فهذه هي الخصال عينها التي أبحث عنها في الآخرين قبل كل شيء آخر.