2023/07/06 | 0 | 1985
الاتكاء على السهو لصنع الفنتازيا. قراءة في نصين للشاعرة وسمية العازمي «عابرة سبيل»..
اليمامة
ينمو الشعر الفكاهي في حديقة الأدب الخلفية، أو هكذا ينظر إليه. ويُسْتَزرع كأشجار زينه - غير مثمرة - ليس لها من غاية سوى الإضحاك والترفيه!؟ بينما في الواقع الشعري الإبداعي نجده متسرباً إلى ثنايا النصوص في جانبها الانفعالي اللاواعي، وبالذات الكوميدي السوداوي منه؛ ذلك عندما يركز الشاعر على عنصر المفارقة والتباين الفج بين واقعه ومأموله، أو «أن يكون بين الأثر والسبب عدم انسجام»، كما يفسر م. ايف ديلاج السخرية. فهي ضرورة في القول الشعري لكبح لغة الحزن، كما يقول محمود درويش، باعتبار أن السخرية هي «اليأس وقد تهذب..».
هذا في الإطلاق العام لمفهوم الشعر الساخر، أما على وجه التخصيص، ومن خلال الشعر الأنثوي، فتبرز لنا ولادة بنت المستكفي كجوهرة للشعر الأندلسي الساخر، والذي من المحتمل أن يكون المدون من شعرها أقل بكثير مما حفظته لنا المدونات الأدبية. وما ذاك إلا لكثرة الألفاظ والمفردات الخارجة عن الذوق العام، أو ربما كردة فعل “ذكورية” من مدوني كتب التراث. أما ثقة ولادة بمقدرتها على السخرية وبلاغتها؛ بحيث تجري مجرى الأقوال السائرة، فيتمثل في هجائها لابن زيدون ونعتها له “بالمسدس” في ببيتين شعريين، ونكتفي بإيراد البيت الأول، ونعتذر عن الثاني لفحشه: «ولقبت المسدس وهو نعت / تفارقك الحياة ولا يفارق». فهذا اللون من السخرية ينعته سيغموند فرويد بـ “التهشيم والتعرية”؛ حين يكون القصد نشر الفضيحة والفحش والفجور. أما النوع الثاني من القول الساخر، كما يميزه فرويد، فهو حسن النية والذي يأتي بمعنى “الهدم والتعريض”؛ ذلك حينما تنساب من النص صور ضاحكة لطيفة بريئة تلون الكلمات والجمل الشعرية بالبهجة والحبور؛ وبالذات صور سقطات الوعي الطريفة أو الهفوات البسيطة.
فسقطات الوعي أو “السهو” هو المساحة الفكاهية الضاحكة التي عملت الشاعرة الشعبية وسمية العازمي، أو كما كانت ترمز إلى نفسها، رحمها الله، بلقب “عابرة سبيل” على اثرائه في أكثر من نص شعري، والذي سنتناول بعضها بالقراءة كمثال على القسم الثاني من مبادئ الفكاهة حسب فرويد، أي “الهدم والتعريض”.
فعابرة سبيل في النص التالي تتدرج في تكوين صورها الشعرية مرتكزة على عامل “السهو” لتصطف الصور بشكل عمودي مكونة لوحة من الفنتازيا بتجسيدها لشخصية كاريكاتورية من خلال الحبيب وتجربتها مع من تريد أن تصنع جسراً روحياً معه. الشاعرة لن تشرح سبب ذلك التعثر، بل تدفعك وبكثير من السخرية التي أجادتها بحذاقة، لكي تمضي معها في هزلية المواقف التي مرت بها وعطلت إيصال رسائلها للمحبوب. فلنمضي معاً إلى النص ونكتشفه سوياً:
«لي صاحب منه تبي تطلع الروح / خبلٍ ومنهي مولعه فيه خبله!؟».
في بداية النص، تهيئك الشاعرة إلى أن ما سوف تقرأه هو تجربة كوميدية سوداء حد البكاء، فهي توجز لك موقفها وكذلك موقف الحبيب وصورته وإصابتهما بالجنون الذي ينتج عن تباين الفهم للمرسل والمرسل إليه الضرورية في عملية التواصل.
«عامين أوضح له مع الجد ومزوح / وأقول يا عنتر تناديك عبلة».
وكأنثى أُجبرت على البوح بمشاعرها في مجتمع ذكوري؛ ذلك ما يؤلمها لكن دون فائدة تذكر بإيقاظ مشاعره وإثارتها: «طال المدى ثم قلت أنا أغليك يا “لوح” / مجروحةٍ جرحٍ مخاطره عجله».
هنا تنزل بمستوى الحديث إلى المباشرة في التوضيح وليس الإشارة، والكناية عن ذلك المخلوق البشري الخامل لكونه جماد مصمت، وهي كتلة روحية متشظية.
«دنق وقال أنا من العام مجروح / وأشر لجرحٍ مبطيٍ وسط رجله».
بهذه الخاتمة “الفنتازية” تلقي الشاعرة بجميع خيباتها وأسلحتها جانباً وتستسلم.. ألم تقهقه جذلاً معها في تجربتها؟ ذلك هو الشعر في أبهى صوره.
تعود الشاعرة وسمية العازمي مجدداً إلى نفس الموضوع في نص شعري آخر للتنويع على هذه الشخصية الكاريكاتورية، وتكرر نفس شكايتها من عدم التفاتته لمشاعرها، لكن هذه المرة بعد ثماني سنوات وليس عامين كما نصها السابق:
«أنا لي ثمان سنين متولعه وأغليه / وعلى جملة أهل الحقد والعذل محتجة».
تبوح بمشاعرها وتكتب القصيدة تلو الأخرى شرحاً وايضاحاً لعاطفتها لكن دون جدوى، وكأنما مشاعرها مثل كلماتها تذهب إلى كل مكان.. إلا قلبه، أو كورقة تلعب بها الرياح ولا تصل إلى غاية:
«كتبت القصايد كلها يا جماعة فيه / عليه الحشا مثل القراطيس بالعجة.
عقب ها العمر يسأل قصايدك من هو فيه؟ / يا ويل قلبي كان نشدته من صجه!».
بعد التلويح والتصريح بالحب لا ترى أي مخرج سوى الإغراق ثانية في بحر من الجنون:
«أنا ودي أطقه وأخاف أتوثم فيه / هبيل بلاه الله في بنت مرتجه».
هذا بالنسبة إلى السخرية التي وظفتها الشاعرة في تجربتها، أما بالنسبة إلى المتلقي؛ فبرغسون يرى أن الكوميديا أساساً مجردة من المشاعر، وعدوها اللدود هو التعاطف حيث أن الضحك قد تطور كترياق للعاطفة، وهو يحمينا من معاناة الآخرين. أما من وجهة النظر النسوية، فترى هيلين سيسو في سخرية النساء على أنها «خرقٌ لادعاءات الذكر، وبالتالي ضربة موجهة للتفوق… وقد تكون ميداناً للصراع الرمزي».
أخيراً، وسمية العازمي قد تخالف الادعاءين السابقين لبرغسون وهيلين سيسو؛ فهي ارادت التعاطف، ولم ترد لخطابها الشعري أن يكون نسوياً بل أنثوي بعيداً عن مرموزات الصراع مع الذكورية.
جديد الموقع
- 2024-11-14 البلدية والإسكان والبريد السعودي سبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية
- 2024-11-14 السير الذاتية وتابوهات المجتمع
- 2024-11-14 في ديوان «هاجسُ الريح»لهاني الملحم.. ما نتوقعه من الشعر، وما تعد به القصيدة.
- 2024-11-14 يمثل الأحساء والمنطقة الشرقية في البطولة نادي وأكاديمية بادل بول إلى نهائيات دوري بارنز السعودي للبادل
- 2024-11-14 افراح الأجود و البجحان تهانينا
- 2024-11-13 هل يُطاع الله من حيث يُعصى؟
- 2024-11-13 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية للنقل باتحاد الغرف السعودية
- 2024-11-13 تحالف الأسودان ، خلاص الحسا وسكري القصيم
- 2024-11-13 زواج ثنائي "المجحد والعوض تهانبنا
- 2024-11-13 مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك في معرض "واحة الإعلام" بالتزامن مع استضافة المملكة للقمة العربية والإسلامية غير العادية في الرياض