2023/03/02 | 0 | 2192
ميتافيزيقيا الصوت.
اليمامة
هناك خلف هذا العالم الواقعي «الفيزيقي» المحسوس، يتخلق للعشاق كون موازٍ ثانٍ لا مرئي. قد يشبه عالم المثل الأفلاطوني في وجوه، لكنه يتقاطع معه حتماً في مسألة الحقيقة والمظهر؛ حيث الوجد «لهيب ينشأ في «الأسرار» ويسنح عن الشوق فتضطرب الجوارح طرباً أو حزناً عند ذلك الوارد» كما يقول النوري.
فعندما نردد مع بشار بن برد مقولته الشعرية:
«يا قومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة ٌ
والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا».
فنحن لا يجذبنا قائل البيت السابق والشهير أنه أعمى حتى يمكننا تصديقه ووضعه في إطاره المنطقي، إنما لانتشاره بين المحبين، ولقرون عديدة؛ ولتبنيهم معنى الدقة في إصابة «الصوت» حقيقة العشق والكشف عن مشاعر المحبين أكثر من الحضور الحي لهيئة المعشوق ولغة جسده.
فالعاشق لديه القدرة على التفريق بين حمولات المفردة العشقية من خلال إيقاعها كهذا النص الشعبي:
«أَريدْ أَسّمَعْ أَحِبَكْ مال عشرِ سنين..
مو هاي «الأَحِبَك» هَسه تِحْچِيها».
فهو هنا يتحسس نفس المفردة من خلال أثرها على روحه وما تحمله من مشاعر؛ فكلمة «أحبك» عندما تلامس مسمعه، يستشعرها بوجدانه على أنها تحمل أو/ لا تحمل مشروع ارتباط حقيقي. فهو هنا يفتح قناة اتصال مختلفة؛ ولا يخاطب في معشوقته عقلها أو قلبها، إنما يتخاطر مع الهيئة الروحية الغير منظورة:
«تعال وجيب ظلك خلي أحچي وياه
واسولف له عليك، وروحي اچويها».
وأيضاً، يستطلع حقيقة تلك المشاعر التي سوف يكشفها الصوت من خلال إيقاع الكلمة:
«تعال وجيب صوتك أرد اسمعه بشوق
حتى أطرب غصب والدمعة أبديها».
إذن، للصوت طاقة يقيس بها المحب عمق مشاعر حبيبه من خلال ما يكشفه صوته من نبرات تنقل حقيقة عواطفه. يمتلئ بها، ويبني عليها موقفه من الحب وعمق المشاعر والأحاسيس. كل تلك العمليات تجري، والعقل مُقال ومبعد؛ حتى لا يشاغب المعنى بأطروحاته ومنطقه وأدواته التي يقيس عليها الأشياء المادية. فالمعطيات مختلفة، ولغة الجسد والهيئة ليست هي المقياس؛ فقط بحاسة السمع، أما بقية الحواس الأربعة الأخرى، فهي لا ترتقي إلى طموحه في جودة الحكم وسلامة الموقف.
لكن عندما نمضي أكثر في الكشف عن المفهوم الميتافيزيقي للصوت، نجد أن غسان الخنيزي في نصه «عزف منفرد» يثرينا ليعلو بمفهوم صوت الحبيب إلى أكثر من مجرد تواصل شخصي يستشعره الشاعر وحده؛ فهو العالم بأشيائه ومكوناته الذي يتجاوب معه ويشاركه طرباً بتناغم وانسجام مع كل مستوى من ذبذبات صوته؛ وما توحيه من معان، كأنها تلك النغمة التي سمعها يوماً وأقسم على وجودها الحكيم فيثاغورث كهرمونيا كونية ناظمة للوجود:
«الموسيقى التي تتبع الصوت / موسيقى الغرفةِ الأخرى / التي تملأ الممراتِ براقصينَ جَذلين، وبالنشوةِ / قبل أن تصِلَكِ. / المستمعُ، ليس أنا / بل: الصالةُ، والأثاثُ، واللوحاتُ، والتماثيلُ / والمنفضة».
هذه الموسيقى المتخيلة التي يستشعر ذبذباتها الشاعر ليست أصواتاً، بل اهتزازات مرحة ورقص على إيقاع الموجة التي «تلامس كل الأكتاف الاثني عشر للنوتة الموسيقية وكل موسيقى العالم »، كما تراها الفلسفة الفيثاغورثية وتفسر بها مستوى فاعلية الصوت وذبذبة تردده. الشاعر غسان يلوح بهذا المعنى ويتفق معه:
«الموسيقى التي تتبعُ صوتَكِ / هذا العزفُ المنفرد / والضجيجُ والجَلَبَةُ التي يأتي بها / وأولئكَ العازفون الذين ينتظرونَ أدوارَهم».
أخيراً، فهذا التأثير «الأثيري» الذي يحدثه صوت الحبيب ليس نغماً، بل هو طاقة محركة تهدهد القلب وتنعشه كما يشير إلى هذا المعنى المتصوف أبو سعيد أبو الخير:
«يرقص الصوفي في السماع، / ليطفئ نار القلب بحيلة، / والعاقل يعرف بأن المربية، / تهز المهد من أجل سكون الطفل».
جديد الموقع
- 2024-11-14 البلدية والإسكان والبريد السعودي سبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية
- 2024-11-14 السير الذاتية وتابوهات المجتمع
- 2024-11-14 في ديوان «هاجسُ الريح»لهاني الملحم.. ما نتوقعه من الشعر، وما تعد به القصيدة.
- 2024-11-14 يمثل الأحساء والمنطقة الشرقية في البطولة نادي وأكاديمية بادل بول إلى نهائيات دوري بارنز السعودي للبادل
- 2024-11-14 افراح الأجود و البجحان تهانينا
- 2024-11-13 هل يُطاع الله من حيث يُعصى؟
- 2024-11-13 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية للنقل باتحاد الغرف السعودية
- 2024-11-13 تحالف الأسودان ، خلاص الحسا وسكري القصيم
- 2024-11-13 زواج ثنائي "المجحد والعوض تهانبنا
- 2024-11-13 مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك في معرض "واحة الإعلام" بالتزامن مع استضافة المملكة للقمة العربية والإسلامية غير العادية في الرياض