2022/09/10 | 0 | 2141
الظاهرة الصوتية في الشعر الحسيني الأحسائي
بداية لماذا الظاهرة الصوتية؟ ارتبطت الدراسات الصوتية عند العرب بالشعر ارتباطًا وثيقًا منذ عصوره الأولى حيث الشعر الغنائي والحُداء والموسيقى التي اعتُبرت ملهمة الشعوب منذ العهد اليوناني حتى عصرنا الحديث.
إلا أن هذه الظاهرة بقيت مهملة ردحًا من الزمن؛ وهذا يعد تحوّلاً طارئًا
على الشعر العربي؛ فلماذا؟
لأن الشعر لا ينبغي أن يُكتب ليُقرأ وحسب بل يُكتب ليُسمع، ففي الوقت الذي نطالب
الشاعربأن ينصهر في بوتقة نصوصه ويتوحد وإياها فإننا في ذات الوقت ننأى
بالشاعر أن يصاب بالتوحد كمرض عصري اجتاز بعض الشعراء لا زالت مستشرية في زمننا الحاضر، ولا نبالغ إن قلنا بأنها أضحت منهجًا لا حالة استثنائية وحسب.
في الزمن الغابر كان بعض المهتمين من الغاوين للشعر ومحبيه ومريديه يعتقدون بأن الشعر ينبغي أن يُكتب ليُحفظ وحسب، حتى جاء من يقول بأن الشعر ينبغي أن يُكتب ليقرأ.
وهذان الأمران شكلا انعطافة خطيرة في تاريخ الشعر العربي؛ خاصة وأن الشعر
في بداياته كان يمثل تظاهرة صوتية مسموعة (شفهية) في الدرجة الأولى؛ وذلك خلال فعليات سوق عكاظ في العصر الجاهلي حيث تظاهرة الشعر الأول في تاريخه المستغرق في القدم.
وهذا الأمر مغاير تمامًا للعزلة الذاتية، والاستغراق في منهج الكتابة من أجل القراءة وحسب، لكنَّ ثمة عزلة يمارسها الشعراء اليوم تمثل طقسًا فرديًّا، حيث يكتب الشاعر لنفسه أو لنخبة من الجمهور الخاص، وهذا المعنى يُكرّس مفهوم الشعر إنما يكتب ليُقرأ.
وهنا يبرز سؤال مهم: هل الشعر يكتب ليقرأ أم ليسمع؟
الواقع يثبت أن غالبية الجمهور يتوق للسماع، فهناك من يتساءل: لماذا لا نعيد القيم الصوتية للسماع خاصة في ظل وجود ما يسمى بالكتاب المسموع والديوان المرئي؟!
في ظل التقنية الحديثة والثورة المعلوماتية قل القرّاء وأصبحوا عملة نادرة، فمن تُراه اليوم يقرأ الديوان المكتوب سوى بعض المهتمين بالقراءة أو الباحثين والنقاد، بينما
غالبية الجمهور يفضل الاستماع والمشاهدة.
فإذا ما جئنا لشعرائنا وخاصةً شعراء المنبر الحسيني فإننا نجدهم يحظون بالإقبال من لدن الجماهير، فلماذا؟ لا سبب يمكن أن يُذكر غير وجود من يقرأ
نصوصهم ويستنطقها لا بل يموسقها ويلحنها إنشادًا رادوديًّا أو نعيًا منبريًّا عبر بعض خطباء المنبر الحسيني.
لذا فإننا نجد أن أحد أهم مقومات الظواهر الصوتية (الإيقاع) و (النغم) و (الموسيقى) فهي السمات الأبرز إذا ما عدت بُنية تحتية تُشكل ظاهرة الصوت، ومما لا شك فيه أنها باتت مطلبًا عصريًّا صرفًا؛ خاصة في وجود منصات برامج التواصل الحديثة.
ومن أقدم من اهتم بالظواهر الصوتية من علماء العرب العالم العربي اللغوي النحوي الشهير (أبو الفتح ابن جني) وذلك في علم الدلالة الصوتية.
وفي ذلك يقول الكاتب والباحث (بالقط خليل) في دراسته الصوتية المعنونة بعنوان: ظاهرة الإدغام في لغة الشعر:
(إن الشعر يختلف عن النثر في بنائه اللغوي، فقد أفصح عن ظواهر صوتية عديدة بفضل جِرسه الموسيقي، ومن أدقّ هذه المجالات الصوتية ظاهرة الإدغام، فهو لغة
العرب التي يجري على ألسنتهم، وقد أعطى أهل اللغة لهذه الظاهرة حقّها ومستحقّها من
الاستقراء والوصف).
انتهى كلامه..
فالصوت -إذن- له إحساسه الخاص الذي ينساب عذوبة، ومن ثم يتسرّب في التجربة الشعرية بسلاسة عبر اللاوعي؛ كي يُنْبِئَ عن
الدّور الايقاعي والجمالي لكُلِّ تشكيلٍ صوتي في تراكيبِ المُعجم اللغوي والشعري
كصيغةٍ فنية قائمة بذاتها، يستَثْمرها الشاعر في قوافيه.
فإلى أصوات الطّبيعة التي ترمي بظلالها على شعر الشعراء تمامًا كعصْفِ الريح وأصوات العواصف وخريرِ الماء وحفيف سعفات النخيل في موسيقى معبرة تؤثرفي تجربة الشاعر.
ولا أريد أن أستغرق في هذه المصطلحات ذات العلاقة بالظواهر الصوتية؛ لأنني في حديثي هذا عندما أتحدث وإياكم عن الظاهرة الصوتية فإنني لا أعني بها الظواهر الصوتية تلك التي تُتَداول في أروقة الجامعات والدراسات الأكاديمية، وإلا فمن أكثر الظواهر الصوتية شيوعا في القصيدة ظاهرة الإسقاط،
وصوت الهمز، ومن الظواهر الأخرى انكماش أصوات المد الطويلة، وإطالة
أصوات المد القصيرة، وانتقال صوت المد القصير.
وتلك الظواهر الآنفة تُكسب الجملة الشعرية قِيَمًا صوتية أخرى تمنحها بعض المؤثرات الصوتية التي تثري الدلالة اللغوية داخل النص الشعري.
ومن الظواهر الصوتية كذلك ظاهرة المماثلة التي ينبثق عنها الإدغام، وظاهرة السكتة، وغيرها من الظواهر الأخرى التي يتناولها علماء الصوت، فهذه الظواهر الصوتية مهمة إذ يستخدمها الشاعر كأدوات وتقنيات شعرية يغير بها دراما المعنى، فهذه الظواهر الصوتية رغم أهميتها إلا أننا لسنا بصدد التحدث عنها، لذا فإنني آثرتُ أن أتحدث عن الظاهرة الصوتية الإعلامية في الشعر الحسيني الأحسائي.
لقد كان الشاعر فيما مضى يمثل صوت قبيلته، واليوم بات الشاعر يمثل نفسه وتوجهه وأمته ووطنه، فهو بحد ذاته يُعدُّ صوتًا شاعريًّا مؤثرًا، فكيف إذا وُجِدَ من يوصل صوته الشعري للآخر؟!
فالرادود الحسيني ـ على سبيل المثال ـ يمثل صوتًا آخر أكثر تأثيرًا في الجماهير حيث يُعبرعن شاعره المنبري الذي أنابه عنه، فالروادود يُعد بذلك شريك الشاعر الإعلامي؛ وذلك بقراءة نصوصه، وهذا يؤكد أن الشعر يُكتب للاستماع، أجل فتلك ظاهرة صوتية أخرى تكونت كظاهرة شعرية ملموسة على نطاق واسع يؤثر في الجماهير تجعل من الشاعر ذا كاريزما تُشد له القلوب قبل الأذان، وفي المشهد الشعري الحسيني الأحسائي هناك ظاهرة صوتية طاغية اكتسحت الساحة حيث وجود شعراء نجحوا في كتابة نصوص في مواطن عدة حققوا من خلالها الاختلاف في الدراما الشعرية، فقد سجل هؤلاء الشعراء قفزة شعرية بديعة لا شك ولا ريب في أن التاريخ سيسجلها لهم كأفضل فترة انتعاش للشعر مما سبق من فترات سابقة.
إذن لنتفق أن للظاهرة الصوتية دلالة معنوية، وهذه الدلالة المعنوية يُمكننا أن نعبر عنها بالدراما التي تُشكل ملامح النص، ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة الصوتية في مشهد الشعر الحسيني تكونت عبر سنوات من ضخ النتاج الشعري خاصة في الشعر المنبري، فكما كنا نستمع لصوتٍ رائدٍ يمثلُ شعر الشاعر الحسيني علي بن فايز الأحسائي الشاعر الذي امتلك ناصية المنبر الحسيني والذي علا نجمه تمامًا كما علا صوت شعره على شتى المنابر بِتنا اليوم نسمع صوت شعراء أحسائيين معاصرين بعض هؤلاء الشعراء ينتسبون لملتقى شعراء الأحساء كالشاعر الحسيني أبي مظاهر الأحسائي الذي لا يكاد مجلس عزائي إلا ويكون له فيه كلمة شعرية ترويها عنه حنجرة رواديد المنطقة كصوت حسيني أحسائي عريق، وكالمهندس الشاعر ناصر الوسمي الذي طالما سمعنا صوت شعره على لسان رواديد عراقيين، أو صوت الشاعر عبد الله طاهر المعيبد الذي سمعناه واستحسناه من خلال حناجر رواديد بحرانيين، ناهيك عن الشاعر أسامة العامر والشاعر حسن طاهر المعيبد والشاعر لؤي الهلال الذين بتنا نسمع أصوات قوافيهم عبر حناجر رواديد من مختلف الوطن العربي، وربما مثّل صوت الشاعر ذاته ظاهرة صوتية إعلامية لما يمتلك من موهبة في الإلقاء الآسر كالشاعر الأستاذ جابر الجميعة، كل هذا على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فهؤلاء الشعراء تجاوزوا حالة الفردية الصوتية ليُكوّنوا ظاهرة صوتية ذات سمات خاصة لافتة وملفتة على الساحة، هؤلاء الشعراء وغيرهم من شعراء الأحساء بمختلف تنوعهم وفئاتهم وتوجهاتهم بدأنا مؤخرًا نسمع أصوات نصوصهم على ألسنة خطباء حسينيين عبر قصائد النعي خلال عشرة عاشوراء الحسين (ع) والمناسبات الأخرى.
ولا شك أن هذه النصوص الحسينية الأحسائية تتمتع بِنِقَاطِ قوة، منها: تآزر اللفظ مع المعنى، والوحدة الموضوعية والعضوية في القصيدة، والتركيز على الصور الجمالية، ودقة الوصف، والتركيز على الغرض الشعري، والابتعاد عن الحشو.
ألا تتفقون معي أن نصوصًا بهذه النقاط من القوة قد شكلت لنا ظاهرة صوتية باتت صوتًا ناطقًا ومسموعًا لم يكن موجودًا فيما مضى؟!
ألا يحق لنا أن نرصدها ونوثقها ونؤرشفها؛ كي تتخذ مكانتها الصوتية كمرحلة من مراحل ازدهار الشعر الحديثة؟
إلَّا نفعل ذلك فإننا نكون قد أغفلنا حقبة تاريخية مهمة، وساعدنا في حجبها على الأجيال القادمة.
إن نصوص أولئك الشعراء وغيرهم من شعراء المنطقة هي نصوص ناطقة، وليست نصوصًا صامتة عابرة للحدود وحسب، بل هي نصوص نوعية
ضاربة في العمق، ناطقة بالجَمَال، مستغرقة في عالَم الدهشة، خارجة عن المألوف، بعضها يُعدُّ مدرسة شعرية تندرج ضمن مدارس الشعر الحسيني في عصرنا الحديث.
المصادر:
١- الظاهرة الصوتية في الشعر، حل وترحال، صحيفة الخليج.
٢- دراسة صوتية ودلالية في شعر الطغرائي، ميثاق حسوني سلطان.
٣- ظاهرة الإدغام في لغة الشعر ، دراسة صوتية، بالقط خليل.
٤- ظواهر صوتية في الشعر (السَّكْتَةُ)، عبدالله جمعة
جديد الموقع
- 2025-01-14 أسرة المهناء بالمطيرفي تحتفي بزفاف ابناء الحاج "جواد " تهانينا
- 2025-01-14 " المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي "
- 2025-01-14 أسباب الإخفاق في الإلتزام بقرارات العام الجديد
- 2025-01-14 هل بإمكان الجزر أن ينظم نسبة السكر في الدم؟
- 2025-01-14 محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية التي تجري في اللاوعي وتشكل انفعالاتنا وقراراتنا وسلوكنا
- 2025-01-13 تنظيم علاقة الإنسان بريه
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة