2022/08/07 | 0 | 2385
قراءة في (مجازات) الشاعر محمد أبو عبدالله
الشعر يتمثل في مفردات لغة عادةً ما تصنع الفرق بين النصوص لدى جيل من الشعراء أو لدى نصوص شاعر ما؛ ترتسم ملامحها لتبوح بشيء من جمالياتها أمام المتلقي والناقد بتجليات معينة؛ ولكي نسبر أغوار تلك التجليات الشعرية لا بد من قراءتها بتأنٍ على فترات زمنية كي تكشف لنا عن ستارها بوضوح تام، ومن خلال متابعة متأنية لنصوص الشاعر محمد أبو عبدالله العاشورائية والولائية في العموم، تجد أنه شاعر مختلف يغرد خارج السرب، ففي الوقت الذي يكتب فيه بعض الشعراء نصوصهم العاشورائية بلغة (جنائزية) استدرارًا للدمعة وطلبًا للأجر والثواب وحسب، فإن المتأمل في نصوص شاعرنا أبو عبدالله يلمح فيها لغة خارجة عن المألوف، حيث يصوغ نصوصه الشعرية تلك سواء الخليلية منها أو التفعيلة بأساليب جاذبة وتجربة صادقة بعيدة عن التقليدية قريبة من الحدث، لغة وبالرغم من أنها لغة شفافة مهندسة ومدروسة إلا أنها مكتوبة في اللاوعي الشاعري بوعي عاشورائي أنيق، وتتضح تلك التجربة في سلسلة (مجازات) التي تعبر عن عمق ما لدى الشاعر من تجارب شعرية عالية المضامين محبوكة التراكيب، متعددة الأساليب الشعرية، متراصة السبك، ذات وحدة عضوية تتنزل على المتلقي كوحي شاعري متين، عميق الدلالة.
اقرأه هنا حين يصف خروج الإمام الحسين (ع) من مكة المكرمة:
ما حال (مكةَ) وهي تَجهض حلمَها في أول الفصلِ المغايرِ
كيف بدّلتَ الحكايةَ يا (حسين) وأنت تلمح صمتها عبثاً يحاولُ أن يرتبَ في ملامحها الوداعا
كانت تهيئُ في محاصيل انتظارك جوعَها حتى استبدَّ بها جفافُ الوقت
لا يشكو ارتياحُ ضميرها ظمأَ المكان
ولا ترى في ضيقها إلا اتساعا
ناهيك عن عنونة القصائد التي تحتل مساحة في فكر الشاعر وتنبئ عن قدرة لغوية؛ فشاعرنا أبو عبدالله يوظف تلك المساحة بعناوين منتقاة بعناية جاذبة معبرة عن مضامين النص مختزلة له كأيقونات أدبية ملفتة، من مثل:
- انتظارُ جهةٍ مستحيل.
- سؤال دونَ أجوبة الدرب.
- سيرة تحتاج الحسين.
- مناجاة جهة مستحيلة.
وإلى جانب تلك السمات الآنفة فإن ما يميز تلك القصائد أنها لا تنفك عن ذات الشاعر إلا بالقدر الذي يسمح لها الضوء؛ لكي تنفذ كنصوص شعرية إلى قلب المتلقي.
يقول في قصيدة سؤال دونَ أجوبة الدرب:
هدوءُ الركبِ يفتحُ لانتباهيَ أن أُعيدَ ملامحَ الأحداثِ حتى لا يباعدَني خيالُ الملهمين عن الحقيقةِ فالحقيقةُ في (الحسين) أجلُّ من عينِ المجازِ وإن تشابهت الدوافعُ والتفاصيلُ الصغيرةْ.
وحسبي أن يكون الحبُّ مختلفاً إذا عبرَ (الحسين) على يقينيَ مرةً
هي لحظة ٌملأى ألوذُ بها
وإن كانت قصيرةْ.
إن لغة شاعرنا الشاعرية تلك سواء الفصحى منها أو المحكية هي نصوص ذات سور منيع، ولفتات وإضاءات محبوكة بذكاء متوازن؛ فهي لم تسقط في شَرَك (السردية) المباشرة، ولم ترمِ بثقلها في أتون (الحشو) المستهلك، إنها لفتات وإضاءات ممسوسة بالحداثة التي تسمح لها أن ترتفع عن اللغة العادية المتداولة، لغة سلسة سهلة لكنها ممتنعة في ذاتها.
تأمله في هذا النص المحكي المعنون بعنوان: (سيرة تحتاج الحسين):
جايز ابصدرك عمر رايد له باب
وجايز انت الما فهم مفتاحه
العمر أرقام يقولوا، مو صحيح؟
انت خلّي المستحيل اجناحه
لا تخلي الجاذبية اللي بهواك
تحتكرها طيحة التفاحه
يمكن الفرصة اللي تحتاجك تروح
وانت ماخذ مشتهاك ابراحه
إلى أن يقول:
قلّب أفكار الزمن واسأل (حبيب)
شلون كانت شيبته مرتاحه
تعرفه الجنة قبل يوم (الحسين)
وسيرته ابصحبة (علي) فواحه
لكن الفرصة انتهاز ومن تروح
قطعة من روحك تظل منزاحه
وبالرغم من كون القصائد عاشورائية إلا أن الشاعر استطاع النفاذ إلى عوالم الحياة الأخرى المبللة بندى الحسين عليه السلام وعالمه العاشورائي.
وثمة نزعة نحو الحكمة تتلمسها أثناء قراءتك تلكم النصوص، أجل هي حكمة عالية المضامين، لكنها غير مباشرة بل هي نتاج طبعي لما يتراكم لدى الشاعر من قراءات وتجارب يسجلها بعفوية ثم يشعرنها بالقدر الذي يسمو بالنص المشبع بالشاعرية، الغني بالتجربة؛ لا غرو فإن لدى شاعرنا القدرة على استشعار الحدث بحيث يشعرن التاريخ ليوظفه لصالح القصيدة.
الأمر الملفت كذلك هو رصيد شاعرنا اللغوي، فهو يمتلك رصيدًا ثريًّا، كما أن ومعجمه البلاغي طاغٍ بالمفردات التي تسعفه بتلقائية متى ما استدعاها، حيث أنه ينطلق من فكرة محددة تكون هي محور القصيدة؛ ولكأنه يقدم قراءة جديدة للحدث من خلال نصه الشعري.
أما المجاز الذي هو مبعثر في نصوصه فإنها انزياحات متناثرة مختارة بعناية موجودة بقدر غير مفرط في نصوصه، تغلف المعاني بغلافها الجَمَالي الذي يجذب عيون المتلقي.
يقول في قصيدة: (مناجاة جهة مستحيلة):
معاناة الكتابة أن تعيرَ الظلالُ فراغَها رئةً
وقلبا
فكيف إذا أراد الشعر حظاً
يقلّدهُ من (العباس) قُربا
كأن المستحيل الحي فيهِ عصيُّ الوصف
يوقظُ فيك ذنبا
ولا ذنبٌ سوى لغةٍ أرادت محاصرة المجرة وهي تعبى
(أبو الفضل) المجرة،
من بعيدٍ تراه
ولا تطال إليه دربا
يقول الحب:
حظّي حين نالت محاولتي - من العباس - حبّا
وما أنا غيرُ حرفين
استغلا ثباتَ حضوره وحياً
وغيبا
فإن حاولت
لي شرفٌ،
وإن لم أجدني فيه،
لي شرفٌ ..
وعقبى
إن شاعرنا أبو عبدالله شاعر مطبوع ذو قدرة على صنع لافتات شاعرية ملفتة، وإضاءات شعرية مضيئة، تُنبئ عن مقدرة شاعرية عجيبة، تحوي إشارات بليغة ضاربة في العمق الشعري الملموس النتاج لدى المتلقي.
فهو قناص للفكرة، لماح في عرض ما من شأنه إبقاء المتلقي يحتسي شاي النص لآخر قطرة منه.
وإن نصوص شاعرنا أبو عبدالله العاشورائية تلك تستحق الضوء والإشادة؛ لكثافتها الشعرية والشاعرية؛ حتى أنني أجزم بأنها تتجاوز الظاهرة العامة لتدخل ضمن دائرة كونها رؤية شعرية خاصة تدخل تركيباتها في تكوين قامة شاعرية ذات ملامح شعرية متفردة يعزف شاعرنا أبو عبدالله من خلالها على وتر قوافيها عزفًا منفردًا مكونًا منها لوحاتٍ شعرية ربما مثلت يومًا مدرسة
وإخال أن هذا الشاعر القادر على إمتاعنا برؤاه الشعرية التي سجلها عبر نصوص كهذه النصوص فهو - لا ريب - قادر على أن يوصل تجربته تلك إقليميًا وربما عالميًّا؛ نظرًا لما يمتلك من أدوات شعرية تسعف مشروعه للوصول للآخر، وذلك بتكثيف الصور المفصلية في القضية الحسينية وسائر القضايا التي يؤمن بها إيمانًا يطغى على الأنا الذاتية والجمعية تلك التي تلوح له في أفق الشعر فيقتنص منها ما يمكّنه من مخاطبة الآخر بلغة تتماهى والإنسانية، بحيث يصوغها بلغته المتمردة على التقليدية الناهضة بالقيمة الأدبية المؤمنة بذاته المجنحة بقوافي قصائده.
دعوة مغلفة بهمسة..
وهذه دعوة للشاعر أبو عبدالله أهمس بحروفها في أُذُنِ أُذَيْنِ قلبه بأن يرفع مستوى كثافة المعنى في نصوصه؛ وذلك بزيادة تركيز الجرعة الشاعرية والشعورية في نقطة محور الموضوع الشعري؛ حتى لا يتشتت ضوء المعنى ويتطاير رذاذه المسلّط فيتخفف رجيع صدى ذلك المعنى المراد، وتنحسر موجة انهماره؛ وهذا بدوره سيزيد من رفع خصوبة التربة الشعورية والشاعرية لدى الشاعر، فتعانق زهرات قوافيه الحياة بكل تجلياتها فتكون جزءًا لا يتجزأ منه، وهو جزءًا لا يتجزأ منها
جديد الموقع
- 2025-01-14 أسرة المهناء بالمطيرفي تحتفي بزفاف ابناء الحاج "جواد " تهانينا
- 2025-01-14 " المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي "
- 2025-01-14 أسباب الإخفاق في الإلتزام بقرارات العام الجديد
- 2025-01-14 هل بإمكان الجزر أن ينظم نسبة السكر في الدم؟
- 2025-01-14 محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية التي تجري في اللاوعي وتشكل انفعالاتنا وقراراتنا وسلوكنا
- 2025-01-13 تنظيم علاقة الإنسان بريه
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة