عندما تبتسم القوافي.. قصائد الشاعر أحمد الرمضان نموذجًا.

قليلون هم الشعراء الذين يعزفون بناي القصيد على وتر القوافي بروح الدعابة، والفكاهة والطرفة، والمَرَح، ويتغنّون بقوافٍ ضاحكة تارة ومبتسمة تارة أخرى بهدف إبداء معاني السعادة، وممن قرأتهم في المشهد السعودي كرائد من روّاد هذا الفَنِّ الشاعر الكاتب حسن السبع، وهذه الفئة من الشعراء على نوعين منهم من يركب موجة السخرية والهزل كالشاعر العربي الشهير أبي نواس، ومنهم من يأخذ ناحية من الطرفة محوِّلاً الموقف الباكي إلى موقف ضاحك على طريقة : ( يرقص مذبوحًا من الألم )، كشاعر القصائد الضاحكة الأستاذ ناجي بن داود الحرز، ومنهم من يُمتع المتلقي بشعرٍ مُبتسم مَرِحٍ عن المأكولات والأطباق الشهية، كشاعرنا المُجيد الأستاذ أحمد الرمضان فقد تناولت نصوصه أغلب المأكولات كالمشاوي، وطبيخ الصواني ، والسندويشة وحتى شطة أبي ديج الشهيرة، وهذا ـ لعمري ـ فَنٌّ بديع لا يملكه أي شاعر، هذه التجربة الشعرية الفريدة لها وقع في نفوس الناس، وهي تجربة ليست بالسهلة فربما شعراء كبار لا يستطيعون أن يمتلكوا أدواتها؛ أما لماذا هم قليلون أمثال هؤلاء الشعراء؛ فالسبب يكمن في أن هذا الغرض الشعري يحتاج لشاعر يمتلك روح الدعابة وقدرة على تحويل الموقف إلى نصٍّ شعريٍّ مَرِحٍ، ويضفي عليه لمسته الشاعرية بذكاء اجتماعي وألمعية شعرية متكاملة العناصر بدءًا من أول شطر حتى آخر قطرة فكاهية من آخر شطر في نصوصه المُبتسمة.

 من يقرأ شاعرنا الرمضان قراءة متأنية فإنه يجده شاعرًا حقيقيًّا ذا تجربة لافتة، وملفتة ، فإلى جانب شعره الولائي فهو شاعر مرهف الحس حاضر البديهة في تحويل الموقف لصالح الفكاهة ، ولعل أبرز سمة واضحة المعالم الشعرية هي الجانب الفكاهي في شعره، فهو يعمل على تركيبة سحرية شعرية تبلسم الأفئدة، وتعمل على ترطيب الأجواء لمتلقيه ومن هم حوله ؛ لذا تجد شعره قريبًا من الجمهور.

ومثل هذه التجارب الشعرية تُعدُّ مطلبًا اجتماعيًّا في زمن الكوارث والجوائح والهموم والمآسي التي يبحث فيها الناس عَمَّا يُحرِّكُ فيهم المُتعة والاستئناس في مجالسهم الخاصة والعامة.

 تركيبته الشعرية تلك تحكي عن نفسها بنفسها لمن يقرأ نصوصه إذ كل بيت شعري من أبيات شاعرنا الرمضان في تجربته الفكاهية تلك يعمل كحبة بندول لتهدئة صداع القلوب من هموم الدنيا الكثيرة.

 والملفت في شعر شاعرنا الرمضان أنه يعمل بأدواته الشعرية المتنوعة على رسم لوحة فنية في القصيدة الواحدة بحيث يكون النص مركبًا تركيبًا منسقًا ذا توطئة وتسلسل ونتيجة منشودة نهاية النص..

وهذا يدل على أن جسم النص منسق وأن الوحدة العضوية والموضوعية بارزة وأن أجزاء الأبيات مترابطة وتسير سيرًا واحدًا، وتستطيع أن تحكم على ذلك بأمرين مهمين في النص: وحدة الموضوع، ووحدة الجو النفسي لعاطفة الشاعر المنصبة في هذا الموضوع، وهذا واضح في قصيدة: أحبها وهي تثري حمرة اللهب، وقصيدة: رمقتها شعرتُ بارتياحِ * بساعة الغداة والرواحِ

 وهذا بدوره يمنح النص الشعري قيمة فنية أخرى..

 كما يدلل على أنه شاعرنا الرمضان شاعر مطبوع مجبول على الطرافة والفكاهة لايتصنعها.

بالرغم من إبراز جانب الفكاهة في نصوص شاعرنا الرمضان إلا أن قصائده لا تخلو من الجَمَال الوصفي المندس بين الأبيات يبعثه الشاعر كرسائل حياتية تلميحية مكتنزة بالتجربة والحكمة ، ومن ذلك قوله:

فتمنَّعتُ .. ولكنْ ... راغِبا ....

من رآى ممتنعاً مبتسماً ؟!

 وأنا رُغْم ( ريجيمي ) أرتمي ...

مثل صخرٍ وعلى الأرض ارتمَى

 فأكلتُ الجيشَ والحسنا معاً ...

رُبَّ من خاضَ الوغى دونَ دِما

 وأقامَ البطنُ منها عرسهُ ....

وأقام الصحنُ فيها مأتما

 لا تلوموني فهذا صاحبي ....

بجمالٍ الروحِ اضحى مُلهَمَا

 إلى أن يقول:

 هل هو الجاني أم الجاني أنا ؟ ...

أم تُرى أضحى كِلانا مجرما ؟

نص يفيض بالجَمَال رغم كونه يقع تحت عنوان الفكاهة، هذا وغيره غيضٌ من فيضِ ما استطعتُ أن أستشفه من قراءاتي السريعة لنصوص هذا الشاعر المُمْتِع ، مما يجعلني أؤكد أنه شاعر حقيقيّ يمكن لشعره أن يضاف للشعر الفكاهي المبتسم في مكتبة الشعر العربية.