غالبًا ما يعاني المشخصون بالخرف من إحساس مشوش بمرور الزمن. غالبًا ما يعلق أصدقائي من الأطباء على مرضاهم المصابين بالخرف حين يستعدون للذهاب لحضور مواعيدهم في العيادة والوصول اليها قبل ساعات من الموعد المحدد لها.
أنواع الخرف، كمرض الزهايمر [المترجم: معلومات عن الفرق بين الخرف والزهايمر في 1]، يضعف الإدراك بشكل تدريجي، مما يتسبب في مشاكل في الذاكرة والتخطيط والعمل اليومي، مما يجعل القيام بأشياء، كالتسوق والتنظيف، أمرًا صعبًا.
يُعد الإدراك الدقيق للزمن أمرًا بالغ الأهمية في مجتمعنا الحديث (ولأسباب أهم بكثير من ازدحام غرفة الانتظار العيادة بالمراجعين)، لذا فإن هذا التوهان disorientation يؤثر بشكل كبير في المصابين بالخرف وعائلاتهم ومقدمي الرعاية لهم.
يشيخ السكان الأستراليون، ويصاحب ذلك زيادة في انتشار الخرف، ومنه مرض الزهايمر الأكثر شيوعًا. يعاني واحد من كل عشرة فوق سن ال 65 سنة وواحد من كل ثلاثة فوق عمر ال 85 سنة من الخرف.
هناك أسباب عصبية neurological reasons تجعل المصابين بالخرف يقدرون مرور الزمن بشكل مختلف، ويتمكنون من تذكر أحداث بعيدة زمانيًا قبل عدة عقود بينما لا يستطيعون تذكر أحداث الساعات القليلة الماضية.
الادراك الحسي للزمن عند المصابين بالخرف
المصابون بالخرف يشعرون بمرور الزمن أسرع مما يشعر به كبار السن غير المصابين به، وكذلك الراشدون الأصغر سنًا. هذا يختص بالإدراك الحسي بالزمن المستقبلي، حيث طلُب من الناس تقدير الفاصل الزمني القادم؛ وتقدير الزمن بأثر رجعي ، حيث الناس يحكمون على الزمن بعد وقوع الحدث ، مما يتطلب منهم الانتقال ذهنيًا إلى الوراء زمانيًا.
كمثال عملي، من المرجح أن يقلل المصاب بالخرف من طول المدة التي انتظرها في محطة الحافلات (لو سئل عن متى وصلت الحافلة؛ الادراك الحسي بالوقت بأثر رجعي) وكم طول المدة التي سيستغرقها على متن الحافلة قبل أن يصل إلى وجهته المعينة (لو سئل عن ذلك عند بدء الحافلة بالتحرك؛ الادراك الحسي بالوقت في المستقبل).
قد يقلل المشخصون بالخرف من تقدير الزمن بسبب الصعوبات في تذكر جميع الأحداث في الماضي القصير الأمد، مما يخلق شعورًا بالسفر عبر الزمن العدمي نسبيًا relative void time. قد يتذكر من لا يعاني من الخرف في طريقه إلي موقف الحافلة ذلك الصبي وهو يقود دراجته والسيارة الصفراء المتوقفة بجوار الدكان وجزازة العشب المزعجة والزوجين اللذين يلعبان كرة التنس؛ بينما من المرجح أن يتذكر المصاب بالخرف عددًا أقل من هذه الأحداث التي مرت عليه، مما يخلق شعورًا بحدوث أحداث أقل، وبالتالي يحس بمرور زمن أقصر.
العيش في الزمن الماضي
هناك صلة بين الإحساس بالزمن ووظيفة الذاكرة لدى أولائك المصابين بالخرف. غالبًا ما يفيد بعض الناس أن آباءهم (الأم والأب أو واحد منهما) المصابين بالخرف يعيشون أحيانًا في الماضي، بل ويعودون إلى التحدث بلغاتهم الأم (2).
هذا لأن الذاكرة ليست مجرد عملية واحدة في الدماغ، ولكنها تنطوي على مجموعة من النظم (أنواع الذاكرة) المختلفة. قد يعاني المصابون بمرض الزهايمر من ضعف في الذاكرة قصيرة الأمد (3)، ولكن يمكن أن تبقى الذاكرة البعيدة زمانيًا سليمة نسبيًا [المترجم: الذاكرة البعيدة زمانيًا هي التي حدثت قبل عدة سنوات بل حتي قبل عدة عقود لكن الشخص المصاب بالخرف لا يزال يتذكرها، وهي تختلف عن الذاكرة طويلة الأمد (4)، حيث الذاكرة طويلة الأمد تبقى لمدة ساعات وأيام بل وشهور، بحسب 5]. لذا فهم قادرون على تذكر الأحداث العامة والشخصية التي حدثت قبل عقود عديدة، لكنهم غير قادرين على تذكر ما حدث في وقت سابق من نفس اليوم.
توضح دراسة حالة مثيرة للاهتمام هذا الانفصال في الذاكرة البعيدة زمانيًا والذاكرة قصيرة الأمد في مرض الزهايمر (6). سائق سيارة أجرة متقاعد شُخص بإصابته بمرض الزهايمر أظهر ذاكرة مكانية رائعة لمركز مدينة تورنتو الكندية، حيث كان يقود سيارته الأجرة ويعمل ساعيًا لتوصيل البضائع لمدة 45 عامًا، مع أنه أظهر ضعف في الذاكرة قصيرة الأمد وضعف في الأداء الإدراكي / المعرفي العام [المترجم: الأداء المعرفي ينطوي على قدرات عقلية / ذهنية متعددة، بما فيها التعلم / اكتساب المعرفة والتفكير والاستدلال والتذكر وحل المشكلات واتخاذ القرار والانتباه، بحسب 7].
ولكن على الرغم من أن المصابين بمرض الزهايمر يمكنهم عادة تذكر الأحداث في الماضي البعيد زمانيًا بشكل أفضل من تلك التي حدثت في الماضي القريب زمانيًا، إلا أن أداءهم أسوأ بالنسبة لاستعادة الذاكرة (عملية التذكر) من أداء كبار السن الذين لا يعانون من مرض الزهايمر.
ومن المثير للاهتمام، يبدو أن الأحداث والحقائق التي تُسترجع (تُتذكر) وتستحدم كثيرًا على مدى العمر هي تلك الأحداث التي يتذكرها المصابون بمرض الزهايمر بشكل أفضل في أواخر حياتهم، لا تلك التي مروا بها في زمن ما في الماضي (8).
معدل استخدام نمط الذاكرة (9) هذا ينعكس في ثنائيي اللغة المصابين بالخرف. علقت إحدي الصديقات أن جدتها، التي هاجرت إلى أستراليا من اليونان منذ أكثر من 50 عامًا، تتحدث بشكل متزايد باللغة اليونانية على الرغم من أنها تتحدث باللغة الإنجليزية في الغالب لعقود (مما تسبب ذلك في مشاكل لصديقتي التي لا تتحدث إلّا باللغة الإنجليزية).
غالبًا ما يعود المصابون بالخرف ويتحدثون بلغتهم الأم (10). يبدأ هذا عادةً بألفاظ من اللغة الأم تظهر في حديث باللغة الثانية. يحدث هذا في كثير من الأحيان لدى من هم أقل طلاقة بالتحدث بلغتهم الثانية ، وليس مرتبطًا بالعمر الذي اكتسبوا فيه لغتهم الثانية.
اذن كيف حدث ذلك؟ ربما لأن الذكريات المألوفة تعتمد أكثر على القشرة المخية، وهي الطبقة الخارجية للقشرة (11) ، على الرغم من أن الذكريات قصيرة الأمد تعتمد أكثر على بنية من بنيويات الدماغ تسمى الحُصين. عادةً ما يتأثر الحُصين في بداية خَرَف أواخر العمر، كمرض الزهايمر، ويلحق ذلك بإصابة مناطق من القشرة المخية.
ما هي أفضل طريقة للاستجابة؟
عوائل وأصدقاء المصابين بالخرف غالبًا لا يعرفون كيف يستجيبون عندما يعتمد آباؤهم (الأب والأم أو أحدهما) على هذه الذكريات البعيدة زمانيًا، وفي الواقع، يعيشان في الماضي. ليس الأمر بالتأكيد هو أن هذه الذكريات البعيدة زمانيًا ينبغي تجاهلها أو كبتها.
بدلاً من محاولة العائلات ومقدمو الرعاية إعادة المصاب بالخرف إلى الواقع، فقد يحاولون الدخول إلى واقعه وبناء الثقة وتقمص التعاطف معه وخفض القلق الذي يعاني منه. يُعرف هذا باسم علاج الامتثال (أو العلاج بالاحترام المتبادل، حسب 12 - 17)، مع العلم أن العديد من العائلات ومقدمي الرعاية يمارسون هذا النوع من العلاج دون أن يعرفوا اسمه.
كما ثبت أن العلاج بالمساعدة على التذكر (18) يحسِّن من المزاج والرفاهية والسلوك لدى المصابين بالخرف (19). ينطوي هذا العلاج على مناقشة الأنشطة والأحداث والتجارب السابقة (عادةً بمساعدة المواد القديمة، كالصور الفوتوغرافية ومقطوعات موسيقية وأشياء مألوفة).
بناء المرونة النفسية
لا يوجد شيء يمكن أن يقينا تمامًا من الاصابة بالخرف في المستقبل. لكن أسلوب الحياة المحفز للإدراك (20) يمكن على الأقل أن يؤخر ظهور بداية الخرف. هذا يعني استخدام الذاكرة والمهارات المعرفية الأخرى (21 و 22) قدر الإمكان، على سبيل المثال، العمل في وظيفة صعبة ذهنيًا وحل الكلمات المتقاطعة والانخراط في الأنشطة الاجتماعية.
كلما حاولنا تذكر الأحداث كثيرًا واستخدمناها على طول حياتنا، كلما زاد احتمال تذكرها ونحن في سن الشيخوخة.