2024/05/05 | 0 | 1453
قصيدة (مطية الغياب)
شعرية السياق.. وانفتاح المفردة
ببالغ الحزن تلقيت خبر وفاة الصديق العزيز الأستاذ فريد ناصر الضيف أبو محمد يوم الجمعة 24/10/1445هـ. تغمده الله بواسع رحمته واسكنه الفسيح من جناته وفي ظل هذا الحدث المحزن، قررت إعادة نشر (مطية الغياب) من كتابي "الحجر والظلال" التي كتبت أصلا عام 2005م.
الشاعر فريد الضيف من الشعراء الذين أراهن كثيراً على شاعريتهم إذا ما استطاع أن أن يعبر يمضي إلى الشعر ولا شيء غيره أن بسميه، أن يقول : إنه الهاوية والنزول إليه لا يكون بتقديم الحواس و الجسد والمعرفة عرضة للضياع والتشرد والتأمل، وهذا شرط يعتمد على التجربة الحياتية بالدرجة الأولى، وقلما نجد أصواتنا الشعرية تؤسس تجربتها الشعرية انطلاقاً ، من هذا التصور أو هذا المفهوم للشعر فثمة ما يجب أن نقوم به كشعراء ما ينبغي أن نمارسه كصيادين الكلمات بامتياز، بحث يقودنا إلى تحويل تجربة الحياة الذاتية بتشعباتها الجسدية والاجتماعية والثقافية إلى تجربة جمالية تتأسس داخل اللغة وفي أحضانها بصورة تفاعلية دائماً .
إذن ونحن نعبر إلى نص (مطية الغياب) للشاعر ذاته، ينبغي أن نوضح كيف يمكن أن نقارب نقدياً مثل هذا النص؟! وأي منظور يمكن أن نستدعيه لرصد درجة شعرية النص ودرجة حساسيته الفنية؟ للإجابة تقول : من الوهلة الأولى لا يطرح النص نفسه كمعطى جاهز، يمكن إدراجه ضمن خانة شعرية التصنيف . بمعنى آخر أن مقولة المعنى الجاهز بوصفها مقولة انفتاحية سرعان ما تتلاشى عند اصطدامها بالقراءة الأولية للنص لا نجد لها حضوراً في النص الذي أمامنا، فهو
ينأى بنفسه عن تلك المقولة ،وتأثيرها محتمياً بذلك خلف منطقة المعنى المؤول أو المعنى التركيبي الافتراضي، وهي خلفية تعيد تركيب النص مع كل قراءة تخترقها من العمق لذلك سنحار الكشف عن القول الشعري ليس فيما يريد أن يقوله أو فيما يريد أن يبثه من معنى، وإنما في الكيفية التي يعبر القول الشعري به عن نفسه وهذه (الكيفية) تفضي بنا إلى ملامسة الدلالة النصية في اشتغالاتها البنائية أو رصد معمارية النص فيما هو يؤسس للتعبير الفني من داخل النص ذاته. ويمكن أن نرصده هذه (الكيفية ) عبر مستويين من آلية التعبير، وهما مستوى التشكل السياقي الشعري ومستوى التشكل الشعري للمفردة، وهما آليتان تحددان بصورة كبيرة مقدرة النص على استبطان الطاقة الإيحائية والترميزية فيه ومن ثم تحويلها إلى فاعلية تخدم السياق، وكذلك المفردة بالقدر الذي تخدم فيه النص وشعريته بشكل عام. وهذه علاقة جدلية لا يمكن القفز عليها ليس بالنسبة للوعي التحليلي وإنما الأهم من ذلك هو العوعي الشعري بهذه العلاقة باعتبارها علاقة اشتراطية بمعنى : أنه لا يمكن تجاوزها إلى شعرية معمقة إلى شعرية متميزة وذات فاعلية وغير منمطة وذلك دون توظيفها بطريقة واعية تنم عن وعي حقيقي بشعرية السياق وبشعرية المفردة من جهة حمولاتها الدلالية ومن جهة علاقتها بالسياق وفق تموضعها في داخله ولو عدنا إلى النص ذاته من هذا المنظور سوف نبدأ بما يمكن أن تحققه شعرية المفردة من دلالة تركيبية تكون قادرة - أولاً ـ على تأسيس البناء الذاتي للصورة الشعرية وثانياً ـ دفع هذا البناء فضاء السياق النصي، وتموضعه بالصورة التي تزيد من فاعليته الشعرية. ففي المقاطع التسعة التي تشكل مجمل النص، تنهض المفردة على مبدأ الانزياح المتداعي :
بغية ليل تظاهرت
بغفلة ذئب متثائب . هي الآن
تخيط مشهد الانفلات بأظافر تفاحة . .
أو :
.. لنطرب الزحام من بؤرة
تتغذى نشيد الرعاة . .
أو :
من يقرأ لونه . .
بنشوة تمسك الأسماك في نحيب مني وفي وإلي
أو :
وذكر مباخر تتصاعد بدخانها في غرفتي .
وكما نرى فإن هذا التداعي على مستوى الصياغة التركيبية البنائية، مل من الجملة الشعرية مشدودة إلى أطرافها بمعنى : أنها توسع على ها بنائياً مما يجعل المفرة ـ بالتالي ـ أولاً: لا تظهر كل طاقتها الإيحائية ـ الترميزية ثانياً : احتمالية ذهاب المفردة إلى منطقة النثر الزائد، وهذه الاحتمالية قد تشكل لها حضوراً أو تكاد لكنها مقموعة سيطرة المختبر اللغوي الذي يستم به السياق نفسه، ثالثاً أن هذا التوسع في الجملة لا يفضي إلى شعرية التداعي كتقنية في حد ذاتها، يفضي بالمفردة بأن يجعلها تذهب إلى المعنى والأشياء وهي في حالة تضايف بنائي :
بغفلة ذئب
بأظافر تفاحة
حياة ليل
بضياء الخدعة
عمالقة رغبتي .. . إلخ
وربما هذا النوع من التعالق داخل الجملة يعطي المفردة المركبة - من جهة أخرى - امتلاء وحضوراً للرمز والدلالة والإيحاء، ولكن لم تكن هذه السمة تنطبق على مجمل النص ولكن في بعض جوانبه ربما، وعلى الرغم من أن المفردة، تقوم ببناء صورة شعرية جميلة ومتفردة
مثل :
قادم يلطخ النوافذ ويتركني في حيرة
أو
وتكتنز عمالقة رغبتي .. ممددة ..
تؤانس أنفي طيلة البرد.
أو
كحلم يمشي الآن في جواري
تزدانين كالزخارف التي يبست في الجدران .. إلخ
إلا أنها في بعض جوانبها لا تكون مشدودة إلى فضاء السياق الشعري وهنا ينبغي أن نتوقف - قليلاً - عند هذا السياق فإذا كانت المفردة الشعرية بمثابة ركيزة بنائية الشعري وفاعلية المنظور والرؤيا ومنطقة تشكيل القارئ والفعل التواصلي مع خطاب الآخر .. إلخ، وكلها وظائف يضطلع بها السياق الشعري وذلك في عملية توالفية / امتصاصية أي : أنها بمعنى ما تمتص حمولة المعنى القديم - من جانب ـ وتضفي على المفردة معناها الخاص أثناء تشكل النص، من جانب آخر .
وإذا اقتربنا من سياق النص ذاته وجدنا أن ثمة مناطق هشة ينعدم فيها فاعلية السياق بالقدر الذي تقطع الجملة الشعرية صلتها دلالياً السياق ذاته، لنقرأ :
بأظافر تفاحة في فيها رسمت منذ الأزل
أو
من بؤرة تتغذى نشيد الرعاة
أو
بنشوة تمسك الأسماك في نحيب مني وفي وإلي
أو :
وذكر مباخر تتصاعد بدخانها في غرفتي
هنا نجد أنه خلال هذا التضمين أو الموقعية لهذه الجمل الشعرية، ينطوي السياق على إرباك دلالي بمعنى أن الإيحاء الدلالي لا يتمدد بصورة ترابطية وفق الحيز المكاني والمعماري للنص، فثمة حلقات مفقودة تكون من الجمل الشعرية ذاتها، حيث نجد من إرباكها تذهب إلى منطقة العماء أو اللا تواصل وخلافاً لما سبق نجد أن المقطع الثالث والرابع والثامن يشكلون أفضل المقاطع من المنظور البنائي والدلالي لشعرية النص، حيث ينمو السياق بإزاء نمو المفردة، والدلالة بإزاء المعنى، وذلك ضمن عملية متوازنة تفضي - بالتالي - إلى اقتصاد لغوي، لأجل تكثيف القول الشعري، ولأجل شعرية متماسكة من العمق وهو عينه مطلب الشعرية الحديثة .
مجمل القول : يمتلك النص مقومات نجاحه شعرياً وينطوي على قدرة في جانب منه على التعامل مع اللغة الشعرية ولكن ما يتغافله بصورة أو لنقل ما مارسه النص هو قمع الواقع، ليس في دلالته الزمانية وإنما في دلالته المكانية الذي يشعرك النص، وكأنه يخضع إلى سلطة الواقع للعلاقة ذاتها التي يتأسس عليها النص في عمقه التكويني فتجربة الواقع وتجربة اللغة، ضدان كل منهما له سلطته على الذات، لكن جمعهما داخل لغة شعرية مبنية على منظور كتابي وجودي هو هذا رهان الشعرية .
جديد الموقع
- 2024-12-19 (قصة عجائبية من المخيال الاجتماعي الشعبي) (حلال المشاكل...القصة التي حفظتها أمهاتنا عن ظهر قلب)
- 2024-12-19 جمعية ابن المقرب تحتفي باللغة العربية في يومها
- 2024-12-19 سلطة النوع الأدبي وقراءة النص
- 2024-12-18 لماذا يتفوق الطلاب على الطالبات في مادة الرياضيات؟: وكيف يمكن تضييق الفجوة بينهم في هذه المادة
- 2024-12-18 الغذاء السيء لكل من الأم والأب قد يؤثّر سلبًا ويسبب ارتفاع الضغط وأمراض الكلى المزمنة في نسلهما إلى الجيل الرابع
- 2024-12-18 ورشة المرأة في اللوجستيات _ بمؤمر سلاسل الإمداد و الخدمات اللوجستية بالرياض
- 2024-12-18 جامعة الملك فيصل بالاحساء تحقق المركز الثالث في قياس التحول الرقمي لعام 2024 على مستوى قطاع التعليم والتدريب
- 2024-12-18 سمو محافظ الأحساء يدشن "برامج أكاديمية ريف السعودية"
- 2024-12-18 الأحساء.. وجهة سياحية تنبض بالتاريخ والطبيعة الخلّابة
- 2024-12-18 اللغة العربية في التعريب