2021/10/04 | 0 | 3014
توقيع كتابين عن الشيخ باقر بوخمسين
عندما نكتب عن شخصية ما، لا بد أن أن نقرأ ونكتب عن بيئة نشأتهوملامح تلك البيئة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتىنحكم على شخصيته ورسالته وأدواره مقارنة بالشخصيات المشابهه وماقدمه مختلفا عنهم وما تميز به عن أقرانه، وبقاء عطاء شخصيتهواستدامتها حسب معاني الحديث النبوي "إذا مات ابن آدم انقطع عملهإلاّ مـن ثلاث صدقة جارية أو كتب علم يُنتفع بها أو ولد صالح يدعو له".
كتابة السير والتراجم مطلوبة خصوصا لهؤلاء الذين لديهم آثار علميةوادبية وعطاء خيري وتنموي لأن ايثار الشخص هي قيمة دينية مستحبةواختيارية يقدمها رجل البر والعلم للمجتمع بمحض إرادته فإذا ماتالمضحي المعطي تحول هذا العطاء العلمي والخيري والتضحية إلى ديناجتماعي يرد عليه بالثناء والشكر والذكر الطيب والتوثيق.
شخصية سماحة الشيخ باقر موسى بوخمسين التي حظيت بالكتابةاكثر من غيرها سواء اكانت مقالات أو كتب بسبب تفردها بخصائصمعينة اعتبرت امتيازا لآثاره العلمية والادبية ولدوره في الإصلاحالاجتماعي، ومن الذين كتبوا عنه الشيخ محمد الحرز، والاستاذ عليعساكر، والشيخ الدكتور محمد الخرس هؤلاء الكتاب اساتذة ونتعلممنهم، وما كتبوه اعمق واوسع من أن نعلق عليه إضافة إلى ما كتبتهاقلام أخرى من أسرته ومن المقربين له اثناء الدراسة بالنجف الاشرف اوبعد عودته منها.
كتاب الاستاذ علي عساكر (الشيخ باقر بوخمسين العالم الاديب المثقف)وكتاب الشيخ الدكتور محمد الخرس (الشيخ باقر بوخمسين وأدب المقالةوالاستاذ احمد الزيات) حظيا بحفل توقيع واستحقت الشخصية المؤلفعنها ما ذكره المؤلفان المبدعان.
حسب قراءتي من الكتابين، بذلا جهدا طويلا وعميقا من قبل المؤلفين فيشخصية دينية تجاوزت دور الداعية والشيخ المهتم بشئون الدينوالمجتمع الذي اهتم بالشعر والادب والصحافة بالرغم أنه ترعرع في بيئةثقافية لم تعتاد الصحافة الادبية والمتخصصة المكتوبة قبل هجرتهللدراسة بالنجف الاشرف عام ١٣٤٨هجري،١٩٢٩.
إن تسليط الضوء بشكل مختصر على الواقع الثقافي وبالذات عن تاريخالصحافة المكتوبة وتحديدا الادبية التي تعتبر متأخرة نسبيا عن دولعربية مثل مصر ولبنان والعراق وسوريا، ما يهمنا في شخصية سماحةالشيخ باقر بوخمسين الشخصية الحوزوية الذي تقلد منصب القاضيفي المحكمة الشيعية بالاحساء، الذي تميز في الكتابة الادبية واهتمبالصحافة واعتبرها احدى الوسائل المؤثرة في توصيل الرسائل الدينيةوالاجتماعية والثقافية فابدع بالكتابة الادبية الصحفية لا سيما بالمقالةالادبية والقصة بذلك الزمن المعروف بالمحافظة الشديدة بدليل اغلب منكتب بالصحف والمجلات من الطلبة والشيوخ النجفيين كتبوا باسماءمستعارة. سماحة الشيخ باقر من هؤلاء الذي استشرف المستقبلبالاهتمام بالمجلات العلمية والصحف والدوريات المتخصصة، هذه تعتبرنقلة نوعية في واقع الحوزة العلمية والشيوخ بذلك الوقت، فهو مهاجرمن منطقة لم ينضج فيها هذا النوع من الكتابة وهو ادب المقالة والقصةوالنصوص النثرية الادبية الرمزية، تأثر بما رآه من المناخ الثقافي والجوالادبي المتقدم وتفاعل معه بحيث آمن بأن الصحافة وسيلة اتصال فعالةفي زمن استقلال الدول العربية وفي عهد التيارات الفكرية التي تنقلبواسطة المجلات والجرائد.
المناخ الادبي والثقافي الذي خرج منه سماحة الشيخ وبالذات حركةالصحافة الادبية المكتوبة هذه لم تتضح معالمها في بيئة مولده ونشأتهقبل السفر للدراسة بالنجف الاشرف عندما سافر من الاحساء بعمر ١٢سنة بحسب ما ذكره الدكتور محمد الخرس والاستاذ علي عساكر.
الصحافة الادبية لم تظهر في المنطقة الشرقية بل في دول الخليجالعربي، فكانت اول صحيفة هي الحجاز تصدر بمكة من عام١٩٠٨ قبلالتوحيد، وأم القرى عام ١٩٢٤،وجريدة صوت الحجاز ( البلاد) عام ١٩٣١وكلها صحف تهتم بالشئون العامة، أما المجلة النوعية التي تهتمبالثقافة والادب فهي مجلة المنهل مؤسسها عبدالقدوس الانصاريتأسست عام ١٣٤٨هجري (١٩٣٣) وصدر اول عدد سنة١٣٥٥هجري-١٩٣٦.
وبعدها مجلة اليمامة اسسها المؤرخ الكبير حمد الجاسر بالرياضصدرت عام ١٣٧٢هجري(١٩٥٣)، أما الصحافة بالمنطقة الشرقية، فصدرتبالدمام جريدة اخبار الظهران على يد عبدالكريم الجهيمان عام ١٩٥٤،وقبلها جريدة خاصة (القافلة) من ارامكو سنة ١٩٥٣، اما في الخبرفصدرت مجلة الإشعاع عام ١٩٥٥ وهي شهرية ادبية صاحبها سعدالبواردي.
وفي الكويت صدرت اول جريدة عام ١٩٢٨ بعنوان (الكويت)، أما في دولةالبحرين التي تعتبر متقدمة ثقافيا وادبيا فصدرت منها جريدة (اخبارالبحرين) عام ١٩٣٩ لصاحبها عبدالله المعاودة والدولتان قريبتانللاحساء والزيارات متبادلة بكثرة.
اما الحركة الادبية وتحديدا بالقصة القصيرة فصدرت اول مجموعةقصصية للاستاذ احمد عبدالغفور عطار عام ١٩٤٦ بعنوان "اريد أن ارىالله".
أما بخصوص الصحافة المتخصصة فتعتبر مجلة المنهل اول مجلة ادبيةثقافية شهرية تهتم بالادب والثقافة لأن صاحبها اديب ومثقف وتميزصاحبها بالكتابة الادبية.
من الاستعراض الموجز عن الصحافة الوطنية التي صدرت بالمملكة ودولالخليج خصوصا القريبة يتبين لنا أن الصحافة الادبية ( مجلة المنهل)صدرت والشيخ باقر رحمه الله في العراق، هذا البلد المعروف بصحافتهوشعراءه وكتابه في كل انواع الادب من القصة إلى المقال الادبي فنقلالاستاذ علي عساكر بكتابه بصفحة ١٣٨ ما قاله حيدر محلاتي" لم تزلالنجف في جميع ادوارها التاريخية حافلة بمشاهير الشعراء وكبارالادباء والعلماء…".
سافر الشيخ باقر من الاحساء عام ١٩٢٩ بعمر ١٢ سنة يعني لم يعش فيجو صحفي ادبي متخصص بمسقط رأسه، فانتقاله إلى العراق حركشيئا في داخله وهي الهواية التلقائية الادب واهتمامه بالصحافة الادبيةبكتابة المقال الادبي والقصة وكتابة القصائد، تأثر بصحافة العراقوكتابها والصحافة المصرية وحركتها الثقافية التي كانت متقدمة علىغيرها في الصحفة والادب بأنواعه،
وكما ذكر الشيخ الدكتور محمد الخرس نقلا عن الدكتور عبدالهاديالفضلي تأثر الشيخ باقر بكتابات احمد حسن الزيات صاحب مجلةالرسالة الذي عاش بالعراق ٣ سنوات وهي فترة تواجد الشيخ باقربوخمسين بالنجف.
مع أن العراق بتلك الفترة متقدم اعلاميا خصوصا بالصحافة ومنهاالنجف الاشرف التي كانت تزخر بالمكتبات، فإذا كانت هذه المدينة الدينيةالثقافية تخرج عالم وفيلسوف ومفكر الشيخ عبدالكريم الزنجاني(١٣٠٨-١٣٩٨) صاحب القصة المشهورة مع عميد الادب العربي طهحسين، نشر مقالاته بالصحف والمجلات العراقية، ويكفي أن نذكر مجلة(الغري) الذي اسسها شيخ العراقيين عبدالرضا آل كاشف الغطاء عام١٩٣٩ نشرت ١٢٨ مقالا ادبيا و ٥٤ قصة واستمرت بالاصدار حتى عام١٩٦٨ توقفت بموت صاحبها، النجف الاشرف احتضنت شعراء امثالمحمد رضا الشبيبي الذي تفاعل مع حدث مأساوي عالمي وهو غرقسفينة تيتانك عام ١٩١٢ بقصيدة رائعة:
بابيك أقسم يا ابنـة البحر الذي واراك كيف رأيت فتك ابيــك، ومؤشراتالحراك الثقافي في النجف أن احد اصدقاء الشيخ باقر بوخمسين ،وهوالشيخ باقر شريف القرشي الذي كتاب "العمل وحقوق العامل فيالاسلام" وهذا المؤلف تفاعل مع نظام العمل والعمال العالمي.
كل هذه دلائل على تفاعل ادباء وعلماء النجف بالاحداث العالمية،كما نقلالاستاذ عساكر بكتابه صفحة ١٤٩ عن الدكتور عبدالرزاق محي الدين أنالنهضة الادبية اول ما انبثقت في العراق وفي النجف من خلال السيدجعفر الحلي، هذا المناخ الادبي الثقافي حرك في الشيخ باقر حبه للأدبليكون له موقعا بين كبار الكتاب والادباء وصوتا اعلاميا بوسيلة اعلاميةغير مألوفة بمسقط رأسه وهذا يدل على نبوغه وابداعه في شأن مكمللرسالته التي هاجر من اجلها، من يقرأ عناوين بعض كتبه واصداراتهيتعرف على اهتمامه بالثقافة العامة والادبية وبغيرته على الدينومتفاعل مع ما ينشر بالوطن العربي والرد عليه مثل كتابيه " اثر التشيعفي الادب العربي" ردا على الكيلاني، وكتاب بعنوان "لماذا نقدس القرآن" وهذا رد على بعض الشبهات المثارة بتلك الفترة، اضافة إلى دراستهالحوزوية ونشاطاته الثقافية والاجتماعية بالنجف الاشرف.
الشخصية التي تتجاوز حدود ثقافة بيئة ميلاده ونشأته اراد أن يكون لهتميزا في بيئة الادب والثقافة بإصدار مجلة الندوة عام ١٩٥١ في بلد غيروطنه، خصوصا بمجتمع له ثقافته الدينية المحافظة ( النجف) يرىالاهتمام بغير الدروس الحوزوية غير مقبول وخروج عن الاعراف هذا مااكده من درس بالنجف، بعض الحوزويين لا يتجرأ أن يشتري الجريدةعلنا أو يكتب بصحيفة باسمه الحقيقي.
العمل على تأسيس مجلة لتكون وسيلة ابلاغ وجذب للشباب وللمثقفينفي زمن الصحافة المزدهرة بلبنان وسوريا ومصر، هذا هو الابداع الذياختلف عن سابقيه من اهل المنطقة الذين ذهبوا للنجف الاشرف طلباللدراسة الحوزوية، عاد إلى ارض الوطن ١٣٧٥ هجري (١٩٥٦)في زمنتأسيس وازدهار الصحافة العامة والادبية والمتخصصة المحلية.
سماحة الشيخ باقر رحمه الله يحمل خبرة بالصحافة الادبية، مارس انواعالكتابة الابداعية منها المقال الادبي والقصة وننقل مقاطع من قصة (فيالربيع) الذي نقلها الدكتور محمد الخرس بكتابه صفحة ٨٦، من يقرأ هذهالقصة يعرف أن الشيخ لديه ذوق ادبي وحس مرهف وصاحب جملةرمزية معبرة وعبارة ادبية راقية ومنها:
وعند الاصيل حينما تلقي الشمس ثوبا من النظار المذاب على أطرافالأعشاب وأعالي الاشجار…
وبمقطع آخر
لماذا لا تبسمين؟ الا يبعث الابتهاج ألى قلبك هذا المنظر الساحر ويطلقنفسك من أسر التقاليد والعادات ويرسلها في جو مخصب بالحري، فلاقيد هنا يا عزيزتي الغالية…
ماذا لو استمر الاهتمام بأدب المقالة والقصة القصيرة والرواية وكتابةالمسرحيات فهذه الاصناف الادبية كانت مزدهرة بالعراق لو تم نقلها إلىالاحساء بشكل منظم،
لتضاعف عدد كتاب المقالات المتخصصة وظهرت اسماء بالقصة القصيرةوالرواية والمسرح خصوصا أن ذاك الزمن بداية الابتعاث للدراسة بالخارجبواسطة شركة ارامكو ومن الجهات الحكومية، وايضا اتصال إداريومؤسساتي وتفاعل ثقافي مع جنسيات متعددة من الذين عملوابالسعودية مهندسون وفنيون، ومعلمون، واطباء من الدول العربية ومنأمريكا واوروبا محملين بثقافات بلدانهم المتنوعة عملوا بشركة ارامكووهيئة الري والصرف.
جديد الموقع
- 2024-12-19 (قصة عجائبية من المخيال الاجتماعي الشعبي) (حلال المشاكل...القصة التي حفظتها أمهاتنا عن ظهر قلب)
- 2024-12-19 جمعية ابن المقرب تحتفي باللغة العربية في يومها
- 2024-12-19 سلطة النوع الأدبي وقراءة النص
- 2024-12-18 لماذا يتفوق الطلاب على الطالبات في مادة الرياضيات؟: وكيف يمكن تضييق الفجوة بينهم في هذه المادة
- 2024-12-18 الغذاء السيء لكل من الأم والأب قد يؤثّر سلبًا ويسبب ارتفاع الضغط وأمراض الكلى المزمنة في نسلهما إلى الجيل الرابع
- 2024-12-18 ورشة المرأة في اللوجستيات _ بمؤمر سلاسل الإمداد و الخدمات اللوجستية بالرياض
- 2024-12-18 جامعة الملك فيصل بالاحساء تحقق المركز الثالث في قياس التحول الرقمي لعام 2024 على مستوى قطاع التعليم والتدريب
- 2024-12-18 سمو محافظ الأحساء يدشن "برامج أكاديمية ريف السعودية"
- 2024-12-18 الأحساء.. وجهة سياحية تنبض بالتاريخ والطبيعة الخلّابة
- 2024-12-18 اللغة العربية في التعريب