وقفة موجزة مع مفردة النَّواويس

في تاريخ واقعة الطف وردت عدة مفردات ومصطلحات إما على لسان أبطالها أو على لسان المؤرخين لتلكم الواقعة، مما كوّن تراثًا تراكميًّا وإرثًا موسوعيًّا اكتنز في الذاكرة فبات من المألوف، فتبقى المفردة ويغيب المعنى، فيحتاج لوقفة تسلط بعض الضوء عليه لتبيانه، وهذه وقفة موجزة مع واحدة من تلك المفردات التي وردت على لسان سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) ألا وهي مفردة النَّواويس.

فما النَّواويس؟

من الناحية اللغوية جاء في لسان العرب لابن منظور:

النَّاوُوسُ: مقابر النصارى، إِن كان عربيّاً فهو فاعُولٌ منه.

والنَّاوُوسُ : تسمية قديمة غير مستعملة تعني صُنْدُوقٌ من خَشَب أَو نحوه يضع النَّصارى فيه جثَّة الميَّت>.

والنواويس . جمع ناووس ، وهو من القبر ما سد لحده .

وفي التاريخ كانت لهذه المفردة استعمال قبل الإسلام:

حيث كانت كربلاء قبل الإسلام اتخذت نواويس ومعابد ومدافن للأمم الغابرة، كما تشير إليه خطبة الإمام الحسين (ع)، حيث قال: «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين (النواويس) وكربلاء».

فقد كانت بها مجموعة مقابر للنصارى في قديم العهد وللذين سكنوا هذه الأراضي في الأحقاب السالفة.

والنواويس:  تسمية تعود جذورها إلى المسيحية والسريانية، جمع ناووس، وهو ظرف من خزف أو من خشب كان البابليون يضعون موتاهم فيها، يدفنوها، والنواويس مقبرة في كور بابل، وتقع المقبرة اليوم إلى جنب بحيرة السليمانية.

والنواويس تقع شمال غربي كربلاء ، واليوم يقال لها أراضي ـ الجمالية ـ وفي شمال شرقها أراضي الفراشية .

وقيل : كانت النواويس قبل الإسلام مقبرة للأنباط والمسيحيين.

وقيل: إنها كانت قرية عظيمة حيث الآن مقبرة الحرّ بن يزيد.

 ماذا عن المصادر التي جاء فيها ذكر مفردة النوواويس؟

جاء ذكر النواويس في «من لا يحضره الفقيه»:

قال الصادق (عليه السلام) : إن النواويس شكت إلى الله عز وجل شدة حرها: فقال لها ـ عز وجل ـ: اسكتي ، فان مواضع القضاء أشد حرا منك .

قال الحموي في معجمه : الناووس والقبر واحد. ولم يذكر نواويس كربلاء.

وقد ذكرها الحسين (عليه السلام) في خطبته التي خطبها بمكة قبل خروجه منها. قال (عليه السلام): «كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء» .

وجاء في «نفس الرحمن» للشيخ النوري: والنواويس مقابر النصارى.

كما في حواشي الكفعمي : وسمعنا أنها في المكان الذي فيه مزار ـ الحر بن يزيد الرياحي من شاطئ الطف. وهي ما بين الغرب وشمال البلد ـ يعني كربلاء ـ وقد ذكرها الشعراء بمراثيهم.

لماذا حدد الموقع الذي سيقتل فيه بين النواويس وكربلاء؟

لأنها المساحة أو الرقعة الجغرافية التي تقع بين هذين المكانين المعروفين آنذاك فكربلاء هي الأرض الرخوة القريبة من الماء ، وهذا دليل على أن النواويس مكان غير كربلاء إذا ما حددت كربلاء بالتحديد الجغرافي قديمًا آنذاك، أي ابتداءً بكفي أبي الفضل العباس عليه السلام وانتهاء بجسد الحُر بن يزيد الرياحي رضوان الله تعالى عليه.