2023/01/13 | 0 | 2086
نهر دافق لا تكاد تمسك بمائه.. محمد الماجد سوريالية الصورة في معجم الصحراء.
اليمامة
حينما أقرأ الشاعر محمد الماجد أشعر أني من فقراء اللغة.
شاعر لافت في أدائه وفصاحته ومعجمه الذي لا يشبهه أحد، و قد لا يقوى عليه أحد.
نعم له مع الشاعر محمد الثبيتي تناغم وتماهٍ، وتجاور وتحاور في ملامح المعجم والأداء، ولكنه يمثل ذاته بأسلوبه وأخيلته، في مجموعاته الثلاث: مسند الرمل، وكأنه هو، وأسفار ابن عواض.
ذلك المعجم الثري المتفرع والموحي، الذي يحيلك إلى الصحراء بكل تفاصيلها، وصفائها وعذاباتها.
تلك الصياغات المتنوعة، وذلك التراوح الذي لا يفتأ بين الجمل الخبرية والجمل الإنشائية، المتقنة السبك، والمحكمة الصياغة، والتي رغم طولها لا ترهل فيها ولا نفور، ولا ضعف فيها ولا إلجاء، والمحملة بالصور المتفرعة والمتحركة بألوان وظلال لم نعهدها، ولن نستوعبها ما لم نعش في الصحراء ونكتوِ بحرارة لهيبها، وزمهرير بردها، وشظف عيشها، ووجل مخاطرها، وسحر هضابها وصفائها.
قصائده في غالبها تفعيلية، ولكنها ملتزمة بقافية ترن بين حناياك بصداها المجلجل الذي يوقظ شعورك فتلتفت مندهشاً من عذوبة ما سمعت، وغرابة حركة شعورك وسكون مشاعرك!.
لاحظ هذه الوقفات التي هي بمثابة استراحة وابتداء، وبجناس بديع، وجرس موسيقي أخاذ، اسمعه وهو في رحلة “الكهرمان”
“الكهرمان يضيء ليل المجدلية
والبخور يئم سرب الراعيات من النصارى في الأحدْ
وتَندُ نَدْ
...
وأعدُّ عَدْ
..
وأمُدُّ مَدْ
..
يَخِدُّ خَدْ
فنقوم من طربٍ على ساقٍ لنغسل بالزلال وبالزبد”
رغم هذه التراكيب الموسيقية المدهشة إلا أنك حينما تسمع الماجد تجد نفسك أمام شاعر بصري بامتياز، فهو يعبر عن كثير مما يراه، وقليل مما يسمعه، تسارع أحداث ولقطات خاطفة متنامية حينا، ومتقطعة حينا، فهي” تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكنه التعبير عن واقع اشتغال الفكر” لا تكاد تمسك بخيط يربطها، فهي تتعبك وتربكك، ولكنها تمتعك، بذلك التصوير الحركي والمزدحم بالجناسات، والانزياحات، والتجاذبات الحوارية، وليس بالضرورة أن يكون كما هو واقع، بل كما يراه، وهذا هو الفن المتجاوز.
وهذا الإغراق في اللغة وصورها المتكاثرة النغم، تشعر وأنت تتلقاه وكأنك أمام هلوسة متخم انفتح بعد حصار بإيقاع (سوريالي) متسارع الجرس، فتان النغم، متجدد الصور، متجاوز الأثر، وبحضور لافت للقافية الساكنة في الكثير من نصوصه، ذلك السكون الذي لا يحيلك إلا لحركة الخيال لأبعد ما يمكن أن يصل إليه من مدى. فكيف جاء؟
“جئت من نافلة الموج بخيط
أخرز الملح على أبواب طيْ
أعقد العقدة لا أدري
بأيٍّ سوف أشفى من لُميْ
أوصد الباب ولما أن تهيأت له لم يتهيْ”.
مع الماجد أنت أمام تحد في ثقافة الصحراء، وثقافة شعر الفطرة وشعر البدايات التي تكثفت فيه وتقطرت حتى تلألأت بهذا الجمال، بالرغم من هذا التجاذب الأنيق فهو بعيد نسبيا عن المشاعر المتصارعة التي يعيشها أبناء الصحراء.
أتلقى الماجد أتماهى مع صوره أنتقل فجأة من “سنام البيد” إلى “عيون الماء” ف”أجنحة المجامر” و”بين الخيام”
“ثم اختلفنا أيُّنا يرد المشقر
واختلفنا أيُّنا يغشى القطيف”.
هذا الشاعر المغرم حد الفناء بالصحراء لا ينفك عنه معجمها حتى في أجمل إخوانياته، ففي قصيدته “أسفرت عن جمر” في رفيق دربه الشاعر المحلق شفيق العبادي، والتي مطلعها:
وأسفرتَ عن جمرٍ فأيقظتَ نارها
وأسفرتَ عن ريحٍ فضاقت بنا معا
تجد “الجمر، النار، الريح، البيد، الوحش، الظبية، القطيع، الحمى، الشيح..” مكونات صياغة إحساسه الأخوي
ربما تجد نفسك أمام نهر دافق لا تكاد تمسك بمائه(بمعناه) الرقراق إلا وانفلت من بين أصابعك، قد تسمعه ولا تفهمه ولكنك حتما ستطرب به، ستنتشي بنغم اللغة وخصوبتنا، وسيمضي بخيالك إلى أفياء لم تعهدها، ومسارب لم تقربها، ودروب لم تشهدها.
كالموسيقا التي تستثير كوامن مشاعرك، تستعيد ذكرياتك، تجدد احتمالات مآلاتك، غير أن الماجد يثريك بجمال معجمه، بابتكارات أسلوبه، بذلك التناغم بين حداثة التركيب والأداء وتشكلات معجم اللغة ومفرداتها الثرية.
وحين تستمع الماجد تجده لا ينتمي لبيئته الضيقة التي تربى فيها في معجمه، وفي صوره، وفي لغته، فشغفه الموجه في قراءته أكثر تأثيرا.
مع تناص أسلوبي مع الشعر الجاهلي أحيانا، والنص القرآني حينا.
وحينما ينتقل للشعر الشعبي تلمح نغم الشاعر الكبير مظفر النواب حاضراً، فيتغير مسلك القصيدة في
وحدة موضوعية واضحة، ونمو حركي متفرع، وصور ناصعة، يحيل بعضها لبعض، بشفافية الإحساس، و”ضحكة سيل شبعانه برق ورعود
وتسلم
تسلم الدله وترد اردود
دقة هيل وريحة عود
صاحنّك خوات سهيل
ودق بابك سعد وسود
وصب يحمود
تالينا قوايل والنخيل فرهود”.
ومن جهة أخرى تلاحظ حضور الاختلاف والتفرق، وحضور الأرقام، فأنت أمام مرور، ولا وقوف، صراخ، ولا صمت، بحضور لافت لثيمة الجموع، وكأنك أمام أفلام (الأكشن).
قد تحتاج قراءة ومتابعة واسعة وعميقة للأدب الجاهلي وما بعده كي تمسك ببعض إحالات قصائد الماجد الماجدة.
معجم صحراوي أصيل، وأسلوب حداثي بديع
متمكن من اللغة والنحو والصرف والعروض، لا إغواء ولا إلجاء، لا اجترار ولا تكرار، ولا نزال مع:
“ليل لعوب في الممر إلى المها
وأخٌ له تحت الغضا
يفتض أحلامَ الرمالْ”
جديد الموقع
- 2024-12-19 (قصة عجائبية من المخيال الاجتماعي الشعبي) (حلال المشاكل...القصة التي حفظتها أمهاتنا عن ظهر قلب)
- 2024-12-19 جمعية ابن المقرب تحتفي باللغة العربية في يومها
- 2024-12-19 سلطة النوع الأدبي وقراءة النص
- 2024-12-18 لماذا يتفوق الطلاب على الطالبات في مادة الرياضيات؟: وكيف يمكن تضييق الفجوة بينهم في هذه المادة
- 2024-12-18 الغذاء السيء لكل من الأم والأب قد يؤثّر سلبًا ويسبب ارتفاع الضغط وأمراض الكلى المزمنة في نسلهما إلى الجيل الرابع
- 2024-12-18 ورشة المرأة في اللوجستيات _ بمؤمر سلاسل الإمداد و الخدمات اللوجستية بالرياض
- 2024-12-18 جامعة الملك فيصل بالاحساء تحقق المركز الثالث في قياس التحول الرقمي لعام 2024 على مستوى قطاع التعليم والتدريب
- 2024-12-18 سمو محافظ الأحساء يدشن "برامج أكاديمية ريف السعودية"
- 2024-12-18 الأحساء.. وجهة سياحية تنبض بالتاريخ والطبيعة الخلّابة
- 2024-12-18 اللغة العربية في التعريب