2024/03/26 | 0 | 1489
من الملامح الصوتية في اللهجة الأحسائية(هاء الوقف بعد ياء المتكلم) *
تتميز اللهجة الأحسائية ببعض الملامح التي تمنحها خصوصية عن غيرها من لهجات مناطق المملكة ودول الخليج الأخرى، وتعد ظاهرة إلحاق هاء السكت بعد ياء المتكلم إحدى أهم ملامح الأداء الصوتي في هذه اللهجة، وقد كانت مدارا للتندر عبر وسائط التواصل، ومحورا للأداء الصوتي على ألسنة فنّاني مسلسل (خيوط المعازيب) الذي تعرضه قناة mbc الفضائية في رمضان
١٤٤٥هجري.
واللهجة التي هي انعكاس للخلفيات الاجتماعية والثقافية، وهي أيضا معادل للبيئة ومرآة لظروف معيشة الناس ومدى تعايشهم وطيب معشرهم؛لذلك نجد المد والإبطاء في النطق ظاهر في أداء بعض الأصوات عند أهل المناطق المتاخمة للبحر والماء والنخيل وخاصة في المدن الذي يكثر فيها الصناع وأهل الحرف اليدوية كما هو الحال في الأحساء، بينما يكون الإسراع في النطق عند سكان المناطق الصحراوية التي اعتمد سكانها أو آباؤهم السابقون على الترحل والبحث عن الكلأ.
وتأتي ظاهرة إلحاق هاء الوقف(السكت) بعد ياء المتكلم شكلا من أشكال التمطيط والإبطاء في النطق.
وقد كانت هذه الظاهرة ملمحًا صوتيّا أصيلا من ملامح الأداء اللهجي في الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده، وقد احتفظت اللهجة الأحسائية في مدنها (المبرز الهفوف) وبعض قراها بهذا الملمح الصوتي عبر القرون المتتالية كتسجيل صوتي تراثي يضاهي في أصالته وأهميته التمر والماء وباقي العلامات التراثية التي وسمت تراث الأحساء وشكلت علامة من علامات التنوع في وطننا الغالي ولغتنا الحبيبة ، خاصة وأن هذه الظاهرة نزل بها النظم الكريم في غير آية من آياته، وهو يمثل أرفع مستويات الفصاحة التي وصلتنا، وذلك في قوله تعالى(ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه)وقوله(إني ظننت أني ملاق حسابيه) من سورة الحاقة.
ويذكر النحاة أن هذه لغة من لغات العرب، وقد وردت على لسان زرقاء اليمامة في قصة مشهورة، حيث يذكر الرواة أن زرقاء اليمامة كاهنة اليمامة كانت ترى الأشياء من مسيرة ثلاثة أيام، وقد لمحت سربا من الحمام فتمنت أن تمتلكه وتضمه إلى حمامتها لتحقق أمنيتها في حيازة مئة حمامة، فقالت قبل وصول السرب إلى مشارف قبيلتها :
ليت الحمامَ ليهْ
إلى حمامتيه
أو نصفه قديه
تم الحمام ميهْ
والنحاة يستشهدون بهذا الرجز على مجيئ (أو) بمعنى الواو لإفادة الجمع والإضافة، لكنها أيضا جاءت ممثلة للهجتها في إلحاق هاء السكت بعد ياء المتكلم في (ليه، حمامتيه، قَدِيه بمعنى يكفيني)
ومن طرائف العلماء في هذه اللهجة ماجاء في مجالس العلماء للزجاج من أن أبا عمرو بن العلاء البصري أحد القراء السبعة وعالم اللغة المعروف انتهر رجلا من أهل المدينة أنشده قول ابن قيس الرقيات:
ذهب الصبا وتركتُ غيّتيهْ
وروّى الغواني شيبَ لِمتيه
إن الحوادثَ بالمدينة قد أوجَعْنَنِي وقَرعنَ مروتيه
وجبَبْنَني جَبّ السنام فلم
يتركن ريشًا في مناكبِيَه
ثم قال له : مالنا ولهذا الشعر الرخو؟ إن هذه الهاء لم توجد في شيءٍ من الكلام إلا أرخته! فقال له الرجل :قاتلك الله ما أجهلك بكلام العرب قال الله عز وجل (ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانه) وتعيبه.
فانكسر أبوعمرو انكسارا شديدا.
وعبدالله بن قيس الرقيات من بني معيص بن عامر بن لؤي من تهامة، ومنازلها غرب الجزيرة العربية.
هذه الشواهد التي سجلتها كتب اللغة والأدب تكفي لتأثيل هذه اللهجة التي تمثل ظاهرة لهجية انتقلت من الآباء الأجداد في جزيرة العرب واستقرت على ألسنة الأحسائيين إلى يومنا هذا من غير انحراف عن الأداء الفصيح سوى في تسكين ماقبل ياء المتكلم الذي يأخذ حركة الكسرة لمناسبة الياء في الفصحى، بينما سكنت في العامية استجابة لقوانين النطق المتداولة في تسكين أواخر الكلمة.
والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة ماتزال موجودة في اللهجة القطرية، فقد ذكر الدكتور عبدالعزيز مطر أنها تجري على ألسنة القبائل الشمالية من أهالي دولة قطر الشقيقة، وهي أيضا موجودة على ألسنة بعض أهالي مدينة سيهات.
*
مقال من بحث للدكتور/ناصر حسين النزر تحت عنوان (الظواهر الفصحى المتبقية في اللهجة الأحسائية)
جديد الموقع
- 2024-12-03 الحضور الأدبي في فكر الأديب
- 2024-12-03 إيلون ماسك والقراءة
- 2024-12-03 قراءة في كتاب (مزاج الكتابة، الكتابةمفهوما، ومزالق، ومقومات)
- 2024-12-02 بر الفيصلية وحي الملك فهد ومسجد الإمام الصادق في رحلة بحرية.
- 2024-12-02 كيف يتعامل الأطفال مع الشائعات وماذا نستفيد من ذلك؟
- 2024-12-02 حُب الحسا أجنني إلى كل مسؤولٍ رسميٍ، وناشطٍ اجتماعيٍ وتفاعلي بالتأثير..
- 2024-11-30 ثلاثة يجب الحذر منها
- 2024-11-30 "جمع من شيعتنا ومحبينا".. إيمان وأُنس
- 2024-11-30 هل نبحر نحو الهلاك؟
- 2024-11-30 إلى أمين الأحساء مع التحية سعادة المهندس: عصام الملا (سلمه الله)