2025/10/29 | 0 | 85
(شُعلَة المَعْبَـد) شعلةُ العَـوْدة
ـ فَرَغتْ للتّوّ من قراءة كتاب (شُعلَة المَعْبَـد) لمؤلِّفه: الشاعر، والمفكر والأديب الأحسائي الأستاذ: صلاح بن عبد الله بن هندي، وهو كتاب رائع، اسْتَعْـرَضَ فيه المؤلف كثيرا من العادات الشعبية، والمفاهيم، والتقاليد، والأقوال والأمثال والأهازيج، وغيرها وأرْجَـعَـها إلى طقوسٍ تعبدية، و(إلهيّاتٍ) ـ إن صح التعبيرـ كانت قائمة، وموغلة في القِـدَم عبر حضارات، وممالك قديمة داخل وخارج البلدان العربية.
ـ وهذا الكتاب من نوع الكتب التي لا يسمح لك أن تقرأه على فترات، أو أوقات متقاربة أو متباعدة، فهو فما إن تشرع في فصل أو (حقل) من (حقوله). الثَّـرَّةِ/الثّـريّة .. حتى تجدك دلفت إلى فصل آخر، حتى مع تقارب الفصول، وارتباطها ببعضها، أو أحيانا تباينها ..
فقد قرأت الكتاب في 4 ساعات (مَتّـة وَحْـدة).. كما نقول، ونسيت نفسي، مع أمرين يتنافسان على انشدادي مع كل صفحة:
الموضوع الذي تتناوله الصفحة، والذكريات التي تستعيدها الذاكرة ..
فأغلب الصور، والكلمات والأبواب والألعاب، والطقوس، والأمثال، والأهازيج، والأغاني، والعادات، وغيرها تتموج بحرارة في رأسي، وذاكراتي، حيث عشت أغلبها في طفولتي، ويفاعتي، ومراهقتي في قراءة كثير من طقوس الماضي ـ كما ذكرتُ ـ، وتنثال لِـمُجايِـلِ هذه الفترة.. الذكريات كانثيال الماء على أرض صلبة.
ـ فهو يتحدث عما كنا نمارسه من تلك الطقوس لكننا لا نعرف أصلها، ولا مِن أين جاءت؟، ولا نعرف رمزها البشري، أو اللاهوتي، أو الخرافي، أو الفني، أو الأسباب التي انبثقت منها...إلخ
فأغلب الأشياء التي جاء بها هذا الكتاب البديع.. نمارسها في الأحساء، والخليج العربي، وبعض الدول المجاورة كالعراق ومصر وفلسطين، وغيرها.
وتأتي ممارستها اتّباعا محضا للعادات المتوارثة التي شاهدنا أسلافنا يمارسونها دون معرفة أصلها، أو دون الحرص على معرفتها أساسا، أو التوقف عند مَـنْشَئها.
ـ ولقد نجح الباحث صلاح بن هندي في استقصاء هذه العادات والتقاليد الشعبية المصاحبة للكثير من المناسبات، والحِـرَف، والعبادات، وإرجاعها إلى ما يعتقد من أصولها في ورودها من بلدانها، أو إرجاعها إلى ملوك، أو أمراء، أو قادة، أو شخصيات دينية وتاريخية، أو إلى ما (وراء الخيال) كالجِـنّ، والأحلام.
ـ ولقد توقَّـفْـتُ مستفيدا، ومُسترجعا عددا من المواضيع التي تضمنها هذا الكتاب الرائع الذي لا غنى لمكتبات الأحساء، والخليج عنه..
أقول: توقَّـفْـتُ مستذكرا طقوس الزواج، وأيامه، وما يصحبه من أعمال.. قبله وبعده.
وتوقَّـفْـتُ عند:/أغاني العروس/، /الحمل، والولادة/، /الجنس عملية مقدسة، ـ وإن كان هناك مَنْ تناوله إشارة وتلميحا/ ـ، /الدِّين واللعبة/، /تقديس الشمس والنار/، عالم الجن الرهيب/البغاء المقدس/الرقص/، إلخ...
ولا يفوتني أن أذكر أن الكتاب تناول أيضا.. كثيرا من المواضيع (المسكوت عنها) اجتماعيا..
أي لم يُكتَب عنها، أو لم يتناولها أحد في محاضرة أو منبر، أو مقال، كموضوع (لا تِطِلْ فيه)، أي: لا تنظر إليه.
ـ وكنت كلما قرأت موضوعا مما ذُكِـر.. توقفت لأستدعي ذاكرتي فيما أدركته، و(لَحَـقْـت عليه)، لقد نَكَأْتَ الجُرحَ ـ يا أبا أحمد ـ .
ـ كتاب (شُعلَة المَعْبَـد)هو كتاب الموسم الحالي في الأحساء بحق، واستطاع مؤلِّـفُـه بما له من قدرة وموهبة وجرأة أن يستخرج طقوسا كنا نحسبها بلا أصل ولا جذور، ولم نكن نعر أصلها اهتماما.
ـ ويَـذكُـرُ المؤلف ـ أنه تناول مواضيع كتابه من واقع شهادته، ومن تجربته الشخصية، ومعايشته المباشرة لها، ويرفد الاستدلالات النصية والعملية والصور من خلال مشاهداته، وينقلها بكل اقتراب وشفافية ..
ـ إنه وثيقة تسجيلية هامة لتلك الفترة الحالمة من ذلك (الزمن الجميل)، وجدير باستحقاق أن يضاف للكتب التسجيلية المحلية والخليجية القليلة التي صدرت في هذا الشأن، كما أنه رصد تاريخي/انثروبولوجي استطاع مؤلفه أن يقول ما لم تستطع الكتب المماثلة في موضوعه قوله.
ـ همسات خفيضة بيضاء:
ـ كنت أتمنى ـ لاكتمال البحث والعرض والاستقصاء ـ أن يتواصل المؤلف مع غيره من بعض أبناء مدن وبلدات وقرى الأحساء لإضافة ما قد يكون غير موجود في حارته بمدينة (المُبَرَّز)، أو في (شارع كَـرَم) الذي تربى فيه.
ـ لاحظتُ أثناء قراءة الكتاب أن هناك أخطاء طباعية كثيرة، من أول الكتاب إلى آخره، يبدو أن المؤلف إما أنه لم يراجعه بشكل دقيق، أو أنه استعجل في دفعه للمطبعة، وهو في غمرة حماسه لإصداره بسرعة، ففاته كثير من الجمل والكلمات التي وردت فيه، وسأعرض بعضا منها مثالا لا حصرا:
صفحة 15: أبيات زوجة أبي حمزة.
صفحة 16: المقطع الرابع، السطر الثاني: ودينيّا.
صفحة 18: المقطع الأول، السطر الخامس: إيزيس.
صفحة 23، المقطع الثاني، السطر الرابع: العرش.
صفحة 27: المقطع الأخير: مرة تكتب إينانا، ومرة إنانا.
صفحة 62: السطر الأول: عزيزي القارئ + المقطع الأخير، السطر الأخير: ففي، ... إلخ، وأكتفي بهذه الأمثلة التي تسير مع القارئ إلى آخر الكتاب ..
ـ وكنت أتمنى لو أن الأستاذ صلاح عرض (مسودة) الكتاب قبل طباعته على أكثر من شخص، لتراه أكثر من عين لاستخراج الأخطاء الطباعية التي لم تلحظها عيون الكاتب، رغم مراجعته لها.
الأمر الآخر، هناك نصوص وأهازيج شعبية متكررة في الكتاب كان من الممكن الاكتفاء بذكرها مرة واحدة، مثل نص: (حناش عيين يا زهرة، حناش، عيين)، وغيره، وحتى هذا النص فيه أخطاء طباعية عديدة.
وفي الوقت نفسه هناك نصوص لم يذكرها المؤلف في الألعاب والطقوس وغيرها، وقد ذكرتُ كثيرا منها في ديواني (حَـكُّوكة) في قصيدة (الملحمة الشعبية الكبرى) .
ـ أما النصوص الشعبية المصاحبة لتلك الطقوس، فكنت أتمنى أن تأخذ اهتماما معرفيا أكثر، كأن يقوم بعمل شرح، وهوامش تعريفية للكلمات، وأن لا يكتفي بذكر المصادر، والمراجع التي استقى منها تلك النصوص، صحيح أن هناك بعض الشروحات لجزء يسير منها، لكن ذلك لا يكفي.
فالكتاب سيكون بين أيدي الأحسائيين وغيرهم، وبالتالي، فهو بمثابة مرجع يساهم في تعريف ما يتداول منها.
ـ كما أنه قد يوجد اختلاف في نصوص الكلمات، من تقديم، وتأخير بين مدينة وأخرى أو منطقة وأخرى، أو حتى حارة وأخرى، مما يوجب التنويه عنه وذكره في الهوامش.
إضافة إلى أن الأناشيد والأغاني، كانت تحتاج إلى (تشكيل) حتى يعرف القارئ غير (المبرزي)، أو الأحسائي كيفية نطقها.
هذه أبرز الملاحظات العابرة التي كتبتها بقلب شفاف، عن هذا الكتاب الذي أضاف لي ـ شخصياـ معلومات ثرية، وعرفت منه مصادر كلمات وعبارات وأمثلة لم أكن أعرفها من قبل، وهي لا تقلل أبدا من قيمته، بل أدعو الجميع إلى اقتنائه، وقراءته.
ـ وأختم هذه المقالة الانطباعية بهذه الأبيات الأخوية الطريفة التي تبادلتها عن الكتاب، مع أخي وصديقي الشاعر صلاح بن هندي، فقد أرسَـلَ إليّ هذه الأبيات، وهو يقدم لي نسخة من كتابه:
(شعلة المعبد)/ صلاح بن هندي:
أخيرا أتى (شعلة المعبدِ) أطال الغياب عن الموعدِ
كتابٌ يحلل عصر الجدود ويرخي اللثام عن المقصد
يعيد الجديد لحضن القديم ويكشف سرا خفي اليد
هنا ينجلي كل سر دفين لتعرف من نحن، يا سيدي
حَـظِيُتُ بـسِـفْـر (أبي أحمد)/ محمد الجلواح
تَـلَقَّـفْتُ بالقلب قبل اليدِ كنوزَ العَـراقةِ، والسُّؤدَدِ
وأَطْـلَقْتُ عيني تَحُثُّ السُّرى وتنهَـلُ من صَـيِّـبٍ، أرْغَـدِ
سأُشْعِلُ كُلَّ فصول الكتاب وأجعلُها غُـرَّةَ المَشهد
وأمضي أرَدِّدُ بين الجموع حَـظِيُتُ بـسِـفْـر (أبي أحمد)
حَـظِيتُ بما يكشف الخافيات ويرصدها (شعلة المعبد)
جديد الموقع
- 2025-10-29 غسان الناصر يحصد المركز الأول في النسخه الأولى من جائزه الأسره المثاليه
- 2025-10-29 متحف زمني في بيتك
- 2025-10-29 تجمع الأحساء الصحي يحقق إنجازًا طبيًا متقدمًا في جراحات الروبوت
- 2025-10-29 طلبة الأحساء يقدمون 125 بحث علمي محكّم في معرض " إبداع 2026 "
- 2025-10-29 العلاقة بين التدخين وضغط الدم العالي أصبحت مؤكدة علميًا
- 2025-10-29 العلاقة بين التدخين وضغط الدم العالي أصبحت مؤكدة علميًا
- 2025-10-29 الأحساء تحتفي بسلسله الثقافة الشعبيه غير الماديه في كيوب بارك
- 2025-10-28 فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة القصيم يحصل على شهادة الأيزو
- 2025-10-28 قبضة الأخضر في نهائي القارة للمرة الأولى بعد غياب 35 عام و راجخان يحرز برونزية الالكترونية في اسياد الشباب الثالثة
- 2025-10-28 وقع الاتحاد السعودي للهوكي اتفاقية تعاون مع نظيرة العُماني