2013/04/20 | 0 | 5739
الفضلي رائد الاصلاح والتجديد الحوزوي
هو أحد هؤلاء القلائل الذي جاد بنفسه وبقلمه بل وبكله للعلم كله، ولم يكتف بذلك بل سعى في تطوير العلم الحوزوي والأكاديمي لكي يصل إلى كل طالب بيسر وبسهولة.
فالطالب الحوزوي وعندما يدرس المقدمات والسطوح قد يتخرج منها – بل يتخرج منها – ولم يعرف ويدرك أهم المصطلحات التي ينبغي على الطالب الحوزوي معرفتها، وما ذلك إلا لأن الكتب المستخدمة في الحوزات ليست كتباً معدّة للدرس والتدريس وإنما هي أفكار ونتاج مؤلفيها وتقريراتهم بعد إبداعاتهم الأصولية والفقهية مما حدا بطلابهم أن يتناولوها درساً وبحثا فأصبحت مداراً للدرس وليست هي معدة لذلك، فكتب الأصول كالمعالم والرسائل والكفاية ليست كتباً تدريسية تعليمية بقدر ما هي تمثل آراء أصحابها، وكذلك كتب الفقه كالشرائع واللمعة والمكاسب إنما هي بحوث استدلالية تمثل آراء مؤلفيها، هذا في الفقه والأصول، وأما في اللغة العربية –مثلاً- فلا يوجد كتاب شيعي يدرس في الحوزات العلمية – فالقطر وشرح ابن عقيل والمغني ليست كتباً شيعية – لعدم وجود متخصص منذ ذلك الزمن البعيد وإلى يومنا هذا وإن كانت هناك كتبا علمية وعميقة إلا أنها لا تدرس. وأما كتب الحديث والرجال فليس في منهجية الحوزات قديماً وحديثاً –إلا ما شذ– تدريس الرجال والحديث بل قد ليس هناك كتب متخصصة تلائم مكانة هذين العلمين واستنباط الفقيه. وكذلك الحال في مختلف العلوم الكلامية والفلسفية والقرآنية بل لا يكاد تذكر منهجية تعليمية قرآنية في الحوزة وكأن القرآن على هامش الحوزة وكل ما هو موجود من نتاج قرآني فهي اجتهادت شخصية وجهود فردية وكل ما في الحوزة الفقه والأصول.
وعندما يدرس الطالب الحوزوي الكتب الأصولية والفقهية يكون أكثر همه أن يفكك العبارات ويحاول معرفة إرجاع الضمائر إلى متعلقيها ويضيع جلّ وقته وسنواته في فهم العبارات وقد يخرج بنتيجة وقد لا!
فمثلاً كتاب اللمعة الدمشقية للشهيدين شرحه السيد كلانتر والسيد الترحيني – مثلاً – وجاء الأستاذ وجداني فخر في شرحه (الجواهر الفخرية في شرح الروضة البهية) ليتخصص في إرجاع الضمائر إلى متعلقاتها بالإضافة إلى الشرح المبسط، والطالب الحوزوي لو أراد أن يقرأ هذه الشروحات لاحتاج إلى سنوات ولماذا كل ذلك؟! لأن هذه الكتب ليست معدّة للدرس والتدريس.
وهنا يأتي دور شيخنا الراحل والأستاذ المتبحر والعالم المثقف آية الله العلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي الذي جمع بين الدرسين الحوزوي والأكاديمي وصاغ تجربته في كلا الاتجاهين بمزج جميل ظهرت آثاره في مؤلفاته التعليمية التحقيقية والتي تنم عن بُعدٍ في العلم والثقافة والإدراك وقوة البصيرة حتى إنك لا تجد بعض البحوث قد تناولها أحد مثلما تناولها هو وإن أمكن سنبرز بعض تلك الملامح.
والأهم هنا بيان أن العلامة الدكتور الفضلي كان الرائد الأول في تطوير المناهج الحوزوية وإن سبقته بعض التجارب كالشيخ المظفر والسيد الشهيد الصدر إلا أنهما لم يوفقا لإبراز ذلك في مختلف العلوم والتوجهات بل انحصر تطويرهما في الجانب الأصولي بالتحديد . أما الشيخ الفضلي (أعلى الله مقامه) فقد برز رائداً فكرياً وحوزوياً متضلعاً ومصلحاً جديداً في إطار البحث والتأليف. وأحاول هنا بشكل مجمل إبراز ذلك كالتالي:
1) تطوير كتب اللغة العربية:
أدرك العلامة الفضلي أن كتب اللغة العربية التي تُدرَّس في الحوزات والجامعات ليست قادرة على إيصال المعلومة للطالب بشكل سهل وسلس وهذه المناهج غير مؤهلة لذلك لذا فله في النحو مختصره وفي الصرف مختصره وهما يبرزان أساسيات العلم ويمكنان الطالب من إدراك كل المطالب التي يحتاج إليها الطالب الحوزوي والأكاديمي في هذا الاتجاه.
ولا تفتقر كتبه عن المادة العلمية والأسلوب الحوزوي بل قد يستعرض الآراء المختلفة في الفكرة الواحدة ليتمكن الطالب من معرفة تلك الآراء المتنوعة.
كما أنه أول حوزوي – كما يبدو لي – استخدم المشجرات التعليمية كتلخيص للأفكار العامة للدرس في حين أنك عندما تقرأ الكتب الحوزوية المختلفة ترى القسم الأول في الصفحة الأولى – مثلا – وقسيميه – مثلا – في صفحات أخرى حتى لا تكاد تعرف المقسم من القسم والقسيم ولكن العلامة الفضلي يبرز هذا المنهج في كل كتبه الأصولية والحديثية والفقهية واللغوية والكلامية.
فأسلوب المشجرات والتقسيمات العلمية هي الأبرز في كتب العلامة الفضلي ولا تجد لها نظيراً فيمن سبقه.
وليست هذه هي الكتب اللغوية فقط وإنما ذكرت ما يرتبط بالجانب التطويري الحوزوي هنا بالدرجة الخاصة مع العلم أن كتبه هذه تدرس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
2) تطوير الكتب الأصولية:
للعلامة الفضلي سعي حثيث في تطوير كتب الأصول فقد ألف في ذلك أربعة كتب:
1-دروس في أصول فقه الإمامية (مجلدان).
2-مبادئ علم الأصول.
3-الوسيط في قواعد فهم النصوص الشرعية.
4-التقليد والاجتهاد.
وفي (مبادئ علم الأصول) لمحة أصولية عن مختلف الجوانب والمواضيع الأصولية بالترتيب الأصولي المعروف في الكتب، والبارز في هذا الكتاب أنك لا تجده كتاباً جامداً، ألفاظاً يصعب تفكيكها، بل سهولة في الطرح وإيضاح بالأمثلة وإبراز للفكرة بصورة جلية قلّ أن تجد الكتب الأصولية السابقة له تبرز هذه الحيثية فيبدأ بتعريف وإيضاح التعريف ثم إعطاء مثال لذلك لتكتمل الصورة.
ثم يلي هذا الكتاب (دروس في أصول فقه الإمامية) وفيه يتناول المطالب الأصولية بأكثر شمولية وأكثر عمق ويتميز هذا الكتاب بعدة أمور:
1-دراسة المصطلح الأصولي لغوياً وقد برز هذا الجانب عنده بشكل واضح وملموس لم يبرزه غيره بل لم يشر إليه أحد.
2-الربط بين علم الأصول واللغة في كل الأبحاث حتى تجد وتدرك العمق والتحقيق في البحث الأصولي واللغوي ومدى إدراكه واطلاعه الواسع على مختلف الآراء حتى إنه ليكفيك عناء البحث في ذلك.
3-إبراز الأمثلة بعنوان خاص وتطبيق التعريف على المثال بصورة واضحة.
4-بيان محور البحث ومحل النزاع.
5-استعراض مختلف التعريفات للمصطلح الأصولي عند الأصوليين المختلفين ومناقشة ذلك.
وقبل هذا يعطيك في هذا الكتاب لمحة عن المناهج التأليفية في الأصول والمدارس الأصولية وتاريخ التأليف وأهم المصطلحات الأصولية التي لا تجدها في كتب من سبقه حتى كأنك إذا درست الكتب الأصولية القديمة تدخل في بحر لا تستطيع أن تأخذ من كنوزه ما تشاء لصعوبة ما فيه وغموض ألفاظه.
ثم يأتي كتاب الوسيط – المشار إليه – وميزته تكمن في نوعية تأليفه وأنه الكتاب الأوحد في اتجاهه وهو محاولته لعرض الطريقة الصحيحة والنموذجية لفهم النصوص الشرعية فكثيراً ما يدرس الطالب كتب الأصول ثم يخرج ولا يستطيع تطبيق الأصول في الفقه بل لا يعرف كيف يستفيد من دراسته للأصول في فهم النصوص. وهذا الكتاب ميزته أن يوضح كيف يسير الفقيه في فهم النصوص الشرعية وبتدرج متقن يستطيع الطالب بدراسة وقراءة تمعنية إدراك ذلك كله قبل التعمق في المطالب الأصولية المعمقة التي لا طائل ولا ثمرة في الكثير منها.
3)تطوير الكتب المنطقية:
ضمن دراسة المقدمات يدرس الطالب المنطق ويدرسون قديماً حاشية الملا عبد الله وشرح الشمسية وغيرها وأما حديثاً فيدرسون منطق المظفر وهو الكتاب الأشمل والأوضح كما يبدو، ولكن المشكلة فيه كثرة المعلومات وعمقها حتى إذا ما بدأ بها الطالب وانتهى لم يكن الجميع متقناً كل ما فيه خصوصاً إذا لم يكن الطالب الحوزوي قد أنهى دراسته الأكاديمية التي تساعده في فهم المنطق، وهنا تجلت حركة العلامة الفضلي التطويرية في إيجاد كتابين أسمى أحدهما (خلاصة المنطق) والآخر (مذكرة المنطق) والثاني أوسع بقليل من الأول والهدف منهما إعطاء لمحة عامة وإيضاح الدروس بشكل سلس، وفي هذين الكتابين لا تدرس المادة كمادة جامدة، كلام متصل قد لا تعرف بدايته من نهايته في بعض الأحيان كأنك تطالع مخطوطة، أو نسخة حجرية، بل تدرس مادة علمية تعليمية تتميز بما يلي:
1-تعاريف وتوضيحات سهلة غير ناقصة.
2-أمثلة تطبيقية واضحة.
3-خلاصة مشجرة توضح مجمل الدرس.
ولو درس الطالب خلاصة المنطق لأمكنه استيعاب منطق المظفر بشكل أسهل. ووفقنا في تدريس الكتابين خلال السنوات الست السابقة. بل واستفدنا منهما في إعداد كتابنا المنطقي المعدّ للطباعة (الضوابط المنطقية) والمشابه لكتبه (قدس سره) في المنهج.
4-تطوير الكتب الكلامية والفلسفية:
للعلامة الفضلي – حسبما امتلك – ثلاثة كتب أحدها (التربية الدينية) وهو كتاب للشباب يوضح فيه أهم الجوانب العقدية بأسلوب شيق وجميل يفهمه الشباب، و (خلاصة علم الكلام) ويتناول فيه أهم مصطلحاته بالإضافة إلى دراسة أصول الدين والأدلة على ذلك من عقلٍ ونقل، والكتاب يصلح كمبادئ لدراسة علم الكلام قبل التعمق في ذلك، و (خلاصة الحكمة الإلهية) والتي يبرز فيها أهم معالم ومصطلحات الفلسفة لأنه يصعب على دارس الفلسفة أن يبدأ بـ (بداية الحكمة) للسيد الطباطبائي هكذا دون أن تكون له دروس تمهيدية في ذلك وهذا الكتاب معدٌّ لذلك وقد استفدنا منه أيضاً في كتابنا المعدّ للطباعة (دروس تمهيدية في الفلسفة الإسلامية).
5)تطوير الكتب الفقهية:
كتب الشيخ الفضلي في ذلك كتب وأبحاث متعددة، بعض كتبه دراسية منها (مبادئ علم الفقه –مجلدان-) أحدهما خاص بالطهارة والصلاة، ويتميز هذا الكتاب بعدة أمور:
1-تعريف المصطلحات لغوياً وفقهياً بل لا يمرّ على مصطلح إلا ويبينه بخلاف قراءتك لكتاب فقهي آخر تحتاج فيه إلى الرجوع للمعاجم والقواميس لفهم ذلك أو تحتاج إلى شارح ومبسط لذلك.
2-يستعرض الآراء المختلفة في المسألة.
3-يبين المصطلحات العلمية للمصطلح الفقهي والطريقة العلمية لتحقق ذلك في الخارج ويبين الفرق بينه وبين المشابه له كما في موضوع الخمر.
فالطالب – الحوزوي – عندما يدرس هذه المادة يكون ملماً بالمصطلحات الفقهية في بابي الطهارة والصلاة وما يرتبط بهما من مصطلحات لغوية وعلمية واجتماعية وهذا لا تجده في الرسائل العملية للمراجع التي تحتاج إلى مزيد عناية لمعرفة مصطلحاتها ولا في البحوث الاستدلالية.
وله كتاب آخر أسماه (دروس في فقه الإمامية) من ثلاث مجلدات وللأسف افتقد الجزء الأول منه، وأما الجزئين الأخيرين فقد تناول فيهما الجانب المعاملاتي وبدأ كعادته بمنهجة الكتاب وبيان المقصود من المعاملة وأوضح النظريات والقواعد المستخدمة في جانب المعاملات ثم بدأ في الجزء الثالث بدراسة البيع وأنواع البيوع وبعض المعاملات كالربا والدّين والقرض والمضاربة والهبة والجعالة ثم ختمه بالمعاملات المستحدثة، وميزة الكتاب:
1-بيان التعريفات اللغوية والفقهية كعادته رضوان الله تعالى عليه.
2-استعراض الآراء المختلفة للفقهاء في ذلك.
3-بيان الحالة التاريخية التي تمثل السيرة العرفية الجارية قبل زمن المعصوم وإلى زمانه.
4-بيان أهم عناصر وأحكام المسألة.
5-إبراز ذلك بالأمثلة التطبيقية والأدلة الاستدلالية في ذلك.
والأهم من ذلك العمق المعلوماتي والسهولة في الطرح التي قلّ أن يتوفرا في شخص واحد.
وحين يستعرض القواعد الفقهية في المعاملات يحاول إثبات ما يستظهر من القاعدة من جوانب مختلفة فمثلاً إثبات العموم من قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فهل هذه من العمومات التي يرجع إليها في إثبات حليّة ومشروعية ما ثبت أنه عقد عرفاً سواء أكان عقداً متداولاً أو مستحدثاً.
ولكي يصل إلى النتيجة الإيجابية من ذلك يدرس ذلك في عدة خطوات:
1-دراسة مفردات القاعدة والتدليل عليها من أقوال اللغويين والفقهاء.
2-دراسة المصطلح قبل زمن الإسلام بلحاظ استعمال هذه الألفاظ قبل الإسلام وإمضاء الشارع لها لكون المعاملات ليست مما وضع الشارع ألفاظ بإزائها وإنما هي إمضاءات لما هو موجود في الغالب.
3-ربط المصطلح بالقواعد الأصولية.
4-دراسة دلالة النص وكيفية الاستدلال به على المطلوب.
5-النتيجة من البحث.
وهذا التسلسل تعليمي يجعل الطالب الحوزوي في مكنة ومقدرة على استيعاب المطالب العلمية.
ولم يقتصر العلامة الفضلي في تطوير هذه الاتجاهات الحوزوية فقط بل هناك كتب مهمة أيضاً تصلح للدرس الحوزوي وتساعد طالب العلم في فهم المطالب وربط العلوم ببعضها، فالعلامة يمتاز في مختلف كتبه ببيان الرابط والعلاقة بين العلوم المختلفة، وأهم هذه الكتب:
6-تطوير كتب الرجال والحديث:
(أصول الحديث) وهو كتاب في دراية الحديث ويتناول فيه أهم الجوانب التي يحتاج دارس الدراية بدراسة تحليلية تنبأ عن إلمام واطلاع واسع في هذا الجانب وهو كتاب صالح للدرس الحوزوي قلّ مثيله.
ومما افتقدته الكتب الشيعية الكتب التي تعنى بعلم الحديث والدراية، نعم ربما يتناول القدماء بعض مصطلحات علوم الحديث في شروحاتهم للحديث وتعليقاتهم، ولكن تناول مصطلحات الحديث وبيان تعاريفها وتحليل ودراسة العوامل المؤثرة في بعض الأمور كالأحاديث الموضوعة – مثلا – وهي – هذه المصطلحات الحديثية – وإن تناولها بعض من سبقه في كتبه كالمامقاني في (مقباس الهداية) وغيره إلا أن جعل ذلك في كتاب حوزوي تعليمي لم يسبقه فيه أحد، فلكي يؤسس منهجية متكاملة للحوزوي لابد من أن يضع له كتب دراسية تعليمية في كل تخصصاته فكان هذا الكتاب الحاوي للمصطلحات الحديثية وبعض المصطلحات الرجالية.
وله كتاب في (أصول علم الرجال) يبرز فيه أهم المسائل الرجالية التي ينبغي على الطالب الحوزوي معرفتها خلافاً لما يكون في الحوزوات حيث ينتهي الطالب من دروس السطوح ولا يدرك ولا يعرف شيئاً من المسائل الرجالية مع أهميتها، وقد ذكر بعض الفضلاء أنه انتهى من السطوح وبدأ في البحث الخارج ولا يعرف أهم متطلبات علم الرجال الذي يحتاجه الفقيه في استنباطه بل لا يمكن الاستنباط بدونه، وهنا تكمن الثمرة فيما أحدثه العلامة الفضلي حيث ألف هذا الكتاب ليكون مدخلاً لهذا العلم الذي قلّ من تبحر فيه وألف.
كتاب أصول البحث:
(أصول البحث) وهذا من أهم الكتب التي تساعد طالب العلم في البحث والتحقيق ببيان المنهجية التي ينبغي على الباحث اتباعها في ذلك، فما هو المنهج والمناهج المتعددة والمراجع المستخدمة في العلوم المختلفة وأنواع البحث ومجالاته وأسلوب البحث وشروطه وكيفية البحث وطريقة أداء البحث وإعداده مما يمكن الباحث من السير في الطريقة الصحيحة للبحث وهذا في حد ذاته يحتاجه كل طالب علم.
وفي هذا الكتاب يتناول أهم المناهج العلمية التي ينبغي أن يتبعها الباحث والمحقق والفقيه والطريقة العلمية الصحيحة التي ينبغي أن تتبع بشكل مرتب في الوصول إلى نتيجة البحث.
وبعد أن يستعرض (قدس سره) المناهج العامة – النقلي والعقلي والتجريبي والوجداني وغيرها – يستعرض في هذا الكتاب المناهج الخاصة بالفقه وأصوله باعتبار حاجة الطالب الحوزوي إلى معرفة كيفية البحث، وكيفية الوصول إلى النتيجة بطريقة علمية ممنهجة.
وسنتناول هنا وبشكل موجز ما بينه في منهجية علم الأصول:
الهيكل العام لعلم أصول الفقه:
والهيكل العام لعلم أصول الفقه المستخلص من واقع التجارب العلمية فيما يكتب فيه، هو كالتالي:
1-الهدف من البحث في أصول الفقه:
هو استخلاص القواعد الأصولية من مصادرها النقلية أو العقلية بغية الاستفادة منها في مجال الاجتهاد الفقهي.
2-مادة البحث الأصولي:
وتتمثل في مصادر التشريع الإسلامي (أو أدلة الأحكام الفقهية).
3-خطوات البحث الأصولي:
وتتلخص في التالي:
أ-تعيين المصدر (الدليل).
ب-تعريف المصدر (الدليل).
ج-إقامة البرهان على حجية المصدر (الدليل) لإثبات شرعيته.
د-تحديد مدى حجية المصدر (الدليل).
ه-استخلاص القاعدة الأصولية من المصدر (الدليل).
و-بيان دلالة القاعدة.
ز-بيان كيفية تطبيق القاعدة لاستفادة الحكم الفقهي.
4-المنهج العام للبحث الأصولي:
سنتبين من خلال التطبيق الآتي أن البحث الأصولي يسير وفق المناهج العامة التالية:
أ-المنهج النقلي في جملة من مسائله.
ب-المنهج العقلي في جملة أخرى من مسائله.
ج-المنهج التكاملي (من النقلي والعقلي) في جملة ثالثة من مسائله.
وسأحاول -هنا- توضيح العناصر المذكورة من خلال التطبيق على بعض القواعد الأصولية.
ولتكن القواعد التالية:
-قاعدة الظهور.
-قاعدة تعارض الخبرين.
-قاعدة الاستصحاب.
ثم بدأ في توضيح هذه الهيكلة في القواعد الثلاثة المذكورة وختم هذه المنهجية ببيان مصادر علم الأصول التي ينبغي على الطالب الحوزوي معرفتها والرجوع لها في استعراض الآراء الأصولية والتي تشكل مصادر للأقوال المختلفة الأصولية للطائفة من الشيخ المفيد وإلى يومنا هذا. وقد رتبهم بشكل تاريخي يسهل على الباحث تناول الأقوال مرتبة أيضاً.
منهج علم الفقه:
في المنهج الفقهي من هذا الكتاب يستعرض العلامة الفضلي (أعلى الله مقامه) المنهجية في ذلك ثم يمثل لنا بأمثلة يطبق فيها هذه المنهجية والتي تدل على إلمام بالفكرة وشمولية في الطرح ومنها موضوع (الكُر) ويمكن بيان ذلك كالتالي:
1-بدأ بتعريف الكر في اللغة حيث يستعرض آراء اللغويين في ذلك .
2-ثم استعرض تقدير الكر بأي وحدة وقد أبرز الرأي اللغوي حسب المعاجم ثم استعرض آراء الفقهاء تبعاً للنصوص الشرعية، وهذا التقدير عند الفقهاء، إما أن يكون بالوزن أو بالحجم.
3-يستعرض الآراء في كل قول ويذكر الأدلة التي استند الفقهاء عليها ويناقش الأدلة من حيث السند والدلالة.
4-ثم يستخلص لنا النتائج المترتبة على كلا القولين ويبرز الرأي الصحيح كما يراه.
5-والأبرز في هذه المحاولة هو تصوير الأحجام بالأشكال الهندسية العلمية التي يمكن للباحث الحوزوي تصوير الأحجام المتصورة والتي يمكن أن تحوي الكر. وقلّ أن تجد حوزوياً يمازج بين العلوم بحيث لا تعيش مصطلحات نظرية جامدة لا تستطيع تطبيقها على الواقع الخارجي.
وقبل أن يبز لنا خطوات المنهج الفقهي يبين لنا نماذج للتطبيقات اللغوية في النصوص الشرعية والأصولية والفقهية والرجالية كما ويستعرض القرائن التاريخية والتفسيرية ليكون الحوزوي يتماشى والخطوات المنهجية الصحيحة في معرفة الحكم والنتائج ويختم ببيان مصادر الفقه ليطلع الحوزوي والباحث على أهم المراجع لمعرفة الآراء الفقهية المختلفة.
كتاب القراءات القرآنية:
تتجلى أهمية الكتاب في أنه كتاب إسلامي شمولي لاختصاصه بالمصدر الإسلامي الأول، وهو المتفق عليه بين المسلمين قاطبة.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يناقش ويستعرض مسألة قرآنية ذات بُعد عملي في التطبيق الخارجي وهي القراءات والتي لها انعكاسات متعددة في القراءة من جهة ونواحٍ لغوية وتفسيرية من جهة أخرى فكان هذا المبحث في هذا الكتاب.
ويتميز هذا الكتاب بعدة أمور:
1-استعراض آراء المدرستين مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء.
2-إبراز الآراء والحركة التطويرية لموضوع البحث تاريخيا بدقة بحيث يتابع القارئ هذه الحركة التطورية.
3-التعريف بالقراءات القرآنية وكيفية نشوئها وتطورها وتناقلها ومصادرها وأسباب اختلافها وفوق ذلك كله إن من يقرأ الكتاب ولا يعرف العلامة الفضلي لا يعرف أنه شيعي مع أنه نقل آراء شيعة وناقشهم كالسيد الخوئي، لأنه لم يناقش الموضوع من جهة طائفية بل من جهة إسلامية لذا قلنا عنه بالشمولية.
تاريخ التشريع الإسلامي:
من أهم الكتب التاريخية التي تتحدث عن تطور ونشأة الفقه الإسلامي والإمامي بشكل خاص، ولعل العلامة الفضلي هو أول من ألف بهذه الفكرة في كتاب مستقل في المدرسة الإمامية وتميزت منهجية الكتاب بعدة أمور:
1-الرجوع للوثائق التاريخية المبينة لحالة التطور التشريعي للفقه.
2-الرجوع إلى التراث الفقهي المتمثل بالمصادر الفقهية لقدماء الأصحاب.
3-الرجوع إلى كتب الفكر الأصولي وتاريخ علم الأصول.
4-إبراز ودراسة الحالة التاريخية من نصوص المدرستين ومناقشة الأفكار المختلفة.
5-استعراض تطور التشريع الإسلامي من زمن النبي (ص) إلى المدارس العلمية اليوم.
6-استعراض أبرز المفكرين والفقهاء والمتكلمين الذين عاصروا الأئمة ودورهم التاريخي في هذ التطور.
7-احتواء الكتاب على إحصائيات ورسوم بيانية توضيحية ومخططات شجرية تعليمية.
وفوق كل ذلك الإحاطة والشمولية والدقة والعمق والتتبع.
هذا ما قدمه شيخنا الراحل ومقتدانا الكبير الذي استفدنا من مؤلفاته الكثيرة برغم عدم استفادتنا المباشرة منه، وهذا في الجانب الحوزوي وأما الجانب الأكاديمي فقد كتب في ذلك وأبدع وطور بما لا يقل عن الجانب الحوزوي، وقد تناول ذلك أكثر من دكتور لذا اكتفيت بالجانب الحوزوي ليدرك الحوزوي قبل غيره كيف كان دوره في تطوير الجانب الحوزوي بما لا مثيل له في ذلك، وإذا لاحظت فقد طور وأبدع في مختلف الجوانب العلمية اللغوية والمنطقية والكلامية والفلسفية والأصولية والفقهية والقرآنية والحديثية والرجالية ولذا فهو موسوعة في العلم والتطوير وهو بحق الرائد الأول في تطوير العلوم الحوزوية.
مميزات وخصائص مؤلفات العلامة الفضلي:
فيما مضى تحدثنا عن دور الراحل الكبير في تطوير المناهج الحوزوية بالخصوص وأثر ذلك على الطالب الحوزوي فهماً وإدراكاً، وأما الحديث هنا فعن الخصائص العامة لتراث الشيخ، وقبل البدء بتعدادها نشير إلى نقطة مهمة يجب أن لا نغفل عنها وهي:
إن الحوزات العلمية الشيعية أنتجت علماء ومفكرين ومبدعين على مرّ التاريخ ولعل باب الاجتهاد وحرية الرأي والرأي الآخر- في الجملة وفي بعض الأحيان – كان له الأثر في إنتاج وإبداع علماء الطائفة الأفذاذ والمبدعين الكبار، ولكن ليس كل من هو مبدع كان له نتاج علمي ملموس، نعم هناك من كانت له نظريات جديدة وتطوير في اتجاه من الاتجاهات وإن لم تكن له تلك الكتب المتعددة كما هو الميرزا النائيني ونظرية الترتب، وهناك من له مؤلفات متعددة وله من الإبداع ما لا ينكر مثل الشيخ الأنصاري ونظرية الحكومة، والشهيد الصدر ونظرية حساب الاحتمالات، وفي الجانب الفلسفي هناك مبدعون أيضاً كالملا صدرا والإمام الخميني والسيد الطباطبائي، ويطول بنا الكلام لو أردنا أن نعدد المبدعين في مختلف العلوم.
وعلى أي حال فإن العلامة الفضلي قد حجز مقعده منذ صغر سنه كما شهد بذلك آقا بزرك الطهراني فهو من بين المبدعين فكراً ومنهجاً وتطويراً، ولذا كان له من المؤلفات ما يظهر هذا الإبداع والتطوير والتجديد، ومن هنا نحاول إبراز أهم مميزات مؤلفاته ولو بشكل إجمالي ليتضح بعض إبداعاته بما يتناسب والمقام:
الأول: التتبع التاريخي للآراء المختلفة للموضوع المبحوث ولأصل المسألة منذ عصر النبي وإلى زمن المعاصرين وهذا ما يرتبط بالأبحاث الأصولية والفقهية والقرآنية – كما في القراءات القرآنية – والتاريخية.
الثاني: الإيضاحات والتطبيقات والمشجرات التوضيحية التي استخدمها في جميع الكتب.
الثالث: النظرة الشمولية اللغوية – للمصطلح المبحوث – من جهة تفسيره وتوضيح معناه عن أهل هذا العرف الخاص.
الرابع: استقراء وتتبع للآراء المختلفة في المسألة الواحدة وأدلتها ومناقشة تلك الآراء المختلفة.
الخامس: اعتماد الفهم القرآني في الكثير من القضايا العلمية المتعددة ، حيث جعل القرآن مرجعاً ومنطلقاً لفهم النصوص .
السادس: في البحوث الفقهية والأصولية ركز على الفهم العرفي واللغوي بدلاً من الفهم الفلسفي الذي أدخله بعض الأصوليين في بحث المسائل الأصولية والذي شتت بعض المسائل الأصولية ووسعها وأبعدها عن محورها الأساس كما في الأبحاث التحليلية للمشتق الأصولي – مثلا – حيث لم يبحثه الشيخ إلا من الجهة العلمية اللغوية والعرفية وليس الجهة التحليلة الفلسفية.
السابع: استعراض آراء المدرستين، مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء في الكثير من الأبحاث ذات الصلة بالموضوع مما يدلل على سعة الاطلاع وشمول الفكرة وعدم ضيق الأفق.
الثامن: ما أكدنا عليه مراراً وهو الذهنية العلمية والأكاديمية المعاصرة التي استطاع من خلالها بلورة المناهج التعليمية الحوزوية المتعددة مما يساعد الحوزوي على فهم المطالب بصورة سهلة وواضحة.
هذا ما يمكن إبرازه من مميزات وخصائص في منهج العلامة الفضلي ولخوف الإطالة تجاوزنا الكثير من الأمثلة.
وأختم كلامي بهذه القصة:
في عام 1424ه وفي مدينة الرسول الأعظم (ص) التقيت بآية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني ولم يكن قد طرح مرجعيته آنذاك والشيخ السبحاني كما هو معروف موسوعة في التأليف في مختلف العلوم أيضاً وقد جلست معه في الحرم النبوي الشريف ثلاث مرات، توجت بأن أعطاني كتابه الموسوم (المحصول في علم الفقه) وطلب مني تسليمه للشيخ الفضلي وقال لي: بلّغه سلامي وقل له ليتلطف عليَّ ويقول رأيه في الكتاب هل هو صالح للتدريس أو لا .. هكذا هي مكان العالم بين العلماء.
وليس هو فقط –الشيخ السبحاني- بل الكثير هنا كان ممن يرغب ويتمنى أن يقدّم له الدكتور الفضلي مقدمة لكتابه ومما يؤسفني أنني لم أتمكن من ذلك مع أنها كانت أمنيتي.
فالسلام عليك يا فضلي يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا .. اذكرني عند ربك.
جديد الموقع
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية
- 2024-11-20 هم أنفسنا وأرواحنا
- 2024-11-20 ما متَّ يا وائلي
- 2024-11-20 سمو محافظ الأحساء يطّلع على إنجازات مطارات الدمام ومطار الأحساء الدولي
- 2024-11-20 في ختام جولة الجياد العربية بالرياض مربط دبي ينال لقب أفضل منتج ودي بركان يتوج أفضل الخيول الذكور للعام 2024
- 2024-11-19 سمو الأمير سعود بن طلال يطلع على استراتيجية جمعية البر بالأحساء