2024/12/31 | 0 | 96
الثقافة.. المفهوم.. والأزمة
مع كتاب الهجرة إلى الداخل ( في الفكر والثقافة )، للمؤلف/ أحمد عبد الفتاح سماحة ، الطبعة الأولى : 1430هــ /2009 م.
من المؤكد أننا لم نستعمل في حياتنا كلمة لا نعرف معناها الحقيقي والدقيق مثلما نستعمل كلمة «الثقافة». ولم يستطع حتى المتصدون لكل التعاريف بالبحث عن أصولها ومنابعها الحقيقية فأننا عندما تطرح هذه الكلمة ينسحب ذهننا إلى جانب معين أبطاله الكتاب والشعراء وغيرهم ممن يمتهنون «الافكار» - وقد يكون جانب الافكار مهماً في الثقافة ولكنه ليس الجانب الوحيد - ونعود ثانية لنبحث في كل قواميس العربية فلا نجد الا تفاسير لا تغني كتفسير ابن دريد في لسان العرب الذي تطرق إلى كلمة «ثقف» في الجزء العاشر وفسرها بمعنى «حذق» وباقي التفاسير الاخرى على نفس المنهج.
عموماً يبدو اننا قد بدأنا اخيراً إدراك ان هناك شيئاً اسمه الثقافة فان إدراك الشيء إنما يعني انه أخذ طريقه إلى شعورنا واننا قد أوجدنا له مكاناً في قاموسنا اللغوي «أي وضعنا له اسما» (الاسم بهذا الوضع - كما يقول مالك بن نبي - هو: أول درجة من درجات المعرفة وأول خطوة نخطوها نحو العلم، لأنه بعد ذلك يتدرج إلى فكرة ثم إلى مفهوم.)
وإذا كان إدراكنا هذه الكلمة وحتى الآن مازال هلامياً فان ذلك يدل على اننا لم نكسب تلك الكلمة «قوة التحديد» لتصبح علما على مفهوم بعينه.
وإذا كانت العقلية الأوروبية التي وضعت كلمة (Culture) للتدليل على مفهوم الثقافة عنت بذلك النتاج الحضاري لعصور التقدم الأوروبي في مختلف المجالات وزاوجت بينه وبين نتاج الأرض من ثمرات حينما تزرع بعناية فأصبحت كلمة (Culture) التي تعني الزراعة هي نفسها التي تطلق مجازاً على الثقافة وهي في جميع الأحوال فكرة أصبح لها حضورها الذي تنامى بعد ذلك ليتعدى حاجز «الأفكار إلى ما هو أوسع وأشمل.
وإذا كانت تلك الفكرة قد طرحت على بساط التشريح لتحديدها بدقة في بداية القرن العشرين وتناولتها «الإيديولوجيات» المختلفة لتضع كل منها تفسيرها الذي يتفق ومجمل الأفكار والمعتقدات ومنهجية الحياة لديها.. إلا أن كل التفاسير في النهاية تبدو ناقصة وإن كملت بعضها بعضاً.
فاذا كان التفسير الغربي لمفهوم الثقافة الذي وضعه «لنتون» أو الآخر الذي وضعه «أوجبرن» الذي حدده الأول على انها مجموعة «الأفكار» والثاني على انها مجموعة «الأفكار والأشياء» وأيضاً التفسير «الماركسي» على أنها ثمرة المجتمع، كلها لا تعطي تفسيراً كلياً للثقافة في ضوء المتغيرات الاجتماعية والسريعة والمنجزات الكبيرة.
من هنا يجب أن يكون هناك تصور آخر للثقافة يُطْرَحُ على بِسَاطِ البحث مرة أخرى مع الوضع في الاعتبار الواقع الاجتماعي وجملة الظروف النفسية والمعتقدات وعوامل أخرى كثيرة تحتويها تلك الفكرة، ولذا سيبقى السؤال قائماً في النهاية: ما هي الثقافة؟
وفي نظري أن الإجابة عن هذا السؤال وان حملت في جزء منها جانبا عاماً ينسحب على كل مجتمع إلا أن هناك جانباً خاصاً يضع له كل مجتمع تفسيراً يتفق وأسلوب الحياة وسلوك الأفراد أو ما يسمى الفاعلية الاجتماعية.
فكل فرد يستطيع أن ينتقل من مجتمع إلى آخر فيحذق لغته وأفكاره ولكنه لن يستطيع أن يغير سلوكه وأسلوب حياته اللذين درج عليهما، لأن هذا السلوك وذلك الأسلوب اكتسبهما الفرد من خلال تعامله واحتكاكه بالمجتمع الذي نما فيه واكتسب منه «ثقافته» التي كان سلوكه وأسلوب حياته انعكاساً لها.
ومن هنا نجد ظاهرة هامة لا تكتمل إلا باكتمال، فكرة الثقافة ومفهومها في المجتمع ككل وهذه الظاهرة هي اتحاد شكل السلوك في المجتمع الواحد مهما اختلفت شخصيات أفراده. ولعل أروع مثال على ذلك المجتمع الإسلامي في عصوره الأولى.
ومن هنا أيضاً لنا أن ننظر إلى أن فكرة الثقافة تشمل - ضمن ما تشمل من أفكار - فكرة «التراث سواء كان مادياً أو روحياً.
فبقدر ما يكتسب هذا الفرد من هذا التراث ويتفاعل معه تكون ثقافته وأسلوب حياته وفهمه للأشياء وموقفه منها - أي صلته بها - وبقدر ما يكون الوعي بكيفية نقل هذا التراث إلى الفرد - التعلم - وتوجيهه بقدر ما يكون وعينا لمفهوم «الثقافة».
فالثقافة - وان كانت كفكرة - لم يتحدد معناها اللغوي الا ان مفهومها يكاد يكون معروفا ، فمنذ ان وضع لها الإنسان تلك التسمية، أدرك أهميتها ودورها في تنمية المجتمع من خلال فعالية أفراده. فتلك الفعالية ، لها جانبها الديناميكي الذي تبرز آثاره واضحة في كل جوانب النشاط الإنساني من صناعة وتجارة وزراعة وغيرها، إذ إنه من المستحيل ان تزدهر حضارة ما بدون ثقافة، والثقافة بهذا المفهوم لا تعني الجمود ولكنها تتطور، أي أنها في صيرورة دائمة وتخضع دائماً لمقتضيات التطور في بعض جوانبها، ولذا كان لزاماً علينا ان ننتبه جيداً لذلك وألا نهمله حتى لا يعطينا ذلك مفهوماً ناقصاً للثقافة وتصوراً خاطئاً في وسيلة التعلم التي هي أهم أسس التثقيف الذي يجعلنا فهمنا الخاطئ لها ان نكرر دائماً حديثنا عن «أزمة الثقافة» الذي كاد يكون القاسم المشترك في كل صحفنا. ان ازمة الثقافة تلك التي نتحدث عنها دائماً على امتداد الوطن العربي.. ماذا تعني؟
هل هي تعبير عن انعدام الوسط الثقافي الذي تحدثنا عنه في سطورنا السابقة الذي ينمو بداخله الفرد العربي؟
هل وصلت تلك الأزمة إلى حد اللاعودة حتى يستحيل معها أي علاج؟
هل تلك الأزمة تمثل السبب الرئيس في تخلفنا عن التمدن ولا أقول «التحضر»؟
هل فقد الإنسان العربي ديناميكيته وبالتالي أصبح إنسانا سلبياً؟
هل تلك الأزمة لها صلة ما.. بالضغوط الاجتماعية على الأفراد إن وجدت؟
وهل أو جدت تلك الأزمة فجوة الالتزام بين المجتمع والفرد بشكل يبدو فيه الفرد لا منتميا ..؟
حقيقة الأسئلة كثيرة والمحور الذي تدور حوله هو أزمة الثقافة والقضية تتطلب حواراً فعالا ... وان كان لي ان أقول: ان تلك الأزمة إنما هي مرحلة نمر بها من مراحل تاريخنا وأننا لم نصل بعد فيها إلى نقطة اللاعودة.
فالأمل مازال معقوداً على فهمنا دور التوجيه الثقافي خصوصاً من الذين يعلنون دائماً عن وجود الأزمة الثقافية - المثقفين - فان لهم دورهم الكبير في التثقيف.
أضيف أيضاً ان الوسط الثقافي لنا لم يتلاش. فالإسلام وثقافتنا الروحية موجودة وهي في النهاية المبتدأ والمنتهى، ولا مناص من اللجوء إليها لأنها استطاعت من قبل ان توجد مجتمعا متكافلا استطاع ان يصنع حضارة عظيمة في ظروف بالغة الصعوبة.
وإذا كنت في تلك السطور قد لمست قضية الثقافة فاني بذلك قد نلت وطراً ألا وهو فتح باب الحوار لتناول تلك القضية الهامة جداً التي لا تقل أهميتها عن أهمية رغيف الخبز في حياتنا بل وأكثر. ألا تفعل شيئاً. فقط ابق متمركزاً في الآن.
جديد الموقع
- 2025-01-03 عقد قران الشاب المهندس رضوان البحراني تهانينا
- 2025-01-02 القراءة وتراكم المعرفة
- 2025-01-02 خصلة من شعر...
- 2025-01-02 لماذا اكتناز الكتب؟
- 2025-01-02 خبرات عالمية لتطوير الرعاية التمريضية في تجمع الرياض الصحي الأول
- 2025-01-02 قوافي الشعراء تغازل "الإبل" بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي
- 2025-01-02 معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري يقيم محاضرة لمنسوبي الدفاع المدني ومديري إدارات التوجيه والإرشاد الفكري
- 2025-01-02 سعادة وكيل محافظة الأحساء يرعى حفل مدارس أكاديمية الكفاح بمناسبة حصولها على جائزة الأحساء للتميز 2024
- 2025-01-02 فجر السبت ذروة شهب الرباعيات 2025
- 2025-01-01 مجموعة عصبونات في جذع الدماغ مسؤولة عن الشهية للملح