2020/04/18 | 0 | 1940
مرايا مجهريه ثم جاءت كرونا
العالم يتحرك بفوضى مقصودة ناسيا الهدف حيث تضخمت الذات الفردية في النفوس وعصفت فيها الشهوات والرغبات واستعبدتها المطالب الحسية وملامس وجع اللذة , حركة دائبة من الفوضى الشهوانية تكسر حواجز النظام الكوني , رغبات انانية ومغالبة محتدمة وتغوّل للشذوذ في معظم صور الوجود وكيان السلوك البشري يجرف الفهم الإنساني إلى مستويات مادية صماء عنيدة تلف ادراك النفوس بغلاف كثيف يعمي شفافية الإدراك ويوجهه نحو صنم الداخل القابع تحت التسيير اسيرا خانعا مأخوذا بالأنا.
نعم هناك تطور ولكنه تطورا في سياق الاستلاب نحو العبثية فاقدة القيمة الحقيقة , تطور يعجل بتناول وسائل الشهوة التي تعبّد الفكر والعقل لإرادة الجسد المسيطر , الجسد الذي سوف يستزله ثم يسلمه إلى أرادة الجسد الجمعي وحتى العالمي و يضع على عنقه غلا وعلى جوارحه نيرا وقد يكون هذا الجسد الشهواني الأخر هو النظام العالمي لا فرق في انه نظام عالمي قديم ام جديد يمتلك التقنية والعلوم التجريبية والقدرة التنظيمية والسلطة المترامية الأطوال والأعماق والكثافات .
هو تطور ولكنه ذو ابعاد متناقضة , بعد يريك تطويع نواميس وقوانين الدنيا بسهوله النوال ولكن البعد الأخر وفي ذات اللحظة التي تضغط بها اناملك على زر أي جهاز ضانا انك المسيطر و اذا بك تنضوي تحت سحر الوسيلة اسيرا مرتهنا لإرادة الجسد الأخر الذي يبعد عنك بعدا شاسعا في مملكة المال والسياسة وفتن الأهواء والمغالبة والاستحواذ الشيطاني , في ملامسة ما حولك قد يصنع منك تابعا لشياطين الأنس التي تخلع عليك من العناوين الجميلة والشعارات البراقة ما يحول بينك وبين فهمك انك تسير على النمط المخالف والمزور له العنوان الظاهر , حيث العلم في خدمة الأيديولوجيا البهيمية والمعرفة من مفردات المسوغات الاستحواذية والتنوير لمعنى النار الإبليسية (ص - الآية 76قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) والنصيحة هي معنا الوسوسة(الأعراف - الآية 20فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ الأعراف - الآية 21وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) بل والمؤسسات الإنسانية في الأمم انما هي مخدر لفضائع الجرم الأممي في الجملة (وليس بالجملة) حيث يرمي النظام العالمي مسلوبي الإرادة في البحار ثم يمن عليهم ان انقذ القليل منهم كما من فرعون على موسى ان استعبد بني اسرائيل.
ثم جاءت كرونا : وجاشت كرونا خلال الديار فأعطتنا مرايا مجهريه الحجم شاخصة الأثر عملاقة المعاني , كشفت عن البعد الحقيقي المغاير للمصطنع الظاهري , نفشت المألوف التسالمي الشاذ وهتكت ستر الغايات وراء الظواهر في قواميس الناس بدقة متناهية وصنعت تبيانا شاملا يرسم البون الكثير والمتعدد بين الحق والزيغ بمصداق واضح جلي .
هذا المجهرى القزم : هزم عمالقة البوارج وعمالقة الشركات ما وراء البحار وعمالقة البنوك وعمالقة اللإمبراطوريات الصناعية وعمالقة المقوين والمغوين من التنظيمات العلنية والسرية تتحول ألى الهم الأعظم الذي تصدر ثقله كل الأولويات واكتسح اهتمام البشرية حتى صار ما بعد كرونا ليس كما هو الأمر قبله , هذا الكشف الهائل من الحقائق كان موجودا ولكنه بدا جليا بعد كرونا لأنه صنع حال مغايرا لما سبقه ووضع المرايا في زوايا الحياة لتكشف ابعادا تكاد لا ترى إلا عبرها , مرايا اوضحت زيف المعلن بحقيقة المسكوت عنه في علاقة الإنسان بالإنسان بأبعادها المتشعبة وعلاقة الإنسان بالله والأهم علاقة الإنسان بنفسه وبروحة وبحقيقته الإنسانية , الرسائل السماوية كانت ولا زالت تقول وتوضح ولكن غفلة الإنسان تحتاج إلى منبه بحجم الصدمة في كثير من الأحيان وقد لا تكون بمستوى التعقل بل بمستوى الإحساس وتغيير الوضع والانتقال بالحال من حال إلى حال , حينما تنقلب المسلمات بعد كرونا وحينما تتبخر الأعراف بعد كرونا وحينما تتمظهر الخلجات بصفحة الجوارح يكون ما بعد كرونا ليس كما قبله , حينما يلملم السلوك الانسان فسحة الغفلة ويطوي كشح اللامبالاة ويحول البوصلة إلى سلوك الاحتياط والرهبة والخوف والشك والتوجس من اللمس والرذاذ والاجتماع ويضرب بينه وبين ألآخرين استار المنازل والحواجز وحينما تتحول الدول إلى مستشفيات يأتمر قادتها لأمر الأطباء بكل موضوعية وانقياد وحينما تتحول بعض الجهات الروحانية على عظم عمائمها وقلنسواتها وتيجانها إلى كفة الاحتياط المادي السببي وتغلق الصوامع والمساجد والبيع وتتحول بنظرها إلى محاريب المختبرات والعيادات الصحية هنا يثبت كرونا بان تلك الروحانيات العلنية كانت روحانية و ميتافازيقيه ما قبل كرونا بالعلن فقط اما الآن فهي اسيرة نتيجة التحليل المختبري والمجس الحسي .
وان كثير من دور العبادة كانت مصابة بمرض مسجد ضرار وبعضها كان مصابا بعلة كونها دكان تجارة وبعضها كان مصطبة جاه ومراتب اجتماعية , لذلك اغلقت معظمها لمرض روادها فانكشف مقدار النفاق من الإخلاص بمرايا كرونا , بل اختفت كثير من القبلات للجبهات والرؤوس والأكف والأكتاف وما عادت سبيل ومائز للوجاهات والقدسيات , بل ان كرونا اغلق معظم مجالس البطالين ودواوين الغيبة والنميمة.
طبعا هناك ما يشار إليه بالبنان من الإيجابيات تماما كما ما هو على النقيض , لا شك ان الدنيا لو خليت لخربت نعم لقد زكي ريح البعض حينما امتدت يمناه لرفع سغب جائع ومعوز او مسحت على راس يتم وكشف عن هم مهموم ومدين او فك قيد اسير او اطلق مسجون , وأيضا من ايجابيات كرونا ان فتح مشرعة التوجه إلى الباري جل وعلا فصار الدعاء يصدح في معظم ارجاء الأرض , وصيّر الخطاب العام في جل بقاع المعمورة هو خطاب الرجاء والتوجه والانقطاع إلى الله جل وعلا والتشفع له بشفعائه الاطهار صلوات الله عليهم .
ولكن هل يستقيم الأمر بعد ان يرفع البلاء ؟ ام يكون البشر كما هو ديدنهم في السابق حيث يرجعون إلى غيهم ؟(
لإسراء - الآية 67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا
العنكبوت - الآية 65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
لقمان - الآية 32وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)
الجواب مرهون لكل فرد على حده وعلى المجتمع ككل وعلى العالم اجمع . ايضا هناك ملاحظة في بعض الناس انهم حتى في حال البلاء لا يرقب منهم إلا ولا ذمة ولا هم ينتهون فتراهم في غمرة البلاء يرجعون إلى المعازف والطرب او يشتغلون بإثارة الفتن السيبرانية حيث لم تغل شيطانهم هذه الجائحة النكراء فصاروا من وراء مفاتيح اجهزتهم يلقون بالكذب والافتراء على الأحياء والأموات او يعبثون بموازين الأحكام الشرعية ويرتكبون الموبقات بلا وازع من ضمير او شيم من كرامة , مثل هذه النماذج لا يحملون ارادة ولاقدرة على اقتناص الفرص الجيدة ولو كانت نجلاء فريدة ويبقون مقيدين بغلوائهم تحت ظلال شجرة الشهوة وفي لحد موت البصيرة وهو مصداق لمن كان إله هواه ( الجاثية - الآية 23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)
جديد الموقع
- 2025-01-14 أسرة المهناء بالمطيرفي تحتفي بزفاف ابناء الحاج "جواد " تهانينا
- 2025-01-14 " المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي "
- 2025-01-14 أسباب الإخفاق في الإلتزام بقرارات العام الجديد
- 2025-01-14 هل بإمكان الجزر أن ينظم نسبة السكر في الدم؟
- 2025-01-14 محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية التي تجري في اللاوعي وتشكل انفعالاتنا وقراراتنا وسلوكنا
- 2025-01-13 تنظيم علاقة الإنسان بريه
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة