تسويق الأوقاف اجتماعيا

أصعب ما يواجه التغيير والانتقال إلى مرحلة مفاهيمية متقدمة، تتسق مع ظروف العصر ومتطلباته؛ إذا كان للمجتمع قناعات راسخة بأن ما وجده وما اعتاد عليه من سلوكيات وأعراف هي الأفضل والأنسب. تغيير المفاهيم لا نتصوره سهلا في جميع شئون الحياة، طبيعة ثقافة المجتمع متراكمة، ومن ثقافة المجتمع ما ألفه الأفراد من أساليب ونماذج في معيشتهم، خصوصا إذا كان طُرُق ونُظُم حياتهم له علاقة بالأحكام الشرعية، هذه النماذج أصبحت سلوكا محكوما بقوانين شخصية، تؤسس واقعا اجتماعيا يقاوم التغيير.
احتياجات المجتمع تتغير مع كل حقبة زمنية حسب المعطيات الاقتصادية، لكن الثقافة التي تشكلت من معتقدات دينية وعادات وتقاليد وأعراف، يصعب تغييرها في المجتمع، فالعقل الجمعي له سلطة وله قوة على الأفراد، يقاوم التغيير والتحول، لا سيما إذا كان التغيير يتضمن خسارة في الماديات، فمثلا المستفيد من الجمعيات الخيرية يحصل على المساعدات بشكل مباشر ، ويعتقد أنها حق مكتسب، وكذلك ينطبق على الموارد المالية والخيرية الدينية كالأوقاف، يحصل المستحق المحتاج والفقير ما يخصص لهما بشكل مباشر تبذل على المساجد، وتعلم قراءة القرآن. بدون شك هناك موارد دينية وخيرية تُمنَح لمستحقيها مباشرة، بل تعتبر حقا لمستوفي الشروط حسب الأحكام الشرعية، وهناك روافد مالية خيرية ممكن استثمارها أو استثمار جزء منها وتحويله إلى موارد مالية مستدامة تدفع لمؤسسات خيرية واجتماعية ومعاهد ومراكز تعليمة وتدريبية لمساعدة طالبي العمل أو تمويل أفراد للاستثمار والعمل بها لاستمرار الأثر التنموي.
استدامة المشاريع الاجتماعية والتنموية إذا تحولت إلى مؤسسات تعليمية وتدريبية لها رؤيتها ورسالتها وأهدافها؛ تخرج شبابا للعمل أو لتأسيس مشاريع صغيرة تدوم بمنحها من الأوقاف، ويثق بها المجتمع، ويتفاعل معها بالمساهمة المالية والمعنوية إذا تحقق من آثارها الملموسة على المجتمع، وتحقق من آثارها بالأرقام.
الغرب بثقافته التنظيمية، وفكره الإداري سبق العالم الإسلامي في تحويل الأوقاف إلى جامعات ومراكز تنموية، مثل: جامعة هارفارد، ومؤسسات خيرية منتجة وتشغل كوادر بشرية وتنتج. بما أن الثقافة اليوم متشابكة مع الثقافات الأخرى، خدمات الإنترنت وأدواتها التقنية والأجهزة الذكية ربطت تجارب ونماذج تنموية ناجحة، مثل: الأوقاف العالمية لجامعات ومؤسسات أثبتت نجاحها لعشرات السنين في دول متقدمة علميا واقتصاديا. هذا المزيج من الثقافات والتجارب تنقل إلى مجتمعاتنا، ويمكن تطبيق برامجها التنموية بما يتوافق مع ثقافتنا الدينية والاجتماعية في الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنموية والأوقاف.
الأوقاف في العالم العربي والإسلامي لم يستثمر بشكل فعال أو يكون منتجا ومفيدا لمتطلبات التنمية العصرية، وفاعلا في النمو الاقتصادي الوطني، ولم يحقق آثاره الإيجابية حسب حجم أصوله، وأول خطوات هذا التفعيل والمساهمة التنموية تغيير مفاهيم المجتمعة المألوفة عن الأوقاف، والتحول بها إلى تنظيم إداري ومؤسساتي، له خططه وأهدافه، والانتقال به إلى منتج تنموي يقاس أثره بالأرقام في المجتمع والوطن.
أصعب ما سيواجه هذا التغيير يتم باقتناع الناس إذا تم الانتقال إلى مراحل متقدمة في القطاع الخيري أو القطاع الثالث المكمل للقطاعين الخاص والعام، وحصلوا على المنفعة الدائمة لهم.
الوقف (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة)، فهو مورد مالي كبير، لكنه معطل في أغلبه بسبب أسلوب صياغة الأوقاف قديما، واقتصار مصروفاته على جهات اجتماعية رعوية تقليدية بالرغم من أهميتها واحتياج المجتمع لها، لكن هناك مصارف وقنوات استثمارية استحدثت، وتواكب مشاريع التنمية بحيث يمكن تأسيس أوقاف بصياغة مرنة بما يلائم الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وبقاء الوقف في استدامة مالية واستمرار إنتاجه بمخرجاته المفيدة، وصرفها على قطاعات صحية وتعليمية وتدريبية وإنتاجية، يستمر فوائدها على المجتمعات والوطن.
أهم ما يواجه الأوقاف من صعوبات تغيير ثقافة المجتمع، وتحويل بعضها إلى مؤسسات وقفية استثمارية وتنموية من خلال التسويق الاجتماعي الفعال، واقتناع المجتمع بجدواها الاقتصادية عليهم، التعريف بالأوقاف وتغير قناعات أفراد المجتمع حسب الظروف الاقتصادية والمعيشية، يمكن تحويل الأوقاف إلى مؤسسات دائمة العطاء والإنتاج، يظهر أثرها على الاقتصاد الاجتماعي.
التثقيف الاجتماعي ووعي الواقف يوجه الوقف إلى تنظيم مؤسساتي تنموي يتوافق مع مفاهيم اقتصاد المعرفة، ويتكامل مع أوقاف سابقة وتقليدية تصرف في أوجه الخير والبر بشكل مباشر.