2020/03/18 | 0 | 3259
المؤرخ الأديب الحاج محمد بن حسين الشيخ علي الرمضان جعل الكتاب مدرسةً والمطالعة أستاذاً
شغفه بالمعرفة والاطلاع وحب الشعر مُنذ الصغر، جعله يدأب في تحصيل العلم ذاتياً، وذلك من خلال المطالعة النهمة على الكتب والدوريات والمجلات ودواوين الشعر ومعاجم اللغة العربية ومجالسة أهل العلم. حيث حول بيئته إلى مدرسة مفتوحة وظف فيها كل ذي علمٍ يقابلهُ مُدرساً له، بدأً بمنزل والديه الذي تعلم فيه، إلى مكان عملة في مجالس مخايطة البشوت في الأحساء والبحرين والعراق وسوريا، ليصبح شاعراً أديباً مؤرخاً علماً من أعلام التاريخ الشفهي متبحراً في علم الأنساب والتاريخ والأدب في الأحساء والدمام، شرق المملكة العربية السعودية.
مولده ونشأته
ولد بمحلة الفوارس في مدينة الهفوف بالأحساء شرق المملكة العربية السعودية عام 1350هـ، في فريق الصاغة (الحويش) ونشأ فيها.
تعليمه
ألتحق في طفولته بمدرسة الحاجة فضة بنت ناصر الحميدي في فريق الصاغة (الحويش) بمحلة الفوارس في سن الخامسة من عمره، ولم يمكث في مدرسة الحميدي مدة طويلة حيث أنفصل عنها، وشرعت والدته رحمها الله في تدريسه القرآن الكريم وقرأ معها الى نصف جزء عم، تولى بعدها والده رحمه الله تعليمه القرآن الكريم مع أخيه جعفر رحمه الله ، حيث ختم قراءة القرآن الكريم، وواكب ذلك رغبته في الكتابة وهو في الخامسة من عمره عبر بها بالبكاء عندما وجد من أبناء عمه يقرأ ويكتب أيضاً، فقدم له خاله الحاج حسن الرمضان رحمه الله قرطاساً وقلماً ليبدأ الكتابة، ليكمل والده في تعليمه الكتابة وذلك كان قبل تعليمه القرآن الكريم، كما درس مع أخيه جعفر في المدرسة الجعفرية في البحرين عام 1357هـ، وذلك لمدة شهر واحد حيث سرعان ما قرر والدهما بالرجوع الى الأحساء. وبعد أن نمت مهارة القراءة والكتابة لدية، ساهم في خدمة مجتمعه، فقد كان يكتب الرسائل لهم أو يقرأها تارة، بل كانت النسوة تطلب منه أن ينسخ لهن بعض الأدعية أو القصائد، وكان ذلك مقابل نصف قرش، بل أُسند له قراءة القرآن الكريم في ليالي شهر رمضان في أحد منازل محلة الفوارس.
هجرته للعمل
كانت أول سفرة له مع والده إلى العراق وهو طفل صغير وذلك عام 1353هـ وكانت للزيارة، حيث تكررت إقامته بعد ذلك في العراق أكثر من خمس مرات وفي كل مرة يبقى فيها أقل من عام حيث قرر في أحد المرات أن يبني له منزلاً إلا أن الأوضاع السياسية غيرت فكرته وترك العراق وتوجهه الى سوريا، وكانت السفرة الثانية للعراق عام 1363هـ ولكن من دون والده هذه المرة بل اصطحب والدته وكان في الكاظمية أخيه الأكبر جعفر حيث كان يعمل في خياطة البشوت وقد أزدهر الطلب عليها هناك، فالتحق معه أخيه الأديب أبي سمير في الكاظم، وبعد مضي خمسة عشر يوماً وصلهم خبر وفاة والدهم نتيجة وباء ومرض معدي تعرضت لها المنطقة وهو(التيفوئيد) على حد تعبير المؤرخ الأديب أبي سمير وذلك عام 1363هـ وعرفت بسنة الرحمة ، حيث توفى عدد كبير من الناس، ثم توفت جدة الأديب أبي سمير بعد أسبوع من وفاة والده، ثم توفت أخته بعد شهرين، فكانت حقاً سنة مأساوية على الجميع. فرجعت والدتهم الى أرض الوطن مع بعض أبناء عمومتهم، بينما بقي الأديب الحاج محمد وأخيه الحاج جعفر في العراق للعمل، حيث تم الاتفاق مع من يعملا عنده بالعمل في خياطة البشوت لصالحه لمدة سنة كاملة مدفوعة الأجر مقدماً بما لزمهما للبقاء في العراق مقابل الأجور المدفوعة مقدماً، وذلك خلال الحرب العالمية الثانية. كما كانت له سفرة أخرى الى الكاظم عام 1373هـ وقد قضى فيها عاماً كاملاً للعمل في خياطة البشوت، وكان حينها قد تزوج، ثم نزل الى البحرين، ولم تكن هذه الزيارة الأولى للبحرين، حيث سافر لها عام 1357هـ مع والده، وذلك للعمل في خياطة البشت الحساوي حيث مارس مؤرخنا وأديبنا الرمضان الخياطة وهو في سن مبكر، وقد أُعجب أديبنا الرمضان بما في البحرين من حضارة وأسواق مزدهرة تعج بأصناف السلع المتوفرة كماً ونوعاً، حيث محطة السفن الضخمة وكان بعضها يُصدر الى الأحساء. لكن سرعان ماقفلت أسرة أديبنا الرمضان إلى الأحساء بسبب الكساد العام وقلة طلب العمل في خياطة البشوت آنذاك. ثم عاودوا الرجوع للبحرين عام 1360هـ، حيث التقى بالشيخ حبيب القرين والشيخ كاظم المطر عندما عادا من البصرة ليواصل الشيخ حبيب القرين الى الأحساء بينما مكث الشيخ المطر في البحرين للقراءة في الحسينية الأحسائية. ظل أديبنا الرمضان يتأرجح في العمل بين الأحساء والبحرين عدة مرات كما مر علينا حيث مكوثه في البحرين ليس بالطويل، لكن في عام 1369هـ توجه الأديب أبي سمير الى البحرين مع أخوته وأسرتهم للعمل في مهنة والدهم الراحل المتوارثة في خياطة البشوت حيث قضوا في البحرين عشر أعوام، وكان أديبناً أيضاً يتأرجح في عمله بين الأحساء والبحرين والعراق، بينما بقية أخوته ووالدتهم مكثوا في البحرين، حيث كانت لأديبنا أبي سمير زيارة أخرى الى العراق في عام 1376هـ وكان يصحبه أخية المؤرخ جواد الرمضان رحمه الله حيث مكث أخية المؤرخ في الكاظم بينما أديبنا أبي سمير ذهب الى سوريا وأثناء تواجده وقع ما يسمى بالعدوان الثلاثي على منطقة قناة السويس في مصر، يوم 31/10/1956م الموافق 26/3/1376هـ، من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، فعمت المظاهرات والمسيرات المنددة بالعدوان في معظم الدول العربية ومنها سوريا والعراق، فقطع الأديب أبي سمير الرمضان زيارته لسوريا ورجع الى أخيه المؤرخ جواد في الكاظم ومنها الى البحرين. وبعد أن مكثوا مع أسرتهم عشرة أعوام في البحرين، قرروا الهجرة الى العراق في الكاظم لمواصلة عملهم في البشوت حيث لاقى طلب في العراق، لينضموا مع باقي الأحسائيين في الكاظم العاكفين على صياغة الذهب والبشوت الأحسائية، الى أن طردهم سريعاً انقلاب 14 تموز1958م، إنقلاب عبد الكريم قاسم على الملكية، من العراق ليتوجهوا الى سوريا ليكملوا مسيرتهم العملية مع ما يقارب مائه أسرة أحسائية في دمشق لصياغة البشت الحساوي وتأسيسه في تلك البلد وذلك عام 1377هـ. وبعد مرور أكثر من عقد ونصف من الزمن قضاها أديبنا أبي سمير في سوريا، قرر الرجوع الى أرض الوطن في 1392هـ، وقد تخرج أبنه سمير من الثانوية العامة في مدارس سوريا، حيث إتجه أديبنا ابي سمير الى الدمام ليفتح محله التجاري في العباءات النسائية في سوق البحرين في شمال شارع الملك سعود، ثم غير نشاطه التجاري الى بيع مستلزمات الخياطة، وزاولها الى عام 1427هـ، حيث توقف نشاطه العملي، ليتفرغ لهوايته المفضلة وهي القراءة والتأليف.
المطالعة
نمت هواية حب المطالعة عند أديبنا الحاج محمد الرمضان-أبي سمير- حفظه الله في سن مبكر حيث شعر بأهمية القراءة في الثامنة من عمرة، وكان يشعر بحاجة للقراءة في مجالات أكثر من المتاحة في بيتهم، فصار يبحث عن الكتاب أينما كان، فقد كان يقرأ المجلات المتاحة من خلال ما يستعيره من الحاج حسين وأخيه الحاج علي أبناء خاله الحاج حسن الشيخ علي الرمضان وغيرهم، وكان لمهنة خياطة البشوت دور في إشباع نهمة المعرفي، فقد كانوا يزاولون خياطة البشوت في مجلس يجتمع فيه إلى أكثر من عشرين رجلاً، وأغلب تلك المجالس كانت بمثابة منتديات ثقافية وأدبية، رغم أن خياطة البشت تتطلب تركيز ومهارة عالية، إلا أن الحديث المشترك في مجلس العمل لا يتعارض مع جودة عمله في البشت، لذا تجد مجالس الخياطة رحبة تستقطب أيضاً رجالاً من غير الخياطين، يتسامرون بالحديث و يشتركون في النقاش حول المستجدات السياسية والأحداث الاجتماعية وقد تجد المُسن فيهم يروي قصصاً من التاريخ عن مآثر الاباء والأجداد وعن الرموز الاجتماعية، وعن الأحداث المحلية والعالمية، حيث معظمهم هاجر الى عدة دول للعمل في خياطة البشوت مما يضفي عليه ثقافة متنوعة، وكان لوجود الراديو في بعض مجالس خياطة البشوت دور ثقافي لرواده، حيث تجدهم يلتفون حوله للاستماع الى الأخبار العالمية والمحلية والى البرامج الثقافية مثل برنامج" بين السائل والمجيب" الذي كانت تبثه باللغة العربية إذاعة "البي بي سي البريطانية"، مما يثري لديهم المعرفة ويثير النقاش حول ما يستمعون إليه، كما كانت مجالس خياطة البشوت محطة لباعة الكتب المتجولين، وكان منهم الحاج علي بن محمد الغلام حيث كان يقصد مجلس الشيخ علي الرمضان في محلة الفوارس لبيع الكتب المستعملة، فكانت فرصة سانحه لأديبنا الحاج محمد الرمضان لاقتناء بعض الكتب حيث لم يكن هناك آنذاك مكتبة في الهفوف، فقد أقتنى أول ديوان شعر للعقاد وكان بنصف قرش من سوق الحراج الذي كان عند مدخل الهفوف شمال دروازة الخميس وذلك عام 1360هـ، وتلاه ديوان شعر آخر لجبران خليل جبران بعنوان(المواكب). كما كان لبعض مخايطة البشوت إطلاع وثقافة من خلال القراءة الموسعة مما ساهم في تنمية الاطلاع عند أديبنا أبي سمير، حيث كان أبي سمير في الكاظمية للعمل في خياطة البشوت من عام 1363هـ، وكانت تلك السفرة أهم فترة في حياته الأدبية، حيث ألتقى بعدد من المثقفين، ومنهم الحاج أحمد بن إبراهيم الهلال عام 1364هـ، وكان الهلال يأتي ببعض المجلات في مجلس الخياطة ويعلق عليها، وأيضاً الحاج حسين بن ناصر الخرس ممن يسكنون في الكويت وكان يعمل في خياطة البشوت في الكاظم مع المؤرخ أبي سمير الرمضان، حيث كان هذا الرجل يحب القراءة ولما شاهد أديبنا أبي سمير يحب القراءة ويحفظ الشعر وينشد بعض الأبيات، ورغم أن عمر أديبنا الرمضان آنذاك أربعة عشر عاماً، والحاج حسين الخرس كان عمرة ثمانون عاماً، إلا أن الخرس تجاوب معه، كلما أنشد الأديب الرمضان بيتاً من الشعر، قال له الحاج حسين الخرس هذا للشاعر المعين وذاك لذلك الشاعر، كما أعار الحاج حسين الخرس كتاب المعلقات للأديب الرمضان، وبعد قراءته، كان الأديب أبي سمير يتناقش حول محتوى الكتاب مع الحاج حسين الخرس، فاستفاد منه ومن ثقافته الواسعة. كما أشترى في رحلته " قصص ألف ليلة وليلة" وكان أول كتاب يشتريه في العراق، وكان بعض الأحسائيين من مخايطة البشوت جذبهم عنوان الكتاب فطلبوا من الأديب أبي سمير أو من يحسن القراءة أن يقرأ لهم من قصص ألف ليلة، كما كان الأديب الرمضان يرتاد شارع المتنبي وسط بغداد لشراء الكتب من على الأرصفة حيث معظم مشترياته كانت من الكتب الأدبية، حيث كان مولع بالشعر. وفي عودته للأحساء واكب ذلك إفتتاح مكتبة التعاون الثقافي عام 1368هـ، فساهم في أنتشار المجلات أكثر، ومنها المجلات المصرية مثل مجلة (الأثنين) وتتناول مواضيع السياسة والأجتماع، (ومجلة الأدب)، (ومجلة المصور). وكان يحصل على (مجلة صوت البحرين) من وكيلها في الأحساء: المصور البحريني (جاسم) الذي فتح أستديو للتصوير في عمارة القصيبي، مكان عمارة المحبوب حالياً شمال دروازة الهفوف وذلك تقريباً عام 1368هـ أيضاً. كما قاده ولعه بالقراءة الى الاطلاع على المخطوطات القديمة التي يودعها أصحابها في المسجد، ومنها مسجد الفوارس الكبير، وغيرها من المساجد القديمة في الأحساء التي كان يرتادها مؤرخنا ابي سمير الرمضان، كما كان يرتاد جبل القارة للإطلاع على ما يودع من وثائق وكتب قديمة ومخطوطات وكان بعضها ممزقاً وقد حصل على فوائد كثيرة من تلك المتابعة، حيث هناك اعتقاد لدى الأهالي بحرمة تمزيقها فكانت إما أن تودع في المساجد أو كهوف جبل القارة. وأثناء ممارسته مهنة خياطة البشوت في البحرين، قادة ولعه بالقراءة لارتياد المكتبات فيها ومنها مكتبة الأديب محمد علي التاجر في سوق الطواويش وهي أقدم مكتبة في البحرين، وذلك للبحث عن أهم كتب الأدب والتاريخ مما لفت نظر مالكها الأديب محمد علي التاجر عن سؤاله لهذه الكتب التي تدل على نهم أديبنا الرمضان للقراء وحب الاطلاع بعمق رغم حداثة سنه آنذاك، وذلك عام 1367هـ، فتكونت له مكتبة خاصة تزخر بكتب التاريخ والأدب في البحرين أودعها عند أحد أقاربه في البحرين عند سفره الى سوريا عام 1377هـ، وطول المدة التي مكثها في سوريا قرابة عقد ونصف وتعدد الأيدي على السكن في تلك الفترة أدت الى فقدان المكتبة، فكانت ضربة موجعة لأديبنا الرمضان لاحتواء مكتبته على كتب ومخطوطات نادرة يتأسف عليها الى الأن، ومنها بعض الكتب التي جلبها من الأحساء وضمها في مكتبته في البحرين التي فقدت بأكملها، وماتبقى من مكتبته في الأحساء فقد معضمها ايضاً، لهجرته الطويلة بين البحرين والعراق وسوريا التي كون فيها مكتبة خاصة من جديد حيث يشتري الكتب المستعمل من على الأرصفة عند بوابة سوق الصالحية في دمشق في كل يوم جمعة بأثمان زهيدة ومشجعة على الاقتناء، كما زار عدة مكتبات في سوريا منها مكتبة الأسد ومكتبة دار الكتب وغيرها. كما كانت له زيارة الى دار الكتب المصرية في القاهرة عام 1394هـ أثناء سفره الى القاهرة مع أبنه الأستاذ سمير، للأطلاع على بعض المخطوطات ومنها (زلال الحياض وأزهار الرياض) لأبن شدقم وهو من أشراف الحجاز زار الأحساء في القرن العاشر الهجري، يهتم بالتاريخ والتدوينات حيث ذكر أن علماء وأدباء الأحساء يسكنون في محلة تسمى (غار الشيوخ) في جنوب الهفوف بالرقيقة، عُرفت فيما بعد (بأم النمل) حيث هاجم النمل جذوع النخل فسقطت أسقف منازلهم فهجروا غار الشيوخ وانتقلوا الى الرفعة. كما يشير مؤرخنا الرمضان أن قراءته المكثفة للكتب والدوريات لم تتعارض مع عمله، حيث كان يخصص لها وقتاً، مثلاً أثناء شرب الشاي بعد الغداء، أو في المساء، ورغم ذلك لم يجد شيئاً مؤسفاً في حياته، سوى عدم التفرغ الجاد للقراءة، للانشغال وراء لقمة العيش وصون ماء الوجه عن حاجة الناس.
شعره وشاعريته
كان وضع أسرته الأدبي وماضيها في نبوغ العلماء والشعراء والخطباء، أثر في تفتق قريحته الشعرية، حيث تأثر بجدته لأمه الحاجة فاطمة بنت الشاعر المُلا علي بن محمد الرمضان، التي تنبأت بشاعريته وهو طفل صغير، حيث كانت كثيراً ما تردد أبيات من قصائد والدها المُلا علي الرمضان ومن قصائد جدها الشيخ علي الرمضان، ولشعراء آخرين رغم عدم تعليمها، وكانت تردد أبيات شعر منها:
أرى الدنيا تُعجَــل بانطلاقي مـــشمـرةٌ على قــدمٍ وســـــاق
وما الدنيــا بدائمة لـــــــحي ولا حــــي على الدنيـــا ببـــاق
فكانت هذه أول أبيات شعرية يحفظها أديبنا ومؤرخنا الرمضان وهو في عقده الأول، وعرف قائلهما لاحقاً وهو الحسين بن الحجاج النيلي، وكانت جدته رحمه الله تكرر أيضاً أبيات من قصيدة الشيخ الطبيب محمد بن علي البغلي ومنها:
إلهـــــي بالمشـــفع فــي المعـــــاد محمــــد خيـــــر مبعـــوث وهــــاد
إلى آخر القصيدة، وهي القصيدة الثانية التي حفظها أديبنا أبي سمير، فكان يحب حفظ الشعر وترديده مُنذ سن الثامنة من عمرة، وهذا ما جعله دائم الاستشهاد بأبيات شعرية في حديثة. وكانت أول قصيده ينظمها وهو في سن الرابعة عشر وحينها لم يجيد النحو، فانتقده أحدهم أن قصائده فيها لحناً، فألتقى بالسيد عبد الحسين بن السيد أحمد الشخص عام 1364هـ من أهالي بلدة القارة وكان يستأجر بيتاً في الهفوف بمحلة الفوارس، فسأله أديبنا الرمضان عن اللحن وكيف يتجنبه؟ فقال له السيد الشخص أن اللحن يكون في أواخر الكلمة، ولا يُعرف إلا بالنحو. فقرر أديبنا الرمضان الرجوع الى القرآن الكريم وملاحظة الحركة في آخر الكلمة ومتى يُضم آخرها؟ أو يُفتح؟ أو يُكسر؟ أو يُسكَن؟ فأصبح يقارن ما ينظمه من قصائد بما هو في القرآن الكريم ويستنتج القاعدة. كما كان يُطلع نتاجه على الشيخ علي بن الشيخ موسى آل أبي خمسين (ت1433هـ) وهو من أعلم الناس في الأدب كما يصفه الأديب الرمضان، حيث يأتي الى مجلس آل الشيخ علي الرمضان، وكان يعرض عليه قصائده من باب الاطمئنان من ناحية اللغة العربية وعلى نطق الكلمة واشتقاقها وامتدت تلك الجلسات الى ثلاث سنوات، لذلك يعتبره أديبنا الرمضان أستاذ له. كما استفاد من المُلا عيسى بن علي بن محمد الرمضان خاله لوالده، حيث كان يقرأ في مجلسهم كل يوم أحد وكان يسأله في اللغة ومعاني الكلمات والنحو وكان أديبنا الرمضان عمره سبعة عشر عاماً إلا أن خاله المُلا عيسى الرمضان كان يقدره ويشعره بأنه صاحب موهبة. وفي عام 1366هـ أثناء تواجد الأديب أبي سمير الرمضان في البحرين، وصل الخبر لأبن عمه الأديب الشاعر ياسين بن عبدالله الرمضان ( أبي منصور) الذي يُقيم في البحرين أيضاً أن أديبنا أبي سميرالرمضان يقرض الشعر، فأراد أن يطَلع على نتاجه، فما كان من أديبنا أبي سمير إلا أن لبى نداءه بقصيدة هائية مؤلفة من ثلاثين بيتاً، وهي ثناء في شخصية أبن عمه الأديب الشاعر ياسين عبدالله الرمضان، فرد عليه أبن عمه الشاعر ياسين الرمضان (أبي منصور) برساله يثني على موهبته الشعرية ولقبه بدعبل الصغير، والشاعر الكبير، وأهداه ديوان أعمال أحمد شوقي، ليطلعه على الشعر الحديث فاستفاد أديبنا أبي سمير الرمضان من جلساته الأدبية مع ابن عمه الأديب الشاعر أبي منصور الرمضان، وهو أول من طلب الشعر منه، وبذلك صدقت نبوءة جدته بشاعريته. فصقلته التجارب ونمت موهبته الشعرية، حيث نظم قصيدة في المغفور له الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود رحمه الله عند زيارته للأحساء في نهاية الستينات الهجرية، لكن لم يلقيها. وفي شاعريته يقول الأديب الشاعر حمد الرمضان (رحمه الله) في مقدمته لديوان مائدة رمضان (صقلته التجارب، فأصبح شاعراً يمتاز برقة أسلوبه، وسلامة معانيه، وجزالة لفظه، وإن الشعر عنده هو أرق وأصدق تعبيراً وأعمق أثراً فكان نفحه عبقرياً.). واتسم أغلب شعره بالرثاء، حيث كانت فاتحة مراثيه في حق والده حزناً على فراقه الذي سارعت خطاه للرحيل المبكر، وكانت لهذه الذكرى الأليمة المؤلمة على نفس أديبنا ابي سمير مقطوعات أدبية رثاء لوالده علقت منها مقطوعة واحدة من تسعة أبيات في ذاكرته لذكراها المرير ومنها:
أبتــا بـعــدك بــي ضــاق الفضــا ليـت حيني بعد عينيك يــحيــن
عمــيــت عينــــاي إمــــا قـرتــــا بعد يوم فيـه أردتـــك المنـــون
كنت لي عوناً على صرف القضا فعلى حزنــك من ذا أستــــعين
قمر من أفــق دنــيــــاي هــــوى ودفــين بعــده الصبر دفيـــــن
صوحت بعدك أزهـار المــــــنى وعرانا اليأس فالعيش شجـون
ميَـــت مــالـــك إرث يُقـتـــنــــى لم يـــورث أهــله إلا ضنـيــن
إنما أبقــــيت في الدنــيــا لنـــــا طيَب الــــذكــر لأهليــك يزين
ولنعـم الإرث محمـــود الثنـــــا خالــد والمـــال تفنيـــه السنون
ولك الرحمة من بــاري السمــا ولنـا الـحزن ومـا شــاء يكــون
كما رثى معظم أعلام عصره، حيث نضم قصيدة رثاء في القاضي الجعفري السيد حسين العلي (ت عام 1369هـ)، فالتقف القصيدة الوجيه الحاج طاهر بن محمد حسن أبوحليقة ليسلمها إلى اللجنة المعنية، حيث لم تكن لدية جرأة في ذلك الوقت بالألقاء، فأعجبتهم القصيدة مما أوجدت له شهرة في الوسط الاجتماعي، فتعرف عن قرب بالقاضي السيد محمد بن السيد حسين العلي، حيث عُين قاضياً خلفاً لوالده، فأنشد أديبنا الرمضان قصيدة لهذه المناسبة من أربعين بيتناً، فأجابه القاضي السيد محمد العلي بعشرين بيتناً، ليتبعها أديبنا الرمضان بقصيدة أخرى ضمَنها في ديوان مائدة رمضان، حيث أن معظم مراثي الأديب أبي سمير التي نظمها في مقتبل عمرة في العلماء والأدباء لم توثق وبعظها فُقد، وفي عام 1370هـ وكان حينها في البحرين نظم قصيدة مادحاً ومهنئاً القاضي السيد محمد بن حسين العلي بعيد الفطر، حيث كان أديبنا الرمضان أشد المحبين والمعجبين بشخصية وورع وتقى وعلم القاضي السيد محمد العلي حيث يرى أنه بحق أحد مفاخر هذا البلد الطيب، كما رثاه عندما لبى القاضي السيد محمد العلي نداء ربه وكان أديبنا حينها في سوريا، حيث شارك بقصيدة رثاء في ذكرى أربعينيته وقال فيها:
أمــا في جمــال الكــون عندك ســلـوة كــأنــك ما كونت إلا لتــحزنـ ــا
فيا مغــمض العينين افتحهمـــا تــرى محاسن بالحسنى يسبحن محسـنا
تبــــارك خــلاقــاً تـبــارك مبـــدعــاً وأبدع مما كــان ما عـــاد ممكنـا
إلى آخر القصيدة......
كما رثى القاضي الشيخ باقر بن الشيخ موسى أبوخمسين (ت1413هـ)، ورثى القاضي الشيخ محمد بن سلمان الهاجري(ت1425هـ)، كما له مراثي في أعلام أسرة الرمضان منهم التاجر الشهير عمدة الفوارس الوجيه الحاج منصور بن علي بن أحمد الرمضان المتوفي عام 1377هـ، ورثى الوجيه الحاج عبدالله بن أحمد الرمضان (ت 1387هـ) من أعلام آل الرمضان ووجوههم، ورثى الأديب المتميز والشاعر المتفوق الحاج ياسين بن عبدالله الرمضان (أبي منصور) (ت1390هـ) صاحب العلم الغزير والثقافة الواسعة كما وصفه أديبنا أبي سمير. وأثناء إقامته في سوريا جمع قصائده في ديوان مطبوع بعنوان "مائدة رمضان" الطبعة الأولى عام 1385هـ مطبعة كرم، دمشق، ويعتبر أول ديوان مطبوع لشاعر أحسائي في القرن الرابع عشر الهجري، يضم 80 قصيدة ومقطوعة في نحو 900 بيت. ثم ألحق ديوان "مائدة رمضان" بطبعة ثانية عام 1440هـ بيروت، طبع برعاية من المركز الأحسائي للدراسات التراثية والتاريخية، ويشمل قصائده في الطبعة الأولى مع قصائد نضمها فيما بعد الطبعة الأولى.
مؤلفاته
يعلل أديبنا الرمضان عن قلة مؤلفاته مقابل ثقافته الواسعة والمبكرة، أن مطالعته غير متعمقة في تخصص معين، حيث شغفه بالمطالعة والمعرفة المتنوعة جعلته يقرأ كل كتاب يقع بين يديه، لذا هو يحب أن يقرأ أكثر من أن يكتب، وفي ذلك يقول أديبنا أبي سمير الرمضان: (العلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه)، ومع ذلك وُفق بعون من الله وتوفيقه بكتابة عدة مؤلفات منها مطبوع ومنها مخطوط:
1-ديوان شعر بعنوان "مائدة رمضان"، الطبعة الأولى 1385هـ، مطبعة كرم، دمشق. وطبعة ثانية 1440هـ، ثمرات النخيل للنشر والتوزيع، بيروت، طبع برعاية المركز الأحسائي للدراسات التراثية والتاريخية.
2-أمثال وأقوال من عامية الأحساء، الطبعة الأولى 1435هـ، مؤسسة الكوثر للمعارف الاسلامية، بيروت.
3- كتاب مخطوط بعنوان "التعريف بآل رمضان" يعني بتراجم أعلام عشيرة أسرة آل رمضان.
4- كتاب مخطوط بعنوان "الشجرة في الأنساب"، ويظم مشجرات لعدد من الأسر الأحسائية وأولها مشجرة عشيرته آل رمضان، ومشجرة أسرة آل الأمير بن فارس، وغيرهم.
ذاكرة لافته
تعجب والده رحمه له من ذاكرته القوية حيث كان يروي له تفاصيل رحلتهم الى العراق عام 1353هـ وهو طفل لا يتجاوز الأربع سنوات، فلديه حقاً ذاكرة قوية يحفظ من خلالها التجارب السابقة و وكل ما يقرأه أو يسمعه بقدرة عالية جداً تجعله يتحدث كالنهر الحالم ليسكب من معين ذاكرته التصويرية كل ما سمعه أو شاهده أو قرأه بدقه عالية، لذلك كان حواري معه الذي أمتد لأربع ساعات في جلسة واحدة، ليثريني من ذكرياته مع ابائي وأجدادي آل الأمير بن فارس الذي جاورهم في محلة الفوارس (محلة بن فارس)، وشاركهم مهنة خياطة البشوت، وقاسمهم هجرتهم للعمل في البحرين، والعراق، وسوريا، ليثريني عن سيرتهم ومكانتهم الاجتماعية في محلة الفوارس بمعلومات لا يعرفها غيره، لذا يعتبر مؤرخنا أبي سمير الرمضان من أهم مصادر التاريخ الشفاهي في المنطقة للباحثين والمؤرخين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي.
المصادر
1- مقابلة مع الأديب المؤرخ الحاج محمد بن حسين الشيخ علي الرمضان بمنزله بالدمام في 27/12/2017 م ومقابلة في 11/10/2018 م.
2-كتاب غيض من فيض، من ذاكرة المؤرخ الأديب الحاج محمد حسين الشيخ علي الرمضان. لمؤلفه الباحث الأستاذ سلمان بن حسين الحجي. الطبعة الأولى 1441هـ-2020م.
3- مائدة رمضان، لمؤرخنا وشاعرنا الحاج محمد بن حسين الشيخ علي الرمضان. الطبعة الأولى 1440هـ-2019م، ثمرات النخيل للنشر والتوزيع، من إصدارات المركز الأحسائي للدراسات التراثية والتاريخية.
جديد الموقع
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس