2012/11/09 | 0 | 2085
الشهيد الصدر ضمير أمتنا المفكر
ووجدته هو الذي يكتب في قلبي هموم الأمة و آلامها، وهو الذي يكتب في عقلي أفكاره و نظرياته الإسلامية، وهو الذي يكتب في روحي الصفاء و الإباء.
فلقد كان رحمه الله شمعة تحترق لتضيء الطريق للآخرين بل كان شمعة ذابت و انصهرت في وجدان الأمة، فكان قلبها النابض وعقلها المفكر، أنكر ذاته ووزعها على كل الأمة، فصار مُلكا للجميع، و مَلكا على قلوب الجميع، لم يكن يرى لنفسه تفضيلا على أحد، فحاز على الفضل كله، وكلما فكرت فيه يسقط القلم وأرى نفسي ؛ أدخل في مسرح الأفكار، أصارع الآراء، محاولا اللحاق به، ولكن هيهات لمثلي أن يسابق مثله.
ومع ذلك سأبقى أحاول اللحاق به، علني ألحق به في يوم من الأيام، أو لعله يتعطف علي، و يأخذ بيدي.
وأرى نفسي عاجزا للتعريف عنه لأن الشهيد حاضر في ضمائرنا لم يغب عنا، و ما فائدة التعريف إذا عرف شيئا معروفا، بل و كيف تستطيع الكلمات العاجزة على تبيين النور الذي تراه كل القلوب.
ومن هنا سأحاول أن أطل على الشهيد إطلالة شمولية لأرى فيها مكانته بعد مضي أكثر من ثلاثين سنة.
لم نعرف في زماننا المعاصر شخصا قدم الكثير في زمن قصير كما قدم الشهيد الصدر ، فلقد كان أعجوبة في ذكائه و عبقريته، وأسطورة في إيمانه وورعه، فقد انطلق من واقع المسؤولية، و أسس مدرسة فكرية شمولية ، نفذت في جميع العلوم الإسلامية ، وأصلت القواعد الأساسية، و شيدت المباني العليا لمنظومة الفكر الإسلامي .
و ما خاض في علم من علوم الإسلام إلا و أبدع فيه ، و أعطاه انطلاقة جديدة، و فتّح فيه أبوابا لم تطرق، وأوضح من استغلق.
فقد أعطى علم الفقه زخما جعل الحياة تدب في عروقه مرة أخرى بعد سبات عميق ليتسع مداه وتتعمق رؤاه ، فلقد كان الفقه يدور حول فلك الفرد و لكنه الآن ببركة الشهيد الصدر منفتحا على المجتمع و الأمة و الدولة ومنفتحا على كل التغيرات المعاصرة التي شملت كل التحولات على صعيد السياسية و الاقتصاد و التجارة و الاجتماع.
وأما في التفسير فالحديث عنه كثير فقد كان تفسير القرآن من أجل القرآن و لكنه عند الشهيد تفسير القرآن من أجل الإنسان لأجل هدايته و نجاته و رفعته.
لذا انطلق في التفسير من حاجة الإنسان للقرآن، ففسره تفسيرا موضوعيا في سابقة لم يسبقه أحد إليها.
وكذلك فسر القرآن لأجل أن يفسر الإنسان، وهنا مكمن إبداع آخر قل نظيره، فأثار الشهيد بحثا تفسيريا في غاية الدقة و الروعة، وعالج فيه قضايا من أهم قضايا الإسلام و الإنسان،
وهو موضوع السنن التاريخية في القرآن.
و أما في العلوم العقلية، فالكلام لا يوفيه حقه، فلقد أسس منهجا فكريا عجزت البشرية عنه ألفي سنة منذ أن أثار أرسطو مسألة المنهج في علم المنطق، فتبنى أرسطو المنهج القياسي، ورفض المنطق الاستقرائي بحجة أنه غير مولد لليقين، و لكن الشهيد الصدر استطاع أن يثبت اليقين في الاستقراء، و يفتح الباب للبشرية للاستفادة من هذا المنهج المنطقي.
واستطاع كذلك أن يبني منظومة فلسفية دافع بها عن حياض الإسلام، و أظهر الجانب العميق و الإلهي في الفكر الإسلامي.
و كذلك لا يمكن أن ينسى دوره الكبير و المساهم في تحريك عجلة الحراك الفكري، فلقد كان مشاركا في تأسيس جماعة العلماء، و مساهما في تأسيس كلية أصول الدين، ولقد كان ركنا من أركان التجديد، و مبادرا في التطوير خصوصا تطوير المناهج الدراسية في الحوزة، فقد ألف الحلقات الثلاث، وهي دروس في علم الأصول.
و أما بالنسبة للحديث عن دوره الريادي في نهضة الأمة، فالحديث عنه طويل عريض بطول تاريخ العراق المعاصر بل بطول تاريخ إيران و الشام و الخليج بل أكثر من ذلك بكثير.
فلقد كانت حياته تحكي قصة صراع الحق و الباطل بكل أشكالها و تحكي قصة المظلومين مع الظلمة و قصة المستضعفين مع الطغاة المستكبرين ، و قصة الشهيد الصدر هي قصة صحوة المستضعفين و قصة صمودهم وجهادهم ضد المستكبرين فلقد كان الأب الرحيم الذي أيقظنا من السبات و أرشدنا إلى الطريق و لكنه نام قبل أن يرى نور الفجر و لكنه حتما قد رآه من محله السامي من العالم الآخر.
فقد كان الشهيد هو المبادر في تأسيس أول حزب شيعي، وكان هو العقل المخطط و المنظر،و المدبر و المربي في آن واحد، و لكنه لما رأى الوليد الجديد يستطيع الطيران من دون مساعدة، و أطمأن عليه ترك يحلق لوحده مكتفيا بالنظر إليه كما تنظر الأم لابنها، واليوم و بعد مرور ثلاثين سنة رأينا هذا الوليد صار رجلا يافعا قويا، ورأيناه اليوم هو الذي يحكم العراق، ويدير دفتها.
ولم يكتفي الشهيد الصدر بالعمل الحزبي فقط لأنه كان يحمل هموم الأمة من كل جوانبها، و ما العمل الحزبي إلا جانب واحدا من تلك الجوانب رأى الشهيد الصدر نقصا فيه فأكمله لذلك كان الشهيد الصدر يعمل على نهضة الأمة على كل المستويات، ومن أهم هذه المستويات التي عني بها الشهيد الصدر هي ولاية الفقيه، و المرجعية الرشيدة.
أما المرجعية الرشيدة فهي أطروحة فريدة، و مشروع رائد، فقد طرح الشهيد الفكرة و عمل بها، ومن خلالها استطاع أن يقدم للأمة ما لم يقدمه كثير من المراجع الآخرين.
وهي مبادرة رائعة لتطوير أداء المرجعية كما وكيف لتكون قادرة على توجيه الأمة و التواصل معها على أكمل وجه نحو الأهداف التي يريدها الله من الدين في الدنيا و يمكن تلخيصها في ستة نقاط أساسية :
1- نشر أحكام الإسلام و التبليغ على أوسع مدى ممكن وإرسال الخيرة من العلماء للتبليغ.
2- تنظيم نظام الوكالات وتقنين آليات الصرف والعمل.
3- تربية الكوادر الواعية و خلق تيار فكري واسع في الأمة بين المسلمين.
4- قيمومية المرجعية على العمل الإسلامي.
5- إشباع الحاجات الفكرية للعمل الإسلامي.
6- إعطاء العلماء مكانة اجتماعية تأهلهم لقيادة الأمة.
وأما ولاية الفقيهة فهو مشروع النهضة الإسلامية الأكبر للشهيد الصدر، وهي الأطروحة التي أرعب بها الشهيد الصدر زعماء
الاستكبار العالمي، فأوعزت إلى عميلها بقتله، وهذه الأطروحة للشهيد كانت أكبر داعم للجمهورية الإسلامية في إيران فعلى أفكاره شيدت دستورها، وعلى أفكاره بنت أنظمتها السياسية و الاقتصادية ، و من تلامذته تشكلت كثير من قياداتها.
و من أجل ولاية الفقيه ومن أجل حاكمية الإسلام ضحى العراق كثيرا ليبقى العراق عراق علي و الحسين، حتى جاء ذلك اليوم المشئوم الذي ضحى فيه العراق بفلذة كبده باقر الصدر من أجل أن يبقى العراق شعلة تنبض بالإسلام ، و نورا متصاعدا باسم علي و الحسين يسعى طغاة الاستكبار بأن يطفئوه بأفواه عملائهم و لكن يأبى الله إلا أن يتمه و ينشر ضيائه في شتى بقاع الأرض ليصل إلى كل المحبين و المؤمنين.
جديد الموقع
- 2025-01-14 أسرة المهناء بالمطيرفي تحتفي بزفاف ابناء الحاج "جواد " تهانينا
- 2025-01-14 " المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي "
- 2025-01-14 أسباب الإخفاق في الإلتزام بقرارات العام الجديد
- 2025-01-14 هل بإمكان الجزر أن ينظم نسبة السكر في الدم؟
- 2025-01-14 محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية التي تجري في اللاوعي وتشكل انفعالاتنا وقراراتنا وسلوكنا
- 2025-01-13 تنظيم علاقة الإنسان بريه
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة