2012/12/19 | 0 | 6360
الإمام لا يغسله إلا إمام - 1
الإمام الحسين استشهد ويحتاج إلى تغسيل ودفن، وكل إمام لا يليه إلا إمام، حسب بعض الروايات «بناءً على أنها قاعدة كلية عقائدية»، إذن الإمام السجاد هو من تولى تغسيل ودفن الإمام الحسين «عليهما السلام».
ويرد عليه:
أولاً: إن القضايا التاريخية لا يستدل عليها بالأسلوب المنطقي، فإذا نقلت قضية من القضايا التاريخية بكثرة يعتد بها فإنه يمكن التسليم بها كما هو الحال في قضايا كثيرة أصحبت معتبرة بناءً على هذا المبنى مع أن بعضها يكون ضعيف السند، هكذا رأي الكثير خصوصاً من يعالجون المشكلات التاريخية في مناقشة أبناء العامة.
ثانياً: إن منطلقه في إثبات القضية منطلقٌ عقائديٌ - كما يعتقد - وليس تاريخياً كما عرفت من أنهم آمنوا ظاهراً بتغسيل بني أسد للإمام وأهل بيته وأصحابه ولكنهم خضعوا لعقيدة مرتكزة في أذهان متأخري متأخري المتأخرين إنطلاقاً من بعض الروايات التي تشير إلى أن الإمام لا يغسله إلا إمام، وكل من أتى بعده ممن ناقش دفن الإمام الحسين بالخصوص ذكر ذلك، كالسيد المقرم في كتاب مقتل الحسين، والشيخ عباس القمي وغيرهما، وقد حاول الري شهري أن يجمع بين الروايات القائلة بأن بني أسد هم من دفنوا وبين الروايات المشهورة - كما يدعى - بأن الإمام لا يغسله إلا إمام حيث قال في توجيه الجمع: «إن بني أسد لم يلتفتوا إلى حضور الإمام السجاد (ع) نظراً إلى حدوث ذلك بشكل إعجازي، وهكذا الحال بالنسبة إلى حضور النبي (ع) والملائكة فإنهم لم يلتفتوا إليهم، أو أنهم رأوا الإمام السجاد ولكنهم لم يعرفوه» [1] . ويأتي مناقشة ذلك.
ولم يترك بعض الفقهاء الحديث عن هذه النقطة حين الكلام عن جواز تغسيل الأمة لسيدها وعدم ذلك حتى إن بعضهم سلم بهذه الروايات إثباتاً مع عدم التسليم بها مبنائياً كما جاء عن المحقق الخوئي في موسوعته[2] عند مناقشة قضية تغسيل الأمة لسيدها وسيأتي توضيح ذلك.
والحديث هنا يقتضي بيان عدة أمور:
1 - دراسة روايات «الإمام لا يغسله إلا إمام» من حيث السند والدلالة.
2 - الإجماع المدعى حول هذا المفهوم.
3 - الروايات المثبتة لتغسيل الإمام من غير الإمام.
تغسيل الإمام مفهوم عقائدي:
إن مفهم كون الإمام لا يغسله إلا الإمام مفهوم عقدي حسب تصور الدربندي والمعاصرين بالخصوص لذا لم يتمكن هؤلاء من تقبل دفن وتغسيل الإمام من قبل أشخاص ليسوا بأئمة ولكون المعاصرين أو الذهنية ترى أن هذا مفهوماً عقدياً فلا بد من بيان مرتكزات ومباني العقيدة، فقد ذكرنا في الكثير من مقالاتنا وأبحاثنا[3] أن القدماء والمتأخرين ومتأخري المتأخرين والمعاصرين إلا من شذ منهم يرى أن العقيدة لا تؤخذ إلا من دليل قطعي، والدليل القطعي يتمثل في أمور ثلاثة:
1 - العقل: وهذه القضية ليس موردها العقل.
2 - القرآن الكريم: وهذه القضية لا تثبت منه.
3 - السنة القطعية والمتمثلة في الروايات المتواترة وهذه مورد لإثبات القضية.
فإذا كانت الروايات الواردة في هذا الخصوص روايات متواترة يمكن إثبات ذلك وهذا يحتاج منا بعض الدراسة والتأمل والمناقشة:
ونتساءل: هل أن الإمام لا يغسله إلا إمام حتى الإمام المهدي؟ هذا يحتاج دراسة الروايات التي يمكن أن تكون التواتر.
قد أورد الشيخ الكليني في الكافي في باب «أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة (ع)» ثلاث روايات لا غير:
1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسين بن علي الوشاء، عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره، عن الرضا (ع) قال: قلت له: إنهم يحاجونا يقولون: إن الإمام لا يغسله إلا الإمام قال: فقال: ما يدريهم من غسله؟ فما قلت لهم؟ قال: فقلت: جعلت فداك قلت لهم: إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق وإن قال: غسله في تخوم الأرض فقد صدق قال: لا هكذا [قال] فقلت: فما أقول لهم؟ قال: قل لهم: إني غسلته، فقلت: أقول لهم إنك غسلته؟ فقال: نعم.
2 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور قال: حدثنا أبو معمر قال: سألت الرضا (ع) عن الإمام يغسله الإمام، قال: سنة موسى بن عمران (ع).
3 - وعنه، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن يونس، عن طلحة قال: قلت للرضا (ع): إن الإمام لا يغسله إلا الإمام؟ فقال: أما تدرون من حضر لغسله قد حضره خير ممن غاب عنه: الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته. [4]
دراسة روايات الكافي:
هذه الروايات الثلاث ضعيفة الإسناد:
أما الرواية الأولى: ففيها معلى بن محمد:
معلى بن محمد البصري وهو ضعيف:
قال عنه النجاشي: «معلى بن محمد البصري أبو الحسن، مضطرب الحديث والمذهب» [5] .
وقال عنه ابن الغضائري: المعلي بن محمد البصري، أبو محمد، يعرف حديثه وينكر، يروي عن الضعفاء ويجوز ان يخرج شاهدا[6] .
وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست ولم يوثقه وطريقه إليه ضعيف بابي المفضل وابن بطة [7] .
وذكره العلامة الحلي في الخلاصة في القسم الثاني بعد أن أورد كلام النجاشي [8] .
أما الحسين بن محمد، فهو الحسين بن محمد بن عامر الأشعري الثقة، وكذلك الحسن بن علي الوشاء الثقة، وأما أحمد بن عمر الحلال فلم يوثقه النجاشي ووثقه الشيخ الطوسي في رجاله[9] ووضعه العلامة في القسم الثاني لقول الشيخ الطوسي عنه ردي الأصل[10] .
وعليه فالرواية غير معتبرة من حيث الإسناد.
وهذه الرواية مفادها إثبات الإمامة وليس أن الإمام لا يغسله إلا إمام بدلالة قول الراوي «إنهم يحاجوننا يقولون إن الإمام لا يغسله إلا الإمام» ويقصدون من ذلك نفي الإمامة عن الرضا وأبيه «عليهما السلام» على سبيل الإلزام وحاصله أن المقرر عندكم أن الإمام لا يغسله إلا الإمام وموسى بن جعفر لم يغسله ابنه الرضا لأنه مات في بغداد وابنه كان في المدينة فلا يكونان إمامين.
وهل أن مجرد قول الراوي لهم أن الإمام الرضا هو من غسله سيثبت لهم ذلك، وإذا كانوا يحاجونهم بأنه ليس بالإمام حسب دعواهم هل سيصدقون ذلك بمجرد الكلام دون الرؤية المباشرة وأنه حاضر في وقت التغسيل كما جاء في الرواية «ما يدريهم من غسله؟»، هذا ما سوف نتحدث عنه لاحقاً.
وعموماً إذا قلنا أن المدار في الرواية هو إثبات الإمامة فإنه ليس من اللازم لإثبات الإمامة التغسيل وسيأتي بيان أن الإمامة ثبتت للأئمة قبل موت من سبقهم من الأئمة الأطهار دون مسألة التغسيل هذه كما ستعرف.
أما الرواية الثانية: فهي ضعيفة أيضاً بأبي معمر: المجهول، ومعلى بن محمد وقد مر الكلام عنه.
وأما محمد بن جمهور:
قال النجاشي عنه: «محمد بن جمهور أبو عبد الله العمي ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها. روى عن الرضا (ع)» [11] .
وقال عنه ابن الغضائري «محمد بن جمهور، أبو عبد الله، العمي. غال، فاسد الحديث، لا يكتب حديثه. رأيت له شعرا يحلل فيه محرمات الله عز وجل» [12] .
وقال الشيخ الطوسي عنه: «محمد بن جمهور العمي، عربي، بصري، غال» [13] .
ويشكل على ذلك لماذا التخصيص بموسى دون غيره هل كانت سنة له دون غيره فإننا نعلم أن لكل نبي وصي كما في المفهوم العقدي فهل موسى هو الوحيد من بين الأنبياء الذي غسله وصيه هارون، ثم أصبحت سنته، وأما بقية الأنبياء لم يثبت لهم ذلك.
ومن هنا يقال في الإمام المهدي (ع) من سيغسله حيث لا إمام بعده وجوابه تعرفه لاحقاً فانتظر.
أما الرواية الثالثة: فهي ضعيفة بطلحة المجهول وكذلك فيها معلى بن محمد ومحمد بن جمهور وقد عرفت حالهما.
ولا يمكن قبول مفهوم هذه الرواية لأنه كما يظهر منها أن من حضر يوسف في الجب وهم الملائكة وجبرئيل أفضل ممن غاب عنه وهو رسول الله وهذا باطل بالمفهوم العقدي الشيعي فإن رسول الله أفضل من جميع الملائكة.
ويظهر هذا من قوله «أما تدرون من حضر لغسله قد حضره خير ممن غاب عنه: الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته».
وهكذا عرفت أن الثلاث روايات لا يمكن الاعتماد عليها من حيث السند والمتن.
والملاحظ أن مصدر هذه الروايات شخص واحد وهو معلى بن محمد وقد عرفت حاله وكذلك من نقل عنه.
ولأن الروايات واردة عن الإمام الرضا فقد أورد الشيخ الصدوق في عيونه رواية طويلة عن هرثمة بن أعين كان سندها كالتالي:
حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني بن خلف الطاطري قال: حدثني هرثمة بن أعين قال: كنت...
دراسة سند رواية العيون:
الرواية ضعيفة لأن:
تميم بن عبد الله بن تميم القرشي مجهول من مشايخ الصدوق، العيون، والتوحيد.
وأما هرثمة بن أعين: أبو حبيب كان من خدم المأمون وكان مواليا للرضا (ع) وهو مجهول أيضاً.
ولم يذكر النجاشي القرشي ولا هرثمة.
وأما محمد بن خلف الطاطري فقال عنه التستري: «محمد بن خلف الطاطري قال: حكي عن خط المجلسي: روى ابن عياش في مقتضبه خبرا عن الأعمش، عنه. ثم قال: سألت ابن الجعابي عنه؟ فقال: هو محمد بن خلف بن مرهب الطاطري، ثقة مأمون. أقول: وكان على الشيخ عنوانه في الرجال، لعموم موضوعه» [14] .
والرواية طويلة نكتفي بالشاهد منها:
4 - حدثني هرثمة بن أعين قال: كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل أربع ساعات ثم أذن لي في الانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب، فأجابه بعض غلماني فقال له: قل لهرثمة أجب سيدك، قال: فقمت مسرعا وأخذت على أثوابي وأسرعت إلى سيدي الرضا (ع) فدخل الغلام بين يدي ودخلت وراءه فإذا أنا بسيدي (ع) في صحن داره جالس فقال لي: يا هرثمة، فقلت: لبيك يا مولاي فقال لي: إجلس فجلست فقال لي: إسمع وعه يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي (ع)، وقد بلغ الكتاب أجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك، فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط بالعنب وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليتلطخ حبة ذلك السم وأنه سيدعوني في اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني أكلها فآكلها ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا أنا مت فسيقول أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له: عني بينك وبينه إنه قال لي: لا تتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك وحل بك أليم ما تحذر فإنه سينتهي، قال: فقلت نعم يا سيدي قال: فإذا خلي بينك وبين غسلي حتى ترى فيجلس في علو من ابنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضرب في جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه ويكون من معك دونك ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك فإنه سيشرف عليك ويقول لك، يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بان غلب على غسل أبيه ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا (ع) بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعشي واحملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ولا يكون ذلك أبدا فإذا ضربت المعاول ينب عن الأرض ولم يحفر لهم منها شئ ولا مثل قلامة ظفر فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له عني إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور وضريح قائم فإذا انفرج القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلئ منه ذلك القبر حتى يصير الماء «مساويا مع وجه الأرض» ثم يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلا إذا غاب الحوت وأغار الماء فأنزلني في ذلك القبر وألحدني في ذلك الضريح ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فإن القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ.....» [15] .
أما دراسة المتن فنكتفي بالقول:
من الغريب في الرواية كيف أن الإمام ترك أصحابه الخلص ودعا هرثمة بن أعين هذا ليخبره بالأحداث وليس هو إلا مجرد محب على فرض صحة ذلك! والأغرب والأعجب أن هذا الرجل لو كان من القرب الجيد من الإمام الرضا لماذا لم يوثق من قبل علماء الرجال؟ بل لم يذكر في أصول الرجال! هذا من جهة ومن جهة أخرى في هذه الروايات عدة إشكالات في محتواها:
أ - إن هدف القاعدة العقائدية المدعاة هو الكشف للناس بإن «الإمام لا يغسله إلا إمام» وحيث أن المسألة تكون بالخفاء - كما توضح الرواية - ينتفي هذا المدعى، لأن الخفاء لا ينفع في الإثبات، وكأنك تقول لهم: من هو الإمام بعد الرضا (ع)؟ فيقولون: الإمام الجواد بدلالة تغسيله لأبيه، فتقول لهم: وكيف نثبت ذلك ولم ير الإمام الجواد أحد؟!! فإذن لا دلالة على كون المغسل لا بد أن يكون إماماً إلا أن يكون ذلك إثباتاً لنفس الإمام!!
والخفاء ظاهر من الرواية حيث يقول لهرثمة: «فلا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض..... ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك».
ب - إن هذه الرواية تبين أن هرثمة نفسه لم ير الإمام الجواد فقد جاء في الخفاء وذهب بالخفاء أيضاً وبصورة إعجازية لإثبات شيء في الخفاء!!
ج - والأهم في هذه الرواية أنها تثبت أن هرثمة هذا هو من دفن الإمام الرضا وليس الإمام الجواد وهذا يهدم الاستشهاد بهذه الرواية لتثبيت المدعى.
وبمعنى آخر: إن كلامنا في دفن الإمام الحسين من أن بني أسد هم من دفنوه، فإذا ثبتت هذه الرواية فإنها تثبت أن الدافن للإمام الرضا هو هرثمة، فإذا كان هرثمة هو الدافن فلماذا لا يكون بنو أسد هم من دفنوا الإمام الحسين.
د - إن الحوت كما هو معروف حالياً أكبر حيوان على وجه الأرض ولا أدري كيف هو حجم الحوت الذي عبر القبر، فهل كان القبر بمقدار الحوت اليوم أو العكس؟! وعلى فرض أن الحوت كان صغيراً فإنه أكبر من القبر، إلا أن يقال أن الحوت قديما غير الحوت هذه الأيام. الله وحده أعلم تارة حوت في قبر وتارة إمام يطير بفيل!!
5 - ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نصر عن عبد الرحمن بن سالم عن المفضل بن عمر قال: «قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك من غسل فاطمة (ع) قال: ذاك أمير المؤمنين (ع)، قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله قال: فكأنك ضقت مما أخبرتك به قلت: فقد كان ذلك جعلت فداك فقال: لا تضيقن فإنها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق أما علمت أن مريم (ع) لم يغسلها إلا عيسى (ع)» [16] .
وفيه: أنها ضعيفة الإسناد بالمفضل بن عمر وعبدالرحمن بن سالم هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ما قاله الشيخ الطوسي من أن موردها مورد خاص «لان الوجه في هذين الخبرين - هذا الخبر والذي بعده كما ذكره في الاستبصار - أن نقصرهما عليهما عليهما السلام خاصة، ويكون الوجه في ذلك ما تضمنه الخبر الأول من أنه لم يكن هناك من يجوز أن يباشر فاطمة ومريم (ع)....» [17]
6 - ما رواه القطب الراوندي في خرائجه: ما روى أبو بصير، عن أبي جعفر (ع) قال: كان فيما أوصى به إلي أبي علي بن الحسين عليهما السلام أن قال: يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك، فإن الامام لا يغسله إلا إمام مثله. واعلم [يا بني] أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه، فامنعه، فإن أبى فدعه، فإن عمره قصير. قال الباقر (ع) : فلما مضى أبي ادعى عبد الله الإمامة فلم أنازعه، فلم يلبث إلا شهورا يسيرة حتى قضى نحبه [18] . [19]
وفيه: أنه لم يدع أحد من أبناء الإمام السجاد الإمامة بعده ولا أعلم من أين أتى صاحب الخرائج بهذه الرواية وربما اختلط عليه الحابل بالنابل لأنه ينقل من كل مكان ولا يبين مصدر ما ينقل عنه، وعلى فرض صحة مثل هذا الخبر فهو ما نقله ابن شهر آشوب في المناقب فإنه نقل وصية الإمام الصادق لابنه الإمام موسى عليهما السلام حيث أن الإمام الصادق لديه ابن اسمه عبدالله بن جعفر الصادق (ع) الملقب بالأفطح، والمنسوب إليه « الفرقة الفطحية » وقد ادعى الإمامة حسب بعض النقولات التاريخية أما الإمام السجاد فلم يثبت في مصدر ادعاء عبد الله بن علي بن الحسين عليهما السلام الإمامة، كما أنه لم يذكر في المصادر المعتمدة أن الشيعة افترقت بعد وفاة الإمام علي بن الحسين ومحمد الباقر - عليهما السلام - إنما كل الفرق الشيعية الفاسدة نشأت في بدايتها في زمن الإمام الصادق وتطورت فيما بعده.
نعم نقل ابن شهر آشوب مثل هذه الرواية وهي الأقرب كما يبدو حيث جاء في المناقب:
«أبو بصير قال موسى بن جعفر (ع): فيما أوصاني به أبي ان قال: يا بني إذا انا مت فلا يغسلني أحد غيرك فان الامام لا يغسله إلا إمام واعلم أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه فدعه فان عمره قصير، فلما مضى غسلته كما امرني وادعى عبد الله الإمامة مكانه، فكان كما قال أبي وما لبث عبد الله يسيرا حتى مات. وروى مثل ذلك الصادق (ع)» [20] .
ولكن لا يمكن التسليم بهذه الرواية سنداً ومتناً.
أما السند فواضح فهي رواية مرسلة ولم ينقل ابن شهرآشوب مصدرها.
وأما من جهة المتن فإن ابن شهر آشوب نفسه مع نقله الرواية تبنى أن من دفن الإمام الحسين بنو أسد وليس الإمام السجاد وهذا ما يوحي أنه لم يعتبر بمثل هذه الرواية وإلا لكان من القائلين بأن الإمام السجاد هو الدافن.
كما أن هذه الرواية توحي أن الإمام الكاظم لا يعلم بأن الإمام لا يغسله إلا إمام أي أنه ليس لديه ارتكاز بهذه الفكرة بدلالة قوله «يا بني إذا انا مت فلا يغسلني أحد غيرك فان الامام لا يغسله إلا إمام». كما أن هذه الرواية تنفي معرفة الإمام الكاظم بالحوادث التالية وهي خلاف ما يدعيه القائلون بأن الأئمة يعلمون كل شيء - وإن كنا لا نتفق معهم ولا مع الرواية - بدلالة قوله «واعلم أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه فدعه فان عمره قصير» فإذا قلنا بأن الإمام يعلم بما كان وما هو كائن وما سيكون لماذا يخبره بما سيحدثه أخوه عبدالله أليس يعلم بما سيكون!!!
والملاحظ من هذا أن القول بأن «الإمام لا يغسله إلا الإمام» بناءً على هذه الروايات لا يمكن الاعتماد عليه ولا يمكن تأسيس مفهوم عقدي من خلالها. يبقى أن هناك روايات تبين أن هذا الإمام غسل ذاك الإمام فهل هذا يثب كمصداق خارجي أو كعقيدة يأتي الحديث عن ذلك.
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية