أَحْلِبَةٌ أَمْ حُلْبَانٌ؟! سؤال مفاجئ وفتيل جدل..

يبدو أن فتيلاً من الجدل اللغوي وربما التربوي أشعل بين مؤيدٍ أن لكلمة (حليب) جمعًا من لفظها وبين نافٍ لذلك في قضية تصدّرت ترند قوقل خاصةً بعد السؤال المفاجئ الذي وُجِّهَ لوزير التعليم المصري في لقاء صوتي مباشر حول جمع كلمة (حَلِيب) في اللغة العربية والذي بدوره أجاب بقوله: " لا والله أنا مش حافظ الإجابة…"، وهذا أمر طبعي وليس بعيب؛ حيث أن المهم هو معرفة مصدر الإجابة وموارد استنباطها من مضانِّها لا حفظها عن ظهر قلب، هذا السؤال اللغوي أثار جدلاً واسعًا إبان إشاعة وروده في اختبارات مادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي بجمهورية مصر العربية لهذا العام، الأمر الذي نتجت عنه ردود أفعال متباينة طفت على سطح برامج التواصل والصحافة المصرية، وهذه الأزمة ليست بالجديدة حيث تصدر المشهد قبل ثماني سنوات خلت مسألة شبيهة بهذه المسألة ألا وهي مسألة جمع كلمة (وَحْيٌ) التي وردت في امتحان الثانوية العامة بمصر.

فما هو جمع كلمة (حَلِيب)؟!
وهل يُعدُّ جمعها من أصعب الجموع في اللغة العربية؟

بداية لا بد من القول بأن هناك مفردات ليس لها جمع من لفظها في لغتنا العربية مثل كلمة: (امرأة) التي تُجمع على (نساء) ، فهي تجمع على المعنى لا اللفظ، كما أن هناك مفردات تقع تحت المصطلح النحوي المعروف بـ (اسم جنس)، وهو الاسم الذي يصدق على القليل والكثير، فلا تجمع بالقياس اطِّرادًا، مثل: كلمة (هواء)، و(صباح)، و(نهار)، وغيرها من الكلمات، فهي مفردات لا جمع لها لا قياسًا ولا سماعًا.

ومن هذه الكلمات كلمة (حليب) التي هي اسم جنس أيضًا، فـ(حليب) على وزن فعيل بمعنى مفعول ، أي حليب بمعنى محلوب ، تمامًا كما هي كلمة (رغيف) التي تشبهها في الوزن فَهْوَ رغيف بمعنى مرغوف، وتجمع على (أرغفة) ، ورصيف بمعنى مرصوف، وتجمع على (أرصفة)، وبالركون إلى هذا القياس يمكن أن تجمع كلمة (حَلِيب) على (أحلبة) ، كما يمكن أن تُجمع على (حُلبان) كـ(قُضبان)؛ باعتبار شبهها بـ كلمة (قضيب).

هل يمكن الاطمئنان إلى ذلك القياس؟!
نعم يمكن الركون للقياس في الجمع على كلمات مشابهة في الوزن لكن القياس لا يتاتَّى في كل الحالات، فلو كان الأمر مرهونًا بالقياس لصار جمع كلمة (هواء) - على سبيل المثال - (أهوية) قياسًا على (دواء) التي جمعها (أدوية)، فالأمر ليس بالقياس في كل شيء.

فالقياس عند العرب على عدة أقسام:
هناك قياس مقيَّد يتمثل في مدرسة البصرة.
وهناك القياس المطلق وتمثله مدرسة الكوفة.
وهناك من ينكر القياس كما هو المدرسة الظاهرية التي تزعمها ابن مضاء"١.

وفي الحقيقة إن الأمر مرهون بوجود شاهد لغوي ، وهو يعد من "ضوابط القياس عند العرب كما قال بذلك سيبويه والزجاجي"٢.

وقد استشهد بعضهم على (أحْلِبَةٍ) بقول الشاعر:
(شَرَّاب أحْلِبَةٍ أَكَّال أَحْوِرَةٍ)٢.
الشاهد الذي ورد في كتاب (المخصص لابن سيده) أثناء حديثه عن (الحُوَار) وهو صغير الإبل الذي يُجمع على أحورة كما في هذا الشطر الآنف.

وعلى أية حال فإن مثل هذه الأسئلة إن صح نبأ وضعها في الاختبارات فإننا نقول: إن لم يكن لمثل هذه المفردات نصيب من الاستعمال في حياتنا اليومية المعاصرة، فإنه من العبث وضعها في الامتحانات؛ كونها تقع تحت عنوان : ( علم لا ينفع، وجهل لا يضر)، فلا داعي لأن توضع كأسئلة في امتحان أبنائنا الطلاب، خاصة إذا ما كان الأمر محل خلاف ويحتاج لتفصيل؛ فإن مثل هذا النوع مِن الأسئلة لا تُحدد مستوى الطالب وتعطي مؤشرًا لقدرته اللغوية بقدر دخولها ضمن دائرة الألغاز والأحاجي اللغوية فهي تدمّر درجات الطالب وتخالف هدفية الامتحان الذي ينبغي أن يكون محكًّا لمعرفة مستواه لا محطة لتعجيزه وتعقيده.