2022/04/02 | 0 | 3656
عبدالله المعيبد والاحتفالية بالحياة
متى ما كنا إزاء تذوق أي نص أدبي أو تحليله فإننا ننظر للنص ببنيته الكلية بداية بغرض قراءته، وحين نقرؤه ويتعسر علينا فهمه فإننا نلجأ في العموم لاستراتيجيات تقربنا من فهمه جماليا ربما قبل دلالاته، وقد يحدث العكس تماما.
فتارة نقرأ هذا النص أو ذاك ونستشعر جماليته دون معرفة تفصيلية بهذا الجمال، وتارة نستطيع الوصول لمفاتيح هذا الجمال.
وكما يقول بيونغ شول هال في خلاص الجمال :
"إن مهمة النقد الفني ليست رفع الحجاب عن العمل الفني، بل التعرف عليه في تحجبه على نحو أكثر دقة ومراقبة بزوغ المرة الأولى للرؤية الحقيقية للجمال"
وهنا لا أزعم أن الجمال محتجب في ديوان صديقنا الأستاذ عبدالله المعيبد بقدر ما هو يحتاج لفهم البناء، وفهم الدلالة، فعبدالله شاعر يمتلك من الرؤيا ما يفوق الرؤية السطحية لحقائق الأشياء، وشعره رغم جماليته إلا أن دلالاته تتعدى السطح لتصل إلى الأعماق، وهنا سأعرض لمظاهر جمالية في كرنفالية الحياة لدى الشاعر عبدالله المعيبد ، وأهم هذه المظاهر:
١) حضور الرؤى الجمالية التي تؤثث الوجود الكامل لدى عبدالله ..
الشاعر باعتباره نبي القول، وسادن الكلمات، وأمير الكلام ينتظر منه أن يحدث أثرا إيجابيا تجاه المواقف في الحياة، ولعل تأثيث الوجود بهذا الجمال يحتاج رؤى متعاضدة.
ومن ذلك قوله قصيدة بوصلة تشير إلى المعنى
:
لي أن أفكر في الوجود حديقة
خضراء دون تجعد وشحوب
وأرى السكينة تحتفي بصباحنا
والعيد يزهر حول كل كئيب
وأسد بابا للتوحش مشرعا
وأفك شمس الغيب بعد غروب
كي ألتقي بالورد قاب نبوءة
وأزف للإنسان وحي طيوب
وهنا أتناول كلمة (أفكر في الوجود حديقة)، وهي تدل على استغراق في التفكير والتأمل نابعة ليس من قدرة الإبصار بل البصيرة، ليست من الرؤية بل من الرؤيا .
وأشير إلى كلمة (وأرى السكينة) فيا للمفارقة! في أفكر الفعل المعنوي استخدم المفعول به محسوسا، وهنا في أرى الفعل المحسوس استخدم المفعول به السكينة، وهذا دليل انزياح وتعاضد معنوي ولفظي.
ولا أدل على الحياة هنا من الفعل ( يحتفي )
والصباح هنا والعيد كذلك كرنفاليتان ومفردتان موغلتان في الحفاوة .
٢) الاحتفالية والحفاوة من خلال الصدى وصوت الحياة المنبثق من دلالات الكلمات موسيقيا وصوتيا، ومن ذلك استخدامه للمفردات ذات الإيقاع والدلالة على الحياة والأثر من قبيل النشيد ، الأغاني، اللحن، الأذان، الغناء..
يقول عبدالله في قصيدة فتى مغسول بالأنغام:
أغني للحياة غناء حب
فيخفت في أقاصي الناي ذنبي
أنا المغسول بالأنغام حتى
رأيت الكون موالا بقربي
وفي قصيدة زغردة على شفاه متعبة:
أهرقت عطر الأغنيات مدثرا
هذا الوجود بنفحة الأنغام
فالأغنيات احتفائية صارخة، والأنغام أكبر معاضد لها.
وهذه قصيدة ثالثة تجمع الهدف من العنوان إذ يقول في قبل لحنين:
قبل لحنين تدفقنا صدى
وأسر النبض للنبض غرامه
فاللحن صوت، والنبض صوت، وهذان الصوتان من أفعال ومفردات الحياة.
وفي قصيدة شاعر يحتطب المواويل:
في الأغنيات التي أرخت سيرتها
ما زال أصحابك الماضون ما جفوا
تتلو مزاميرك الألواح عن ثقة
بأن في الغار شعرا مربكا يغفو
تعود الأغنيات من جديد ولا صوت يعلو على صوت المزامير.
ويكفي أن أختم بهذا العنوان حوار عاجل مع أغنية مؤجلة.
وهنا سأكتفي فهل هناك أصدق من هذه الشواهد في العنوان، ونحن نعرف ما للعنوان من أهمية وسمات !
٣) الحاجة للقيم العليا الجمالية التي من ضمنها السلام والحكمة والتسامح والحب.
في قصيدة هدهدة إلى مريم:
بآخر حكمة وصلت إلينا
تضيء الحب عطرا في الصدور
أنا الصوفي ملء تأملاتي
وترقد حكمة الرومي قربي
٤) الاقتباسات المقدسة والاستدعاءات الدينية ورفض القيمومة لما هو من فعل الآلهة لما هو إلهي، ومن ذلك رفض الوصايا والترحيب بالحكمة.
ولا أدل من قصيدة ممر سري إلى السماء التي مررت المضامين الثابتة ورفضت تلك التي لا تبقى لها معيارية واضحة:
قاب بيتين من قصيد وأدنى
نعرج الآن باتجاه الهدايا
نتهجى المدى سماء سماء
حسبنا الحب لا نريد الوصايا
قد رفعنا الهوى مكانا عليا
مثلما توبة تذيب الخطايا
إنه الحلم أن نكون ورودا
حين تفتي على هواها الشظايا
٥)إعلاء نغمة التفاؤل والأمل أمام إيقاع الحياة
ومن ذلك احتفاؤه بالجد والجدة والأب والأم بل والطفل والفنان، فلا أصدق من الطفل في إعطاء الأمل وإمضائه وتمريره للآخرين ، ومن ذلك قصيدة هدهدة إلى مريم :
وها ألفيت مريم وهي تدعو
بهمس قد تكور في حصير
تقمطني بهدهدة الوصايا
عبدهونه تدفق يا صغيري
وكذلك قصيدة أحلام محتشدة بالتآويل:
حورا يقبلها السنا وتقبله
كالماء في قدح الوجود تسلسله
وهناك فاطمةتشجر خطوها
بالأمنيات وكل طهر تشتله
من حولنا مهدي رفيف فراشة
يختال والعطر الشفيف يبلله
٦) تأثيث الحياة بالجمال وما له علاقة جمالية ورمزية متعالقة مع الحياة كما ينبغي أن تكون.
فتارة يكون قيمة عليا وتارة يكون جمالية محسوسة.
من قصيدة أجنحة لطينة متمردة يقول:
أنا حين أشرع للسلام نوافذي
كل الجهات بداخلي تتوحد
كالعطر حين يشم تحضنني المنى
كالفجر حين يفيق يرقبني الغد
فالسلام قيمة، والعطر جمالية، والفجر كذلك جمالية .
ويقول :
إني السلام الذي رصفتَ شرفته
بالورد حتى تدلى يربك الفتنا
ويقول:
في الورد ما يكفي لنمسح بالشذا
عن هذه الأرض الدمار ووحشته
وفي ختام هذه الوقفة، لا يسعني إلا أن أشيد بهذا الشاعر والديوان الثري.
جديد الموقع
- 2024-12-24 الشاعر علي النحوي يشعل الجمهور بقصائده الفنّية الإنسانيّة
- 2024-12-24 جمعية الأدب بالأحساء تحتفي باليوم العالمي للغة العربية
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع