مصدر الصورة: مجلة فرونتيرز Frontiers
الشعور بالرفض الاجتماعي (1) مألوف لدى الجميع إنه أمر مؤلم عندما يتجاهلنا أو يرفضنا شخص نتطلع إلى أن نجد من الاهتمام أو التأييد أو الدعم منه. وبالرغم من أن بإمكاننا أن نتفق إلى حد كبير على أنه شعور غير طيب، إلا أن بعض حالات الرفض الاجتماعي هي أكثر إيذاءً من غيرها. تخيل أن الشخص الذي تشعر تجاهه بعلاقة حميمية يرفضك. في إحدى الحالات، سمعت أن أحد أفراد أسرته قد توفي للتو واحتفظ بذلك الخبر لنفسه ولم يشاركه معك. وفي حالة أخرى، تسمع أنه لا يحبك كثيرًا. في كلتا الحالتين، هذه أمارة على الرفض. ولكن إحدى هاتين الحالتين مؤلمة جدًا، وكلنا نعرف ماهي.
إذن ما الذي يجعل شعورنا بالرفض الاجتماعي يختلف كثيرًا بين هاتين الحالتين؟ ما العملية التي يوظفها الدماغ لمعرفة أي أشكال الرفض تستحق أن نتألم بسببها، وأي أشكال الرفض ليست سيئة جدًا؟ للإجابة على هذا السؤال، قد يكون من المفيد أن نفهم أولاً: لماذا الرفض مؤلم بشكل بالغ في المقام الأول؟ ماذا يحاول دماغنا أن يخبرنا به عندما يدق ناقوس ألم (الرفض أو الاستبعاد) الاجتماعي؟
ومن المثير للاهتمام أن مجموعة من الدراسات تفيد بأن الألم الاجتماعي على مستو ى الدماغ قد يؤذينا كما نتأذى من ألم البدن (2، 3) للحصول على بعض المعلومات الأساسية،فإن إحدى أفضل الوسائل للحصول على معلومات دقيقة عن مناطق الدماغ التي تنشط أثناء مهام معينة هي التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). تقيس هذه الأداة بشكل غير مباشر التغيرات في تدفق الدم في الدماغ أثناء انهماك المشاركين بمهام معينة. طُلب من كل مشارك الاستلقاء بمفرده في داخل الجهاز عند أداء هذه المهة. يعد هذا أحد القيود المهمة التي لابد من مراعاتها عند اعتبار استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لدراسة الظواهر الاجتماعية: كيف يمكنك دراسة تأثير الآخرين عندما لا يكون هناك أحد آخر حولك؟
ولحسن الحظ، توصل الباحثون إلى عدد من الطرق الإبداعية للتغلب على هذا القيد، مما يسمح لنا بدراسة مجموعة من الظواهر الاجتماعية باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي. في حالة الرفض الاجتماعي، فإن المهمة الشائعة المصممة لإثارة مشاعر الرفض دون الحضور المباشر لأشخاص آخرين هي مهمة اللعبة الحاسوبية سايبربول (4). الـ سايبربول هي لعبة كمبيوتر مصممة لإثارة مشاعر الرفض الاجتماعي دون التواجد المباشر لأشخاص آخرين في الجوار. خلال هذه اللعبة، تقوم ثلاث صور رمزية رقمية (أڤتار رقمية) وهي مساعد افتراضي شبيه بالإنسان يقوم بتفاعلات ذكية مع أشخاص) بتقاذف الكرة. يمكن للمشارك المستلقي في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي مشاهدة اللعبة على الشاشة، والتحكم في إحدى هذه الأڤاترتين الرقميتين باستخدام جهاز محمول باليد. مهمته هي ببساطة لعب هذه اللعبة مع لاعبين اثنين آخرين. إلَّا أنهما غير معروفين بالنسبة لهذا المشارك، بيد أنه لا يوجد لاعبان آخران في الحقيقة: الأڤاترتان الرقميتان الآخريتان في اللعبة مبرمجتان لإدراج أو استبعاد المشارك من اللعبة بشكل ممنهج. لذلك، ما أن يبدأ المشارك في اللعبة (أي يستلم الكرة من اللاعبين الاثنين الآخرين)، يُستبعد في الأخير عندما تتوقف الأڤاترتان الأخريتان عن تمرير الكرة إليه.
وقد استخدمت هذه المهمة لدراسة الرفض الاجتماعي مئات المرات حتى الآن (5)، وكانت النتيجة متسقة. بالرغم من عدم وجود (حضور) أحد حول المشارك في نفس المكان، فإن المشاركين الذين يلعبون هذه اللعبة يشعرون بالحزن بسبب رفض الطرف الآخر لهم. عندما نظرنا عن قرب في طريقة عمل الدماغ لكيفية ومدى استجابته أثناء هذه المهمة، اتضح أن منطقة الدماغ التي كانت مرتبطة سابقًا بالشعور بالألم البدني، وهي القشرة الحزامية الأمامية الظهرية (6)، يبدو أنها معنية أيضًا بالإحساس بالألم البدني. الإحساس بالألم الاجتماعي (3). بالرغم من أنه يُعتقد أن مناطق فرعية مختلفة من القشرة الحزامية الأمامية الظهرية قد تساهم في الشعور بالألم الاجتماعي مقابل الألم البدني، وهناك جدل قائم حول مدى انتقائية هذه المناطق للألم (7)، فإن آلية الألم الاجتماعي والبدني متشابهة في الواقع على المستوى العصبي. بالنظر إلى هذا التشابه، من بين أمور أخرى،افترض الباحثون أن تجربة (الشعور بـ) الألم الاجتماعي ربما تكون محمولة من الناحية التطورية على نظام الألم البدني (8). يعد نظام الألم [وهو جانب من نظام الدفاع أو المقاومة في الجسم (البدن) مهم للبقاء على قيد الحياة بقدر ما يحذرنا الألم من أننا بحاجة إلى تغيير كيف نتفاعل مع بيئاتنا ومدى هذا التفاعل لتجنب المزيد من التبعات. على سبيل المثال، عندما تلمس موقدًا حارًا، يرسل الدماغ إشارات الألم إلى اليد، مما يجعلك تبعد يدك عن الحرارة لتجنب الإصابة بحرق شديد. هذه العملية قد تظهر بالمثل في حالة الألم الاجتماعي. فلو أن شخصًا مرفوضًا اجتماعيًا، سيشعر دماغه بالألم، وبعدها يقوم بتعديل سلوكه لتجنب الرفض الاجتماعي في المستقبل. يمكن أن تكون الأواصر الاجتماعية المنفصمة خطيرة كخطورة العظام المكسورة، ولذلك تستخدم أدمغتنا الألم لإخبارنا بكيف نتجنب هذه المشكلة.
وما هو سيء في الأواصر المفصومة؟ حسنًا، يمكن أن يكون للاستبعاد الاجتماعي تبعات. على سبيل المثال، لو لم يرغب الآخرون فيك، فقد تجد صعوبات في الحصول على مسكن ووظيفة، وهو أمر مهم للعيش. بالإضافة إلى ذلك، يعد الدعم الاجتماعي في حد ذاته مهمًا جدًا للبقاء على قيد الحياة حيث ثبت أن له آثار وقائية ضد مخرجات تتعلق بالمراضة او انتشار المرض والوفيات (9). ونظرًا للأهمية العامة للعلاقات الاجتماعية بالنسبة للبشر،فمن المنطقي أن تكون أدمغتنا قد طورت آلية لمساعدتنا في أيجاد طرق مناسبة كفيلة بالتعامل مع العالم الاجتماعي وتجنب المخرجات المحتملة الضارة بالصحة.
الآن بعد أن فهمنا الكثير عن سبب شعورنا بالألم الاجتماعي، دعونا نحاول أن نفهم لماذالا يعني أن كل أنواع الرفض مؤلم على حد سواء. بالرغم من أن الدراسات المحدودة قد استكشفت هذا الموضوع بشكل صريح، فإن الدراسات ذات العلاقة تشير إلى أن الشعور بالرفض قد يكون له علاقة بمدى فهمنا لأفكار ومشاعر شخص آخر وهي عملية يشار إليها بـ "التعقيل أو الأداء الإنعكاسي (10)."
ترتبط هذه العملية بتنشيط مناطق معينة من الدماغ، بما في ذلك القشرة الجبهية الظهرية الإنسية والعقدة الصدغية الجدارية (11)، وتتضمن بعض الحوسبة الإدراكية المتقدمة (12). ومع ذلك، فإننا نقوم بذلك باستمرار: عندما نتساءل. لماذا فعل شخص ما فعل، فإننا بطبيعة الحال نتأمل في أفكاره ومشاعره لمحاولة فهم سلوكه.
في حالة الرفض الاجتماعي، يبدو أن ألم الرفض يعتمد، إلى حد ما على الأقل، على فهمنا لأفكار الرافض ومشاعره. عندما يرفضنا شخص، نتساءل: لماذا؟ عند طرح هذا السؤال، يكون الألم أقل عندما تكون الإجابة هي أن الرافض متعب، أو لئيم، بشكل عام، أو مشتت الذهن. ومع ذلك، قد يكون الألم أشد عندما يكون الجواب هو أنه يرفضنا، كما أظن، "أنه يرجع إلى أن لديه بعض المشاعر السلبية ضدنا."
لماذا يبدو أن الحالة الأخيرة مؤلمة أكثر؟ رغم عدم وجود نتائج بحوث صريحة حول هذا الموضوع، إلا أن هناك إجابة بديهية. لو كنا نفعل شيئًا يتسبب بالفعل في كراهية شخص آخر لنا - إذا تصرفنا بطريقة غير مراعية أو أنانية أو مسيئة - فهذا شيء يتعلق بأفعالنا التي ربما نرغب في التعرف عليها وربما تغييرها. في الحالات التي يتم فيها رفضنا بسبب بعض العوامل الخارجية، لا يوجد سبب قوي لدق ناقوس الخطر والقلق بشأن ما يمكننا القيام به بشكل مختلف. ولكن عندما يبدو أن الرفض له علاقة بكيفية تفسير الرافض لتصرفنا، فقد يكون هناك شيء يمكننا القيام به لإدارة الموقف وتجنب الرفض في المستقبل. في حين أن فهم رفضنا قد يقودنا إلى استنتاج غير مرغوب فيه وهو أن هناك شيئًا ما فينا ينفر الآخرين منا، فإن هذا الفهم يمكن أن يسمح لنا بالتعلم والنمو، مما يعزز قدرتنا على بناء الروابط الاجتماعية والحفاظ عليها بمرور الزمن.
كما هو الحال مع العظام المنكسرة، لا يمكن دائمًا تجنب فصم الأواصر الاجتماعية. ولكن كما الألم البدني، قد يكون الألم الاجتماعي مصممًا لمساعدتنا على تعلم كيف نحمي أنفسنا وذلك بتغيير كيف نتفاعل مع من حولنا. في نهاية المطاف، بالرغم من كون الرفض الإجتماعي مؤلمًا، إلا أنه من الأفضل أن نعاني من هذا الألم لا أن نعيش دون أن نتعلم كيف نصلح ونحافظ على استمرار حالات العلاقات الاجتماعية التي نعتمد عليها فيحياتنا.