2012/11/10 | 0 | 3238
يوم الولاية .. غياب أمة وحضور إمام
إن عيد الولاية هو عيد تقديم البيعة وتجديدها لولي الله الأعظم, ولخاتم الخاتم الإمام الغائب عنا في أعمالنا ووجداننا, الحاضر فينا برعايته وحياطته لنا. فكم هو قريبٌ منّا وكم نحن بعيدون عنه. ولكي نحتفل بعيد الولاية لابد وأن نبايع الإمام على أن يكون هو الأولى بنا من أنفسنا, وأن نجعل أعمالنا وحياتنا في خدمته ونصرته التي هي نصرة لدين الله عز وجل.
إن يوم الولاية وعيد االله الأكبر هو يوم تجديد البيعة للإمام المهدي عليه السلام, وإن غياب الإمام كان واضحاً في إحتفالاتنا بشكل يدمي الفؤاد, ولو عرفنا ولاية علي (ع) لعرفنا ولاية المهدي حق المعرفة. إن مدى حضور المهدي أو غيابه عنا في إحتفالنا بعيد الولاية, هو بقدر بعدنا أو قربنا منه على مدار العام. فأي فرح نفرحه في العيد ونحن لا نعرف إمامنا, ولا نرتبط معه ولا نعمل في خطه, ولا نتواصل معه ولو من خلف سحاب.
ما مدى إلتزامنا بالولاية لكي نحتفل
إننا نحتفل بعيد الفطر بعد القيام بفريضة الصيام لمدة شهر كامل. وإننا نحتفل بعيد الأضحى بعد القيام بشعيرة الحج, ولكن ماهو العمل أو الفريضة التي قمنا بها كي نحتفل بالعيد الأكبر. إن كون عيد الولاية هو العيد الأكبر يدلّ على أن التكليف كان أكبر من بقية الأعياد.
إن التكليف الذي نحتفل به في يوم الغدير هو يوم موالاة الإمام القائم, وأن نجعله أولى بنا من أنفسنا. وليست الولاية بالقول والتمنّي بل بالعمل والإخلاص. ولكي نحتفل علينا أن نسأل ما هو التكليف الذي تحملناه لكي نحتفل, ما هو العمل الذي قمنا به في خدمة الإمام كي نحتفل. هل كنا نعمل في خدمة الإمام, هل تحملنا المسئولية العظمى مع الإمام. أم أننا أهملنا المسئولية التي علينا, وأوكلنا أصلاح العالم إلى الإمام. إنا لله وإنا إليه راجعون.
إن يوم الغدير هو يوم التكليف بالولاية والإمامة, وهو عيد مبايعة إمام الزمان, والالتزام بالمسئولية معه في إصلاح العالم وإقامة الدين. إن صاحب عيد الغدير والذي يجب أن نحتفل به ونبايعه هو الإمام الحاضر فينا الغائب عن قلوبنا. إننا نحن الغائبون عن الإمام وليس الإمام غائب عنا. إننا نحن المبتعدون عنه, وليس هو المبتعد عنا. ولو التفتنا إليه بأعمالنا لوجدناه ووجدنا حكمته تسديده وإرشاده. ولو مددنا أيدينا لمبايعته, فإنه لابد وأن يستلم تلك الأيدي الصادقة.
ولكن نحن المبتعدون عنه بأعمالنا ولا نذكره ومنشغلون بحاجاتنا ولا نطلبه, وبرغباتنا ولا نرقبه, وإذا كنا كذلك فإن دعائنا لتعجيل فرجه الشريف لا يعدوا إلا لقلقة لسان, وقد نعد من الكاذبين الذين لا يستجاب دعائهم. (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(11)) سورة الجمعة.
تصنيم الإمام قتل للإمام
إن موالاة علي (ع) لا تدرك بالتغني باسمه أو ببطولاته, بل باتباع نهجه, والأخذ بحكمه وحكمته. بل إن مجرد التغني باسم علي والإحجام عن ذكر فضائله وخصاله فيه أذية للإمام عليه السلام, لأننا نجعل منه صنم نقدسه ولا نجعله إمام نتبعه. إننا عندما نتغنى ببطولات علي ولا نذكر فضائله وحكمته وأقواله, ولا نتبع نهجه, لا نقتدي به, نجعل منه صنماً لا يستفاد منه, فنكون ممن يطمسون آثاره ويطمسون حكمته وحديثه وأفعاله, ويقتلوه بادعاء موالاته وحبه. إن حب علي هو بإتباعه, وإن بغض علي هو بمخالفته.
ولكي نفهم مدى ولائنا لعلي هو بمدى إتباعنا لعلي عليه السلام. فكلما كانت أفعالنا مشابهة لأفعال علي أصبحنا من مواليه. أما إذا كانت أفعالنا مغايرة لأفعال وفكر علي فنحن بعيدون عن علي, بل إننا لا نعرف علي.
إن معنى الولاية في الدين هو إعطاء الإمام الأولوية في الأمر على النفس والهوى والأهل والمال. أي بمعنى أن تكون كل أفعال الإنسان هي كما يتوافق مع أمر الإمام ورغبته, ويجتنب الإنسان كل ما من شأنه مخالفة رغبة الإمام وأمره. وليست الولاية هي مجرد شعار يتغنى به الإنسان. فالولاية هي شعيرة يمارسها الإنسان في كل أفعاله وعباداته, لذلك هي أصل من أصول الدين. وليست هي شعار يدعيه الإنسان بلسانه ويخالفه بقلبه ويده.
تمحيص الناس بالولاية والإمامة
إن الموالاة لله عز وجل هي موالاة الرسول الأعظم (ص), وموالاة الرسول هي موالاة الإمام علي (ع), وموالاة علي هي موالاة الأئمة من بعده. إن مولاة علي عليه السلام ومبايعته في عصرنا الحاضر هي موالاة الإمام المهدي وبيعته والعمل معه. وإذا لم نتولى الإمام المهدي ونتبعه فإننا لم نتولى علي (ع) ولم نبايعه.
إن المولى عز وجل يمحص المؤمنين في كل عصر وزمان. فأتباع الديانات السابقة محّصوا باتباع الرسول الأعظم, فالذين يدعون أنهم أولياء لله فعليهم موالاة محمد (ص). وكذلك فإن صحابة الرسول الأعظم والذين اتبعوه من المسلمين محصوا بموالاة علي, فالذي يدعي أنه مواليا لله عز وجل ومواليا لمحمد (ص) عليه موالاة علي (ع). وكذلك أتباع علي محصوا بالأئمة من بعده, فمن أصحاب علي من شارك في قتل الإمام الحسين (ع) من بعده. فما كان هؤلاء بأولياء وإن ادعوا ذلك.
وكذلك فإن من يتولى محمد وعلي في عصرنا هو من يتولى الإمام المهدي عليه السلام ويعمل معه وهو كذلك من يتولى الله عز وجل ويتبع سبيله.
الموالاة الحقيقية
إن الموالاة الحقيقية هي أن تصبح أهدافنا وأعمالنا هي خدمة الإمام وخدمة مشروعه, وأن تكون مسئولياتنا هي متوافقة ومسئولياته عليه السلام. إن الموالاة الحقيقية هي أن نجعل إرادة الإمام ورغباته وأوامره أولى بنا من أنفسنا, وإن لم نفعل ذلك فما نحن بأولياء.
إن مثال الأولياء الصادقين هم صحابة الإمام الحسين (ع), الذين قدموا رغبته على رغباتهم, وبذلوا الروح والمال والأهل دونه, رغم أنه أعطاهم الرخصة من نفسه, وجعلهم في حلٍ منه. ولكنهم أبو ذلك وتساقطوا أمامه الواحد تلو الآخر حتى الطفل الرضيع. فهؤلاء الأولياء حقاً, ولمثل هذا فليعمل العاملون.
الإمام بين الرئاسة والخلافة
إن هناك فرق شاسع بين الرئاسة على الناس من جانب أرضي, وبين الخلافة السماوية. إن الأئمة عليهم السلام يطلبون الولاية ولا يطلبون الرئاسة. فالسلطة في الولاية تنبع من الدين وموالاة الله عز وجل, فيتبع الأولياء الإمام بدافع ديني, وذلك أقوى أنواع السلطة. وفي المقابل فإن السلطة الرئاسية تنبع من المال أو القوة أو النفوذ.
إن الأئمة عليهم السلام من بعد الرسول الأعظم لم يطلبوا الرئاسة بل طلبوا الولاية التي عهد إليهم بها محمد (ص). لذلك فإن الإمام علي (ع) لم يقاتل على الخلافة بعد وفاة الرسول لأنه لا يريد رئاسة العسكر, بل يريد ولاية بالدين, وإذا لم يبايعه الناس بالولاية فإنه لا يقاتلهم على ذلك.
وحتى بعد مقتل الخليفة الثالث عندما أراد الناس تنصيب علي (ع) فإنه كان زاهداً فيها وراغباً عنها لولا إقامة الحجة عليه. فهو يعلم أنهم يريدونه رئيساً, ولم يريدوه إماماً. وأنهم لم يصلوا إلى الولاية الحقيقية التي يطلبها الإمام من أتباعه. إن قصة الإمام الحسين (ع) تمثل درساً للولاية الحقيقية. فلم يثبت على الولاية ويخرج مع الإمام إلا بعضاً وسبعين. وإن الإمام الحسين لم يخرج طالباً للرئاسة, بل خرج كإمام إستجابة لنداء الولاية حين كاتبه أهل العراق بالمبايعة. فهو وإن كان يعلم بنكثهم وأنهم لا يثبتوا, فإن الحجة قد أقيمت عليه كما قامت على أبيه علي (ع) من قبله. فخرج إليهم ليبايعوه, فلم يجدهم أنصاراً وخذلوه, فقتلت الأمة إمامها.
ونحن اليوم نطلب الإمام المهدي (ع) للرئاسة ولا نطلبه للخلافة والإمامة, ولو كنا نريد إمامته لأصبحنا أوليائه بأعمالنا وخدمتنا وقربنا منه. فعلينا أن نحقق الولاية على أنفسنا كي نتشرف بظهور الإمام (ع), ولكي نلتقي بالإمام لابد وأن نكون أولياء صادقين بقلوبنا وتشهد علينا أعمالنا. وإذا لم نكن أولياء علينا أن لا ندعوا الإمام للظهور ثم نخذله كما خذلنا جده من قبل. (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(64)) سورة يوسف.
يجب أن نطلب الإمام بأعمالنا وصدقنا وإخلاصنا والعمل على إصلاح الأرض وإقامة الدين, وفي ذلك يكون تعجيل الفرج. وأن لا ندعوه بأفواهنا فنكون من الكاذبين المبعدين. إن تعجيل الفرج لا يتحقق إلا بوجود الأولياء الصادقين المبايعين بحقيقة البيعة, الذين يبايعون الله ببيعتهم للإمام. (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (64)) سورة الفتح.
الإمام المهجور
في عصرنا الحاضر فإن الولاية هي للإمام الغائب الحاضر المهدي عليه السلام. وكثير من المسلمين جعلوا من هذا الإمام وراء ظهورهم ولم يرقبوا أمره ومشروعه, ولم يعملوا في خطه ورسالته, ولم يعملوا على إصلاح الأرض معه, وهجروه (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا). وما هجر إمام كما هجر الإمام المهدي عليه السلام. فكل الأئمة من قبل كانوا يلتقون بالناس ويلتقون بأوليائهم والمخلصين من أنصارهم, ولكن نجد أكثر الناس اليوم لا يلتقون بإمامهم ولا يعرفونه وهجروا ذكره. بل جعلوا من طلبه بألسنتهم زينةً لهم في الحياة الدنيا, وليعلوا بعضهم على بعض باسم الإمام, وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فهل الإمام هو الغائب والأمة حاضرة, أم أن الإمام حاضر والأمة غائبة. إن مدى الحضور هو بمقدار ذكر الله والعمل على إقامة الدين وإصلاح الأرض. وإن الغياب هو بمقدار البعد عن الله والعمل للدنيا ملذاتها. وإذا كان كذلك فالإمام هو الحاضر ونحن الغائبون. ونسأل المولى عز وجل أن يعجل لنا الحضور, لكي نشاهد إمامنا. (رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)) سورة النور.
يا صاحب الزمان: نحن الغائبون عنك المبتعدون عن خطك ونصرتك, المنشغلون بالمأكل والمشرب عن حبك وجمالك وموالاتك والعمل معك. نحن نرجوا من الله عز وجل أن يوفقنا لخدمتك ولنصرة دينه بنا, وأن يجعلنا من أصحابك وأنصارك وأن يعجل في حضورنا. فيا مولانا اذكرنا عند ربك فما لنا من أعمال حسنة نستشفع بها إلا مودتكم أهل البيت وما نرجوه من خدمتكم ولقياكم وقربكم والوصول إليكم بأعمالنا وإنجازاتنا الحقيرة البعيدة عن محضر القدس إلا بلطفٍ منه عز وجل, إن الله قريبٌ مجيب. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين