الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة

الزهراء عليها السلام, وبضعة المصطفى (ص), تعتبر حجة الله على الأولين والآخرين, وهي حجة على الأبياء والمرسلين, وهي حجة على الأئمة الهداة والصالحين, وهي مرآة نور العظمة الإلهية, وهي رحمة للعالمين.

لقد عاشت الزهراء (ع) منذ ولادتها في جهاد مستمر لا يتوقف, وإن شحت الروايات في ذلك. فمنذ طفولتها كانت تعيش أجواء الجهاد مع أمها خديجة الكبرى (ع), ومارست الجهاد بكل تفاني وعطاء في نصرة أبيها الرسول الأعظم (ص). فمارست الجهاد طوال حياة أمها خديجة, واستمرت بعد ذلك في مساندة أبيها وبعلها حتى استشهادها عليها السلام. وعلى المسلمين التعريف بحق هذه السيدة الجليلة, فهي إبنة الرسول, وشبيهته, وبضعته, وهي الحوراء الإنسية, المحدثة العليمة (ص).

لم تكن شخصية الزهراء شخصية هامشية, أو أن دورها كان محدود في الشؤون الأسرية, بل كانت من المجاهدين العظماء والمؤسسين للدين الإسلامي ودولته. فجهاد الزهراء عليها السلام هو امتداد لجهاد أمها خديجة الكبرى, كما أن زينب (ع) ورثت هذه الروح الجهادية من أمها الزهراء, وحضور زينب وجهادها في الساحة الإسلامية هو امتداد لجهاد أمها الزهراء عليهن السلام جميعاً.

فمواقف الزهراء (ع) وحضورها في المعارك الإسلامية يعكس مدى جهادها في نصرة دين أبيها, وما تحمله من روح جهادية عالية ومخلصة, كحضورها في معركتي أحد والأحزاب. وكذلك حضور السيدة زينب (ع) وبقية النساء الفاطميات والعلويات في كربلاء. ولقد كان للسيدة الزهراء (ع) التأثير الكبير في نفوس المسلمين, وفي الساحة الإسلامية كونها إبنة رسول الله, وتحمل شمائله وصفاته وروحه التي بين جنبية.

وكانت وصايا الرسول الأعظم (ص) حول ابنته الزهراء تأكيد لمكانتها ودورها الريادي في دعم الإسلام, وتعريف المسلمين بمكانتها العالية, وتأييد لمواقفها بعد وافاته (ص). إن صراع الزهراء عليها السلام من أجل الولاية, بعد وفاة أبيها, هو استمرار لدورها الجهادي طيلة حياتها, وكان استشهادها تتويج لهذا العمل الجهادي المستمر, وبذل جنينها وروحها فداءا للإسلام وللولاية. فإذا كانت خديجة عليها السلام بذلت مالها وعمرها في نصرة الرسالة, فقد بذلت الزهراء حياتها وجنينها في نصرة الولاية.

فالزهراء عليها السلام كانت أمة في حملها أعباء الرسالة, وفي نصرتها للولاية. ففي وقت ضعفت وتخاذلت فيه الأمة عن نصرة الولاية, وتخاذلت عن بيعة أمير المؤمنين, قامت الزهراء (ع) بدورها الجهادي, وكانت خطبتها الشهيرة ومن ثمّ  استشهادها عليها السلام دليل واضح على دورها الجهادي والمؤثر. فعندما تقف إمرأة بدور لم تستطع الأمة القيام به, مجاهدة وحيدة وغريبة في هذا الخط, يجعلها حجة على الناس أجمعين في نصرة الدين. ويجعل من شهادتها وتقديمها لدماءها الزكية في نصرة الولاية, حجة خاصة على الأئمة الهداة وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

وآية المباهلة تختصر الموقف السياسي للزهراء وللخمسة أصحاب الكساء بأنهم أنصار الدين الذين لا تلتبس عليهم الفتن, ولا يخرجوا من حق إلى باطل. فمواقفهم تمثل موقف الرسول الأعظم وتمثل الدين, لذلك باهل بهم الرسول الأعظم (ص), واستشهد بهم القرآن العظيم.

لم تكن الزهراء عليها السلام مجاهدة شهيدة فقط, ولم تكن تسعى لحطام الدنيا في مطالبتها بإرثها, بل كانت تعيش حالة عالية من إنكار الذات, والعطاء والإيثار للآخر, والزهد في حطام الدنيا. ومثال على ذلك ما نزل في سورة الإنسان عندما بذلت طعام أبنائها لثلاث ليال للمسكين, ولليتيم, وللأسير (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا). فمن الصعب على الأم أن تترك أولادها بلا طعام لثلاث ليالٍ, وتؤثر الآخر على نفسها وزوجها وأولادها. فنزلت الآية الكريمة تكريماً لهم, ولإظهار صلاح مواقفهم النبيلة, وعطائهم المتفاني في نصرة الدين.

وما أشبه هذا الموقف بموقف الإباء والعزّة للسيدة زينب عليها السلام, وهي ترفض أن يأكل النساء والأطفال من صدقات أهل الكوفة, رغم جوعهم وتعبهم.

لقد كانت الزهراء (ع) تلك البضعة الزكية النقية الطاهرة المطهرة المجاهدة الشهيدة, التي لم تحمل أي أذى أو ظلم لأحد, بل كانت محض العطاء والإيثار, وكانت مظلومة شهيدة. لذلك فإن يوم الحساب يبدأ بمظلوميتها (وإذا الموؤودة سؤلت, بأي ذنب قتلت).

إن مواقف الزهراء عليها السلام في مواجهة الأمة والصحابة للمطالبة بخلافة الإمام علي عليهما السلام, في حين صمت غالبية الأمة, يدلّ على مدى شجاعة الزهراء في مواقف جبن عنها الكثير. وكذلك كانت خطبة السيدة زينب عليها السلام في الشام, في موقف صعب على رجالات الأمة وقوفه, ونطقت بما لم يستطع أحد أن يقوله وهي ملكومة ثكلى بفقد إخوتها وبنيها وخيرة رجالاتها.

إنّ الروح الجهادية التي حملتها الزهراء أورثتها لزينب ولجميع النساء الفاطميات (عليهم السلام). ولذلك لم يكن مستغرباً خروجهم الطوعي مع إمام زمانهم إلى كربلاء, مجتهدات متحملات لألوان العذاب والسبي من أجل نصرة الإمام والولاية.