2024/12/16 | 0 | 104
وقفة مع تاريخ العطاء
عندما كنت في المرحلة المتوسطة:
بدأ حب مساعدة الآخرين وعمليات العطاء تشق طريقها في قلبي. كنت أشارك في نادي الحي لكرة القدم، حيث كنا نمارس الرياضة عصرًا، وبعد ذلك نذهب إلى عين الجوهرية بالقرب من قرية البطالية لأداء صلاتي المغرب والعشاء، ثم نذهب للسباحة وتمارين الغطس. كان التحدي بيننا هو من يستطيع الغطس أعمق وأطول. في إحدى المرات، غطس أحدنا وفقدناه، وعندما بحثنا عنه، اكتشفنا أنه اصطدم رأسه بالشبك الذي يغطي العين بعد أن فقد الاتجاه نحو الخروج. وعند تفقدنا له، نزلنا للغطس مرة أخرى، وقمت بإدخال قدمي وتحريكه يمينًا ويسارًا ليشعر بها ويستعيد توازنه، وتمكن من الخروج بفضل الله. فقد كانت إحدى معجزات الطبيعة أن جسم الإنسان يضيء في الماء كما لو كان مصباحًا.
كما شهدنا حادثًا آخر في أحد المجالس الخاصة بالمأتم:
جاء رجل كبير السن إلى منزل أحد الجيران، وقد فقد بصره حديثًا. وأثناء الحديث، علمنا أن هذا الرجل فقد بصره نتيجة لمرض، وأخبره آخرون أن صديقه أيضًا فقد بصره. بدأ الرجلان في التحسر على عدم قدرتهما على الذهاب إلى المسجد للصلاة بسبب بُعده والخطر الذي يهدد حياتهما في الطريق العام، ولا يوجد لديهما من الأبناء الكبار من يستطيع العناية بهما في المساء. كان هذا الحديث نقطة تحول لي ولصديقي، بدأنا نفكر في كيفية مساعدتهما. وبعد أسبوع، وضعنا خطة وقررنا أن نساعدهما في الذهاب إلى المسجد.
قررنا تقسيم المهمة بحيث يختار كل منا أحد الرجلين، ونتفق على زيارة منزلهما قبل أذان المغرب ليكونا جاهزين عند الباب في الانتظار. وعند انتهاء الصلاة، نرافقهما إلى المأتم ثم نعود بهما إلى منزليهما. تم تعليمهما كيفية استخدام العصا والمشي بها، والتعرف على المسجد، وكيفية تحديد اتجاه القبلة، وأماكن الصلاة.
واستمرت علاقتنا بهما.
حتى في حال المرض وعدم القدرة على الذهاب للمسجد. في أحد الأيام، بينما كنا في المأتم، قام أحدهما من مكانه أثناء انشغالنا بتوزيع الشاي والقهوة، وعندما عاد بعد زيارة دورة المياه، نسي كيفية استخدام العصا. فمشى بها في الاتجاه الخطأ، وغرس العصا في عين الأعمى الآخر. مما أدى إلى مشادة بينهما، إذ بدأ الأول يلوم الثاني على عدم تعلم كيفية استخدام العصا. وبفضل تدخل بعض كبار السن في العائلة، تم التوفيق بينهما، تم تنظيم سباق بين المكفوفين في حي الشعبة بالمبرز في الأحساء، حيث كان كل واحد منا يمسك بصاحبه، وكان الجميع يتسابقون في فرح وحماس.
واستمرينا في تقديم المساعدة للآخر بعد وفاة أحدهما، حيث كنا نرافقه إلى المسجد ونتابع حالته الصحية. كانت تلك تجربة مليئة بالعطاء، وأصبحت العلاقة بيننا قوية، مبنية على خدمة الناس لوجه الله.
في مرحلة لاحقة:
أدركت أهمية دعم ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، ليس فقط في الذهاب إلى المسجد، بل في جميع مناحي الحياة. فقد بدأت ألاحظ توفر الدعم لهم في الفنادق، مثل وجود غرف مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، مع مصاعد مكتوب عليها بطريقة برايل. كما كانت الأدوية تحمل تعليمات واضحة مكتوبة بطريقة برايل. ولا ننسى الدعم الذي يقدمه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، يوزع نسخًا من القرآن الكريم بطريقة برايل للأشخاص فاقدي البصر مجانًا.
كما نجد أن التكنولوجيا الحديثة:
مثل الجوالات والتلفزيونات أصبحت توفر دعمًا صوتيًا، مما يسهل حياة هذه الفئة من المجتمع. والأمثلة على العطاء لا تتوقف، فقد كانت هناك أم فاقدة للبصر تقوم بإعداد الطعام لأبنائها في المنزل، وتذهب إلى الخباز أو البقالة بمساعدة قطة صغيرة جميلة قامت بتدريبها لتكون مرشدًا لها.
وأخيرًا، تظل الحقيقة الأهم، أن "الأعمى ليس فاقد البصر، بل فاقد البصيرة". الحياة مليئة بالتحديات، والطريق واضح لمن يسعى للعمل الصالح، ولن تكون المحن عائقًا أمام من يملك البصيرة. فاختَر طريقك يا فتى، وسِر نحو هدفك بثقة، فالنجاح يبدأ من العزيمة والإرادة.
روي عن الإمام علي (عليه السلام): "فقد البصر أهون من فقدان البصيرة".
جديد الموقع
- 2024-12-16 تناول الشوكولاتة الداكنة مقترن بانخفاض نسبة احتمال الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني
- 2024-12-16 تقييم التحكم في ضغط الدم طويل الأمد باستخدام المدى الزمني للنطاق العلاجي بين مرضى سعوديين
- 2024-12-15 حكاية رجل على هيئة ساعة
- 2024-12-15 تشييع 7 جثامين في حادث سير بالأحساء
- 2024-12-15 "قلق الرياضيات" قلق حقيقي، ولكن هناك مقاربات للتعامل معه وإدارته
- 2024-12-15 رئيس العدالة : فخورن بالاستضافة
- 2024-12-15 الكلية التقنية الرقمية للبنات بالأحساء تنال الذهب العالمي في كوريا الجنوبية بحماية مرتادي الشواطئ
- 2024-12-15 صدور كتاب "مع محمد الوعيل.. حكايات وذكريات" للإعلامي محمد الشقاء
- 2024-12-15 دار نورة بالاحساء تحتفل و تحتضن ديوان القناص و بتنظيم ثقافة وفنون
- 2024-12-15 وجاهة برسم الخدمة الإجتماعية عبدالهادي الغافلي