2024/08/04 | 0 | 879
التراث العربي مفهومه، وإسهاماته في بنية ثقافتنا العربية العامة
مع كتاب الخليج العربي دراسة ثقافية حديثة ومعاصرة للمؤلف/ محمد علي صالح الشرفاء .
الطبعة الأولى
1428 هــ /2007م
جزء من المقدمة:
وبما أن الثقافة تستحوذ على كل هذه العناصر وتؤثر في الكثير من شئون الحياة البشرية، فهي أيضاً تتأثر بعدد من العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية، إيجاباً وسلباً، ويتوقف ذلك أولاً وأخيراً على مستوى ثقافة أفراد المجتمع وكيفية تعاملهم مع كل مؤثر من تلك المؤثرات، وبحسب قدرتهم
على زرع روح المبادرة وتحجيم روح التقليد.
إن مفهوم التراث بصفة عامة يتخذ صوراً مختلفة ، ويوحي بانطباعات متباينة، وهو ينطق، في كل حال، من مفهوم زمني، بمعنى أن التراث، في المقام الأول هو انجاز اجتماعي ينتسب إلى الماضي، في صوره المختلفة، أكان ذلك عملاً علميا أم أديباً فلسفياً ، أم فنا تشكيلياً ، الخ...
ويدخل في ذلك، بطبيعة الحال، وفي المقام الأول، القيم، المثل، العادات والتقاليد، والمأثورات الشعبية الخ... وللمتخصصين، في جوانب التراث المختلفة آراؤهم، وللطبقات الاجتماعية المختلفة كذلك اتجاهاتهم، ولعامةالمتعلمين مواقفهم، من التراث ...
هذا ومن المؤكد أن تراث الأمة - أي أمة - هو جزء أصيل لا يتجزأ أو يكاد - من عقلها وفكرها ووجدانها ، وهو - بهذا المفهوم - من أغلى ممتلكاتها وعلى قائمة أرصدتها، باعتباره الضامن لصحة مسيرتها من حيث الائتمان على هويتها وشخصيتها ، وسلامة كيانها وذاكرتها ....
وذلك لثراء مادته وتنوعها ، والتي منيت بما بددها ودمر الكثير منها، خلال الفتن السياسية والطائفية والمذهبية التي كانت تضطرب بها ، في كثير من الأوقات، بغداد و المدن الإسلامية الأخرى، وفي الحروب الصليبية التي استمرت خطوبها قرنين من الزمان وفي غزوات التتار التي كانت تأتي على الأخضر واليابس ثم في غمرة الجهالة التي أطبقت على العالم الإسلامي في القرون المتأخرة والتي أفقدت عامة الناس إحساسهم بهذا التراث وتقديرهم له. فَعَدَتْ عليه من خلال ذلك العوادي المختلفة.
وحسبنا لكي ندرك، بصورة ما، مبلغ ما أصاب التراث أن نقارن بين ما يذكر من كتب في تراجم العلماء والأدباء، أو في كتب الفهارس كفهرست ابن النديم، وما يمكن أن نجده منها الآن. فما أكثر العلماء الذين لم يبق لنا - إلا الشيء القليل – مما ألفوه، وما أكثر من لم يبق لنا مما ترك غير نسبة ضئيلة ولكن ومع كل هذا فإن ما بقي لنا من هذا التراث أو ما أتيحت لنا معرفة بعضه - والذي سنلقي عليه الضوء في هذا السياق. ، يعد مفخرة للأمة العربية، إذ يعبر عن مبلغ نشاطها العقلي والأدبي، وإسهامها أعظم إسهام في بناء الحضارةالإنسانية .
حيث أن تراثنا قد تمتع بعراقة وأصالة، وذلك منذ تجاوز قلم الترجمة مع قلم التأليف في علوم الأوائل في دار الحكمة التي أسسها الرشيد في عصر التدوين، ونماها وطورها من بعده المأمون في دار السلام. وهو جوار بدا كاشفاً بحق عن جوهر ثقافتنا التراثية التي اتسمت بالموسوعية إلى جانب التخصص، حيث كان علماؤنا يلمون من كل علم بطرف، كما اتسمت بالإنسانية والرحابة التي لم تتعصب خلالها للأجناس، أو الأديان، أو المذاهب.
ومن هنا كان لهذا التراث ما له من ضمانات الانتشار والذيوع دون قهر أو جبر، حيث ألف العلماء العرب في الكيمياء، والطب، والرياضة والفلك، والجغرافيا، والتاريخ انعكاساً لمعرفتهم الواسعة باللغات اليونانية ، والفارسية والهندية، والسريانية وغيرها.
وبدا طبيعيا للتراث العربي أن يُؤصل للشخصية العربية صقلاً، ومعرفة، وتكاملاً ومنهجاً ، حيث لمعت أسماء شوامخه الكبار على غرار ما كان من ذيوع شهرة ابن سينا ، وابن حيان، وابن النفيس، وابن الهيثم والخوارزمي، والجرجاني وغيرهم من نجباء الثقافة الإسلامية وروادها، إلى جانب أصحاب الموسوعات الفكرية من أمثال الجاحظ، وابن قتيتة وغيرهما ....
كما بدا لهذا التراث الإنساني أن تتجلى آثاره فيما تم نقله إلى الآخر الذي تعددت لغاته وأجناسه وأديانه، حيث بادر إلى المشاركة في عمق ثقافتنا التي ارتقت عبر الروابط الروحية التي أزاحت العصبية وأسقطت العنصرية البغيضة بحكم ما جاء به الإسلام من مبادئ التآخي والتسامح.
وكانت جزيرة "صقلية" معبراً لثقافتنا إلى الغرب الأوروبي عبر إسبانيا وما جاورها ، كما كانت الصلة التاريخية بفارس مدخلاً إلى التعريب الفكري والثقافي، وعلى غرار ذلك كان حال الدولة العربية في
إقليم مصر في فترة تعربها عبر مدرسة الإسكندرية ومنارات العلم والثقافة.
كما بدا التراث العربي كاشفاً عن عدة ملامح لثقافتنا العربية،
منها :
أولاً : احترام التعددية الثقافية والانطلاق من تقدير أهمية وحدة الثقافة وتعددية فروعها في آن واحد، وهو محاولة قراءة القاسم المشترك في
عمقه الإنساني ودلالاته العلمية والثقافية.
ثانياً : أمانة المرجعية وصدق التواصل بين أجيالها ، لاسيما في عصر التدوين وشيوع مجالس العلماء بدءاً من الكتاتيب والمساجد، ووصولاً إلى قصور الخلفاء ومجالسهم الأدبية مع العلماء والنقاد ، حيث كانت تناقش القضايا، وتحل المشكلات وتطرح المبادرات الفردية والمواقف الخاصة، وتتجلى الفروق الجوهرية بين العام والخاص.
ثالثاً: ميل ثقافتنا إلى الازدواجية بين العلمية والأدبية، فليس صحيحاً أنها ثقافة كلام، أو جدل، أو حتى إبداع شعري أو نثري، بقدر ما بدا منها في عملية العطاء في شتى فروع العلم ومجالات المعرفة الإنسانية التي انطلقت منها لكي تُعلّم الإنسان كيف يكون إنساناً بكل المقاييس ومقومات المنهج.
رابعاً : ما تمتعت به ثقافتنا التراثية من الرحابة والعمق في آن واحد، حيث بدت ثقافة رحبة واسعة الآفاق يعرف أقطابها أصول مناهج البحث العلمي التي أفادوا بها نظرياً من الآخر، وتطبيقاً من خلال الواقع في إعادة قراءة وصياغة وحل مشكلاته.
من المفاهيم المرتبطة بالهوية
هناك عدة مفاهيم قد تختلط بمفهوم الهوية أو تتداخل معه أو ترتبط به بعلاقة معينة، وهناك مفاهيم قد يعني استخدامها لفظ الهوية ذاته؛ ومن أبرزها المفاهيم الأربعة السابق ذكرها في بداية هذا الموضوع والتي سنسلط عليها الضوء فيما يلي وهي:
أ- مفهوم الانتماء:
لابد من أن ينتمي الفرد إلى جماعة معينة سواء أكانت جماعة صغيرة أم كبيرة؛ فالانتماء هو الالتزام بوعي والارتباط برحاب أرض، فالانتماء حاجة أساسية في أعماق الفرد وضغط ملح على الإنسان، ويتضمن شعور الفرد بكونه جزءاً من مجموعة أوسع (أسرة - قبيلة – ملة – حزب – أمة - جنسية - قومية ... إلخ) ينتمي إليها وكأنه ممثل لها أو متحد معها أو متقمصها ويحس بالاطمئنان والرضا المتبادل بينه وبنيها ،...
ب- الولاء :
الولاء يرتبط بالانتماء؛ وهو حالة معينة من تكامل حاجات تنشأ عن تفاعل بين الوطن والدولة... فالولاء علاقة بين دولة أو وطن وفرد يعلن ولاءه للنظام السياسي في هذا البلد... ويعبر الفرد عن ولائه وانتمائه بالقول والعمل معاً.
ج- الطابع القومي والشخصية القومية:
يقصد بمصطلح الطابع القومي للشخصية تلك الصفات أو السمات التي ترتبط بالفرد نتيجة لانتمائه إلى مجتمع أو كمظهر من مظاهر انتمائه
العضوي إلى ذلك المجتمع ....
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية