2024/04/03 | 0 | 1311
شهر رمضان ليس من أعمارنا
رمضان شهر الله، عظيم المنزلة، أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
شهر دُعينا فيه إلى ضيافة الله، أنفاسنا فيه تسبيح، ونومنا فيه عبادة، وعملنا فيه مقبول، ودعاؤنا فيه مستجاب. رمضان ليس من الأشهر الحرم لكن الحسنات فيه مضاعفة والسيئات مضاعفة. رمضان طوفان المسلم للإقبال على العبادات وترك المعصيات، ففروا إلى الله من ذنوبكم.
يعتقد الكثيرون بفهمهم القاصر أن الصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب والعلاقة الحميمية من طلوع الفجر إلى أذان المغرب، والصيام الحقيقي صيام الجوارح خاصة صوم اللسان، فكم من صائم ليس له من صيامه سوى الجوع والعطش!
رمضان خروج حياتنا عن المألوف، خروج عن النص، فيه يتحول الليل نهارا والنهار ليلاً فتصبح حياتنا حياةً أخرى.
إنه شهر الإرادة والتحدي والتغيير والثورة على النفس، والانتصارات الكبرى كمعركة بدر وفتح مكة المكرمة، والضرب في الأرض بحثاً عن الأرزاق وطلب العلوم. هو دورة تدريبية لترك الملذات من طعام وشراب وغيرها وتحمل الجوع والعطش مهما تغيرت الفصول الأربعة.
رمضان فرصة للوصول إلى السكينة والتأمل في الكون والنفس، والانقطاع عن الخلق والدنيا بالاتصال بالله فلن تغلق أبوابه.
رمضان مهذب للنفوس وكاسر للشهوات والملذات ومهدئ للغريزة الجنسية، فمن لم يستطع الزواج فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
شهر أيامه معدودات، انصرمت لياليه سريعة كسرعة البرق! أيامه خارج حسابات الزمن! فليلة القدر فيه خير من ألف شهر، فمن قبلت منه دون سواها كفته لدخول الجنة بإذن الله.
في رمضان ألقي على نبينا (ص) قولا ثقيلا، فلا تحركوا به ألسنتكم لتعجلوا بقراءته، اقرؤوه بروية وتدبروا كلماته، فلا يكن همكم آخر السورة أو التفاخر بعدد الختمات!
رمضان يجمعنا في الصلوات والأمسيات القرآنية، ويقربنا إلى خالقنا بالدعاء والاعتراف بتقصيرنا، ويقربنا إلى إخواننا بموائده العامرة وأسماره الدينية والترفيهية.
قال مصطفى صادق الرافعي عنه في كتابه وحي القلم: " شهر أيامه قلبية في الزمن، متى أشرقت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنها أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو".
أيامه خير وبركة فيها تُصفد الشياطين، وتُقبل النفوس على العبادة طائعةً راغبةً. لياليه أجمل من ألف ليلة وليلة، لا توصف بوصف، ولا تُبين ببيان، ولا تُحد بعبارات. من ضيعها فهو شقي حُرم من غفران الله، ومن لم يُغفر له فيها فمتى سيُغفر له؟
رمضان كتاب يفتح صفحاته لكم مرة في العام فأغلقوه بطاعة الرحمن وقراءة القرآن وصلة الإخوان، ولا تقتلوا أوقاته باللهو والترفيه والمسلسلات، ولغو الكلام فيما لا طائل منه.
رمضان فيه بركة وروحية عجيبة تسري في دمائنا عبر شرايين قلوبنا، يشعر بها حتى العاصي، تدعونا للفرار إلى مولانا بالإقبال عليه بقلوب سليمة، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
أيتها الأيام الباقية من رمضان تمهلي لعلنا نتدارك فيك ما فاتنا من عبادات، فلا ندري هل سنبلغ رمضان القادم أم لا؟ كأنها تخاطبنا قائلةً: إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا منها بطول سجودكم.
ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسَمَّاكَ: مدرسة الثلاثين يوماً. شهر فيه ما فيه لم تدرك ما فيه حواسنا، شهر ليس من أعمارنا، يدربنا على حياة إيمانية جديدة؛ لنستمر عليها طوال حياتنا، فنحشر يوم المعاد كما ولدتنا أمهاتنا. وصدق رسولنا - صلى الله عليه وآله - في حديثه الذي رواه عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان".
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني