2022/08/10 | 0 | 954
الحسين نصا مقدساً وتاريخاً خالداً.
حين نتأمل مسيرة الوعي البشري عبر التاريخ، فسنجد عدداً من العلامات المضيئة التي شكلت مفترق طرق، وصنعت تحوّلات كبرى في الوعي، و خلقت تموّجات كبرى في مسيرة الحياة البشرية، و شكّلتْ منعرجاً حادا ينقسم التاريخ من خلاله إلى ما قبل وما بعد، ومهما يمضي التاريخ بعدها، ومهما يلفّها شيء من الغموض بتتابع الحقب، إلا أن رمزيتها تبقى ناصعة و مشعة على مرّ العصور كنص مقدّس.
الحسين عنوان، و العناوين الكليّة هي في طبيعتها وفي جوهرها مجرّدة، ترفض الزيادة والاضافة والتقادم، والحسين هو أحد هذه العناوين الكبرى في تاريخ البشرية، هو علامة في سِفْر مسيرتها الخالدة، لذا يمكننا أن نقول دون مجازفة أنه ساهم في صنع تاريخ البشرية مساهمة بالغة منذ ذلك اليوم الذي ضمّخه بشهادته.
الحسين تاريخ خالد يكتبه المنتصر، وقد انتصر الحسين في ملحمة أسطورية جعل عنوانها " انتصار الدم على السيف"، اذ حقق نصرا استراتيجيا رغم عدم تكافىء المعركة في شكلها المادي الذي رجحت فيه كفة الباطل عدة وعتادا، فكانت له جولة آنية عابرة ذهبت أدراج الرياح لحظة مقتله عليه السلام، كأنها لم تكن، وكان للدم والقيم صولات.
و منذ ذلك الحين وهي تتجدد في كل يوم، اذ أعطى الحسين للزمان عظمة في يوم استشهاده، و إذ تستعيد البشرية في هذا اليوم عظمة القيم الإنسانية التي كتبها بدمه الطاهر، رفضاً للظلم، في قوله ( لا أراى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما )، و حيث أضحى بوصلة للأحرار ومنارة للإصلاح.
نعم، كل يوم عاشوراء، وكل مكان هو كربلاء، ولكن للعاشر من المحرم من كل عام حضوره الأقوى بين ايام السنة، فهو سيّد أيام السنة الهجرية، من فرط ما اختزن من قيمٍ عالية و مشاعر نبيلة، فمنذ 1400 سنة والعالم يحتفي به في مسيرات حاشدة بألوان طيفهم الديني و العرقي، يتحدثون لغة واحدة هي لغة الحسين لكي يمنحوا أفكارهم وقيمهم حياة تمكنهم من الحركة في الاتجاه الصحيح ، فكانت كربلاء الإباء والفداء والحرية كعبتهم التي تمنحهم العنفوان والكرامة، وهي البقعة الجغرافية الواقعه في بلاد الرافدين التي لم يمنحها موقعها الحضاري الضارب في التاريخ فرادة أو شهرة بقدر ما نالت شهرتها حين سالت دماء الحسين الزكية على ترابها كقيمة إنسانية وروحية توقظ ضمير الانسانيه، فعاشوراء ليست حدثا تاريخياً يسرده ويحيي ذكراه المحبون ألما فحسب، بقدر ما هي محطة روحية تمنح الانسان قيمة لوجوده.
نعم، أرادت السماء أن يكون الحسين نصاً مقدساً، وتاريخاً خالداً عصيا على النسيان مهما حاول المتربصون بكيدهم و غيظهم شطبه أو حذفه، حيث ان الحسين نور يهتدي به المؤمنون و أيقونة للقيم يحملها الإنسان في وعيه ويترجمها على الأرض في سلوكه.
و بالأمس احتفل العالم بعاشوراء الحسين ولم تقتصر تلك المراسيم على فئة أو جماعة أو طائفة أو ديانة، فأحيا الجميع تلك المناسبة، كل من موقعه وعلى طريقته في مشهد حزين ومهيب، و بقراءت متعددة يجمعون فيها على إنسانية مشروع الإمام الحسين الإصلاحي في وقوفه ضد الجور والظلم و الفساد بجميع ألوانه و صوره، و هو موقف يحمله كل شريف يؤمن ويعلي من كرامة الانسان.
وكان لنا في هذه البلاد الطاهرة حظ وافر وحضور جميل تجلى في خطاب فكري وثقافي يهتم بوعي المجتمع في الجوانب الأخلاقية، و التربوية والثقافية التي تواجه الفرد، كل ذلك بإشراف وعناية كريمة من الدولة والقيادة الحكيمة حفظها الله ورعاها، و بتوجيه المعنين بالعمل على نجاح المناسبة بيسر وأمان، وهذا ماتمّ على أرض الواقع، بجهود مشكورة ومقدرة من رجال الأمن في الحفاظ على الاستقرار والامن في تعاون مشترك بين المواطن ورجل الأمن.
فالسلام على الحسين، يوم ولد، ويوم استشهد، و يوم يبعث حياً.
جديد الموقع
- 2024-04-27 نادي أطياف يحتفي ب"قبل التيه برقصة"
- 2024-04-27 صدور الكتاب الرابع عشر لـ عدنان أحمد الحاجي
- 2024-04-26 الوائلي.. في أوج العلم والثقافة والأخلاق
- 2024-04-26 القراءة خارج الدائرة
- 2024-04-26 الشيخ الصفار يدعو لمواجهة تحديات الحياة بالثقة والأمل والنشاط
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية