2022/02/12 | 0 | 4016
"تجليات الحب في ديوان نافذة من عناق لمحمود المؤمن"
كلمة قُدّمت في حفل الاحتفاء بالديوان في ملتقى شعراء الأحساء بتاريخ 11/2/2022م
بشرارة الحبّ يفتح الشاعر المتألق الجميل محمود المؤمن نافذة للعناق، ويستهدف عبر الفضاء الرحب الذي انكشف أن يصطاد الأقمار من تجلياتها السماوية قائلا: (بالحب نفتح للعشاق نافذة من العناق لكي نصطاد أقمارا) هكذا يفعل الشعراء والفنانون وصناع الجمال الإنساني في كل العصور وفي مختلف الأمكنة.. إنّه بهذه النافذة التأملية العميقة يذكّرنا بذلك الفنان المبدع الذي كان يرتقي قمم الجبال المكسوة بالصنوبر والمغلفة بالآفاق المخملية والعنبر، وكان بعيد الخيال يطارد في السموات ضوء النجوء ولون الجمال، "وكانت خلاصة أحلامه أن يصيد القمر، ويودعه قفصا من ندى وشذا وزهر"، كما عبرت عنه نازك الملائكة، هكذا أراد أن يفعل محمود باصطياده للجماليات من حوله كأقمار يودعها حديقته الشعرية المغمورة بالزهر والندى والشذا، تعاضدت وتناغمت قصائد هذا الديوان محلقة بنا في سماوات الدهشة، وهي تعانق الأشياء من حولها عناق محبة وجمال وإنسانية. ولأنّ للمحبة ضروب ودروب بعدد مدارات الكون، وجدناه ينوّع هذه العناقات، وينطلق بامتدادها، فمن حبّ إلهي إلى حبّ إنساني ومن إنساني إلى مؤنسن، ولعل محبّة البر الإنسانية هي أول نافذة يطالعنا من إطارها ليصاد قمرين مضيئين في حياته هما الأم والأب، الأم التي تمطر أسماعه بالموسيقى: "أمي الرؤوم حنانها أول الأوطان وآخر المنافي"، والأب الذي عمق فكره وسقاه شربة من الرحمة قائلا له "انطلق نحو المعالي واستبق سنة الضوء"، ثمّ لا يلبث أن يصطاد الأقمار الإنسانية الحافة به، كالزوجة والابن في عناقين يمثّلان محبة القرابة والألفة في بيت الحب مقتسمين الحياة على حصير الاتفاق، ومنه ينتقل بنا إلى عناقات تجريدية متعددة مع أبي الطيب المتنبي وشهريار ومع من أخطأوا طريق الأماني، ومن ارتبكوا الهجران الجميل، ويتجلّى من بين كلّ هذه الذوات الإنسانية تلك التي تحلق كأقمار في سماء من الشعر والأبجدية، أولئك الشعراء الذين يمثلون محبة التصاحب والمعرفة. وإذا تأملنا في قصائده التي تتناول المرأة موضوعا للحبّ والعشق، نراه يتناولُ حبا عذريّا إنسانيا حبّ اتصال للنفوس لا حب بلوغ للذة زائلة. أما الحب المؤنسن عبر نافذة العناق التي فتحها فنراه منسربًا في أشياء مجرّدة كالشعر والوطن وفلسطين والمطر، فمثلا بينما هو يطل من النافذة شاهد السحاب يجود بالمطر فعانقه وأنسنه وحاوره فإذا هو يهمس وإذا المطر أمامه يرتّل. وبين ذاك الإنساني وهذا المؤنسن يضع محبوبه الأسنى في أعلى عتبات العشق والتجلي وأرفع مقامات الكشف والشهود، حتى وكأنّ ليس في جبته إلا هذا العناق الروحاني المنتظر، في مناجاة مدخرة يقول عنها: "إني ادخرت مناجاتي إلى سكن حتما وإن كال بي المسرى سألقاه /أهلا وجدتك للحب الذي انصهر العشاق فيه فهل ينجون إلاه". وهكذا تبدو تجربة الشاعر في هذا الديوان في مراوحتها بين أشكال ومدارات الحبّ البعيدة، تجسّد لنا سر التمازج في المخلوقات الكونية في اتصال بالأشياء وانفصال عن الأنا، وحريّ بكلّ من يقرأ هذا الديوان أن يعانق فيه جماليات اللغة في ألفاظها وتراكيبها، وبدائع الصور في مجازاتها وانثيالاتها، وأسرار المعاني في توهّجها وانهمارها.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين