2022/08/15 | 0 | 5721
سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد :التحول في زمن المحجوبية محجوبية القائد الإلهي الإمام الحجة المنتظر.
الليلة الثالثة عشرة محرم موسم ١٤٤٤ للهجرة.
بدأ الخطاب بقوله تعالى: (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) المائدة ١١٩.
الدين كلاميا هو التصديق، ومن خلال الحديث هذا المساء سنجيب على سؤالين:
١. ما هي وسيلة إثبات الصدق والتصديق عند المؤمن؟ لأن الأمور المعنوية كالأمور المادية بحاجة إلى وسائل الإثبات.
٢. سؤال عن رابطة التصديق بالإيمان بالحجة الغائب (عج).
وهناك لفتات أربع ضمن هذا الحديث.
اللفتة الأولى : حول التصديق الإيماني وكيف أن هذه المعنوية واقعة على خط التحول، فليس من العجب أن يظهر الإنسان بمظهر المصدق ويبقى على ذلك زمنًا طويلًا، ثم ينسحب عنه التصديق، أو ينسحب هو عن موقف التصديق.
اللفتة الثانية: يشير الكلام إلى الأقوى في امتحان التحول، فلما نتكلم في اللفتة الأولى عن التحول ونشير إلى أن هناك تصديق يتم التحول عنه، فهذا التحول لم يكن محض صدفة، ولكن يمر الإنسان في امتحان من خلاله يتحول الإنسان، وتزل به القدم.
اللفتة الثالثة: هل للتحول الثقافي حضور في عصر الحجة، وهل الثقافة عنصر من عناصر التحول، ومن الممكن أن تكون متضاربة، وهذا التضارب يهيمن على نفس الإنسان فيتحول وينقلب في معتقده بالإمام الحجة(عج).
اللفتة الرابعة: نافذة نتكلم من خلالها عن التحول بالمهدوية، وكيف شهد هذا المفهوم تحولات في التاريخ، وما نوع التحولات التي شهدها هذا المفهوم.
اللفتة الأولى
الصدق والتصديق الإيمانيان اللذان طالما رآهما الكثير في أنفسهم وعدوا أنفسهم مصدقين لله ولرسوله، ولكل ما فرض الله الاعتقاد والإيمان به.
هذا التصديق يقع على خط التحول، وستطلعنا أدنى متابعة قرآنية على هذه الحقيقة.
( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكبوت٣
هذه إشارة قرآنية، وهناك إشارة قرآنية أخرى، هي:(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران ١٦٦.
هذا الأسلوب العربي الذي يتحدث عنه (ليعلم) بهذه الصيغة يشير إلى المستقبل، بينما علم الله ماضٍ، وعلم الله لا ماضي فيه ولا مستقبل ولا حاضر، وهو خارج إطار الزمن، والله عالم بالإنسان وما يؤول إليه قبل أن يخلقه، فما هي الغاية من استخدام هذه الصيغة؟
ليعلمن: تشير إلى أن علم الله سيتحقق في نفس كل إنسان.
فهذا الإنسان سيتحقق أمامه في يوم من الأيام أن الله عالم بحقيقته، إن كان من الصادقين أو من الكاذبين، فلن يدعك الله حتى يعلمك بعلمه بك، حتى يكون هذا العلم حجة عليك ، والله لا يُظهر من صفاته إلا على سبيل الحجة.
وحينما يظهر الله قدرته فتتجلى لنا، وعلمه فذلك في سبيل أن تصبح حججًا علينا، فيحتج بها على عباده يوم القيامة. ولذا فإن كل إنسان يؤمن ويسلم طوعًا أو كرهًا، كمن يرفع عليه السيف وينطق بالشهادتين، وممن أخبرنا رسول الله أنهم خافوا الموت فأسلموا، فهل نصدقهم في إسلامهم وإيمانهم؟
في عام الوفود رأى المسلمون الغنائم وكيف تحولت الحالة الاقتصادية عند المسلمين، وهي إحدى بشائر النبي وقد صدقت حيث كان يقول:(كأني بزمن يأتي عليكم يُغدى على أحدكم بالجفان ويراح عليه بالجفان) وبدأ يلوح هذا الزمن ويتضح، فوصل إلى عام الوفود وأخذ الناس يسلمون حتى لا تفوتهم تلك الطيبات.
فهل يكفي النطق بالشهادتين؟
الجواب: نعم يكفي. لأن هذا بداية المشوار، وخاتمته عند الله تعالى.
لأن الإنسان لا بد أن يبتلى، ويمحتن. وإن من البلاء ما يكون في لحظة الموت، وهذا ما يسمى بالعديلة.
فأراد الله التخفيف عن نبيه بهذه الآيات، فلا تحمل هم هؤلاء الذين حالهم مشكوك فيه، بل لا بد أن يفتنوا وأن يبتلوا وحينما( ليعلمن الله) كل علم يعلم الله يصل إلى كل رجل إلهي حيث سيتجلى له هذا الإنسان آمن أو لم يؤمن.
وهل هو من الصادقين أو من الكاذبين.
هنالك اختبار وابتلاء وفتنة.
اللفتة الثانية
ماهو الأقوى في امتحانات التحول؟
هل هو مثلا الابتلاء في الجسد؟
أو الابتلاء في المال؟
أو الابتلاء في الولد؟
ولكن ليست هذه الامتحانات الصعبة. لأن هذه الحالات نلاحظها بالوجدان فنراه، فكم إنسان ينام على السرير الأبيض زمنًا طويلًا، ومع ذلك يحمد الله ويشكره، وكم من إنسان ابتلي بماله وكان بالأمس في عداد الأثرياء وتحول إلى من تجوز عليه الصدقةوهو مع ذلك متماسك. وهذه العينات كثيرة.
الامتحان الصعب لا تعيشه سنوات، بل في لحظة واحدة يعدل الإنسان من صادق إلى كاذب.
فقد يمرض الإنسان سنوات طويله ولا يزال مسبحًا مقدسًا، ولكن الامتحان الصعب هو ذلك الذي في لحظة واحدة ينسل الإيمان فيها من قلب الإنسان.
هو القبول بحكم الله عز وجل والتسليم له.
قد يؤمن إنسان مع رسول الله ويقاتل معه ويعرض نفسه للموت، ولما نادى النبي بالإيثار بالمال آثر الآخرين وأعطى، ولكن بمجرد أن حكم النبي بحكم خلاف حكمه ورأيه كفر.
ما هو الأعظم: القبول بالحكم أم الجهاد؟
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا) إن الخطورة في التسليم، ولذلك الحكم الذي يعترض الإنسان ويضعه أمام مفترق طرق بين الإيمان والكفر، وهو حكم عام يشمل ما يبتلى به الخاصة وما يبتلى به العامة.
وتنطلق البداية من العامة الذين يتعرضون إلى نوعين من الحكم:
النوع الأول:
القضاء الأعلى مع الله تعالى وهو أن يبتليه وأن يشتد عليه البلاء سواء صبر أم لم يصبر، وفى بصدقه أو لم يفِ.
النوع الثاني:
القضاء الأدنى، وهو المحاكمة الشرعية التي تحاكم الإنسان، وتحكم أن الحق عليه وليس له، بغض النظر عن اعترافه وإقراره أو عدم اعترافه.
فكم من إنسان أُخذ الحق منه ولكن بالقوة، وحينذاك طعنوا في القضاء والحكم الإلهي واستمروا في الطعن ولم يتحملوا الحكم.
فهل هذا الصديق الذي ينفعه صدقه؟
الحكم الداخلي النفسي
الإنسان مطالب بأن يعرض نفسه أو يصنع في نفسه محاكمة داخلية، لأن الإنسان في مجال الإيمان كثيرًا ما يلتبس عليه الهوى بالهوية، فيظن بأنه صاحب هوية إيمانية حقيقية وهو في الواقع صاحب هوى إيماني.
في اليوم العاشر من المحرم لم يبق أحد لم يلطم على الحسين ولم يبكِ عليه، وإذا في الواقع هو صاحب هوى إيماني؟ أو هوية حسينية؟
هناك مسافة بين الهوى والهوية، نعم هم أصحاب هوى حسيني، ولكن لا يحكم على الجميع أنهم أصحاب هوية حسينية.
هذا هوما يجيب على هذا السؤال.
وكل يحكم على نفسه.
لو كان لك مرجع لم يفتِ بموضوع معين في مجالس أبي عبدالله الحسين كونه متحفظ عليها، ولجأت لاستعارة فتاوى أخرى، وتشدقت بأقوال مراجع لا تقلدهم فهل هذا من قبول الحكم؟ أم هي هوى؟
في زمان الإمام الحجة عليه السلام، بزمن المحجوبية نقول على كل من كرر وحفظ وقال سلام يا مهدي بتمامها هو صاحب هوى مهدوي، أما أن يكون صاحب هوية مهدوية فذلك أمر آخر. وليس الجميع أصحاب هوية مهدوية.
كيف تتجلى الهوية المهدوية ومتى:
مع القلة، وهنا نطرح سؤالًا يردنا كثيرًا:
قرأت زيارة عاشوراء أربعين صباحًا، أو التزمت بدعاء العهد عامًا كاملًا ولم أرَ الإمام، فما السبب؟
إن رؤية الإمام ليست مقياسًا لصحة العمل أو عدمه.
والمفترض أن تعمل بالحكم الإلهي، قدر الله ورأيت، أو لم تر. هكذا يكون الرضا، ولكن نقول للبعض عندما تقرأ دعاء العهد مدة معينة قد تمتد لعدة أعوام أو العمر كله فأنت قد أثبت أن لك هوى مهدوي.
أما إثبات الهوية المهدوية فيكون بالتفاعلات التي إما أن تكون بالتماس (بالجوارح) فهل وضعت جوارحك في موضعها؟
كم إنسان يقرأ دعاء العهد في المسجد، وعند خروجه لا يغض بصره، وهذا مخالف للهوية المهدوية.
وقد يقرأ دعاء العهد عن ظهر قلب، ويقرأ الزيارة للمؤمنين عن ظهر قلب، ولا يسلم أحد من لسانه، وليست لديه أدنى حساسية من الغيبة سواء صدرت منه أو من سواه، فهذا صاحب هوى مهدوي وليس هوية مهدوية.
〰️وحتى تكون صاحب هوية مهدوية هناك أيقونات في حياتك يجب أن تكون فعالة:〰️
١- يجب وضع الجوارح في موضعها، فاليد توضع فيما يخدم طاعة الله، وكذلك سمعك وبصرك وقدمك، وسائر الجوارح، المستور منها وغير المستور حتى تكون ذا هوية مهدوية.
٢- المعاشرة، واستعداد الإنسان لمعاشرة الناس معاشرة تدعو لأهل البيت عليهم السلام( كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم)، (كونوا لنا زينًا) وعندما يتفوق الإنسان في مهارات العشرة فقد حصل على الإملاء الثاني للهوية المهدوية.
٣- العلاقة بالله عز وجل، فهناك من تجد قوانين التماس لديهم منضبطة، ويشهد له الناس بالأمانة وعد تتبع العورات ولا سواها، ويشهد له بمهارات العشرة، ولكن أداء الصلاة ثقيل عليه، ويكرر بعض المؤمنين في تغريداتهم وسناباتهم وفي أحاديثهم بعض الألفاظ، بأسلوب التمجد والتبجح أمام الناس أنه ليس ممن يصلون صلاة الليل، ولا ممن يقرأ دعاء كميل، ولكنني إنسان منضبط.
ولكننا نرد عليه بأنه إنسان غير منضبط، بل ينقصه إمضاءان للهوية المهدوية، وكلاهما صاحب هوى مهدوي، أو علوي، أو حسيني.
ولكن أين الهوى من الهوية.
معقل الجاسوس الذي بعث في أثر مسلم بن عقيل ودخل إلى الكوفة وهو لا يعرف الشيعة، ودخل مسجد الكوفة حتى يعرف الشيعة الخلص، لأنهم معروفون بكثرة العبادة، وإقامة النافلة في مسجد الكوفة. فعندما ترى عند أسطوانة أو سارية من سواري المسجد رجلًا قائمًا يصلي فهو شيعي بذلك الوقت.
ولذلك رأى ابن عوجة يصلي ويكثر من الصلاة، وهو أول الداخلين إلى المسجد وآخر الخارجين منه، فقال لعمري هذا منهم.
مثل هؤلاء الصلاة ليست كبيرة على نفوسهم ولا على قلوبهم.
ولذا فإن علي بن مهزيار( هما اثنان أحدهما صاحب الإمام الجواد الذي نعاه الجواد وأبَّنه، والآخر صاحب الإمام العسكري، وكلاهما من الأماجد) وهما قد حققا في حياتهما التحول الصاعد. فهما من أسر غير مسلمة، فلما أسلما أسلمت الأسرة بكاملها وإنجاز لآل البيت عليهم السلام.
طلب الإمام مهزيار، ونحن نقرأ في تاريخ السادة أن من مضان رؤية الحجة هو الحج، وقد حج ولم يره، فأقام في مكة سنة وحج السنة القابلة ونال مراده.
أما ابن مهزيار فهو أعجب فقد ظل يلح ليلتقي بالحجة عشرين عامًا، وفي كل عام لا يرى الإمام لا ينخفض تصديقه، بل يزداد حتى تمكن مما يريد. وعندما جاء رسول الإمام الحجة أخذ يسأله أسئلة امتحانية ضمن سلوكه، وماذا فعلت في ذلك وما صنعت في هذا، لأن هذه الأسئلة لفحص الهوية، كمن يبرز بطاقة هويته عند دخول مكان محظور،
ويتم التدقيق عليها، وليختبر هل هو صاحب هوية أم هوى.
هذه البداية مع امتحانات العامة مع الحكم.
مع الخاصة :
وهم أيضًا يمتحنون الامتحان الصعب المتمثل في الحكم.
(قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) الكهف٦٦.
والجواب: إنك لن تستطيع معي صبرًا.
إن تكليفي في إجراء الأحكام. أسير بين البلدان وأتجول وتحكم بالحكم الإلهي. فإذا كان حكمه القتل أقتله، وإن كان إطلاق السراح وهو لا يستحق ذلك ظاهرًا أطلق سراحه.
والحال أن موسى مر باختبار القبول بالحكم. وهو ولي من أولياء الله اختبر بالاختبار الصعب وهو الحكم ( بغض النظر عن كونه موسى بن متى أو ابن عمران) والنتيجة أنه لم يستطيع صبرًا.
هامش مختصر على الآية المباركة
هنا نسلم الضوء على نظرة مختلفة على تاريخ الأنبياء، فقصص الأنبياء في القرآن أمرها لافت، وعدد الأنبياء الذين ألقيت قصصهم قليل، وهذه القصص تتكرر والسبب أنها تتكلم عن ملاحم زمنية طويلة هي التي ستجري وتعيد نفسها من بعثة النبي حتى يوم القيامة، حيث تكلم الله عن الملاحم والفتن بأسلوب قصص الأنبياء، فاختار منهم ما تنعكس أخبارهم على الملاحم والفتن التي ستجري قريبًا أو بعيدًا أو أبعد من البعيد.
ولذلك كل قصة لنبي إلا ولها تأويل بإمام من الأئمة لأن الغرض من سوق هذه القصة الإشارة لما سيحدث في عالم المسلمين من عهد النبي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والحكم الذي يمتحن به الناس هو أحد الامتحانات في سلسلة الفتن المهدوية، وبين يدي كتاب هو أحد كتابين أنصح بقراءته الشباب الذين يرغبون في ثقافة مهدوية متينة بلغة عصرية منسجمة مع ثقافتنا.
الكتاب الأول
هو سلسلة كتاب (بقية الله) للعتريسي في ثلاثة مجلدات ضخمة، وهو كتاب جدير بالقراءة.
الكتاب الثاني هو كتاب السيد محمد صادق الصدر ( ما قبل الظهور- عصر الظهور- اليوم الموعود) ويقع في أربعة مجلدات.
وفي رواية في كتاب تاريخ ما بعد الظهور للسيد محمد صادق الصدر، ( يقضي القائم (عج) بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب أمامه بسيف، وهو قضاء آدم فيُنكَر، فقدتهم ويضرب أبنائهم. ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء داود ........ ويقضي الأخرى وهي قضاء إبراهيم .... ويقضي الأخرى وهي قضاء محمد ) فهو جاهد مع الإمام ولكنه لما واجه أحكامه أنكرها، وكل ما حكم بقضية أنكرها.
وفي الرواية عدة ملاحظات
١- سبب سلسلة الأنبياء أن الإمام المهدي حينما يظهر ستظهر في زمنه كوارث جميع الأنبياء.
٢ - ينكرون ويضرب أعناقهم، وهذا النكران ليس بالرأي والكلمة، بل موقفهم كموقف الخوارج الذين أنكروا حكم علي ثم سعوا ليربكوا الوضع السياسي عليه. ولذلك هو إنكار يتبعه إرباك سياسي واعتراض عملي على الإمام الحجة، ولا بد من قتال أولئك، وهم بالأمس ممن قاتل بين يديه. الامتحان بالحكم صعب جدًّا.
إن الذي يجري على الحجة جرى على علي وعلى النبي، ولكن الفرق أن النبي وعلي لم يحكموا في هذا الأمر ولم يسيروا فيه سيرة الخضر، ولم يعملوا بالموازين الداخلية فهم غير مكلفين بهذا الأمر، وإنما عملوا بالموازين الظاهرية.
ومن ذلك أنه جيء برجل لأمير المؤمنين، فقيل له أنه يقف في المسجد ويتبرأ من أعدائكم ويسبهم، ويقول فيكم كذا وكذا، فحكم عليه بالقتل، فضج الناس من حول علي فقالوا: هل تقتل إنسانًا يعلن لك ولائه ويتبرأ من أعدائك؟ وقاتل معك؟
وكانت الضجة عالية، وقالوا : بل سرح به إلى المدائن.
فخضع الإمام للعموم وسرحه للمدائن، ليس لأنه الحكم الذي يريده علي، ولكن حينما ضج الناس ولو نفذ حكمه سيرتد عليه الناس، فلا يمكن ذلك.
نقل ابن أبي جمهور الأحسائي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أن النبي دخل في أحد على أم سلمة متألمًا متبرمًا، فقالت: ما بالك يا رسول الله؟ قال: (لولا أن يقال بأن محمدًا استعمل أصحابه، ثم عطف عليهم يقتلهم لأخذت رؤوس بعضهم).ضرب هؤلاء بالسيف بين يدي سول الله ولكنهم اليوم يربكون حكمه والأمن الذي أسسه.
مثل هذه الفتن لها وجود في سلسلة الفتن المهدوية.
اللفتة الثالثة
(إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله، ودخل في هذا الأمر شبه عبدة الشمس والقمر)
لعلنا نستسيغ خروج بعض من يرى نفسه من أهل هذا الأمر، ولكن من غير المستساغ أن يدخل فيه من شبه عبدة الشمس والقمر(وثنيون) فكيف يحدث ذلك؟
تتحدث هذه الرواية عن خط سيفتح على الناس يؤمنون من خلاله ويمرقون، وهناك أناس تتبدل فلا يكون أساسها اليقين، بل الثقافة والمعرفة وهما متضاربة كما يقول أصحابها. وقد نقل عن الشهيد الصدر جوابه على سؤال: لماذا لم يجعل الله النبوة في سقراط؟ وإفلاطون؟ وأرسطو؟
فقال أن هذا لا يستحق أن يكون أساسًا يتفرد بالإيمان، وهو صحيح كرديف، ونستعين به في الاستنارة، ولكن طبيعته متضاربة. ولذلك عندما تتحول الثقافة إلى أساس فأكثر الخارج ويكثر الداخل.
وتشير (شبه عبدة الشمس والقمر) إلى الفلسفة الشيوعية التي تعد داخلة في عقيدة المهدوية ولكن ليست باسم المهدي، فهي منتهية إلى نظرية المؤمل، وهي بحساباتهم الفلسفية لا بد أن ينتهي التاريخ ويصل الأمر إلى شخص (لا يعرفونه). والمقصود من نهاية التاريخ هو وصوله إلى مستوى من الرقي لا يصل إلى مستوى أرقى منه.
المسيح وأصحاب الأقانيم الثلاثة يعتقدون أيضًا بالمخلص، وفرقة الدونما وغيرها من الفرق كلها تحمل راية المخلص والرجل النهائي في التاريخ، ولديهم حسابات فلسفية وارث وتراث بشري يشير إلى هذا المعنى.
وهنا لافتة مهمة جدًّا وهي أننا نمارس مطابقة الصور. فالرواية لم تذكر الشيوعية، ولكني أمارس مطابقة صورة بصورة، وما يسمى بالإسقاطات التي حينما نتحدث بها لا على سبيل حصر المثال، فلا ندعي أن هذا هو المقصود عينًا بالرواية، ولدينا اليوم ما يسمى بثقافة الإسقاط المرفوض حيث يبث مواد عبر اليوتيوب ويقول ما حدث اليوم أشارت له الرواية مثل كورونا، حيث ورد في الرواية أن من علامات ظهور الإمام الموت الأبيض، وهي الأوبئة، فهو يجزم بذلك ولا يضعها في موضع مطابقة الصورة بالصورة، وذلك لا ينبغي الاستماع إليه.
اللفتة الرابعة
التحول بالمهدوية.
بعض الجوانب التاريخية التي تمس الموضوع:
يطلق لفظ المهدي لا يطلق على الإمام الحجة خاصة، بل على سائر الأئمة ولذلك أصحاب أمير المؤمنين كانوا يدعونه بالمهدي، وقد أطلق حسان بن ثابت على النبي لفظ المهدي
ما بال عينك لا تنام كأنما
كحلت آماقيها بكحل الأرمدِ.
جزعًا على المهدي أصبح ثاويًا
يا خير من وطأ الحصى لا ترقدِ.
والتوابون الذين خرجوا بعد الإمام الحسين لما وقفوا على قبره بكوا بكاء شديدًا وقالوا: اللهم ارحم الشهيد ابن الشهيد المهدي ابن المهدي.
ادعاء المهدوية :
مر بأشواط، فهناك من كان يرشح نفسه ليصبح مهديًّا، وكان في الدولة العباسية نشاط واضح نحو ذلك، وكان في زمننا ادعاء واضح للسفارة فينصب نفسه سفيرًا عن الإمام المهدي، وهذا كله تحول بالمهدوية.
و الحصيلة الفورية لهذا الطرح أن يسأل الإنسان: كيف أقي نفسي وأحافظ على تصديقي، ويعلم الله تصديقي كما هو واقع، وأن لا أكون من الكاذبين، وأن أكون صاحب هوية ولست صاحب هوى؟
يتطلب هذا من الإنسان أن يفحص نفسه بشكل دوري، والتفت لمحاسبة الذات، ويعرف قدر نفسه وذلك باستشعار عدة أمور باستمرار: مثل التقصير مع الله، ومع مولاك، ومع كل من يعنيك أمره، وأن يستشعر الإنسان المعصية وهذا معنى قول الرواية (حزنه في قلبه وبشره في وجهه) لأنه دائمًا يستشعر التقصير فهو حزين لما يشعر به من تقصير.
وعلى الإنسان أن يهتم ببناء الإيمان عن طريق برمجة التخلي عن المنافيات (في اصطلاح العرفاء)، وهي كثيرة:
وعليك بقطع الطريق على ت
المنافيات. وبناء الإيمان إيمانًا صحيحًا، والحذر من الإيمان المتضارب بحيث تحرز يومًا الرضا على ربك وتشعر بالراحة ويومًا آخر لا تحرزه ولا تشعر بالراحة. وغيرها مما يجب أن ينتبه له الإنسان فيصل إلى أن يعصم صدقه مع الله، وإلا فالتحول صعب، ولذلك نجد من بين الذين لم يتحولوا قومًا كادت أقدامهم أن تزل، ولكن الله لطف بهم حيث تأثروا لما سمعوا الكلام، مثل بنو أسد الذين احتاروا في موضوع الحسين، فهو ابن بنت رسول الله، ولحم رسول الله لا يزال ملقى على بوغاء الثرى، ومن حوله القرابين والبدور الزاهرة، والشمس تغدو وتروح لليوم الثالث عليهم، فما هو الموقف الذي يجب اتخاذه؟
وانتهوا إلى رأي وهو أن ترسل النساء يحملن القرب كأنما يردن السقاية، فذهبن وما إن أقبلن حتى رأين ذلك المشهد المؤلم.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين