2020/09/06 | 0 | 2148
مشهورات عاشورائية لا أصل لها (إضافات لسيرة العباس وحبيب)
للمرة الثالثة نلقي نظرة فاحصة عبر المصادر والكتب على مفردات عاشورائية جديدة مشهورة. تُطرح على المنبر يعرفها الصغير والكبير, والرجل والمرأة. سمعناها وتسمَّعناها منذ صغرنا في مأتم الحسين عليه السلام في كل عامٍ من محرم وغير محرم.
المشهورة الأولى: تفاصيل في سيرة العباس ومصرعه
لقد تعرضتْ السيرة الكريمة لشقيق الحسين وحامل رايته. وساقي العطاشى من أهله. العباس بن علي عليهما السلام. لبعض التحريف والتضخيم والإضافة. بدءً من زياداتٍ كثيرة زادوها في قصة خطبة والده الإمام علي بن أبي طالب لأمه أم البنين, وحتى اختلاق يوم مولد له ليُحْشَر بين مولد الإمام زين العابدين ومولد الإمام الحسين (3- 5 شعبان) في الرابع من شعبان, فيكتمل مولد أبطال كربلاء في ثلاثة أيامٍ متوالية, والصحيح أننا لا نعرف في أيّ يومٍ وُلد العباس؟ وأصل هذا التاريخ -في الرابع من شعبان- جاءنا من كتابٍ فارسي اسمه (أنيس الشيعة) لمحمد حسين الهندي الذي عاش في أيام القاجاريين في إيران, والمؤلف لم يذكر مصدره أصلاً.
ثم جعلوا العباسَ كافلاً للسيدة زينب, فقد نقلوا عن الإمام علي أنه كَفَّل العباسَ أخته زينب. وليس لذلك أصل ولا مصدر أيضاً, ولا نعلم من أين جاء الشيخ محمد بن إبراهيم الكلباسي المتوفى عام 1362هـ بهذه الأخبار عن موضوع الكفالة, وأودعها في كتابه (الخصائص العباسية)؟ بدون أن يذكر مصادره وهو المعاصر.
ثم أوردوا أبياتاً مشهورة- كلنا نحفظها ونرددها في ليلة السابع من محرم- على لسان أبي الفضل العباس عندما خاض في نهر الفرات وهي:
يا نفسُ من بعد الحسين هوني فبعده لا كنتِ أن تكوني هذا الحسين شارب المنون و تشربين بارد المعين
وهذه الأبيات التي يحفظها كل شيعي, إنما ذكرها مقتل أبي مخنف الموضوع المتأخر, وفيه من الأخبار الملفقة المتناقضة الكثير, فهي أبيات لم توجد في الكتب المعتبرة, وإن كانت تحمل في ذاتها قيماً عالية, ولكننا لا نعلم من أين جاء بها مؤلف كتاب أبي مخنف المزور؟ مع أنه من الثابت في المصادر أن العباس لم يشرب الماء. وجاد به على عطشه, يريد إيصاله للحسين, فقد قال حفيده الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس في أبيات له راثياً جده أبا الفضل:
أحق الناس أن يُبكى عليه فتى أبكى الحسين بكربلاء
أخوه وابن والده علي أبو الفضل المضرج بالدماء
من واساه لا يثنيه شيء فجاء (فجاد) له على عطشٍ بماء
(مقاتل الطالبيين للأصفهاني ت 356هـ)
فالقيمة المعروفة المشهورة عن أبي الفضل ثابتة, حتى مع عدمِ ثبوت الأبيات, وليس ذلك مما يضر, ولا التحقيق يدعو لنبذ الأبيات.
وأضاف المخيالُ الشعبي بعد مصرع العباس أنه طلب من أخيه الحسين أن يُبقيه في مكانه. فقد ذكروا: أن الحسين عليه السلام حينما أقبل الى أخيه العباس، و وجد فيه رمق الحياة، انحنى عليه و أراد حمله الى المخيم. فأحس العباس بأخيه و علم ماذا يريد؟ فقال له: يا أخي، الى أين تريد حملي؟ قال الحسين: أريد حملك الى المخيم. فقال العباس: يا أخي بحق جدك رسول الله عليك أن لا تحملني، ودعني في مكاني هذا؟ فقال الحسين: لماذا يا أخي؟ قال العباس: لأني مستحٍ من ابنتك سكينة، و قد وعدتها بالماء و لم آتِ به. فتركه الحسين في مكانه. (أسرار الشهادة للدربندي)
والصحيح أن العباس قُتل صريعاً شهيداً,ولم يأتهِ الحسين قبل أن تصعد روحه إلى بارئها, فقد اقتطع الأعداء العباسَ عن أخيه الحسين, وأحاطوا به من كل جانب ومكان, حتى قتلوه, فبكى الحسين عليه بكاءً شديداً. (الملهوف والإرشاد)
المشهورة الثانية: قصة التحاق حبيب بن مظاهر بالحسين
حبيب بن مُظَاهر وقيل مُظَّهر (مُظَاهر عند الطبري وارشاد المفيد ورجال الطوسي, ومُظَّهر عند الكلبي في جمهرة النسب والبلاذري والدينوري وابن الأثير) رجلٌ له مكانة عظيمة قبل الطف وفي يوم الطف, وكان ممن كاتب الحسين صادقاً, وممن وقف مع مسلم مناصراً.
نظراً لعظمة هذا الرجل ضخموا سيرته, ونسجوا حول إلتحاقه بالحسين قصة لا تصح ولا توجد في المصادر, فقد نقل لنا الآغا الدربندي ت 1275هـ في كتابه (أسرار الشهادة) القصة التالية عن كتابة الحسين إلى حبيب, وإلتحاق حبيب بالحسين, وحتى تسليم السيدة زينب بنت علي عليه.
فقالوا: لما وصل الحسين في مسيره الى الكوفة، الى أرض، و خيم في واد منها، و علم بقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، و أن أهل الكوفة غدروا به، و كان قد عقد اثنتي عشرة راية، ثم أمر جمعاً بأن يحمل كل واحد منهم راية منها، فأتى إليه أصحابه و قالوا له: يا ابن رسول الله! دعنا نرتحل من هذه الأرض. فقال لهم: صبراً حتى يأتي إلينا من يحمل هذه الراية الأخرى. فقال له بعضهم: سيدي! تفضل علي بحملها. فجزَّاه الحسين خيرا و قال: يأتي إليها صاحبها. ثم كتب كتاباً نسخته كذا: من الحسين بن علي بن أبي طالب الى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر: أما بعد، يا حبيب! فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله، و أنت أعرف بنا من غيرك، و أنت ذو شيمة و غيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدي رسول الله يوم القيامة. ثم أرسله الى حبيب. قال: و كان حبيب جالساً مع زوجته، و بين يديهما طعام يأكلان، إذ غصت زوجته في الطعام، فقالت: الله أكبر يا حبيب! الساعة يرد علينا كتاب. فبينا هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب، فخرج إليه حبيب، فقال: من الطارق؟ فقال: أنا رسول الحسين إليك. فقال حبيب: الله أكبر، لقد صدقت الحرة بمقالتها، ثم ناوله الكتاب، ففضه، و قرأه و كان حبيب يريد أن يكتم أمره على عشيرته و بني عمه، لئلا يعلم به أحد خوفاً من ابن زياد ، فبينا هو كذلك إذ أقبل بنو عمه إليه، فسلموا عليه، فرد عليهم السلام، و قالوا له: يا حبيب! سمعنا أنك تريد [أن] تخرج لنصرة الحسين ,و إنا لا نخليك،فقال: ما لنا و الدخول بين السلاطين؟ فأخفى ذلك عليهم، فرجعوا عنه، و سمعت زوجته، فقالت له: يا حبيب! كأنك كاره للخروج لنصرة الحسين. فأراد أن لا يخبرها، فقال لها: نعم. فبكت، و قالت: إذاً تليق لرأسك هذه المقنعة، أنسيت كلام جده رسول الله في حقه، و أخيه: ولداي هذان سيدا شباب أهل الجنة، و هما امامان إن قاما و إن قعدا؟ و هذا رسوله أتى اليك يستعين بك، و أنت لم تجبه؟ فلما عرف منها حقيقة الأمر، قال لها: إني أخشى عليكِ تترملين بعدي. فقالت: دعني آكل التراب، و لا تترك نصرة الحسين. فجزَّاها خيراً، ثم قالت: لي إليك حاجة. فقال: و ما هي؟ قالت: بالله عليك يا حبيب إذا أقبلت عليه، فقبّل يديه ورجليه نيابة عني، واقرأه مني السلام. فقال لها: حباً و كرامة. ثم أقبل على جواده و شدَّه شداً وثيقا، وقال لعبده: خذه، وامض به، و لا يعلم بك أحد، وانتظرني في المكان الفلاني. فأخذه العبد، و مضى به. و بقي ينتظر قدوم سيده. ثم إن حبيب ودع زوجته، و خرج متخفياً كأنه ماضٍ الى ضيعة له خوفاً من أهل الكوفة، فاستبطأه الغلام، و أقبل على الجواد، و كان قدامه علف يأكل منه، فجعل الغلام يخاطبه و يقول له: يا جواد! إن لم يأتِ صاحبك لأعلون ظهرك، و أمضي بك الى نصرة الحسين. فلما سمع الجواد خطاب الغلام له جعل يبكي، و دموعه تجري على خديه، و امتنع عن الأكل. فبينما هو كذلك، فإذا بحبيب قد أقبل، فسمع خطابه، و صفق بإحدى يديه على الأخرى، و قال: بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله! العبيد يتمنون نصرتك، فكيف الأحرار؟ ثم قال لعبده: أنت حر لوجه الله. فبكى الغلام و قال: يا سيدي! والله لا تركتك حتى أمضي معك، و أنصر الحسين ابن بنت رسول الله ، و أقتل بين يديه. فجزاه خيرا، فسار، فبينما الحسين و أصحابه في الكلام و اذا هم بغبرة ثائرة، فالتفت الامام، و قال لهم: إن صاحب هذه الراية قد أقبل. فلما صار حبيب قريباً من الامام المظلوم، ترجل عن جواده، و جعل يقبل الأرض بين يديه و هو يبكي، فسلم على الامام و أصحابه، فردوا. فسمعت زينب بنت أميرالمؤمنين، فقالت: من هذا الرجل الذي قد أقبل؟ فقيل لها: حبيب بن مظاهر. فقالت: اقرأوه مني السلام. فلما بلغوه سلامها لطم على وجهه وحثى التراب على رأسه و قال: أنا من أكون حتى تسلم علي بنت أميرالمؤمنين . وهذه القصة التي تفرَّد بها الدربندي ونقلها كل من نقلها عنه من بعده, لا تصح ولم ترد في المصادر قبله. والصحيح أن حبيباً التحق بالإمام الحسين فور وصوله, وفور علمه بالخبر, بدون تفاصيل تلك القصة الملفقة.
وكان له رضوان الله عليه جهوداً في يوم السادس من محرم, ومحاولة في الوصول إلى حي من بني أسد كانوا بالقرب من الغاضرية, وذلك لدعوتهم لنصرة الحسين. فأذن له الإمام, فخرج حبيب في جوف الليل متنكراً حتى صار إلى القوم الأسديين. وحثهم على نصرة الحسين, فاقتنعوا وهبوا معه للنصرة, ولكن الخبر وصل إلى ابن سعد, فجهز لهم الأزرق الصيداوي في أربعة آلاف فارس ووجهه لذلك الحي, فوقعت المعركة بينهم واقتتلوا قتالاً شديداً فما استطاعوا الوصول ورجعوا إلى منازلهم, بعد أن حيل بينهم وبين نصرة الحسين. فعاد حبيب إلى أبي عبدالله وأخبره بالخبر. فقال الحسين: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(الفتوح ابن أعثم و أنساب الأشراف للبلاذري)
جديد الموقع
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان