2019/03/21 | 0 | 3404
ماتت أمي
راجعتُ شريط الذكريات مع والدتي رحمها الله من أيام الطفولة ، ومما لفت نظري فيه مواضيع عدة لعلّ من أهمها :
· الاهتمام بزوجها : فقد كانت مطيعة لزوجها ( والدي رحمه الله ) ، مستجيبة لأوامره ، غير معترضة على أحكامه الاجتماعية ، جل اهتمامها ينصب في إرضائه وسعادته حتى لو كلفها ذلك التضحية برغباتها في سبيل المحافظة على استقرار بيتها ومصلحة أولادها الإستراتيجية . ومن المواقف التي تؤكد ما أشير إليه كان والدي رحمه الله يحمل شعار التعدد من بداية شبابه ويصرح به إلا أنه لم يقدم عليه حيث أنه لم يكن جاداً في ذلك ( وهناك مقولة لأحدهن تقول صاحبته : حسين الحجي كان كثير التصريح أنه سيتزوج على زوجته ولكنه لم يقدم على ذلك ، وأخوه عباس لم يعلن عن ذلك المشروع وأقدم عليه ) ، من ذلك في العشر السنوات الأخيرة من حياته طلب من الوالدة أن تخطب له امرأة ( مطلقة ) بعينها ، فوافقت تلك المرأة على الزواج ، فلما علم والدي بذلك تأثراً كثيراً ، ثم أبلغ الوالدة بأن تبلغ تلك المرأة بأني لا أصلح لك ، ثم ذكر في نفسه ما يراه من العيوب التي تجعل تلك المرأة ترفضه .
· حبها وعشقها للقراءة الحسينية كملاية : فقد كانت تتضايق إذا أوقف صاحب ذلك البيت القراءة الحسينية ، أو طلب صاحب بيت آخر الاستغناء عن خدماتها ، بالمقابل لم يكن يعنيها كم تعطى من أجرة زيدت أو قللت أو حتى ألغيت فلم تكن تطالب به ، ورأينا من كان يأتي لها بالأجرة مقابل تلك الخدمة بعد سنوات ، أو بعد وفاة ولي ذلك البيت ، كما رأينا من لا يهتم بإعطاء مقابل لتلك القراءة . ومن المواقف في هذا الشأن : ينقل الحاج عبد الرسول بن حسن الشافعي عن حزن والدته لما سكنت في حي الملك فهد بسبب اعتذار من قرأنا لها حسينياً عندما كانت تسكن داخل الأحياء القديمة بمدينة الهفوف بالنظر لبعد المسافة ، فدخلت الوالدة مع مجموعة من النساء على الحاجة أم عبد الرسول للتبريك لها بالسكن في ذلك البيت فبان لهن تكدر خاطرها ، فلما عرفت الوالدة ومن معها من النساء سبب ذلك قالت لها الوالدة : نحن سنقرأ لك حسينياً الآن ، وفي خدمتك ، ولا يكدر خاطرك مما ساهم ذلك في تحسن نفسية المرحومة الحاجة أم عبد الرسول . وبما أن موضوع القراءة الحسينية كان يشكّل للوالدة لها سعادة في نفسيتها فإن أحد أسباب تأزم نفسيتها بعد بتر قدمها أنها رأت أنها ستحرم من ذلك العطاء .
· كرم نفسها : كان القرش الذي تحصل عليه من هنا يصرف هناك ولكن ليس للترف ، وليس للاستعراض ، وإنما تتحسس من حولها وتعطي هذه وتحن على تلك ، وتهدي هذه ، وتدخل السرور على تلك بالرغم من ضعف الحال ، وحاجتها الماسة لما في يدها ، أو على الأقل لكي تحتفظ به ليستثمر ما ستملكه بالوصية كأعمال لها بعد وفاتها . ومن المواقف في هذا الشأن بعد وفاة ابنها المرحوم محمد ، لم ترغب أن تأخذ شيئاً من نصيبها في البيت ( الأصل الوحيد له ) الذي خلفه ، وإنما طلبت نقله إلى أصغر أولادها ( وأقصد الأخوان البارين بها مرتضى ، وعبد الله ) .
· برها بأرحامها وصديقاتها على نحو التواصل ، التزاور ، الاهتمام . وما يؤكد على ذلك كانت تأكد علينا التواصل مع أقاربها وأقارب الوالد رحمه الله في مناسبتهم المفرحة والمحزنة . كما أنها منذ أن سكنت بحي الملك فهد أسست علاقة طيبة مع جارتها الخالة الحاجة أم حسين بن حجي السرهيد ( كما كانت هناك علاقة أخوية بين الوالد والعم المرحوم حجي السرهيد ) ،
فكانت الوالدة تطلب من يوصلها من أبنائها إلى المأتم الحسيني أن يوصل معها صديقتها الحاجة أم حسين السرهيد أو غيرها ممن ستشاركها في مشوارها المعني .
وفي السنوات الأربع الأخيرة ولكبر السن كان التواصل يتم عبر الهاتف الجوال أو الثابت حتى في أيام مرضها لا يرتاح قلبها إلا إذا تواصلت مع أم حسين بالاتصال للاطمئنان على صحتها ومعرفة أخبارها والسؤال عن مستجدات أولادها ، والشعور متبادل من الخالة الحاجة أم المرحوم الأستاذ حسين بن حجي السرهيد ، حفظها الله ومتعها بالصحة والعافية .
- حافظة قوية : كنّا نرجع لها للسؤال عن تراث الأسرة وما تعرفه من معلومات تاريخية عن فريجها فريج الرفعة الشمالية ، كما كانت تحفظ بعض الطرائف والقصائد الشعبية .
رحلت الوالدة بعدما تعرضت للبتر التدريجي لقدمها اليمنى من أصبع إلى آخر إلى مقدمة الرجل إلى البتر إلى ما قبل الفخذ ، وفي كل مرة معاناة وصراع ، وتعدد الآراء ، ورفض الاستجابة الأولية ثم الرضوخ للقرار ، ودخول المستشفى ، والحالة النفسية التي تتعرض لها ، والأزمات الصحية المصاحبة من ارتفاع الضغط ، والسكر ، وأمراض الكلى ، وعضلة القلب ، والماء على الرئة ، وتسكر الشرايين و... وفي خلال السنوات الثلاث الماضية تعرضت لأزمات صحية متعددة زادها تعقيداً أكثر حالتها النفسية من فقدها لابنها المرحوم محمد ، وشلة حركتها ببتر قدمها . وفي الثلاث الشهور الأخيرة زادت حالتها بشكل تدريجي ، وفي الأسبوع الأخير قبل وفاتها أصبحت كثيرة البكاء من شدة الألم والذي لم يمكّنها من النوم ، فأصبحت تنادي بأسماء أولادها وباستمرار على نحو الاستغاثة والدعم ، وبهدف المساعدة في التخلص مما هي فيه من معاناة . وَمِمَّا يحرق القلب لما نتذكر من ينادينا من أحبابنا وهو بحاجة لنا ونحن لم نعلم بذلك النداء ، أو نعلم بذلك ولا نستطيع صنع ما يلبي حاجته .
وعندما شخص الطاقم الطبي المشرف على علاجها حاجتها لغسيل لكلى في ظل ظرفها المعقد مع مستحدثات جديدة في صحتها ، ومع تقرحات ، ومع تعطل بعض الوظائف حتى أصبحت قليلة الانتباه بمن حولها . وفي عصر يوم الثلاثاء الموافق 12/7/1440هـ بعد زيارتي الأخيرة لها ولقائي بالطبيب المسؤول عنها شعرتُ بمؤشرات دنو أجلي والدتي ، ولهذا لما خرجتُ من المستشفى تواصلتُ مع المنسق لي بكلمة في حفل الأمير ( ع ) ببلدة الشعبة والذي سيقام في ليلة الخميس ، أكدتُ عليه أهمية البحث عن البديل على نحو الاحتياط لأن وضع الوالدة الصحي غير مستقر ، كما أرسلتُ رسالة إلى الإخوة والأخوات وبطلب من الأخ جواد بأهمية إيضاح حالة الوالدة الصحية الحرجة ، وأن الوضع لا يبشر بخير ، ومتوقع نسمع خبر وفاتها في أي لحظة وبالأخص لما توقف قلبها وجرى إنعاشه أكثر من مرة . وفي فجر يوم الأربعاء كنتُ بالمسجد ، وفي لحظة ما شعرتُ بقبضة قلبي وأنني في وضع غير مستقر بعدها طلبتُ من أخي يوسف بأن يؤجل سفره للعمرة الرجبية لهذا الأسبوع بسبب وضع الوالدة الخطير ، وإذا بالاتصال من الأخ عبد الله يخبرني باكياً بوفاة الوالدة في لحظة دخول الأخ الحبيب والجار العزيز الشيخ سمير بن حسن المطوع إلى المسجد فعانقتُه باكياً منادياً ماتت أمي ماتت أمي ، فخفف عليً بعد أن تفأجىء بحركاتي ومشاعري ، كما لاحظ من سيدخل المسجد من المؤمنين ذلك فحاولوا التخفيف والتعزية بالأخص لما انتشر ذلك الخبر إلى المصلين بعد إبلاغي أخي يوسف بذلك .
لحظات صعبة جداً على قلبي بفقدي للعزيزة الغالية الحنونة التي ضحت وبذلت من أجل سعادتنا ، تحملت الصعاب في سبيل تربيتنا ، عانت وواجهت الكثير من الآلام مع ذلك كانت بمجرد أن ترانا في وضع صحي سيء كانت تنسى مرضها وتبكي لوضعنا ، تقلق لو غبنا ، تشكرنا لو عملنا ما يرضي الرب ، كانت في سلامها عليها تحرص على أن تقبلنا مع تلك الابتسامة وإبراز عطفها وحنانها ، تفرح بتجمعنا حولها ، تحزن لو ذكر زوجها ( ١٤٢١/٧/٢١ ) وابنها ( ١٤٣٧/١٠/١٨ ) وتطلب منا قراءة الفاتحة لروحيهما ، وتحرص على إحياء سنوي بختمة لروحيهما ، كما كانت تدعو لي بهذا الدعاء ( الله يسخر لك الأرض ومن عليها ) .
وقفة إنسانية
أخي الصغير عبد الله يقول في ليلة وفاتها كنتُ أشعر بقرب سماع خبر وفاتها ، فطلبتُ من إدارة المستشفى لو تحقق ذلك أن لا يتم الاتصال على الأخ مرتضى حتى لا ينزعج بسماعه ذلك وهو في طريقه إلى مكان عمله بالدمام ، وأن لا يتم الاتصال على أخي سلمان من خوفه من تأثر وضعي الصحي بسماعي لذلك الخبر ، ولهذا طلب منهم إبلاغه بذلك .
رحمك الله يا والدتي وأسكن روحك الجنة ، فقد توفيت في شهر مبارك وفِي يوم مبارك وفِي ساعة مباركة ، ورحم الله جميع من ذكرنا من الموتى ، ورحم الله موتانا وموتاكم وموتى المسلمين .
جديد الموقع
- 2024-05-18 إيماءات الأطفال، وماذا تعني
- 2024-05-18 أفراح سادة آل سلمان "الكاظم "و العلي " تهانينا
- 2024-05-18 الشاعران بيلا والحرز في منتجع ماربيا
- 2024-05-18 قاسم العبدالسلام عريسا في الدانة البيضاء بالاحساء
- 2024-05-18 التمار والحسان تحتفل بزواج ابنيها " علي وحيدر "
- 2024-05-18 قطوف دانية من كلام الإمام الرضا (عليه السلام)
- 2024-05-18 مشهد الطروبة "في ذكرى مولد المولى أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام"
- 2024-05-17 (نادي ابن عساكر) يستضيف الباحث (المطلق) في فعالية (الآراء التاريخية الشاذة)
- 2024-05-17 أفراح الجزيري تهانينا
- 2024-05-17 الكتاب الذي ينسيك أنك تقرأ