2019/09/15 | 0 | 2318
لا يوم كيومك أبا عبد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 – 28].
عظم الله أجوركم وأجورنا بمصاب أبي عبد الله الحسين (ع) ونحن نعيش ايام المحرم الحرام
ولا زال الحديث حول الرواية التي ذكرناها في الأسبوع الماضي عن الإمام الرضا (ع) وقد توقفنا عند مقطع منها وهو قوله : يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون.
فالبكاء أمر مشروع لمن حلت به مصيبة، وهل هنالك مصيبة أعظم من هذه المصيبة؟ فلم تحلّ مصيبة مثلها في البشرية إطلاقاً، منذ أن خلق الله آدم حتى يومنا هذا.
وهنا يستجد سؤال مهم : هل أن حادثة الطف كانت وليدة الساعة أم أن لها جذوراً تعود لما قبل ذلك؟ الروايات الصحيحة التي أُجمع عليها عند السنة والشيعة تؤكد أن الأمر كان أبعد وأعمق من ذلك. فقد كان رسول الله (ص) يتلو على أصحابه مقتل الحسين (ع) ويخبرهم به، وكانوا يبكون وهم يستمعون لذلك منه.
فقد ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي، في كتابه أعلام النبوة الذي طبع في مصر، عن عروة عن عائشة قالت : «دخل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، فبرك على ظهره وهو منكبّ، ولعب على ظهره، فقال جبريل : يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك، ويقتل ابنك هذا من بعدك، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء وقال : في هذه الأرض يقتل ابنك، اسمها الطف. فلما ذهب جبريل، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟
فقال : أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه». [إعلام النبوة، الماوردي الشافعي: 108].
فها هو جبريل يخبر النبي (ص) أن ابنه الحسين (ع) سوف يقتل، فيبكيه، ولا نقول : إنه أول من بكى، فقد بكاه آدم من قبل وغيره من الأنبياء، إلا أننا أردنا الاستفتاح بهذه الرواية عن جده المصطفى (ص). وهنالك روايات أخرى كثيرة وردت بهذا المضمون، أي إخبار النبي (ص) بقتل الحسين (ع) وبكائه لذلك. وقد أخبر بهذا كبار الصحابة وهو يبكي، ولا شك أنهم قد بكوا لبكائه.
فأصل البكاء مشروع، وقد بكى النبي (ص) والصحابة قبل مقتل الحسين (ع) بمجرد الإخبار بمقتله، دون ذكر التفاصيل التي وقعت بالفعل في يوم عاشوراء. فكيف نتصور أن يكون الحال لو سمعوا بما جرى للحسين (ع) فيما بعد؟
بل إن بعض الروايات التي تذكر بعض ما جرى على الحسين (ع) مما لا يتجرأ الكثير من الخطباء على ذكره.
فمن تلك الروايات ما ورد في الأمالي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال : «كان النبي في بيت أم سلمة، فقال لها : لا يدخل عليّ أحد فجاء الحسين (ع) وهو طفل، فما ملكتُ معه شيئاً حتى دخل على النبي (ص).
فدخلت أم سلمة على أثره، فإذا الحسين على صدره، وإذا النبي (ص) يبكي، وإذا في يده شيء يقبّله. فقال النبي (ص) : يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك، فإذا صارت دماً فقد قُتل حبيبي. فقالت أم سلمة : يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه، قال: قد فعلت، فأوحى الله عز وجل إليّ أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأن له شيعة يَشفعون فيُشفَّعون. وأن المهدي من ولده فطوبى لمن كان من أولياءِ الحسين وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة». [الأمالي، الشيخ الصدوق: 140].
فمشروع القتل كان مشروعاً إلهياً، لا لأن الله تعالى أراد الأذى للحسين، إنما هو مدرسة ومسيرة جهادية تكشف الكثير من الدروس، وتبين الكثير من الحقائق، ومنها التمييز بين شيعته ومن سار على الحق، وبين من وقف في وجهه فارتكب تلك الجرائم التي تبين مدى الخسة والتسافل والدناءة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، من قتل النساء والصبيان والنهب والسلب والأسر وحرق الخيام، وغير ذلك مما لم يكن ظاهراً ولا معرروفاً في من نفوس هؤلاء وأعمالهم. وبالمقابل ما عليه شيعتُه من درجة ومنزلة ومكانة فهم يشفعون فيشفَّعون، وهذا الخبر ينقله رسول الله عن الباري جل وعلا. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من أوليائه وشيعته، لنكون من الفائزين يوم القيامة.
وفي الصواعق المحرقة عن الشعبي قال: «مرّ علي رضي الله عنه بكربلاء عند مسيره إلى صفين، وحاذى نينوى، قرية على الفرات، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض، فقيل: كربلاء، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: كان عندي جبريل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطىء الفرات بموضع يقال له: كربلاء ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمني إياه، فلم أملك عينيّ أن فاضتا». [الصواعق المحرقة، ابن حجر2: 566].
ومن تلك الروايات أيضاً ما ورد في بحار الأنوار والمناقب: «إن الله تعالى هنأ النبي (ص) بحمل الحسين (ع) وولادته وعزّاه بقتله. فعرفت فاطمة، فكرهت ذلك، فنزلت: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهَاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهَاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُوْنَ شَهْرَاً﴾، فحمل النساء تسعة أشهر ولم يولد مولود لستة أشهر عاش غير عيسى والحسين (ع)».[مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب4: 50. وعنه البحار43: 253.].
وفي أمالي الصدوق : أن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) دخل يوماً إلى الحسن (ع) فلما نظر إليه بكى، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يُصنع بك. فقال له الحسن (ع) : إن الذي يؤتى إليّ سمّ يدس إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدنا محمد (ص) وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك...».]الأمالي، الشيخ الصدوق: 116].
وقد أخبر الإمام الحسين (ع) نفسه بمصرعه، وذلك لما قالت له سلمة : «يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإني سمعت جدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء. فقال لها : يا أماه، وأنا والله أعلم ذلك، وإني مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بُدّ، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها، وإني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي. ثم أشار (ع) إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده فعند ذلك بكت أم سلمة بكاءً شديداً وسلمت أمره إلى الله. فقال لها : يا أماه قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً». [بحار الأنوار، المجلسي44: 331].
وفي جوابه لأخيه محمد بن الحنفية لما قال له : ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال : بلى. قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟ فقال : أتاني رسول الله (ص) بعدما فارقتك، فقال : يا حسين (ع) اخرج، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً. فقال له ابن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟ قال: فقال له : قد قال لي : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا. وسلم عليه ومضى». [اللهوف على قتلى الطفوف: 64.].
وكذلك أخبر عن مقتله في خطبته التي ألقاها قبل مسيره إلى كربلاء، حيث قال : «كأني وأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جُوفاً، وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين». [مثير الأحزان، ابن نما الحلي: 41.].
وفي ختام المطاف أحببت أن أختم برواية مهمة، تتعلق بقوله تعالى : ﴿وَاذْکُرْ فِي الْکِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ کَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَکَانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾. [مريم: 54]. والرواية التي أذكرها تبين لنا فظاعة ما جرى في اليوم العاشر، وسوف لن أعلق عليها، إلا أنني أقول: إن هذه الرواية شبيهة بقصة المقتل، فلا تُقرأ إلا في هذه الأيام.
والرواية عن محمد بن سنان عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال كش : «إنّ إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَاذْکُرْ فِي الْکِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ کَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَکَانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (ع). كان نبياً من الأنبياء بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال : إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت فقال : لي أسوة بما يُصنع بالحسين (ع)». [كامل الزيارات، ابن قولويه: 64.].
تنبيه : في الختام أود أن أنبه لأمر مهم، وهو أننا نعيش أيام الحزن والمأساة، ولكن هناك من ينشغل ـ مع الأسف ـ ببعض الممارسات التي لا تنسجم معه، ويتم تناقلها في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المؤسف أن الكثير من هؤلاء يرفض هذه الممارسات تحت مسمى الشعائر، لكنه في الوقت نفسه ينشرها بدافع السخرية والاستهزاء، وهذا نوع من الترويج والنشر.
وفي الآونة الأخيرة نرى أن هنالك عادات تُحيا في مجتمعات خاصة تتناسب معها بخصوص هذه المناسبة، ولا تنسجم مع مجتمع آخر، فهي مناسبة مثلاً لمن كان في منطقة من باكستان أو الهند أو أفغانستان أو العراق أو إيران، ولكنها لا تنسجم مع مجتمع آخر، فلماذا تنقل بعنوان الاستهزاء والسخرية؟
مع الأسف أن من ينشغل بهذه الأمور إنما يعمل على تضييع هذه الأيام العشرة الخاصة بالحزن والعزاء، التي أجمع الجميع على أن الأئمة (ع) كانوا يعيشون فيها الحزن منذ أن يهلّ هلال محرم حتى اليوم العاشر، فلا ترى أحدهم إلا محزوناً مهموماً باكياً لا ينشغل بشيء غير مصيبة الحسين (ع). أما نحن المحسوبين عليهم، والذي يفترض فينا أن نكون الفائزين، فللأسف هناك من يعمل منا على تضييع هذه الأيام بأمور مخالفة لما أريد لها. لا سيما في هذه السنة.
والأمر الآخر هو أن هذه المناسبة يناسبها لبس السواد، ولكننا نرى بعض شبابنا مع الأسف في مظهر لا ينسجم وهذه المناسبة الأليمة. فالبعض يلبس السواد، لكنه في مظهر التشبّه بالكفار، في شعره ولبسه وحركاته وهذا لا يجوز. فمن يلبس السواد لا بد أن يكون مظهره مناسباً للحزن في هذه المناسبة، أما أن يلبسه ويتشبه بالكفار أو غيرهم فهذا خلاف الغرض، بل نقض للغرض.
هذا ما أردنا قوله في هذه المناسبة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي
- 2024-05-03 طوارئ مستشفى الحلة التعليمي في بابل تنقذ حياة طفل تعرض إلى صعقة كهربائية
- 2024-05-03 مستشفى بعقوبة التعليمي في ديالى ينجح بإجراء عملية تطويل عظم الساق لمريض يعاني من قصر الطرف السفلي
- 2024-05-03 بعملية منظارية طارئة فريق طبي في مركز كربلاء لأمراض وجراحة الجهاز الهضمي والكبد ينقذ حياة طفل ابتلع قطعة نقود معدنية