2020/05/05 | 0 | 4470
كرم ذات
مما يمر به المطالع في حياة الإمام السبط الحسن المجتبى (عليه السلام) سيرة ذات دلالة فيما سنقف عنده بإجمال بعد التلويح إلى عدد من حشود مؤشرات عليها، كالتالية:
ما جاء في كتاب "المناقب" لابن شهرآشوب عن "الإرشاد"، رَوَى إِبْرَاهِيمُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عليهما السلام يَمْشِيَانِ إِلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَمُرَّا بِرَجُلٍ رَاكِبٍ إِلَّا نَزَلَ يَمْشِي فَثقُلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَقَالُوا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ ثَقُلَ عَلَيْنَا الْمَشْيُ وَ لَا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَرْكَبَ وَ هَذَانِ السَّيِّدَانِ يَمْشِيَانِ فَقَالَ سَعْدٌ لِلْحَسَنِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ الْمَشْيَ قَدْ ثَقُلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْكُمَا تَمْشِيَانِ لَمْ تَطِبْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا فَلَوْ رَكِبْتُمَا فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام لَا نَرْكَبُ قَدْ جَعَلْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ عَلَى أَقْدَامِنَا وَ لَكِنَّا نَتَنَكَّبُ عَنِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَا جَانِباً مِنَ النَّاسِ.
ويصدّق هذا ما رواه محمّد بن إسحاق قال: ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ما بلغ الحسن بن عليّ، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما مرّ أحدٌ من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكّة نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله أحد إلاّ نزل ومشى، حتّى رأيت سعد ابن أبي وقّاص قد نزل ومشى إلى جنبه، الرصيد المعنوي الذي كان عليه السلام يمثله للناس، ما اختصره ابن عباس بقوله عند رحيله عليه السلام كما روى الزبير بن بكار في كتاب "أنساب قريش" عن محمد بن حبيب في "أماليه" عن ابن عباس أنه قال: أول ذل دخل على العرب موت الحسن عليه السلام.
جاء في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير: إن الحسن والحسين عليهما السلام كانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما.
لعل من أهم ما يلفت نظر المهتمين بالتاريخ الاجتماعي أو السياسي، أو الجانب النفسي فيما يتعلق بهما، وهو يتأمل المواقف المتقدمة؛ أن الإمام الحسن عليه السلام في تلك المواقف ونظائرها كان حاكما انصرف عن الحكم بمعناه السياسي المتداول، وعاش بين الجماهير قرابة العشرة أعوام في الحجاز، وليس في الكوفة عاصمته وعاصمة أبيه من قبله، ولم يخفت له رغم ذلك الانصراف بريق، بل استمر متوهجا ملأ النفوس والأسماع والأبصار، في سابقة يندر أن تجد لها نظائر خصوصا في تاريخ الأمم الشرقية، الأمر الذي من شأنه أن يقود المتأمل في سيرة كريم أهل البيت (عليهم السلام) لأمور، سأكتفي بالإشارة لعدد منها لها علاقة بموضوع الشخصية ـ (الشخصية بشكل عام، وهي واحدة من فعاليات النفس، هي من السعة والتعقيد بحيث أن مثل "جوردن البورت" في كتابه "الشخصية: تفسير سيكلوجي" حينما تصدى لتعريفها، فإنه ورغم تركيزه على ما يتعلق بالمظهر الخارجي للفرد فيما يتعلق بها، ومدى قدرته على التأثير واستثارة استجابات إيجابية في الآخرين من خلالها، ولم يركز في المقابل بشكل مماثل على طبيعة الإنسان وتكوينه الداخلي، ومع ذلك فقد جمع ما يتجاوز الخمسين تعريفا لها، بعضها ذات علاقة بالبعد اللاهوتي، وبعضها الآخر ذات علاقة بالمجال القانوني، وبعضها ذات علاقة بالبعد الاجتماعي، وأخرى بالبعد النفسي، الأمر الذي انعكس على تصنيفه لتلك التعريفات.
ومن تلك الأمور التي تستحق الإشارة في هذا الصدد ما يلي:
الأول: تمثيله المتوهج للامتداد الرسالي الذي رعته السماء في تجارب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ما يتداعى برصده معان، منها معطى من معطيات واقعهم التاريخي عليهم السلام، بدت معه السلطة بألوانها ونظائرها مجرد أدوات لا علاقة لها بحقيقة النبوة أو امتدادها وصيرورتهما رغم أهميتها عند التحقق بشروطهما، ما يمكن أن يقرأ في نصوص ومواقف، ليس بعيدا عنها قول الإمام علي عليه السلام الذي أورده الشريف الرضي في مقدمة خطبة قالها الإمام عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة رواه ورواها عنه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لَا قِيمَةَ لَهَا، فَقَالَ عليه السلام: وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ...
الثاني: وضوح تسامي شخصيته عليه السلام عن أن تكون صنيعة موقع مؤقت تخفت بإزالته أو تنحيته عنه، كأنموذج يبين الفارق بين من يتألق به الموقع ومن يصنعه الموقع، الأمر الذي يفترض أن يكون موقع اهتمام لأصحاب المواقع الوظيفية ذات البريق بألوانها، بل وموقع معالجة ثقافية منهم على مستوى النفس والرؤية والسلوك.
الثالث: أهمية الكون حيث حاجة الإنسان في أي موقع وفي أي ظرف، بمنطق يمكن إجماله بكونه وأهل بيته عليهم السلام موقع حل في حياة عيال الله لا موقع أزمة، المعيار الذي يمكن أن يجد الناس أنفسهم عند مراجعتها بحسبه أصنافا وأصنافا، منها ما عرضه التمثيل القرآني الشريف في قوله تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)، ومعدن رحمة لا يخل بمرجعيتها استثناء حكمة، الحالة التي كان الإمام الحسن عليه السلام عليها تلقائيا ليس في بذل المال فحسب، بل الخير كله بصنوفه حيث يتطلبه الموقف، فهو وأهل بيه عليهم السلام فيها كما أثر عنه في قوله:
نحن أناس نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضه خجل.
جديد الموقع
- 2024-04-26 القراءة خارج الدائرة
- 2024-04-26 الشيخ الصفار يدعو لمواجهة تحديات الحياة بالثقة والأمل والنشاط
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي
- 2024-04-25 يحيى العبداللطيف و ( دكتوراه ) جديدة لسجل شرف ( الينابيع الهَجَريّة )
- 2024-04-25 13298 خريجًا وخريجة أمير الشرقية يرعى حفل تخرج الدفعة الـ 45 من خريجي جامعة الملك فيصل بالاحساء