أقلام وكتابات
2019/08/31 | 0 | 4843
قراءة في ديوان (نافذة من عناق) للشاعر محمود المؤمن
لايزال ملتقى ابن المقرب الأدبي يفيض على روّاده وجماهيره عشاق الأدب والشعر بالعطاء وإصدار كل جميل دفعا لحركة الشعر للأمام وتشجيعا للمبدعين الشباب،ليس آخر إصداراته ديوان (نافذة من عناق)، ولا يزال الظامئون عاجزين عن شكر أهل الشكر في هذا الملتقى الخلّاق، وخاصة الأستاذ الكبير والشاعر القدير السيد أبا ياسر هاشم الشخص الذي يُعدُّ بحرا في رجل، فله الشكر مضاعفا والتحية وافرة.
محمود هذا الفتى الطموح يطل على القراء من نافذة العناق في ٤٣ قصيدة أقل مايمكن أن نقول عنها إنّها قصائد ناضجة على مستوى اللغة والموسيقى، طُبِخت على لغة هادئة وموسيقى حالمة.
ومحمود الذي عَرَض عليَّ - قبل فترة - قصائد هذا الديوان بحذر وتردد لقراءتها وتدقيقها لم تكن مصابيح أغلب النصوص التي أشعلها وضمّنها هذه النافذة بحاجة إلى أقلام النقاد أو الكتاب كي تضيء.
(نافذة من عناق) هي العتبة الكبرى التي تضم هذه القصائد، وهو عنوان مقتطع من نص أو من إحدى الغرف التي تشرف عليها هذه النافذة ، وهذا يعني في قراءة عتبات النصوص ما يلي:
_ التصاق الأجزاء بالكل التصاقا حميميا يشي باعتزاز المؤلف بمنجزه، واحتفائه بشعره ومحاولة التعزيز للذات الشاعرة، خاصة عندما ترد شاطئ التجربة الأولى للطباعة والنشر والتردد أمام مواجهة أمواجها المتلاطمة، وما يصاحب ذلك من نشوى كبرى لا تخفى مصاحبة لحفل التوقيع وتبريكات الأهل والأصدقاء.
_ أنّ اختيار العنوان كان بعد الانتهاء من كتابة النصوص التي ضمّها الديوان وهي السُّنَّة الأكثر شيوعا في التأليف.
والناظر في هذا العنوان يلاحظ أنه يضطلع - حسب وظائف العتبات التي صنّفها جيرار جينات - بوظيفتين بارزتين :
الأولى: الوظيفة الإغرائية، وهذه الوظيفة تستصحبها لفظة (عناق) التي تدخر طاقة من الحمم الأيروسية والرومانسية المتدفقة . كما أن بناء العنوان على تركيب إسنادي يُحذف فيه المسند إليه وتقديره : هذه نافذة من عناق أو ديواني نافذة من عناق يحمل دعوة مسكوتًا عنها للقراءة، وفي هذا من إغراء و استدراج القارئ مافيه.
_الثانية: الوظيفة الموضوعية حيث تشير كلمتا (نافذة وعناق) إلى جنس أو موضوع القصائد التي ستواجه قارئها في انتمائها لعوالم الرومانسية الحالمة والحب.
من حيث المضمون فإنّ نصوص الديوان تريد أن تكتمل، إنّها تطارد الفكرة وتحاول أن ترقِّشها بالجمال، وتأتي هذه المضامين أحيانا عاكسة لنضج الشاعر وثقافته وتجاوزه لمرحلة المحاكاة، وبأسلوب منعتق من حمولته التقليدية ممثلا لصوت الشاعر ذاته ومجرّدا من ذاكرته وما حفظته من نصوص سابقة هضمت في نص، بحيث يخفى الشاعر منابع الوحي ومصادر الإلهام، من نحو قوله :
أنا لحنٌ تمرّد من هزارٍ
أناشد مَن بقيثاري عزفتُ
وراءَ الغيب سبَّحَتِ المعاني
وطافت حول روحي حين طفتُ
بمحرابِ القصائدِ لي صفاءُ
الملائكةِ الكرامِ إذا اصطففتُ
أناجي الشعرَ من فردوس روحي
ومن نهر المحبةِ قد غرفتُ
لماذا كلّما استنطقت عقلي
أعانق من وإياه اختلفتُ؟
سماءُ النرجسيةِ ظلّلتني
فآخيتُ المعالي ما انعطفتُ
محمود في هذه الأبيات يغترف من نهر الحب الصافي الذي يجري في دمائه، ليسقي على ضفاف حروفه أماني الطفولة وأحلام الرعاة، غير أن (سماء النرجسية) أعاقت حركة المعنى وأرجعته قليلا إلى الوراء، لكن النرجسية من جهة أخرى هي فعل الإنتاج، ودافعية الإبداع الذي لا يستطيع أن ينكره الفنان في الغالب.
وهذا الصوت تسمعه في قوله :
هاتوا الربابةَ ياحداةُ
فعسى تسيِّرنا الجهاتُ
فلقد مللنا الصبرَ واغ
تالت سكينتَنا الفلاةُ
وأنا المضرّج بالخيا
لِ تضجّ حولي قافياتُ
وإذا قدحت الفكر في ال
أعماق ضاءت أمنياتُ
وكذلك في رثاء والده، وصوت الرثاء لدى محمود صوت مؤلم يحمل مضامين تفجعية موجعة :
هُدَّت بفقدك يا أبي الأركانُ
وتقرحت بمدامعي الأجفانُ
ما كنتُ أحسب أن أرى قمر الدجى
يوما تلفّ جماله الأكفانُ
هبني ربيعًا من فصولك لم أعد
أقوى على مافتّهُ الحرمانُ
في مثل هذه النصوص نقف أمام صوت خاص بالشاعر لايشتبه كثيرا بغيره، حيث يضبط محمود إيقاعه على مكوناته الثقافيه التي استوت في الذاكرة الزمنية ، وهي مكونات فطرية في عمر تجربته الشعرية تراود معظم الشعراء الحالمين عندما يطرقون أبواب قصائدهم الأولى، ويدْعون قرّاءهم للاقتراب من هواجس الحب والفخر وعوالم الحكمة والرومانسية، فيخرج نتاجهم وثيقا بحالة الإعلاء من شأن المجد الشعري، دون أن يلامس الواقع أو يستدعي مظاهر الحياة ويتعالق معها.
وهذا يعني أنّ فعل الكتابة مع تحقيقها للشرط الجمالي عند الشاعر يؤمن بنظرية (الفن للفن) ومداعبة الأحاسيس الجمالية دون أن يسجِّل موقفا خارجيا، يتماسّ مع الواقع والحياة أو يتعلق بالبنى الاجتماعية والفكرية.... ومن غير أن يتيح فرصة للقارئ في أن ينفتح على المضمر أو المسكوت عنه؛ لأن النصوص لاتحتوي على إشارات مرجعية خارجها.
وقد يأتي صوته أحيانا محمّلا بحمولة إيقاع من سَبَقَه في مثل قوله في نص (زرقة الأمواج) :
يا بحرُ منذ طفولتي...وأحدقُ
وبزرقة الأمواج فكري يغرقُ
أوحيتَ لي أن الحقيقة لم تزل
كالشمسِ في مرعى جمالكَ تشرقُ
قربتُ ذاتي من مياهك علَّها
تسقي ملوحة ما تجود وتنفقُ
فلاشك في أنّ محمودا يصدر عن مستعمرة الكبير الشاعر جاسم الصحيح في قصيدته (يابحر ياشيخ الرواة) وهو يدين كغيره من الشعراء لإبداع هذا الشاعر، وقد خصّه بقصيدة نونية جاء فيها:
ذابت بألحانكَ الولهى تلاحيني
كطعم سكّرةٍ في ثغر مفتونِ
وأخيرا فإذا كان الشاعر عادة يقاس بشعر الحب والغزل، إذ هو والرثاء مأتى الإبداع فإن محمودا قد أحسن في هذين الغرضين.
لقد جاءت نصوص الغزل روحية تعكس رؤية عميقة للشاعر في الجمال، حيث تشعر بأنك أمام نصوص نجوى وابتهال وتودد يتحنّن فيها الحبيب إلى محبوبه، لكي يعطفه عن صدوده ويثنيه عن تمنّعه:
هلاّ التفت إلى وراكْ
حدّق فإني في سماك
أنصت لنبرة صوتي ال
ولهى تحنّ إلى لقاك
مالي دعوت فلا تجيب
ولا تشاطرني رؤاك
إن شئتَ فامنحني الهوى
أو شئتَ فاسلبني قِراكْ
إني تخيرت البقا
( فاختر هواك على هواك)
هذه المقطوعة تدل على قدرة الشاعر على توظيف المقتبسات توظيفا بارعا، فقد استثمر نصٍّا للشاعر الكبير محمد الثبيتي في قصيدته (الظمأ) :
اختر هواك على هواك عساك أن
تلقى هناك إلى الطريق طريقا
كما شهد الديوان قصائد كثيرة تنتمي عروضيا للبحور الشعرية المجزوءة ما يدلّ على قدرة الشاعر على التكثيف والاختزال، وتسجيل لحظات وجدانية في مسافة أقل، محققًا شرط البلاغة في أن نعني أكثر مما نقول.
جديد الموقع
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية
- 2024-11-20 هم أنفسنا وأرواحنا
- 2024-11-20 ما متَّ يا وائلي
- 2024-11-20 سمو محافظ الأحساء يطّلع على إنجازات مطارات الدمام ومطار الأحساء الدولي
- 2024-11-20 في ختام جولة الجياد العربية بالرياض مربط دبي ينال لقب أفضل منتج ودي بركان يتوج أفضل الخيول الذكور للعام 2024
- 2024-11-19 سمو الأمير سعود بن طلال يطلع على استراتيجية جمعية البر بالأحساء