2024/03/23 | 0 | 1204
طبيعة السرد في قصص الأستاذ علي عساكر التي لم تنشر بعد
في زمن مضى فاجأني الأستاذ علي عساكر بإهدائه كتب كثيرة، من تأليفه، قرأتُ أغلبها فكونت لدي فكرة كبيرة عن مخزونه الفكري الكبير وعن قدرته الهائلة في الكتابة المؤثرة المفيدة، وكان من بين تلك الكتب قصص وروايات من تأليفه، ثم تبع كل ذلك بمقاطع مرئية تحوي ما تم تحويله من قصص كتبها وكتب حواراتها وكتب السيناريو الخاص بها، أيضاً هذه كونت لدي فكرة عامة عن أسلوبه ولغته في الكتابة السردية وعن أساس جوهرها وأهدافها التي يجتهد في إيصالها من خلالها. رأيت في هذا المقال القصير إبداء تلك الفكرة علها تكشف للقارئ ما يمكن أن يحفزه للاطلاع على منتج العساكر القصصي.
كتابة أستاذ علي السردية.. التي يكتب بها مجمل قصصه.. لم يعتمد في نسيجها على أسلوب متعالٍ يحتاج إلى تفكيك وتأويل، أو أسلوب تشكله الشعرية فيفيض بالنص شعوراً مضاعفاً مبالغاً، ولا على أسلوبٍ وصفي يعتمد على تصوير الحديث من شتى جوانبه فيضعنا في صورة بانوراميه مغرقة في الوصف، ولا على أسلوب خيالي مبالغ فيه ينحو بعقل القارئ إلى توسع ربما ينأى به قليلاً أو كثيراً عن بيئة ودائرة الحدث، بل يعتمد على أسلوب الحكي البسيط ذي الألفاظ السهلة غير المتكلفة، المؤطرة بالتشويق، والجذب، والتقرير، والتوضيح، والوقوف مع أو ضد فكرة ما.. وكل ذلك يشكله ثراؤه المعرفي الثقافي الجم، المتعدد الجوانب، المختلف المشارب، في الفكر والتاريخ والشئون الدينية والاجتماعية والتربوية والثقافة عامة.. والبحث في عوالمها العميقة.. الذي يحاول بمضامينها العالية أن يحملنا إلى منطقة الاستنارة والفائدة المباشرتين، وأعتقد أن هذا الفعل يأتي ضمن مشروعه التنويري التربوي العظيم، الذي يسير عليه بفاعلية تامة منسجمة.
ومن هنا هو ككاتب مبدع أصبحت لديه القدرة العالية والبراعة المدهشة على تسيير شخوص قصصه بكل فئاتهم المختلفة إلى هذا الهدف النبيل، يحركهم كدُمى كيف يشاء، ويجعلهم يتحدثون بما يشاء، بل ويجعلهم ينتهون إلى ما يشاء. ونجد هذا واضحاً تماماً في قصة (باسم) التي تحمل عنوان (جنون العاشقين) عاشق النعجة بجنون، القصة التي يختمها صديقه بوصم فعل باسم (بالفعل التفافه الحقير، وأن ليت أمثاله يتعلقون بالله سبحانه وتعالى وبالقيم الفاضلة والخلق الرفيعة، ليحظوا بالرضوان الإلهي الأكبر، وينالوا سعادة الدارين الدنيا والآخرة، وذلك أعظم الغايات، وأغلى الأماني).. وهكذا في بقية قصصه التي كتبها ومنها ما تم تحويله إلى عالم مرئي، رغم أننا نجد الأمر مختلفاً نوعاً ما، في روايته (دموع الياسمين ) التي ترك أحداثها تسير بلغة تشكلت بالمعطيات النفسية التي خطط لها، وحاول نوعاً ما أن يكون ككاتب سردي أدبي حقيقي بعيداً غير مرئي.
وانا هنا لست في مقام تشريح النصوص وتبيان ما لها وما عليها من سلبيات أو إيجابيات، بل في مقام تبيان طبيعة أسلوبه السردي الذي يستخدمه.. فقد جاءت طريقته فيها طريقة الحكي كما أشرت، أي ما يرويه السارد عن المسرود عنه بنحو لا يشوبه غموض أو تورية.. فقد خضع للمؤثرات المختلفة التي ينقل فيها موضوعه القصصي عن طريق الصورة الواقعية إلى الصورة اللغوية المبسطة المتواضعة التي يفهمها الكبير والصغير على حد سواء.. وهذا فن أعتقد أنه راق، تفاعلي، والكاتب الحاذق يستخدم فيه الكلمات والأفعال بطريقة سهلة فعالة تكشف عن عناصر وصور النص الأدبي، قادر تماماً على تحفيز وعي القارئ أو المتلقي وإثارته بل والتأثير عليه، ثم دفعه إلى الهدف المنشود من وراء النص، والخروج منه بحصيلة واضحة تبنيه في حياته وتشد قوامه الديني والاجتماعي، وهو ضرب من ضروب الفن التعبيري الذي لعب به كتاب سرد آخرون متقدمون، أمثال (بنت الهدى، وخوله الغزويني، وغيرهما)، وهو الذي يقوم على تفاعل يشكله الثنائي الاتجاه بين السارد والمسرود له، وذلك عبر العلقة المباشرة المحكمة بين الجانبين.
وأود التأكيد على أن لغة نصوص الأستاذ السردية، التي استخدمها في كتابتها، لم تركز على كيفية بناء المسرود، بل ركزت على مادته، بمعنى أن الفهم فيها هو المعتمد في المبنى السردي، بصرف النظر عن شروطه وأدواته. ولا أقول أنه لا يهتم أو نصوصه تخلو من الفنية الأدبية وعناصرها، بل أن محاولاته بها لم تركز عليها تمام التركيز، لأهداف الفهم ونقل الفكرة إلى المتلقي دون عناء وجهد عقلي.. وهذا الذي بدى واضحاً ولا سيما في قصته المعنونة بـ( أريد زوجة لي ) الذ يسعى فيها إلى البحث عن زوجة متزوجة للزواج منها، إذ كيف يكون ذلك؟.. فيقول بوضوح فيما معناه (لا شيء مستحيل في الحياة مادام الإنسان يسعى إلى ذلك).. ومن هنا أصبح تحديد طريقة سير الأحداث تتضمن شرح الأمور التي ستحدث في النص، وتحديد إطاره يتضمن موضوع تلك الأحداث ومكان وقوعها، وعليه تم تحديد الشخصيات الرئيسة والهامشية في النص، وماهية مظهرها، وتحديد البُنية عن طريق تحديد كيفية البدء بالنص، كما سعى في تحديد المشكلة التي ستُطرح بالطريقة التي هو يراها مناسبة، بل وعمل على طريقة حل تلك المشكلة من خلال الإخبار عن أحداث معينة باستخدام الأدوات اللغوية وأهمه الحوار وغيره، كما يتجلى في السرد في اللغة المكتوبة واللغة المتحدثة، بل قد يكون بالحركات والإيماءات، ولهذا کان الحوار من أهم الوسائل التي يعتمد عليها الکاتب الأستاذ عساكر في إضاءة الجوانب المتعددة لشخصيات قصصه، فجاء الحوار بهدف التعريف بالشخصية القصصية، وتقديم المعلومات اللازمة عنها، وبيان علاقتها بغيرها، وكشف ما هي عليه وما تريد، وأتصور أن قصتاه (الحب لا يكفي) و (بيت الزجاج) اللتان تحولتا إلى سيناريو وحوار، تكشفان حقيقة هذا القول.
ومن ضمن العناصر التي أعتمد عليها في أسلوب قصصه إجمالاً، خاصية الإثارة، عمل عليها من حيث بداية القصة حتى نهايتها. أيضاً هذا يتضح في قصة المعونة بـ( أريد زوجة لي )، حيث شخَّصَ منذ البدء المشكلة وهي (أريد زوجة متزوجة) فوضع القارئ في حيرة وذهول وصدمة تجاه البطل، بل وصل بالشخوص الثانوية في القصة إلى دائرة الشك ودعوته بالمجنون أو المريض غير الواعي لما يقول.. ولم يتوقف عند عنصر الإثارة هذا فحسب، بل عمل إلى جانبه على عنصر آخر هو التشويق، حيث أجل ما يود الإفصاح عنه إلى أجل طويل قاد فيه القارئ من أول النص حتى ألتهم أغلبه، وقد تحقق له ذلك في ما طرحه ليبث المتعة والاستئناس والاستمتاع بالقراءة ولما تطرحه القصة، وهذا يعبر عن تنوع وتفرع وتعدد بالمواقف والحوارات والشخصيات والأحداث والمفاجئات التي لا يتوقعها القارئ إنما يجيدها الكاتب، وكل هذا من أجل أن لا تكون القصة مملة، أو ليست مرنة، أو سلسة، أو غير متفاعَل معها عقل القارئ، جاءت في حبكةٍ لموضوع متماسك بالأحداث الكثيرة، المتشابكة، المتسلسلة، المنسجمة، والمتلائمة.. ليس فيها شتات، بل اندماج وتأقلم من حيث البداية الممهدة لظهور ما يليها، إلى النهاية التي يعطي الجواب النهائي لكل المجريات التي تضمنتها القصة منذ البداية.
نافلة القول أن نصوص أستاذنا علي عساكر، رغم بساطة أسلوبها وتواضع ألفاظها، يطول ويطول الحديث عنها للعمق الذي تكتنفه وللثراء والمضمون الذي تحويه، بل حق لها أن يقف كاتب أدبي بارع على ما فيها من فن خفي. ومن هنا أود أن أشد على يده بأن يستمر في الكتابة السردية خاصة، بل وينشرها أسوة بكتاباته الأخرى، نازعاً من قلبه الحياء وعن نفسه التواضع المبالغين.
هذا وبالله التوفيق.
جديد الموقع
- 2024-12-04 ذاكرة التفاصيل لا يكتمل بلوغها إلا في سن المراهقة عند الأطفال
- 2024-12-04 حياتنا
- 2024-12-04 *جهود مميزة لمؤسسة رعاية الفتيات بالأحساء في تطوير الفتيات الأحداث*
- 2024-12-04 أمير الشرقية يكرم داعمي جمعية "إيثار"
- 2024-12-04 يضاف للكليه التقنيه الرقميه للبنات بالأحساء
- 2024-12-04 سمو محافظ الأحساء يتوج فريق شرطة المحافظة بطلاً لبطولة القطاعات الحكومية تحت شعار وطن بلا مخدرات
- 2024-12-04 النيابة العامة: إيقاف مواطن بتهمة الاحتيال المالي والاستيلاء على أموال بلغت قيمتها (69) مليون ريال وعدد من العقارات
- 2024-12-03 عوامل احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية الحادة
- 2024-12-03 اتحاد الغرف الخليجية يشيد بالمخرجات الاقتصادية لقمة الكويت ويعلن دعمه للتعاون المشترك
- 2024-12-03 برعاية سمو أمير المنطقة الشرقية سمو محافظ الأحساء يفتتح المؤتمر الدولي الثاني للجمعية الطبية البيطرية بجامعة الملك فيصل بالاحساء