قراءة في كتاب (مزاج الكتابة، الكتابةمفهوما، ومزالق، ومقومات)

 • الكتاب من خلال العنوان:

هذا الكتاب للأستاذ جاسم المشرف، صدر مؤخراً، فمن خلال عنوانه، يبدو مزيجًا بين استكشاف فلسفة الكتابة ومفاهيمها الأساسية، مع تسليط الضوء على تحدياتها ومقومات نجاحها. العنوان يوحي بتناول عميق وشامل، يجمع بين الجوانب النظرية والعملية للإبداع الكتابي.

ولاشك، فهذا ما تثبته، كثرة العناوين الفرعية التي تشير إلى تنوع موضوعات الكتاب وتوزيعها بشكل منظم، مما يعزز من فرص القارئ في التفاعل مع النص وفهمه بشكل أعمق. هذه الطريقة تجعل الكتاب يبدو مغريًا للقارئ، حيث تتيح له التنقل بين الأفكار بسهولة واكتشاف تفاصيل متنوعة عن الكتابة وأبعادها. بالإضافة إلى ذلك، تمنح العناوين الفرعية القارئ إحساسًا بالترتيب والتوجيه، مما يعزز من متعة القراءة ويسهم في استيعاب المفاهيم بشكل تدريجي وفعال.

 • نص (الاستهلال):

النص يعكس تجربة ناضجة ونقداً واعياً للمشهد الثقافي الحالي، خاصة في ما يتعلق بمسألة التسرع في النشر دون نضج أو إتقان.
الكاتب يطرح قضية حساسة بجرأة ويُظهر اهتماماً كبيراً بتأسيس معايير متينة للكتابة، مع التأكيد على أهمية التوجيه والمراجعة.

النص يعكس التزامًا واضحًا بقيمة الكتابة وحرصًا على تقديمها في أبهى صورها، فهو يجمع بين التشجيع البنّاء والنقد الهادف. ويسعى لإثراء المشهد الثقافي لا تشويهه، كما في قوله:(ما إن يستلم أصحابها النسخة الأولية للتصويبات والملاحظات... إلا وتتفتح آفاقهم لوقار الكتابة وقيمتها، وأهمية التسلح بمقوماتها).

هذا المثال يبرز الروح الإيجابية في النص، حيث يشجع على التطوير والتحسين دون إلغاء للجهود الناشئة. إنه دعوة صادقة للاهتمام بجودة الكتابة مع تقديم الدعم اللازم للمبتدئين ليشقوا طريقهم بثقة ونضج.

• تحت عنوان: ماهي الكتابة:
التمهيد:

نص التمهيد المدعم بالآيات القرآنيه، يعكس رؤية شاملة وعميقة حول مفهوم الكتابة، جامعًا بين البعد اللغوي، التاريخي، والديني، ومبرزًا ثراء اللغة العربية وقدرتها على التعبير بدقة عن معاني متعددة. كما يقدم النص سياقًا تأصيليًا غنيًا، يستعرض أصول الكلمة وتطور استخدامها بأسلوب أكاديمي.

كما أن النص يتميز بإبراز ثراء اللغة العربية وتفوقها في الاشتقاق، مما يبرز جمالها وقدرتها التعبيرية. مثال على ذلك:

(ولغتنا العربية اشتقاقية، فيها من الثراء ما لا تجده في غيرها، ومثال ذلك:
يكتب <= Write،
کتاب <= Book،
مكتب <= Office،
مكتبة <= Library،
لا تجد ثمة ترابط بين هذه المسميات بالإنجليزية بينما واضح لديك المصدر الذي اشتقت منه هذه المسميات وغيرها بالعربية).

وهذا المقطع يعكس إيجابية عميقة تجاه اللغة العربية، ويوضح تفردها بقدرتها على توليد كلمات مترابطة من جذور مشتركة، مما يعزز تقدير القارئ للغته الأم ويؤكد على قيمتها الثقافية والمعرفية.

• النص المعنون بـ: فيما نكتب؟:

نص يتميز بتسليط الضوء على القيمة الإنسانية العميقة للكتابة كوسيلة للتعبير والمشاركة والبقاء. الإيجابية واضحة في إبراز دور الكتابة في نقل التجارب والعلوم، وفي كونها وسيلة للتنفيس والتواصل مع الذات والآخرين.

مثال على ذلك:

(وقد يخاطب كاتب من القرون الغابرة آخر في زمننا المعاصر وكأنه معه، فأي متعة تفوق هذا الشعور؟).

هذا المقطع يعكس جمال الكتابة كجسر يتجاوز الزمان والمكان، ويظهر قدرتها على خلق حوار مستمر بين الأجيال، مما يبرز قيمة الإبداع المكتوب كإرث إنساني خالد.

كما أنه نص يعكس جوانب إيجابية غنية من خلال تسليط الضوء على قيمة الكتابة كوسيلة متعددة الأبعاد للتعبير والتفكير والإبداع. الإيجابية تتجلى في تناولها للكتابة كعملية تنقيب في (مناجم الذهب)، حيث تشجع الكاتب على استخراج أفكاره وتنقيتها وصقلها، كما ورد في النص:

(استقطع ما يمكنك من منجم فكرك والحياة وأخرجه، ثم قم بتنقيته من الشوائب وصقله، ثم انشره).

هذا التصوير الإبداعي يجعل من الكتابة نشاطًا مثمرًا وممتعًا، يعزز من قيمة الأفكار ويحفز الإبداع، مما يضفي على النص روحًا ملهمة وداعمة.

وهكذا، يبق الكتاب يدهشك في كل نص من النصوص اللاحقة، فهو انعكاس لعالم غني من الفكر والإبداع، حيث تتشابك الأفكار لتكوّن فسيفساء مدهشة من المعاني والرؤى.

الأستاذ جاسم بلاشك، يصوغ الكلمات كما يصوغ الصائغ أجمل الجواهر، ويجمع بين الدقة والابتكار ليكشف عن آفاق جديدة للكتابة. في كل حرف، ينبض شغف عميق بالحياة والفكر، وفي كل جملة، دعوة ملهمة للتأمل والإبداع.

لذا نحن نتتبع رحلته المذهلة مع الكتابة، لأنه لا يكتب فقط نصوصًا، بل يبني عوالم تنبض بالحياة، ويدعو قارئها إلى الغوص في أعماق الجمال والإنسانية.