2023/03/09 | 0 | 1214
شاعر القضايا الصغيرة والنشوة والأرق الخفيف.
اليمامة
عندما تقرأ ترجمة الشاعر غسان الخنيزي للشاعر الأمريكي جون آشبري تعرف القوة الكامنة عند غسان، تدرك بشكل عميق ما هي الحرفية ومعنى العمل الدؤوب. تتساءل: أي جَلَد يمتلكه غسان الخنيزي؟ وما هو الشعر بالنسبة إليه؟
ثمة ارتباط روحي عميق بين غسان وبين جون آشبري، فكأنما وجد غسان أنّ آشبري هو المكمل له وهو توأمه في الكتابة. حين تقرأ قصائد غسان الخنيزي تدرك أنّه نادر ولا يتشابه مع محيطه، لفرادته أو ربما لغرابته، فهو المتصوف بالمكان العارف بالحياة العارف بشقيقة روحه: شادية. يكتب غسان عن شادية في مجموعة اختبار الحاسة :( لا أميّز بين حاجتي لماء الحياة ورحيقها الماثل أمامي وبين نداءٍ أكثرَ عمقاً ، أصيخ السمع إليه الآن فإذا هو قد صار ضاجاً وصاخباً) غسان الشارد بعيداً، المخطوف عمّا حوله مأخوذاً بما يجري في القصي من الأماكن، في الصخر والشجر وفي الأرق الخفيف والترنيمة والنشوة: (وباكتراثٍ أقل/ أستقبل الأسرار التي في الصخور والنباتات/ وتلك المكنونة في زبد الموجة التي اعتليت/ عندما أخذتُ الهواء بملء الصدر/ عندما سقطت الثمرةُ أسفل الشجرة...) مجموعة اختبار الحاسة ص 59.
رجع غسان الخنيزي إلى 27 مجموعة شعرية للشاعر الأمريكي جون آشبري، وانتخب منها مختارات تتضمن 63 قصيدة من 18 ديوانًا بدءاً من ديوان “بعض الأشجار” 1965م، حتى آخر دواوين أشبري “شغب الطيور” 2016م، ومن نحو 3 آلاف صفحة، استخلص لنا الخنيزي 200 صفحة واختار لها عنوان “صورة ذاتية في مرآة محدبة وقصائد أخرى” صدرت عن دار روايات 2019. نعيد التساؤل مرة أخرى: أي جَلَد يمتلكه غسان الخنيزي، وما هو الشعر بالنسبة إليه؟ ليس من الضروري أن نعرف الإجابة على الأسئلة السابقة! أو ربما تودّ أن تعرف عن تجربة غسان الفريدة والصعبة! هي مسألة من الحيرة والشك وكل ذلك يضعك في التحدي إن كنتَ عنيدًا. كتاب “صورة ذاتية في مرآة محدبة” يلفت انتباهك إلى أنّ عليك أن تفهم النص بطريقتك، تقرأ وتتململ، تشعر بالأسى أو الخطأ في اختيارك هذا الكتاب لتقرأه. تتساءل ما الذي يجعله يختار آشبري تلك الوعورة حيث تقودك قراءة ترجمة جون آشبري إلى الإحباط والتململ وربما التوقف فوراً. إن كنت كذلك فإن هذا الشعور ليس خاصاً بك وحدك.
نشرت مجلة “قناص qannaass.com” مقالة للناقدة الأمريكية ميغان أوروك بعنوان: (كتيب التعليمات: كيف تقرأ جون آشبري) ترجمة زاهر السالمي. من المقال نقرأ: ((كانت غاية آشبري إنتاج شعر لا يستطيع حتى النقّاد التحدث عنه، وقد نجح معه الأمر، إنه لمن الصعب التحدث عن شعر آشْبيري بشكل راسخ وصلب، لأن حقله، في الأغلب، هو الوعي الجمالي - يطلق عليه آشْبيري “تجربة التجربة”)) واصفة شعره بأنه: “أشبه بترانزستور الراديو (radio transistor)، يظل مصفاة لغوية تَعْبر خلالها العديد من الأصوات المختلفة، الأصناف الأدبية، الآثار المتطفلة، بحيث تكون القصيدة مثل صوت تسمعه إذا ما أدرتَ قرصَ الراديو عبر موجات FM/AM، دون توقف طويل عند برنامج محدد”. أحيانا –كما يمكنك أن تتخيل- يكون هذا)). كذلك الأمر عند غسان في مجموعتيه “أوهام صغيرة واختبار الحاسة” نجد أن النص عند غسان الخنيزي لا يمكن اقتطاعه أو تجزئته، فهو لا يكتب المعنى المعتاد والمتكرر عند بقية الشعراء، ولا تجد في شعره العاطفة المشبوبة المتقدة التي تسلّمك معناها منذ القراءة الأولى، لن تعثر على المعنى إلا حين تعود إليها مرة بعد مرة متأملاً عميقاً. يرى غسان الشعرَ في هواء يعبر بين الأصابع “وجَلَبَةٌ عظيمةٌ لهواءٍ يعبر بين الأصابع” ص 36 أو في تفصيل صغير في الطبيعة (الجرفُ، حيث رمينا المناديلَ/ وقفنا عليه نشهد فعلَ الجاذبية/ ثم إننا أحببنا – بل عشقنا ما رأينا/ رأينا الروحَ الخفيفة تسابق المناديل) ص 33
تعثَر في النص على جملة غير مكتملة، لكنها قد تكتمل في نص آخر داخل المجموعة، فالبناء الفني لقصيدة غسان هو بناء ذاتي، وتجربة تتطلب معرفة خاصة بالحب والموسيقى والمعمار والحنين والتذكّر. غسان يكتب الترنيمة والنشوة العابرة والنوم الخفيف. اللحظة التي يكون فيها الإنسان في حالة نُعاس وخدر والنوم الخفيف وفي اللمحة الخاطفة، بل الأكثر انخطافاً، أو كما يصف حياته في مجموعة “أوهام صغيرة” في نص روح شاردة (وعرفتُ كم هي خاطفة وتلمح لمحاً، حياتي). ربما لا تجد في النص جملاً ليست مترابطة، حسناً أنها ليست مترابطة إن كنت تبحث عن صورتك داخل النص، أو كنت محملاً بفكرة سابقة عما يجب أن تكون القصيدة، أو كنتَ مشغولاً بما هي وظيفة الشعر؟
الخنيزي صدرت له مجموعتان فقط: أوهام صغيرة دار الجديد 1995– اختبار الحاسة أو مجمل السرد عام دار مسعى 2014. وترجمة جون آشبري وترجمة (إنقاذ القطة) من إصدارات مهرجان أفلام السعودية 2019. بين المجموعتين حوالي 20 عاماً ورغم ذلك فقد تم اختياره في العام 2021 لجائزة لجنة التحكيم في (جائزة الشاعر سركون بولص للشعر وترجمته). واصفين إياه بأنه: (شاعر القضايا الصغيرة، تفاصيل العالم الجواني، جالس على الحافّة، يشدّه الابتهال، وربما أمكننا أن نقول، أن القصيدة حسبه، هي صلاة، دعاء أو اعتراف، ولكأننا به يتقمّص صوتَ وروحَ الناعي القديم الذي يطوف الأنحاء، لكنه هنا، هو الناعي الهامس، الذي يهجسُ محدّثاً نفسه ومشيراً بيديه، متلمّساً المُعاش بحنوٍ رائع).
جديد الموقع
- 2024-05-05 شَبَه الكتابة بالرسم
- 2024-05-05 ما بعد الوظيفة (1).
- 2024-05-05 ابن الأحساء الحبيبة الفلاح الفصيح
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام