2021/10/15 | 0 | 1510
دراسة تحليلية لكتب فلسفية سعودية حديثة
إعداد د. سليمان جازع الشمري أستاذ الإعلام
إهداء
إلى كل الذين يحلمون بالسعادة
تقديم
لايخفى على الكثير أن المجتمع السعودي مع رؤية 2030 يختلف عما قبله وبالخصوص فيما يتعلق بأفق التفلسف المعاصر حيث أن العملية لم تكن بين عشية وضحاها في أي مجتمع من المجتمعات إذ نرصد الطابع التراكمي هو ما يكفل نمو المعرفة وتشظيها وتطورها بما في ذلك المجتمع السعودي الذي منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة في زمن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه ووضعه اللبنات الأساسية لنهضة هذا الوطن المعطاء , ومنذ ولادة الدولة توحد المجتمع السعودي تحت ظل هذه المسيرة ورافقها نمو في الفكر والأدب بدأ مع رعيله الأول من محمد حسن العواد وعبدالله القصيمي وحمزة شحاته وما أكمله الجيل اللاحق من دراسات ثقافية وأدبية كانت بمثابة صيرورة ممهدة للإشتغالات موضوعة الدراسة التي وضعها مؤلف هذا الكتاب "دراسة تحليلية لكتب فلسفية سعودية حديثة" المفكر الدكتور سليمان الشمري أستاذ الإعلام وهي دراسة ترصد تلك التحولات الفكرية من حقل الإشتغالات الأدبية والثقافية إلى حقل جديد ألا وهو الفلسفة وهي دراسة تشتبك مع الفلسفة الفينومينولجية التحليلية كما يصفها المؤلف لأربعة من المشتغلين بالفكر الفلسفي والمشتبكين به الدكتور عبدالله الغذامي أحد أبرز ممثلي الخطاب الحداثي النقدي في حقبة الثمانينات وهو يذكرنا بالفيلسوف رولان بارت وتجاوزه البنيوية وتمرده عليها فها هو الغذامي يتجاوز أطاريحه السابقة التي من أبرزها النقد الثقافي والثقافة التلفزيونية وهو وأقرانه كانوا متشبعين بالأطاريح الفلسفية ويسربونها داخل رؤاهم النقدية لكن هذه المرة يدخل لصلب النقاشات الفلسفية عبر كتابه "العقل المؤمن والعقل الملحد" وحتى آخر اشتغالاته "مآلات الفلسفة من الفلسفة إلى النظرية" وشايع الوقيان الذي يعتبر من أوائل المفكرين السعودين الذي أصدروا نتاجا مكرسا للفلسفة توّجه بأطروحته الأخيرة "الوجود والوعي استئناف الفينومنولوجيا" والدكتور عبدالله المطيري عبر أطروحته "فلسفة الآخرية" والمفكر حمد الراشد عبر أطروحته "فلسفة الأخلاق".
أخضع المؤلف الأطاريح الأربعة لمعيار يتسم بشيء من الصرامة ضمن منهج العينة في البحث مشبعا بالخبرة الأكاديمية في حقل الاتصال والإعلام والدراسات الأدبية مضافا إلى فلسفة الإحساس بالجمال لدى الفيلسوف الإسباني جورج سنتيانا في فلسفة الإحساس بالجمال وضع هذه الأطاريح ضمن أسئلة معيارية كالتالي:
- مدى استيعاب مناقشة قضية الوجود.
- تناول الميتافيزيقا أو الفلسفة الأولى في أطاريحهم.
- سيكولوجية الكتابة والبحث.
- الأطاريح من الناحية الشكلية والفنية والطريقة الإجرائية في التناول.
- مبحث الوعي.
- حضور البعد الأخلاقي في الأطروحة.
- حضور العلم وفلسفته.
- حضور الحدس.
رغم المنهج الذي اتبعه المؤلف واجرائيته، إلا أنه لم يعدم أن يتفلسف مع أصحاب الأطاريح عبر ما أسميه "كينونة التفهم"، وعبر هذه المجسات التي طرحها يرصد مقدار التجديد والإبداع في هذه الأطاريح الأربعة حيث أنها تزامنت في حقبة زمنية واحدة تقريبا فقد تزامن صدورها بين 2020م و2021م وهو رصد مهم للمتغيرات الفكرية التي تحدث وتفعل مفاعيلها في الساحة السعودية والخليجية ومن خلال تسلسل المباحث في هذا الكتاب نجد أن المؤلف تناول التالي:
-أطروحة العقل المؤمن والملحد عند عبدالله الغذامي/البحث في وجود الخالق بين المؤمنين والمنكرين.
- أطروحة الوجود والوعي عند شايع الوقيان.
- أطروحة فلسفة الآخرية عند عبدالله المطيري.
- أطروحة فلسفة الأخلاق عند حمد الراشد.
والملاحظ:
1- في طريقة تسلسل المباحث وتدرجها كما تناولها المؤلف أنه بدأ بمبحث الفلسفة الأولى الذي يمثله الغذامي في أطروحته المعاصرة لهذا المبحث المهم وهو كما أرى لم يتعمد طرح هذه الإشكالية لو لم تكن موجودة والعبور لها لم يكن يسيرا من دون سردية الكوجيتو الخاص بعبدالله الغذامي الذي أخذ منه مأخذا يمتد لأكثر من أربعين عاما وهو تمهيد لاشتباكات أكثر مع الفلسفة لكن في تصوري أن الغذامي أحب يتوضأ بماء الوجود وماهيته لكي يسترسل الحفر العميق في الفلسفة واشكالياتها في المجتمع السعودي المعاصر، مع مراعاة أن حقل فلسفة الدين الذي تبلور غربيا مع هيجل وشلاير ماخر، وما تفرع عنه من حقل الاجتماع الديني وحتى أطروحات فيلسوف الأديان مارسيا إلياد إلى الأطروحة الحوارية التي خاض غمارها فلاسفة الغرب عبر ممثليهم البارزين : يورغن هابرماس، جوديث باتلر،كورنيل ويست،تشالرز تايلر في "قوة الدين في المجال العام"، وحتى أطروحة "تاريخ الشك" للفيلسوفة الأمريكية جينيفر هيكيت سلطت كل هذه الأطاريح وغيرها الضوء على مختلف أنماط التدين الروحي الغربي وقاربتها بأطاريح مقارنة في التدين الشرقي إذا علمنا أن الفلسفة الغربية في جانبيها السلبي والإيجابي إزاء مسألة اللاهوت قائمة على مركزية النص الديني اليهودي والمسيحي كما أن الفلسفة العربية والإسلامية قائمة على مركزية النص القرآني بالتالي هناك ضرورة لمقاربة هذه السياقات واشكالياتها العميقة فيما يتعلق بهذا المبحث وهنا لفتة ذكية من قبل المفكر الشمري تجدر الإشارة إليها في مؤلفات الغذامي بأنها جميعا تبدأ بالبسملة مايدل على عفوية التدين عنده وعمقه الذي قاده للدخول في مباحث الفلسفة من أوسع أبوابها.
2- الإنغلاقات العميقة التي مرت بها الفلسفة المعاصرة إزاء التطور التقني ونمو الحقول الدقيقة المختلفة جعل الفلسفة تراهن أكثر على اللغة عبر "المنعطف اللغوي التأملي" الذي تجترحه أطروحه شايع الوقيان وهو قد تجاوز به الإشتغالات السابقة التي قدمها في"الفلسفة بين الفن والأديولوجيا" و"قراءات في الخطاب الفلسفي" وقد كان موسوعيا متمكنا من الطرح والتحليل في حقل الفينومينولوجيا وما يمكن أن تضيفه فلسفة اللغة في مباحث الوعي والحدس المقولي والحسي وهو يجمع بين تقليدين فلسفيين راسخين الفلسفة التحليلية والفلسفة القارية والوقيان كما أشار مؤلف الكتاب يمتلك تراكما معرفيا مكنه من السيطرة على زمام الموضوعات التي ناقشتها أطروحة "الوجود والوعي" حيث بحث في الذات ووعيها من خلال الفكرة المركزية التي قدمها هوسرل في الدرس الفينومينولوجي بأن الوعي هو وعيٌ بشيء ما ودور القصدية في توجيه هذا الوعي مفضيا بذلك إلى ادخال اللغة كوسيط مهم في الفينومينولجيا وفلسفة الإختلاف مع استدراك بأن الوقيان قد سبق أن قدم ورقة فلسفية حول "البرهان الفينومينولوجي على وجود الله" لكنه لم يضمنها في كتابه الأخيرونتمنى أن يضمنها في طبعات قادمة من الكتاب.
3- أطروحة "فلسفة الآخرية" لعبدالله المطيري هي أطروحة تنتمي للتقاليد الفينومينولجية وإن أشبعها في نهاية الكتاب الكبير الحجم 436 صفحة بمصادر أجنبية وبعض المصادر العربية فطبيعة الطرح الفينومينولوجي كما قدمه موريس ميرلوبونتي بأنه يتجه للأشياء كما هي بعيدا عن تاريخيتها أو معلقا الحكم حولها رادا لها على الواقع المعاش وعلاقتنا به وإن كانت تنحو منحى مختلفا عن أطروحة الوقيان في "الوجود والوعي" إلا أنهما تلتقيان في مدار الفينومينولجيا واجتراح آفاق فلسفية لها لأننا شئنا أم أبينا ذلك فإن هذا العصر هو عصر فينومينولوجي بامتياز بدأ الدرس الأول مع ديكارت واستئنفه كانط وهيجل لكن المؤسس الفعلي للفينومينولجيا هو هوسرل وقد وضع القواعد المنهجية الصارمة لهذا الحقل الفلسفي الأصيل وإن وقع هوسرل في رده الفينومينولجي على الواقع إلى نزعة ترانسدنتالية إلا أنه استدرك الإشكالية بأطروحة الواقع المعيش في "أزمة العلوم الإنسانية والفينومينولجيا المتعالية" تم استرسال الدراسات الفينومينولجية عبر تلاميذه من الألمان والفرنسيين هايدجر في "الكينونة والزمان" وغادامير في التأويل الجمالي والهرمينوطيقا الفينومينولجية عند ريكور حتى امتدت للدراسات الأدبية والتلقي عند ياوس وآيزر وانغاردن ولم تنتهي عند حدود دراسة الدماغ والأعصاب بالتالي من المهم جدا معرفة أين تتموضع أطروحة الآخرية ضمن الأطاريح العديدة المقدمة هي تدور في فلك فيلسوفين أدخلا الفينومينولجيا للحقل الفرنسي هما سارتر وليفيناس والثاني ساهم في معرفة الفينومينولجيا فرنسيا أرشدت سارتر ليعيد تشكيل وعيه الفلسفي ويتوصل كما توصل الآخرون لمفهوم الوعي بأنه وعيٌ بشيء ما عبر "تعالي الأنا موجود" و"التخيل" وحتى أطروحته التأسيسية "الوجود والعدم" وهو طبقها بشكل أكثر وضوحا في إبداعاته الروائية والمسرحية لينقل عنه هذا التصور للآخر "الآخرون هم الجحيم"، أما ليفيناس فهو كما يشير إليه الفيلسوف التأويلي جان جرايش في "الكوجيتو التأويلي" بأنه الرجل الثاني بعد هوسرل في الفينومينولجيا، ومن هنا سنلمح الإضافات الأصيلة التي تقدمها أطروحة المطيري التي تحمل نزوعا أخلاقيا لفهم الآخر عبر بهجة الضيافة حيث سنلحض أن المطيري يدخل الأنثربولوجيا التي قدمتها مدرسة الحوليات الفرنسية عبر مارسيل موس في مسألة الضيافة مع لمسات أصيلة من صميم المجتمعات العربية والمجتمع السعودي على وجه الخصوص فالضيافة هو ثيمة أساسية نستطيع أن نلمح الفلسفة عبر الأنثربولوجيا تتنقل من خلاله وهنا مكمن القوة في أطروحة عبدالله المطيري أن يصنع حوارية بين فيلسوفين مختلفين في تصورهما للآخر سارتر وليفيناس الذين تجمعهما مدرسة الفينومينولجيا العريقة ومدرسة الأنثربولوجيا التي سيجعلها وسيطا بينهما عبر ثيمة الضيافة وبهجتها مع استدراك بأن الحوارية الفلسفية التي آخذ عليها مؤلف الكتاب الشمري هي ليست على غرار الاستدراك الذي أوخذت عليه مدرسة التحليل النفسي الفرويدي بأنها لا تقتبس إلا من بعضها وترفض الحوار والاشتباك مع حقل الفلسفة هذه الحالة في حقل التحليل النفسي تختلف عنها حالة الحوارية ما بين شايع الوقيان وعبدالله المطيري لأنها فلسفية بالدرجة الأولى ومضطرة أن تراجع المفاهيم والتصورات ولبوساتها عبر عصورها المختلفة بالتالي لا تنطبق عليها صفة الانغلاق كما حدث مع فرويد وتلامذته في التحليل النفسي.
4- أخيرا سيختتم الكتاب بآخر مبحث في الفلسفة ألا وهو فلسفة الأخلاق وهو ليس تدرجا عشوائيا بالنسبة لمؤلف الكتاب لأن كل الفلسفات في نهاية المطاف تسعى لأن تكون فلسفة أخلاقية فالأخلاق أشمل الفلسفات ولا تكتمل بدونها ونلمح ذلك خصوصا عند أصحاب الأنساق الفلسفية الكبرى كانط على سبيل المثال لم يستطع أن يقدم فلسفته الأخلاقية والعملية إلا بعد أن أنجز متنه العقل المحض، الأخلاق هي ثمرة المعرفة ونتيجتها أيضا.
5- أطروحة المؤلف الشمري ليست مجرد إضاءة لكتب فلسفية ضوعت المشهد السعودي والخليجي إنما هي أيضا رصد دقيق لمسارات التطور الفكري الفلسفي في المجتمع المحلي ومدى تفاعله مع الفلسفة بدون أن تتوارى داخل العلوم النظرية والإنسانية عبر مجسة الحس الجمالي والأخلاقي في تلك الأطروحات حيث يرصد نقاط التوافق والالتقاء لدى المؤلفين الأربعة الذين تناولهم بالتحليل حيث وجد في نبض الأطاريح حسا أخلاقيا عاليا متجاوزا ثنائيات الخير والشر حيث أسماهم "الأرواح المسالمة " ووجد أن أسباب التوافق الكبير بينهم في الأسباب التالية:
- حضور الحس الديني الذي شكل القاعدة الرئيسية لمنطلقات اشتغالاتهم حتى ولو لم يكن بشكل مباشر.
- شغفهم بالفلسفة وانهمامهم بها وراهنيتها في المجتمعات التي تنشد التنوير ضدا لفلسفات شابتها عدة هنات أخلاقية لدى روسو وشوبنهاور ونيتشه وراسل وفتغنشتاين وهايدغر وسارتر وفوكو رغم السلبيات التي لابست الفلاسفة المذكورين كما يقول الشمري "لم تؤثر على مؤلفي الكتب الأربعة الخاضعة للدراسة".
6- هناك استدراكات عديدة ذكرها مؤلف الكتاب للكتب موضوعة الدراسة من الممكن الإستفادة منها لتوسيع الحوارية الفلسفية وكما نعلم بأن الفلسفة دأبها أن تولد الإشكاليات وتحاول البحث عن أجوبة لكن يخلص المؤلف بأن قاسمهم المشترك الأكبر هو البعد الأخلاقي مع تأكيده على المباحث التي حددها كانط الله الخلود والإرادة بأنها لم تُشبع من قبل المؤلفين موضوع الدراسة ولكنه ضمن كينونة التفهم يؤكد بوجودها لديهم.
7- الحوارية مهمة لكل أطروحة فلسفية ولاتتطور إلا من خلالها.
8- ليس غريبا على الشمري أن يتفلسف مع الأطاريح التي تناولها وأن يقدم تصوره الخاص عن الفلسفة كما يقول "التحليل والنقد والرفع من قيمة العقل والوعي، الفلسفة مناقشة لمفاهيم على أرض الواقع" هذا في ختام الكتاب ولكن في مقدمته يشير بأن الفلسفة لها تطبيقات عديدة "منها السهل الذي يمكن فهمه وقياسه وتطويره ومنها الصعب الذي تعكسه مجموعة من الأسئلة أطلق عليها الأسئلة الكبرى" وأن الأفكار لها سيرورتها على الأجساد وتبقى حتى بعد زوال الجسد وهو يرى أطروحة الوصل في الفلسفة ضدا على أطروحة الانفصال بين عقل شرقي أو غربي.
9- ختاما الفلسفة من الحقول التي تهتم بالحوارية لتتطور سواء بين أطرافها المشتغلين بها أو بين الفلسفة والحقول المجاورة لها فهي تتطور بتكاتف الحوارية صانعة فسيفساء الفكر الإنساني وهذا ما تريد أن تقوله أطروحة مؤلف الكتاب.
عبدالله الهميلي :باحث وعضو مؤسس في جمعية الفلسفة
المقدمة:
ليس لي مرحلة أولى أو سابقة في متابعة وقراءة المناخ الفلسفي، لكن لي الخبرة في تحليل المضامين الإعلامية، وما ينشر في أوعيتها من كتب وصحف ومجلات، وهذا يصب في القراءة الفينومينولوجية التحليلية، وقد سبق أن عملت دراسةً تحليليةً لروايات نسائية، وملاحق أدبية، وبرامج تلفزيونية، والآن في خضم حقل جديد، يُحتاج إلى فهمه قدر الإمكان.
وقد سبقت هذه الدراسة دراسة شبه تمهيدية، تحدثت عن مفاهيم فلسفية، وهذا يستلزم الاطلاع والتحضير على هذا الحقل الجديد بالنسبة لي، ونتيجة لذلك صدرت دراسة "المفكرين والفلسفة في السعودية".
حل مكسب معرفي كبير جنيته من خلال قيامي بتحليل الكتب الفلسفية التي خضعت للدراسة حديثة الطرح بين عامي: ٢٠٢٠، و٢٠٢١م، وهذا قاد إلى توسيع معرفة الذات بالمعارف الفلسفية التي صاغتها عقول سعودية عشقت هذا الحقل الفلسفي الجديد على الساحة السعودية، و أنهم وصلوا إلى درجة عالية من التراكم المعرفي في حقل متجدد، تقريبًا تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة، أي أنهم تتلمذوا على المعارف الفلسفية الغربية في القرن العشرين؛ فجميعهم باستثناء واحدٍ منهم تمكنوا من تحضير الدراسات العليا هناك، الوحيد كان متابعًا للأطروحات الفلسفية من خلال قراءة الكتب العربية والأجنبية المترجمة.
هذه الدراسة تبين طبيعة ميولهم واهتماماتهم الفلسفية، ودرجة تعلقهم بالموضوعات التي ركزوا على حضورها في كتبهم، فقد تتضح الصورة الرئيسة في الاهتمام بالأدبيات دون الغوص في جوفها ونقدها وتحليلها، الفلسفة أكبر من اجترار المقولات الفلسفية، هي صراع مع مفاهيم لا العمل على تكرارها، لكن لنرى ماذا قدموا؟.
الفلسفة تسعى إلى تطبيق المفاهيم على أرض الواقع، فالنقد عامل رئيس في تخطي الأدبيات والولوج في حقيقة الواقع، فالأسئلة الكبرى لها الصدارة في مناقشتها منذ بداية العصور الفلسفية الأولى، فقضية الوجود أرهقت عقول المفكرين الفلاسفة بحثًا، ومالوا إلى العلم من أجل فك الطلاسم الكونية، لكن في قضية وجود خالق للكون اختلفوا فيما بينهم.
تم فصل كل دراسة بمعية أسئلتها ومتغيراتها؛ من أجل تسهيل الاطلاع على تحليل كل كتاب بمفرده، لكن الخاتمة ستكون شاملةً لجميع الكتب.
الكتب التي خضعت للدراسة هي:
١- العقل المؤمن - العقل الملحد، د. عبدالله الغذامي، ٢٠٢٠م.
٢- الوجود والوعي استئناف الفينومينولوجيا، أ. شايع الوقيان، ٢٠٢٠م.
٣- فلسفة الآخرية، د. عبدالله المطيري، ٢٠٢١م.
٤- في فلسفة الأخلاق، أ. حمد الراشد، ٢٠٢١م.
خدم تنوع تناول الموضوعات التي دخلت في صلب جسد الكتب الأربعة، وأعطت ثراءً معرفيًا يعكس ميول وتوجهات المؤلفين، فالموضوعات الفلسفية متعددة وكثيرة، وخاصة في مرحلة ما بعد الحداثة، أي تجاوز الوقوف عند عقبة الأسئلة الكبرى، فتاريخ الفلسفة مليء بالتحولات والانقسامات، لكن تبقى الأسئلة الكبرى مزعجة لعقل الإنسان، فالحقيقة إلى الآن عصيةٌ على استكشافها، وتم تموضعها في كيان اللغة، فيما بعد الحداثة، فالبعد النفسي للمؤلف يعطي نوعًا من تجاوز الحالة التشاؤمية التي مر بها بعض الفلاسفة السابقين، وأثرت حقيقةً على فهمهم لطبيعة الحياة، السعادة والراحة النفسية تجعل العاشق للفلسفة يتمدد يمنةً ويسرةً بين حقولها المتعددة، والعمل على ابتكار المفاهيم الفلسفية التي تخدم وجود الإنسان، والتي تغمر صاحبها بإمدادات متعددة من اللذة.
للفلسفة أوجه متعددة إذا فُعّلت وتجاوزت أدبياتها، ودخلت في عمق الممارسة والمكاشفة وأحسن معالجتها.
تحتوي الفلسفة على عدة مجالات، منها السهل الذي يمكن فهمه وقياسه وتطويره، ومنها الصعب الذي تعكسه مجموعة من الأسئلة، أُطلق عليها الأسئلة الكبرى، طرحت منذ آلاف السنين دون التوصل إلى إجابات شافية عليها، وأغلب الأسئلة تدور حول الوجود، والكون، والحياة بعد الموت، والخالق، والأخلاق، وفي ظل طول مناقشة هذه القضايا أصبح أثر الإنسان أكثر أهمية من وجوده؛ فقد رحل الفلاسفة الذين تركوا بصمة معرفية وبقيت أطروحاتهم تتنقل بين عقول آلاف الباحثين في شتى أصقاع الأرض، فالأثر يتفوق على الجسد ويبقى هو الوجود نفسه، فهذه الآثار قد تحولت إلى غذاء معرفي وراحة نفسية لمن يؤمن بها، فقد يعيش الإنسان الوجود الحاضر معرفيًا من خلال أثر الراحلين الذين سبقوه، وفي ضوء ذلك تتم مشاركة الأفكار أو الآثار مع المجتمع ومع المجتمعات الأخرى، ومن هذا المنطلق يصنع الإنسان ذاته بذاته، من خلال تجواله المعرفي، وأيضًا مع قوة حدسه إن وجدت، أوصدَ بعض الفلاسفة والمفكرين الباب في وجه الميتافيزيقيا؛ مما جعل البعض يقتنع بتدهورها، لكن عجزهم عن تفسير الوجود جعل البعض يؤمن بالغيبيات من منطلق وجوب وجود خالق لهذا الكون.
تخطت الفلسفة عالم الطبيعة إلى عوالم ما ورائها من أجل معرفة حقيقة الإنسان، تطور العقل في البحث عن ذلك من خلال ازدياد هامش الوعي، وأهدرت القرون تلو القرون والساعات تلو الساعات بحثًا عن الحقيقة الغائبة والمعقدة، والذي زاد العقل من تعقيدها، وأصبحت تتلاطم بحار المعرفة مع بحار الميتافيزيقيا، وكل من يدخل في حقل الفلسفة لا بد من متابعة تطوره، بدايةً من عهد ما قبل العصر اليوناني إلى الوقت الحاضر، لكن الشيء الواضح أن المدارس الغربية الفلسفية انقلبت على الفلسفة اليونانية القديمة وشقت طريقًا جديدًا خدمه التطور العلمي وهذا عن طريق الباحثين الراغبين في تفكيك طلاسم وجود الإنسان ، وعبور محطات الاختلاف، لكن تم الآن الوصول إلى منطقة ضبابية تطحن فيها أقوال ومرئيات السابقين، والعمل على إضافات لا تشفي غليل البحث الذي دخل- في أحايين كثيرة- في عالم التشاؤم، وسقط الكثير في هذا العالم المأزوم، وأسبغوا التحليل اللغوي كمنقذ رئيس لهذا الحقل الغامض، ليقوم السؤال التالي: هل هناك علامات انبلاج و وضوح قادمة في هذا الحقل والانقلاب على أطروحات من انقلبوا على مفاهيم اليونانيين؟، أم الاكتفاء بترديد مفردات فلاسفة الغرب التي مهدت الطريق دون الوصول إلى نهايته غير المعروفة حتى الآن؟، لكن البعض أحال ذلك "إلى قوة العلم"[1] التي تبرز شيئًا فشيئًا كمضاد حيوي يعمل على إبقاء الفلسفة حية دون أن يتم دفنها، من زاوية تفسير الوجود والعالم، بل للفلسفة دور في تغيير العالم، وقد يكون الجانب السلبي للبعد السياسي الفلسفي له شأن في هذا التغيير.
يحتوي هذا الكتاب على عدة مباحث حسب التوزيع التالي:
المبحث الأول: أدبيات الدراسة، المرور على عدة مفاهيم فلسفية كتمهيد لتقارب الموضوعات الموجودة في الكتب الأربعة.
المبحث الثاني: تحليل مضمون كتاب العقل المؤمن- العقل الملحد من واقع الأسئلة، والمتغيرات الخاصة بالدراسة.
المبحث الثالث: تحليل مضمون كتاب الوجود والوعي استئناف الفينومينولوجيا من واقع الأسئلة، والمتغيرات الخاصة بالدراسة.
المبحث الرابع: تحليل مضمون كتاب فلسفة الآخرية من واقع الأسئلة، والمتغيرات الخاصة بالدراسة.
المبحث الخامس: تحليل مضمون كتاب في فلسفة الأخلاق من واقع الأسئلة، والمتغيرات الخاصة بالدراسة.
المبحث السادس: ملخص مقتضب وخاتمة عامة.
تشتمل على السمات الجوهرية للنتائج بشكل عام، والخروج بنقاط رئيسة تربط ما بين أدبيات الدراسة والنتائج، والوقوف عند القواسم المشتركة.
أهمية الدراسة
تعمل هذه الدراسة على مسح المفاهيم الفلسفية الكبيرة كمتغيرات رئيسة في حقل معرفي سيال، يوصف بصعوبته وقساوته من أجل السيطرة عليه طيلة خضوعه للمغرمين به، وللباحثين فيه أيضًا، إن أهمية هذه الدراسة أوجبت الغوص بموضوعية في إنتاج المهتمين بهذا الحقل المعرفي الجديد في المملكة العربية السعودية، الذي بدأ الاهتمام به منذ سنوات قليلة ماضية بشكل واضح وجلي للعيان، فقصر الفارق الزمني لا يتجاوز عامًا واحدًا أنتج الكثير من الكتب السعودية، وهذا يعكس وينعكس على المحيط المتفائل بتناول الموضوعات الفلسفية، التي لم تأخذ نصيبها من النشر أسوة بالموضوعات الأدبية والفكرية والدينية في المملكة العربية السعودية، كأن نظرية حارس البوابة قد فُتحت لهذا المجال المعرفي المهم؛ فهذه الدراسة تقوم على تحليل مضامين عدة كتب لمفكرين سعوديين هم:
١- د. عبدالله الغذامي، العقل المؤمن- العقل الملحد، ٢٠٢٠م.
٢- أ. شايع الوقيان، الوجود والوعي استئناف الفينومينولوجيا، ٢٠٢٠م.
٣- د. عبدالله المطيري، ٢٠٢١م.
٤- حمد الراشد، في فلسفة الأخلاق، ٢٠٢١م.
أسئلة الدراسة
اشتملت الدراسة على مجموعة من الأسئلة التي توضح مدى شمولية مناقشة القضايا الفلسفية المهمة الكبرى في عينة الدراسة، وهي كالتالي:
١ - ما مدى استيعاب مناقشة قضية الوجود؟
٢- ما مدى استيعاب ومناقشة قضية الخالق؟
٣ - ما درجة حالة السعادة والراحة النفسية للباحث في مناقشة القضايا؟
٤- ما مدى مناقشة قضية الميتافيزيقيا؟
٥- هل للإثارة وجود في مناقشة الموضوع الكبير؟
٦- ما مدى وضوح وسهولة اللغة التي يتم النقاش بها؟
٧- كيف تم مناقشة متغير الحرية؟
٨- هل توقف الباحث عند قضية الوعي؟
٩- هل ناقش الباحث البعد الأخلاقي؟
١٠- هل تطرق الباحث لمتغير العلم؟
المتغيرات الرئيسة المأخوذة في الاعتبار عند التحليل تتمثل فيما يلي:
١- الحديث عن الحقيقة.
٢- الحديث عن وجود الخالق.
٣- الحديث عن الميتافيزيقا.
٤- الحديث عن الحرية.
٥- الحديث عن التشاؤم، والقلق.
٦- الحديث عن الحدس.
٧- شفافية النقاش.
٨- الحديث عن الوعي.
٩- الرجوع إلى الفلاسفة أو المفكرين.
١٠- علامات السعادة، والراحة النفسية.
١١- الرجوع إلى المصادر العربية والأجنبية.
١٢- الحقائق الجديدة التي استعرضها المؤلف.
١٣- رجوع المؤلف إلى أبحاثه السابقة.
١٤- رجوع المؤلف إلى المفاهيم اليونانية.
١٥- رجوع المؤلف إلى الفلاسفة الغربيين.
١٦- التعرض لأهمية الدماغ.
١٧- سهولة اللغة والأسلوب.
١٨- التعرض لأهمية العلم.
١٩- التعرض لأهمية الأخلاق.
٢٠- ذكر إيجابيات الأطروحات الفلسفية.
٢١- ذكر سلبيات الأطروحات الفلسفية.
٢٢- الإشادة بفلاسفة يونانيين.
٢٣- الإشادة بفلاسفة عرب وإسلاميين.
٢٤- الإشادة بفلاسفة غربيين.
٢٥- عنصر الإثارة في طريقة العرض.
٢٦- موضوعات الماضي في الكتاب.
٢٧- موضوعات الحاضر في الكتاب.
٢٨- موضوعات المستقبل في الكتاب.
٢٩- توصيات فلسفية.
٣٠- طريقة المعالجة (ممتاز- جيد جدًا- جيد- مقبول)
٣١- حجم الكتاب.
٣٢- الرجوع إلى مراجع لمفكرين سعوديين.
المبحث الأول
أدبيات الدراسة
في هذه الدراسة نلقي الضوء على حقل معرفي كثير التعقيد في الجانب الأنطولوجي، والذي أربك المفكرين والفلاسفة منذ بداية الغوص فيه وحتى وقتنا الحاضر.
يقوم الإنسان بتحريك عقله يمنة ويسرة عندما يدخل إلى عالم الفلسفة، بغية فهم الحقيقة الأولى التي تقوم على معرفة سر وجوده، ووجود الكون الشامل، هنا يحس الباحث أن عنده نوعًا من الاختلاف عن بقية من يحيطون به من الذين استسلموا لرغباتهم وغرائزهم، فيحس بقيمة وجوده، رغم أنه لم يصل إلى حل ذلك اللغز، الذي تعسر حله على جميع من سبقوه من سلاطين الفلسفة وغيرهم، يحاول الباحث في مجال الفلسفة أن يفهم الحياة ليس من واقع تجربته المعيشية بل من خلال عقله وعقول من سبقوه، فهو يحس بنشوة تفوقه على الذين لم يحركوا ساكنًا ويتمتعون بفهم الحياة من خلال تجاربهم المعيشة، و لم يتعاملوا مع حقيقة الزمن والسديم والمجرات التي أدركها الإنسان دون غيره، فإحساس الباحث في المجال الفلسفي عندما يطيل نظره في حقيقة وجود الإنسان تقوده إلى خلق نوع من التحدي في هذا المضمار الواسع، حينها يدخل في عالم الشك والدهشة ووضع الأسئلة ذات المحتوى التجديدي لا تكرار أسئلة الماضين، واستعراض مواقف المفكرين والفلاسفة حيال ما مروا به من نجاحات وإخفاقات، وخاصة في قضية وجود خالق للكون، وإدراكه الكامل لعجز الطبيعة عن القيام بذلك لتفوق الإنسان بعقله عليها، وأن المخلوق لا يستطيع خلق خالقه كما ذكر البعض ذلك، ازدهرت نظرية التطور في بدايتها على يد دارون، باعتبار أن كل أشكال الحياة على سطح الأرض مرتبطة ومتصلة ببعضها، من خلال التوريث مع التعديل والانتقاء الطبيعي الذي يشوبه نوعٌ من العشوائية، لكن دارون في فترته الأخيرة قبل وفاته تراجع عن ذلك وأقر بوجود خالق للكون، وهذا التراجع يبين حالة نظرية التطور، التي لم تصل إلى درجة القانون، كما حدث لقانون الجاذبية، لكنها اقتصرت جهدها على دراسة طبيعة المخلوق، وفِي ضوء ذلك يمكن فتح أبواب كثيرة خارج باب الحقيقة، للاستفادة من أضواء وأنوار الفلسفة، من أجل تجاوز التشاؤم الموجود بسبب صدمة الحقيقة، وعدم معرفته لغاية وجوده، أضاف العلم تجارب جديدة منذ اكتشاف الجاذبية والبحوث الفيزيائية الأخرى نتج عنها تحليلات فلسفية فكرية أدت إلى حدوث قفزات عقلية مهمة؛ فالحياة ليست لطيفة وفيها معاناة يرتكب الإنسان بعضها بمحض إرادته، وقد يسعى الإنسان جاهدًا إلى ملاقاة حتفه من واقع وعبثية الحروب، وهذا يصب في تقليل زمن وجوده، والبعض الآخر تفرضه عليه الطبيعة والأمراض النفسية والعضوية والوراثة.
للحدس قوة لا تقل عن قوة المعرفة وتكون خارج مدار العقل حسب مرئيات بعض المفكرين والفلاسفة، ولذلك يبقى من لم يرزق بهذه القوة في مكانه حتى لو تمكن من الغوص في غياهب الفلسفة.
يلعب الحدس دورًا مهمًا في التكامل مع الحواس والعقل في تنمية المعرفة لدى الإنسان، وهناك من الفلاسفة من ربط الحدس بالعقل ، وآخرون ربطوه بالقلب والروح ، كأنه "وحيٌ أو وميضُ برق" وأنه الطريق لاكتشاف الماهيات بطريقة عفوية، فالحدس يحلل الظواهر تحليلًا وصفيًا فطريًا، فالمعرفة بجوانبها المتعددة وقفت عاجزة أمام طبيعة الموت وغايته، واستسلمت لسطوته الجبارة، فالموت حتمًا مرتبط بلغز الوجود والكينونة، فالوجود موجود ولا يمكن نفيه في أي شكل من الأشكال، وأزلي الزمان والمكان، والعقل هو مصدر إدراك الحقيقة لا الحواس، فلا بد من الاستفادة من المنطق للوصول إلى الحقيقة، وفي ضوء ذلك يقوم المنطق بدراسة الفكر من خلال الواقع، ومن أشهر المصطلحات الفلسفية مقولة ديكارت: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، لكن يبقى الزمن القصير يداعب عقل الإنسان، وتبقى أبواب الأزمنة مفتوحة على مصراعيها.
تفاعل المفكر د. الغذامي مع قصة عاشت في عقله أكثر من نصف قرن تقريبًا عندما كان طالبًا يدرس اللغة في بريطانيا، والمتمثلة بمطالبة من أنكر وجود خالق للكون أن يعرض أدلته وبراهينه ، وفي ضوء ذلك بدأ يتلمس خيوط أفكار الباحثين والفلاسفة ممن اقتنعوا بأن للكون خالقًا، وعلى النقيض رصد الذين ألحدوا في أطروحاتهم وجميعهم من المحدثين في كتابه الموسوم ب:"العقل المؤمن - والعقل الملحد"، وهذا يقود إلى تقسيم الوجودية إلى فلسفتين فيهما المؤمن والملحد، فلا يمكن أن نقول: إن الفلسفة واحدة بل فيها توجهان مختلفان، وكأن الغذامي أراد في هذا الكتاب أن يسلط الضوء على حقيقة القلب المؤمن الذي يملكه، وأفرد له كتابًا آخرَ "القلب المؤمن" فالكتاب الأول أصبح مقدمة تمهيدية للكتاب الثاني، الذي يحمل بين طياته قلب الباحث المؤمن والباحث عن الحقيقة حسب قناعته.
هناك الكثير من المهتمين في الحقل الفلسفي الذين خضعوا لسلطة العقل يدركون أن للكون خالقًا، لكن لا يربطون ذلك بالأديان الموجودة.
الشيء الجوهري في وجود الإنسان هو معايشته لواقع الحياة واكتشافه لأسرارها القابلة للفهم والاستكشاف، لكن التعمق الميتافيزيقي لا ينعكس إيجابًا على سير الحياة اليومية، فهذا التعمق المعرفي يصطدم بترجمته إلى واقع يعزز وجود الإنسان.
القاعدة الرئيسة والمتينة التي بنيت عليها الفلسفة هي حرية التفكير والإرادة، وفي ظلها يترعرع العقل وتزدهر أوراق الأسئلة، وتعظم قيمة المنطق والجمال ويزداد البحث عن الحقيقة، وترتفع قيمة الأخلاقيات والعدالة وقيمة الإنسان بشكل عام، هنا تكبر قيمة العقل ويقل الاعتماد على العاطفة، فالحرية المطلقة للفرد هو أن يخلق معانيه واختياراته بنفسه، لكن من واقع الحياة المعيشة مع الآخرين بشتى درجاتها لا توجد حرية مطلقة في كافة أمور الحياة، فهناك أخلاقياتٌ رئيسة وأبعادٌ إنسانية تعمل على تنظيم أطر الحياة من تشريعات وقوانين منظمة للحرية؛ كي تحول دون وجود الحرية المطلقة السلبية ، البعد الأخلاقي بعدٌ إنساني يضفي على الحياة نوعًا من المساواة والعدل والوقوف بجانب الخير، وهذا ما حوله البعض إلى إيجابيات الفلسفة الآخرية والابتعاد عن ذاتية الفائدة، وكمثال على أهمية السلم الأهلي في وقتنا الحاضر، فقد قامت إدارة تويتر بحجب حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خوفًا من تغريداته التي تدعو إلى العنف، وهذا التحرك يخدم الحرية المسؤولة التي تعزز البعد الأخلاقي للوسائل الإعلامية.
هناك من يعتبر حرية الإنسان ناقصة طالما يعتريها الموت، وقد تكون حياته تافهة- من وجهة نظره-؛ لمحدودية وجوده القصير جدًا مقارنة بعمر الكون، إذن هناك صعوبتان تواجهان الإنسان: غياب الحقيقة كصعوبة أولى، والنهاية القصيرة للجسد ثانيًا، فبوجود ما سبق ذكره من صعوبات تقسو على الحواس وتجعلها مرتبكة ومهزوزة القاعدة، ولذلك - في أحايين كثيرة- يتقوقع البعض في اللامعقول، لكن يكون العقل أكثر ثباتًا واستقرارًا من الحواس، فإعمال العقل مطلب فلسفي قوي، في ضوء تلك الصعوبات تم وصدُ البابِ الأنطولوجي والميتافيزيقي؛ لصعوبة الاستمرار في هذا الحقل المعرفي عسير النهاية، وانتظار هتان العلم كما أشار إليه الفيلسوف الأمريكي رورتي، والتوجه إلى الحاضن الطبيعي للثقافة، والمتمثل باللغة، واعتبروها الملجأ الرئيس والمسكن لعقل الإنسان، وإنها بحاجة إلى دراستها دراسة عميقة في بنائها، وشيدت المدارس الفكرية والفلسفية وتم تفكيكها وتشريحها.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت مهمة الفلسفة القيام بالدراسة والاهتمام بالعقل، والعقل يكبر اتساعًا وتمددًا من خلال الحوارات التي هي إكسير الفلسفة، فهي امتداد طبيعي للحوارات التي تنتج فكرًا ومفاهيم ينعم البشر بوجودها، وترتفع معها قيمة الإنسان، لكن هذه الحوارات العقلية لا يمكن أن تتجاوز الظواهر الطبيعية كما زعم البعض، وفِي ضوء ذلك أصبح للفلسفة إيجابياتٌ متعددة ظواهراتية، تمد الإنسان بمرئيات جديدة تحفزه على الاستمرار في تطوير الفهم والمدارك العقلية للإنسان؛ حيث إنَّ الحوارات الفلسفية أنشأت علاقة جيدة مع العلم، من أجل تفسير الوجود، ومن أجل بث ضوء التنوير داخل عقل الإنسان، فالرؤية الفلسفية تقوم على طرح السؤال ولا تنتظر الإجابة.
تطْرق الفلسفة الأبواب الموضوعية وتخلق نوعًا من اللذة، وتجعل الإنسان- في أحايين كثيرة- يستخدم الأسلوب البراغماتي في علاقاته مع الآخرين، وتتجاهل النزوات الغريزية والعاطفية والعنصرية؛ من أجل التركيز على العلم والحرية والأخلاق والحب.
الحب كيان واسع فلسفيًا لا يمكن اختزاله بالجنس، يرفع من قيمة النفس البشرية، ويجعلها قابلة للعطاء والإبداع، ويتفوق على الذات بنثر بذوره فوق التربة الإنسانية؛ لتعزيز وجوده على سطح الكوكب، الحب مرتبط بالحياة وأقرب إلى العقل منه إلى العاطفة؛ لأنه يحافظ على نجاحات الإنسان وتطوره، فهو يترعرع مع الحرية و يظل الأخلاق بردائه حتى لو كابد الإنسان الآلام، فهو يصنع نوعًا من الاستقرار النفسي له، في الزاوية الأخرى يظهر العشق الذي منح لقب الحب، وهو أقل بكثير من الحب الشامل، ومن مقوماته التقارب الجنسي الذي قاد إلى حفظ العنصر البشري، لكنه محدود الوقت إلا إذا عاش تحت مظلة الحب الكبيرة، فبمجرد تضاؤل نسبة الحب الشامل تقل درجة العشق بين الجنسين المختلفين الرجل والمرأة، و تبدأ علامات التنافر بالظهور، فالحب أيضًا هو من يعزز وجود الجمال في الكون عامة، لكن درجة الوعي هي من تحدد نسبة الجمال والحب، وعندما تقل نسبة الحب تبدأ مرحلة الانزعاج والضجر والاكتئاب، وتظلم الحياة في نظر البشر ويتحول ذلك إلى أزمات فلسفية، فالحب يعتبر مضادًا حيويًا لمشاكل الحياة، فقد ولد مع ولادة الإنسان، ويستمر وجوده حتى في وجود المنغصات الأخرى مثل: الأنانية، والنرجسية، وحب الذات؛ ويشكل الموت العدو الأول للحب من خلال فلسفة الرحيل التي تحيط بالجنس البشري، لكن يجب تقبل فكرة الموت ونزع جميع العناصر التي تؤدي إلى الخوف منه، من أجل خلق نوع من الاستقرار النفسي طيلة بقاء الإنسان المحدودة.
تختلف درجة الوعي أو تتطور مع التغيرات الزمنية، التي ترتبط بمفهوم الإدراك والتفكير وإعمال العقل، ففهم الواقع المعيش بشكل واضح يعكس درجة الوعي لدى الفرد والمجتمع، فللتراكم المعرفي -عبر الأجيال والتعليم والتجربة- أهميةٌ في تشكيل الوعي.
إذن، في أي اتجاه تسير الفلسفة؟ وهي قد عجزت عن الوصول إلى الحقيقة ومعرفة طبيعة الوعي المتمدد بين العناصر الحسية والشعور والخيال والذاكرة والانتباه، قد يربطه البعض بالخالق وتزداد العملية صعوبة، لكن إلى متى يتم تكرار ما توصل إليه ديكارت وكانط ونيتشه وهيدغر وغيرهم؟ أي أن أطروحاتهم قد رصدت معرفيًا، وحان زيادة بث أطروحات جديدة، والاعتماد على العلم وإكثار الأسئلة الخاصة به ممزوجة بعطر الفلسفة، لكن ذلك يعيدنا إلى نقطة بداية هذه الدراسة، التي أعطت خاصية للمنجذب للحقل الفلسفي كفكر وتحليل ونقد وتركيز، والانغماس في كينونة الإنسان المبدعة لا على ماهيته، فيكون الدازين هنا نوعًا من الصمت المركز على علاقات الإنسان مع الآخرين، ومع الوجود بشكل عام من أجل تنمية التأمل والفهم، ويعيش الباحث الفلسفي المنتج مع معطيات الحياة صبح مساء راصدًا لتحركات الكون أمامه، وموقفًا للعيش في جلابيب السابقين من المفكرين والفلاسفة، فالسنن الكونية الدقيقة رفعت من قيمة الخالق، الذي جهزها بهذا الشكل الدقيق دون أن يكون متجليًا بدرجات كبيرة، فالغموض عمل على بسط رداء الفلاسفة والمفكرين على أرض الحقيقة غير المدركة حسيًا، لكن يتلامس معها العقل أحيانًا، فمن الصعوبة تطوير الحداثة أخلاقيًا، فقد بدأ البعض من الغربيين في مناقشة إمكانية تقليل عدد سكان العالم ووقعت أعينهم على إفريقيا، هذه القارة التي حل عليها العذاب اللوني، وكذلك الفقر والاستعمار، والآن يتطلع الغرب إلى الاستفادة منها ولكن بشكل آخر، هذه الأطروحات الجديدة والقديمة ظهرت مع تواجد جائحة كورونا "كوفيد 19"، وهذا يعكس ضعف الهامش الأخلاقي في زمن تضرب العبثية أطنابها.
عزف بعض الفلاسفة على متغير الصدق كبعد أخلاقي مهم في نظر الوجوديين، ورشح عن ذلك العديد من الأعمال الأدبية، التي رفعت من قيمة البعد الأخلاقي في وجه الانتهازيين والنفعيين، والوقوف في وجه الأفعال الظالمة التي تجيز قتل الإنسان، فللأدب قيمة مرتفعة عندما يركز على المغزى الأخلاقي، فالشخص الصادق يعيش حقيقة نفسه، رغم المعاناة التي قد يواجهها من تعاملاته مع من ينتهكوه، فالصدق عنصر مهم يميز الإنسان عن بقية المخلوقات، فعملية الصدق مكلفة جدًا في مجتمع لا يقدسه أو يقدر قيمته الأخلاقية؛ فخروقات الآخرين للقيم الأخلاقية لا يردعها إلا القوانين الصارمة.
في دراسة سلطت الضوء على مرئيات متابعين ومهتمين سعوديين في المجال الفلسفي تبين ما يلي:
١- شكّل موضوع الحقيقة حجر الزاوية في القضايا الفلسفية على أنه لا وجود للحقيقة داخل أي مذهب فلسفي.
٢- أن سؤال الكينونة الكبير جعل الفلسفة تحيد عن مسارها الطبيعي وتقع في أحضان معارف شتى.
٣ - اعتبرت الأفكار المسبقة عدوًا رئيسًا للفلسفة.
٤- اعتبر بعض المبحوثين أن عالم الأخطاء أوجد مفهوم التشاؤم في هذه الحياة.
٥- وافق المبحوثون على أن الحوار الفكري عبارة عن انفتاح المجتمع على قضاياه وطرحها للتداول والمناقشة، وهذا يعكس حقيقة وظيفة الفلسفة.
٦- إن الدخول في عالم الفلسفة الفسيح لا يعني الوصول إلى الإلحاد، أي أن الفلسفة ليست مختصة في مهاجمة ومعاداة الأديان.
٧- تعتبر الفلسفة هي الترجمة العقلية للتجربة الإنسانية.
٨- اعتبر المبعوثون أن الفلسفة تقلل من أهمية الأثر العاطفي عند مناقشة الآخرين دون استفزازهم.
٩- وافق المبعوثون على أن المالك لأدوات الفلسفة يستطيع الرفع من قيمة التواضع كمطلب أخلاقي.[2]
في الصفحات السابقة تم استعراض العديد من المعضلات الفلسفية، وفي الصفحات القادمة يتم رؤية وضعية هذه المعضلات والنقاشات الفلسفية في الكتب الأربعة، ومدى تفاعلهم مع متغيرات الدراسة.
دائما الإنسان الطبيعي يسعى إلى غاية تحقق له ما يصبو إليه من السعادة، وتختلف طرقها الطبيعية وغير الطبيعية، فطريق الخير هو طريق طبيعي يتماشى مع أخلاقيات الإنسان، أما الطرق الأخرى؛ فهي قد تحقق له سعادة لكنها غير مؤكدة النتائج الصحيحة.
يرى الباحث خالد الغنامي أن "الإنسان إذا وجد، فإنه بمجرد وجوده يكون قد خلق للسعادة الأبدية في كل لحظة تمر عليه سعادة تبدأ من وجوده في هذه الحياة الدنيا، ولا تنتهي بالموت، بل تستمر في دار الخلود في الحياة الآخرة"[3]، لكن هذه السعادة التي يطمح لها الغنامي أمامها عشرات الأسئلة التي تحد من فعاليتها، ابتداءً من العقبات والصعوبات التي يمر بها الإنسان في حياته، وانتهاء بوجود الأسئلة الكبرى، قد يكون لدرجات الوعي لدى الإنسان قيمة في تحقيق بعض ملامح السعادة، لكن طريقة وجود الإنسان تشير إلى أن الأخطاء والعوائق والموت تعيق تحقيق غايته، والحصول على جرعات كبيرة من السعادة، لكن يبقى السؤال قائمًا، هل ما زال الغنامي يعيش السعادة، أم جدَّ له جديد مع تغريداته المستمرة في مجال الفلسفة؟.
المبحث الثاني
تحليل كتاب "العقل المؤمن- العقل الملحد" :د. عبدالله الغذامي
أسئلة الدراسة:
اشتملت الدراسة على مجموعة من الأسئلة، التي توضح مدى شمولية مناقشة القضايا الفلسفية المهمة الكبرى في عينة الدراسة، وهي كالتالي:
١- ما مدى استيعاب مناقشة قضية الوجود؟
٢- ما مدى استيعاب ومناقشة قضية الخالق؟
٣- ما درجة حالة السعادة والراحة النفسية للباحث في مناقشة القضايا؟
٤- ما مدى مناقشة قضية الميتافيزيقيا؟
٥- هل للإثارة وجود في مناقشة الموضوع الكبير؟
٦- ما مدى وضوح وسهولة اللغة التي يتم النقاش بها؟
٧- كيف تم مناقشة متغير الحرية؟
٨- هل توقف الباحث عند قضية الوعي؟
٩- هل ناقش الباحث البعد الأخلاقي؟
١٠- هل تطرق الباحث لمتغير العلم؟
المتغيرات الرئيسة المأخوذة في الاعتبار عند التحليل تتمثل فيما يلي:
١- الحديث عن الحقيقة.
٢- الحديث عن وجود الخالق.
٣- الحديث عن الميتافيزيقا.
٤- الحديث عن الحرية.
٥- الحديث عن التشاؤم، والقلق.
٦- الحديث عن الحدس.
٧- شفافية النقاش.
٨- الحديث عن الوعي.
٩- الرجوع إلى الفلاسفة أو المفكرين.
١٠- علامات السعادة، والراحة النفسية.
١١- الرجوع إلى المصادر العربية والأجنبية.
١٢- الحقائق الجديدة التي استعرضها المؤلف.
١٣- رجوع المؤلف إلى أبحاثه السابقة.
١٤- رجوع المؤلف إلى المفاهيم اليونانية.
١٥- رجوع المؤلف إلى الفلاسفة الغربيين.
١٦- التعرض لأهمية الدماغ.
١٧- سهولة اللغة والأسلوب.
١٨- التعرض لأهمية العلم.
١٩- التعرض لأهمية الأخلاق.
٢٠- ذكر إيجابيات الأطروحات الفلسفية.
٢١- ذكر سلبيات الأطروحات الفلسفية.
٢٢- الإشادة بفلاسفة يونانيين.
٢٣- الإشادة بفلاسفة عرب وإسلاميين.
٢٤- الإشادة بفلاسفة غربيين.
٢٥- عنصر الإثارة في طريقة العرض.
٢٦- موضوعات الماضي في الكتاب.
٢٧- موضوعات الحاضر في الكتاب.
٢٨- موضوعات المستقبل في الكتاب.
٢٩- توصيات فلسفية.
٣٠- طريقة المعالجة (ممتاز- جيد جدًا- جيد- مقبول)
٣١- حجم الكتاب.
٣٢- الرجوع إلى مراجع لمفكرين سعوديين.
التحليل:
عمل المفكر الغذامي على مشروعه الشامل والمتمثل بالنظرية النقدية ومدارسها المتعددة، مثل: البنيوية، والسيميولوجية، والتشريحية، والنقد الثقافي، فهو يرى أن الفلسفة الآن ليس لها وجه إلا عبر النظرية النقدية؛ فكتاب العقل المؤمن داخل في النظرية النقدية، وهو عبارة عن نقد للخطاب الإلحادي كما قرر ذلك المؤلف، كأنه أراد بكتابه هذا أن يقول: إن الفلسفة تنقسم إلى قسمين أو فلسفتين: الوجودية المؤمنة، والوجودية الملحدة، عقل مؤمن، وعقل ملحد، أسدل الغذامي الستار على مفردة الفلسفة في كتاباته، وجال ذهابًا وإيابًا في شوارع وأزقة المدارس النقدية.
تأكد معد هذه الدراسة من المؤلف نفسه بأن البسملة الموجودة في بداية الكتاب من وضعه، وليست من تدخلات الناشر السعودي "مكتبة العبيكان"، وأن المؤلف محافظ على وجود البسملة في بداية جميع كتبه، إذن لهذه البسملة دلالة قوية تعكس موقفه الجلي والمتجاوز لجميع التساؤلات التي يحملها البعض عند الاقتراب من الدخول والولوج في عالم الفلسفة، وخاصة في مناقشة الأسئلة الكبرى، والتي تتعرض لوجود الخالق، البسملة هنا - دون أدنى شك- هي هوية المؤلف عند بحثه عن الحقيقة من منظور فلسفي عقلاني كما يعتقد، وهذه البسملة جاوبت على متغير من متغيرات الدراسة الخاص بعلامات السعادة والراحة النفسية، فهذه المظلة الروحانية جعلته ينفض غبار الخوف، ويدخل عالم الطمأنينة، وفي ضوء ذلك ملك المؤلف نوعًا من الجرأة عند وضع أسئلته الثلاثة في مجتمع إسلامي قد يعاقبه لو تجاوز بعض المحاذير الخاصة بوجود الخالق، أزاح عن عاتقه الخوف والإلحاد وأسئلة الشك، ومسح على وجهه وتوكل على الله، وتعامل بذكاء الباحث عن الحقيقة بعاطفة إيمانية.
دخل المؤلف بسرعة دون التمهيد لأسئلة كبيرة وفي جزئية المقدمة دون الإتيان وتبيان أهمية الفلسفة، بسمل وكتب أسئلته الثلاثة:
١- هل خلق الكون نفسه؟ أم له خالق؟
٢- وما معنى وجودنا في هذه الحياة؟
٣- وما مصيرنا بعد الرحيل؟
لا أحد يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة، لكن يمكن الاستدلال- وهذا ما أراده المؤلف- على ذلك من خلال مواقف الفلاسفة والباحثين المقتنعين بوجود الخالق والمخالفين الرافضين لهذا التصور.
كتب د. الغذامي المقدمة بطريقة ذكية شبيهة بكتابة الرواية العالمية، المعضلة في المقدمة، والمعالجة في ثنايا الكتاب بأسلوب سهل ولغة واضحة غير متكلفة، مراعيًا وضوح وشفافية النقاش حسب قراءته للمشهد الفلسفي، معتمدًا على عنصر الإثارة في طريقة العرض، التي تضفي على النص نوعًا من الجذب والاستمرار في مواصلة القراءة والانفعال مع ما يكتب، وهذا من أجل إنجاح خطابه النقدي للإلحاد كما يتصوره.
ثلاثة عناوين في الفصل الأول تحت مظلة العلم وهي:
١- الموضوعية العلمية.
٢- الحتمية العلمية.
٣- نقض الحتمية العلمية.
افتتح المؤلف فصله الأول بالتركيز على العلم من زاويتين: زاوية التعارض مع الإيمان، والزاوية الأخرى زاوية التوافق، بأسلوب سهل الفهم والانغماس في الاستمرار في مواصلة القراءة، من أجل إيصال ما يحمل من أفكار وقناعات فكرية وفلسفية.
دخل مباشرة على حياة العالم ستيفن هوكينج ووصف حالته الصحية السيئة، فهو يسرد وضعه المأساوي، ويبين أهمية قانون الجاذبية في حياة هوكينج، وأن قوانين الجاذبية تغني عن خالق الكون، وتستمر لغة المؤلف الروائية في وصف الصعاب التي واجهها هوكينج وإثارته للأسئلة الخاصة بحياة هوكينج، ومن ثم انقض عليه في قضية "الماقبل" التي لم يتوقف عندها هوكينج، والمقصود فيها الفترة التي قبل مرحلة الانفجار العظيم، يستمر الغذامي، في عرضه المبسط المتزامن، مع شعور الناقد الذي يريد استيضاح الأمور في أسهل الطرق لتقديمها للقراء، حيث وجه نقدًا مباشرًا لنظرية هوكينج (النظرية الشاملة)، و(نظرية كل شيء) و(نظرية الأوتار)، وأنها تحمل خللًا منهجيًا من وجهين، أولهما: "تعمد إقصاء النظريات الأخرى التي تتصل بسؤال الوجود، وهذا فضاء فلسفي ثري وعميق، وثانيًا: وجود الإقصاء كان من نصيب العلماء الذين قالوا أيضًا: إن الله خلق الطبيعة وخلق لها قوانينها"، ويكمل الغذامي نقده لهوكينج بأن "النظرية الكلية ليست كلية، وإنما هي ابتسار متعنتٌ ضد كل نظرية لا تستجيب لفرضيات هوكينج"، الغذامي هنا استجمع قواه النقدية التي تقترب من الصدامية أو المكاشفة الصريحة؛ لأنه شكل عقله على قناعات الطرف الآخر الذي يؤمن بمرحلة التوافق بين العلم والإيمان.
تحدث الغذامي عن أمنية هوكينج "في الوصول إلى نظرية كلية شروطها أن تكون مفهومة بشكل عام من كل إنسان، وليس فقط لعدد محدود من العلماء، وحينها سنرى الفيلسوف والعالم والناس العاديين يجتمعون كلهم في مناقشة شاملة للسؤال المهم عن سبب وجودنا ووجود الكون، فإن وجدنا الجواب عن هذا السؤال، فسنصل للحقيقة المطلقة وسيتمكن العقل البشري من معرفة الإله"، لكن الغذامي أخذ عليه أنه بدل أن يجمعهم في نظرية شاملة "راح يفرقهم قسرًا وتعنتًا" وعمل هوكينج - كما يذكر الغذامي- على إقصاء النظريات الأخرى التي تتصل بسؤال الوجود، فالغذامي استمر في نقده لهوكينج "أنه وقع في ورطة مع حصره للبشر بأنهم مجرد آلات بيولوجية وإرادتنا محكومة بالقوانين".
فالملاحظة الأولى في طريقة تحليل أفكار هوكينج جعلها الغذامي عبارة عن محاكمة صريحة وواضحة وجلية لأفكاره من قبل الغذامي، وهذه الدراسة لا تقف أبدًا مع أي من الجانبين، وإنما تصف الموجود لا محاكمته من زواياه المعرفية.
هناك عدة مواضيع وقضايا تجاهلها الباحث أو نقل ولم يكثف الحديث عنها، في كتاب نقدي يختلف عن الكتب التي تغوص في أدبيات المواضيع الفلسفية:
١- لم يتطرق للميتافيزيقيا بشكل عام على الإطلاق، بل تجاوزها إلى العقل، فالكتاب يركز على حقيقتين: الخالق، والعلم.
٢- الوعي، لم يقف عنده بل تجاهله لأسباب قد لا يرى أن مناقشة الوعي لها ارتباط كبير بالموضوع الذي يناقشه.
٣- الحدس، خلا الكتاب من ذكر هذه المفردة الفلسفية المهمة جدًا، لكنه قد لا يرى لوجودها أهمية في خدمة فرضياته.
٤- مفردة الدماغ ودورها الفلسفي غير موجودة في الكتاب.
٥- استشهد بآيات قرآنية، وهذا يعكس حقيقة إيمانه ومقدرته الإقناعية.
٦- تطرق بشكل مطول إلى علاقة العلم بالإيمان.
٧- أدبيات الأخلاق تحدث عنها بشكل مختصر جدًا.
٨- تحدث عن فلاسفة غربيين لهم علاقة مباشرة بالموضوع.
٩- خلا الكتاب من ذكر سلبيات الأطروحات الفلسفية، وكذلك لم يتم رصد إيجابيات المسائل الفلسفية.
١٠- عمل المؤلف على تجنيب القارئ أي صعوبات لغوية وأسلوبية، متوشحًا بغطاء الطرح النقدي.
١١- ناقش الباحث قبل أن ينهي نقاشه حرية الإرادة بشكل مختصر في صفحة (١٢٧) وما تلاها حتى صفحة (١٣٣)، طبعًا هنا لم يتحدث عن حرية التعبير، بل اقتصرها على الحرية المطلقة للإيمان "وحتمًا فإننا نجزم ألا حرية دون إرادة ولا إرادة دون حرية"، وأدخل الباحث العقل في تقنين الإرادة، " ويحضر العقل بعد ذلك وكذلك يحضر الضمير"، لكن مناقشة الباحث لحرية الإرادة مكملة لمسار البحث الذي يسير في نطاق الخالق للكون.
١٢- ليس للتشاؤم وجود في نقاش وأدبيات الكتاب.
١٣- لم يناقش القضية السوداء، قضية الحقيقة بمنظور عام، بل اقتصرها على وجود أو عدم وجود الخالق.
١٤- ركز المؤلف على قضية واحدة، وفي ضوء ذلك أصبح حجم الكتاب غير كبير من القطع الصغيرة، واشتمل على (١٦٥) صفحة.
في صفحة (٩٥) من كتاب الغذامي أشار إشارة عابرة كمرجع إلى كتابه "الليبرالية الجديدة" لكنه لم يتوقف عنده.
لم يتوقف عند مراجع المفكرين السعوديين أو الاستشهاد بأطروحاتهم.
أفرد في آخر الكتاب ملحقًا تحت عنوان: "مصطلح العقل في الثقافة الإسلامية وفي الفلسفة الغربية"، وتمت استضافة هذه الجزئية كما ذكره من أجل الإحالات الكثيرة إليه لمفهوم العقل فلسفيًا.
لم يصدر في الكتاب أي توصيات يراها المؤلف أنها ضرورية، من أجل استكمال بحثه الذي ظل حبيس تفكيره طيلة العقود الماضية.
كخاتمة سريعة لقراءة كتاب: "العقل المؤمن- العقل الملحد" اتضح البعد الإيجابي الواضح للمؤلف في خصوص وجود الخالق المبني على عجز الآخرين عن إثبات المنفي القاطع، وهذا يعكس مجرد صدمة الحقيقة التي لم توصل الباحثين الغربيين وغيرهم من إثبات نفي وجود الخالق، وفي ضوء ذلك استخدم الغذامي الأسلوب النقدي المباشر التصادمي، الذي لم يغص في غياهب الأدبيات الفلسفية الشاملة للموضوع، بل اقتصرها على نقاش القضية التي حددها منذ البداية، لكن لا يمكن اعتبار الكتاب كمرجع رئيس في قضية مناقشة الأسئلة الكبرى، بل في دراسة جديدة جيدة انطلقت من فرضية يريد الباحث إثباتها؛ فهي دراسة إرشادية قيمة لمن أراد أن يتوسع في هذا المجال المرهق جدًا، خطوة جميلة في مناقشات يرصدها القلب المؤمن، البعيد تمامًا عن ذكر المفردات والجمل التي تعكس الحالة النفسية المتشائمة، بل قيمة الصفاء والراحة النفسية للباحث عن الحقيقة، من خلال إثبات وجود الخالق.
المبحث الثالث
تحليل كتاب "الوجود والوعي استئناف الفينومينولوجيا" أ. شايع الوقيان
المقدمة:
تحاول الفلسفة في وقتنا الحاضر أن تلقي الضوء على عدة متغيرات رئيسة في حياة الإنسان، غير متناسين أو متجاهلين حقيقة الوجود والعالم الخارجي، وقد تطال يد الإنسان العبث في وعيه من خلال القفز فوق المحاذير الأخلاقية.
أتت حقبة ما بعد الحداثة كمرحلة لتصفية حسابات مفاهيمية فلسفية، أرخت من درجة "التفاؤل العلمي والثقة بالنفس واليقين المطلق ... صار الموضوع الأثير لفكر ما بعد الحداثة هو الإفلات من أغلال الحداثة الثقيلة، التي لم تنتج سوى الأيديولوجيات الشمولية والتكنولوجيا القاتلة" ، أي أن قوة العلم أو المعرفة أصبحت خطرة عندما أصبح لها قوة تدميرية، تهيمن عليها شركات السلاح ودول تتكسب ماديًا من وراء هذه الأسلحة الفتاكة، فأصبح للمعرفة جوانب غير مضيئة، وهذا هو مكمن الخطر، لكن أطروحات ما بعد الحداثة أصبحت تسير في مجال التفكيك والتحليل والنقد، مناهج رئيسة لمفكري ما بعد الحداثة، وأصبح الشك عنصرًا رئيسًا في الوعي لدى المفكرين والفلاسفة، واحتلت اللغة موقعًا حيويًا في تحليلاتهم ومفاهيمهم، أدى ذلك إلى انفتاح كامل على عالم الدراسات اللسانية، وانفتح الفكر الفلسفي على الثقافات الأخرى العالمية، وهذا قاد إلى تشتيت ما يسمى بالعقل الكوني، وأن هناك حقائق لا تتغير بتغير الثقافات والأزمنة" ، كما أنَّ للطبيعة قوانين، أو بالأصح سننًا كونيةً، فالإنسان لا يبعد عنها كثيرًا، فالسنة الكونية قصرت فترة تواجده على هذا الكوكب، وألزمته بخصائص يتشارك فيها البشر، يتناوب الخير والشر في الحضور على الساحة الداخلية والعالمية، وتجسيد ذلك من خلال الوعي القصدي، الذي يربط الإنسان بالعالم، فخبرة الإنسان تسهم في تشكيل وعيه الذي يتجسد من خلال الظواهر العقلية، كالإدراك، والتخيل، والشعور، وتحريكها داخل مواضيع عديدة تصقلها التجربة.
يرى الباحث (الوقيان) "أن القصدية من أهم المفاهيم الفينومينولوجيا، وتنص على أن كل وعي هو وعي بشيء ما، والوعي هو التجربة أو الخبرة، والقصدية هي علاقة الوعي بالعالم"، فالأشياء التي تتعلق بالوعي تشكل موضوعات تدور في فلك الوعي، فالباحث(الوقيان) قد تجاوز التفكير في كتبه السابقة: "الفلسفة بين الفن والأيديولوجيا"، و"قراءات في الخطاب الفلسفي"، وواصل طريقه في هذا المجال إلى ما بعد الحداثة، يبحث هذا الكتاب في حقيقة الذات ووعيها؛ فالوعي له مرحلتان، الأولى: تعي محيطه، والثانية: المتأمل الذي يتجاوز وجوده في العالم، وحسب إدراك (سيلارز)" إن كل وعي هو مسألة لغوية" أي أن اللغة تتربع على عرش عقول البشر ومن هنا أصبح عالم ما بعد الحداثة لغويًا بالتمام، ناقش البحث مسألة الوجود بشقيه: النومينولوجي، والفينومينولوجي وطرح بعض الأمثلة التوضيحية، عرج على جزئيتين مهمتين، الأولى: اللغة بوصفها فينومينولوجيا والثانية: فلسفة الاختلاف.
أهمية الدراسة:
تعمل هذه الدراسة على تحليل مضمون كتاب الأستاذ( شايع الوقيان) "الوجود والوعي استئناف الفينومينولوجيا"؛ حيث تعتبر الدراسة فينومينولوجية للكتاب، تبحث عن الإجابات لمجموعة من الأسئلة، تدور في فلك متغيرات متعددة تعكس حقيقة طبيعة تعامل المؤلف مع القضايا التي تمت مناقشتها، وهذه الدراسة تسير في طريق دراستين سابقتين على نفس المنهجية والطريقة، لمشروع دراسة واحدة تقيس تعامل بعض من ألف كتابًا من السعوديين عن الفلسفة في السنوات القريبة جدًا، من خلال اختيارهم لموضوعاتهم الفلسفية، و دراسة ظاهرة زيادة التأليف الفلسفي بعد اتساع هامش الحرية؛ لمناقشة الموضوعات التي كانت محرمة سابقًا طباعتها وتوزيعها، فالخطاب الفلسفي السعودي يعيش بداية مرحلة مناقشة الموضوعات الفلسفية، فهذه الدراسة لم تقف أو تتعرض لشخص المؤلف، بل توقفت عند ما كتب بالتفصيل، المؤلف يعيش بمعزل عما خطته أنامله؛ فمضمون الكتاب كان الهدف الأول والأخير، وفي خاتمة الكتاب ستكون هناك مقارنة بين محتويات الكتب التي تم تحليل مضامينها.
أسئلة الدراسة:
اشتملت الدراسة على مجموعة من الأسئلة، التي توضح مدى شمولية مناقشة القضايا الفلسفية المهمة الكبرى في عينة الدراسة، وهي كالتالي:
١- ما مدى استيعاب مناقشة قضية الوجود؟
٢- ما مدى استيعاب ومناقشة قضية الخالق؟
٣- ما درجة حالة السعادة والراحة النفسية للباحث في مناقشة القضايا؟
٤- ما مدى مناقشة قضية الميتافيزيقيا؟
٥- هل للإثارة وجود في مناقشة الموضوع الكبير؟
٦- ما مدى وضوح وسهولة اللغة التي يتم النقاش بها؟
٧- كيف تم مناقشة متغير الحرية؟
٨- هل توقف الباحث عند قضية الوعي؟
٩- هل ناقش الباحث البعد الأخلاقي؟
١٠- هل تطرق الباحث لمتغير العلم؟
المتغيرات الرئيسة المأخوذة في الاعتبار عند التحليل تتمثل فيما يلي:
١- الحديث عن الحقيقة.
٢- الحديث عن وجود الخالق.
٣- الحديث عن الميتافيزيقا.
٤- الحديث عن الحرية.
٥- الحديث عن التشاؤم، والقلق.
٦- الحديث عن الحدس.
٧- شفافية النقاش.
٨- الحديث عن الوعي.
٩- الرجوع إلى الفلاسفة أو المفكرين.
١٠- علامات السعادة، والراحة النفسية.
١١- الرجوع إلى المصادر العربية والأجنبية.
١٢- الحقائق الجديدة التي استعرضها المؤلف.
١٣- رجوع المؤلف إلى أبحاثه السابقة.
١٤- رجوع المؤلف إلى المفاهيم اليونانية.
١٥- رجوع المؤلف إلى الفلاسفة الغربيين.
١٦- التعرض لأهمية الدماغ.
١٧- سهولة اللغة والأسلوب.
١٨- التعرض لأهمية العلم.
١٩- التعرض لأهمية الأخلاق.
٢٠- ذكر إيجابيات الأطروحات الفلسفية.
٢١- ذكر سلبيات الأطروحات الفلسفية.
٢٢- الإشادة بفلاسفة يونانيين.
٢٣- الإشادة بفلاسفة عرب وإسلاميين.
٢٤- الإشادة بفلاسفة غربيين.
٢٥- عنصر الإثارة في طريقة العرض.
٢٦- موضوعات الماضي في الكتاب.
٢٧- موضوعات الحاضر في الكتاب.
٢٨- موضوعات المستقبل في الكتاب.
٢٩- توصيات فلسفية.
٣٠- طريقة المعالجة (ممتاز- جيد جدًا- جيد- مقبول)
٣١- حجم الكتاب.
٣٢- الرجوع إلى مراجع لمفكرين سعوديين.
التحليل:
دخل المؤلف في مقدمته مباشرة على الروح الفلسفية القلقة، ومرد ذلك - كما يتصور- تدهور الميتافيزيقيا، كأنه أراد أن يعلن عن موقفه من الميتافيزيقيا في مقدمة الكتاب، وفي المقدمة أيضًا تطرق لمفردة الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية على عجالة، أشار لمفردة الحدس، لكنه لم يتوقف عندها، تجاوز في المقدمة التوقف عند الأسئلة الكبرى عن الخالق والوجود؛ فالمقدمة قصيرة جدًا بمقارنتها بجسد الكتاب الذي تجاوزت صفحاته(٣٤٧) صفحةً، هذه الملاحظات السريعة خاصة في المقدمة فقط، لكن الكتاب غنيٌ بالمباحث الفلسفية العميقة، وكانت مناقشة المتغيرات الخاصة بالدراسة أسوة بالدراستين السابقتين للدكتور الغذامي، والأستاذ الراشد كالتالي:
١- يملك الباحث (الوقيان) لغًة واضحًة جدًا، وتشخيصًا عميقًا أيضًا للمفردات والمواضيع التي تم مناقشتها في الكتاب، بشكل تمت السيطرة الكاملة، والدقيقة على جسد وتفاصيل القضايا العميقة، بروح توازي دقة تفاصيل الموضوعات الموجودة.
٢- اعتبار ما كتبه الباحث مرجعًا دقيقًا جاهزًا للباحثين في هذا المجال الصعب نوعًا ما، وفي ضوء ذلك يحتاج إلى مقدرة معرفية لفهمه ودراية من قبل القراء والباحثين.
٣- خدم التراكم المعرفي للباحث في التحكم في مسار النقاش الموضوعي، وأعطى الوجود حقه من النقاش أكثر من عرض أدبيات الوجود، أي أنه
عمّق بحث الوجود.
٤- زخر الكتاب بمجموعة كبيرة من المراجع العربية المترجمة والكتب الأجنبية، وهذا يعكس سيطرته المعرفية، وعمقه الفلسفي، رجع المؤلف إلى محاضرة للدكتور ميجان الرويلي في النادي الأدبي بالرياض لباحث سعودي عن قضايا نقدية ما بعد بنيوية، وكذلك إلى كتابه "الفلسفة بين الفن والأيديولوجيا"
٥- لا توجد أي نظرة تشاؤمية واضحة تجاه الفلسفة في مجريات النقاش؛ فعشقه الإيجابي قد قضى على سلبيات بعض الفلاسفة.
٦- الطرح التحليلي النقدي علامة بارزة في الكتاب، وكأن ذلك يجسد مرحلة ما بعد الحداثة.
٧- أعطي الباحث تصورًا رفيعًا وإيجابيًا للفلسفة بشكل عام، من خلال عمق النقاش متعدد التوجهات والسيطرة عليه.
٨- ناقش الباحث العديد من المفاهيم لمفكرين وفلاسفة غربيين في إطار الموضوع، وعرج على حواراتهم حول وجود العالم الخارجي لكن دون توسع مطول.
٩- تجاوز الباحث الحديث عن المفاهيم الأخلاقية، وعدم التعرض لسلوكيات الفلاسفة الذين استشهد بهم.
١٠- ابتعد الباحث عن الحديث عن طبيعة خلق الكون، وعن خالقه، وقد يكون السبب المحتمل لذلك أن هامش الحرية لا يسمح له بذلك، وهو في جوف مجتمع مسلم، وفي ضوء ذلك لم يطل في مناقشة موضوع الحقيقة كقضية سوداء، أي الحقيقة كانكشاف؛ حيث استحال معها التنبؤ بمعالمها وحدودها، كما استعصت على ما قبله، وقد يكون السبب الرئيس أن الباحث تجاوز هذه الحقبة، وأنه يدور في فلك ما بعد الحداثة، الذي يركز على تطابق الحقيقة "اللغة" مع الواقع، وهذا أقرب للتفسير.
١١- لم يدرج الباحث جزئية خاصة في عالم الميتافيزيقيا بشكل موسع، بل تتجاوزها كما تجاوزها هابرماس وآخرون، معتبرين العلم الخطوة الرئيسة في عالم الحقيقة.
١٢- لم يفسح الباحث المجال للحديث عن العقل كوحدة مستقلة، أو ذات عنوان مستقل، بل ذكره أثناء الحديث عن أطروحات أخرى.
١٣- الحديث عن الحدس لم يكن غائبًا عن روح المناقشة، فقد مر على ذكره بعد أن قسمه إلى: حدس حسي، وآخر مقولي.
١٤- تواصل الباحث مع ما كتب بشكل تفوح منه رائحة السعادة والانبساط، وهذا ناتج عن سعة هامش السيطرة التي جعلته يحيط بتفاصيل النقاش الطويل.
١٥- لم يستخدم المؤلف عبارات أو جملًا تهدف إلى إثارة انتباه القراء والباحثين، مناقشة منسقة ومترابطة، دون ضجيج أو تزاحم مفردات.
١٦- غابت معضلة الحرية عن النقاش، فقد يعتبر الباحث أن مناقشة الموضوعات التي اشتمل عليها الكتاب لا تحتاج إلى مناقشة هذه المعضلة الحساسة والمهمة بشكل عام على المناخ الفلسفي.
١٧- غاب العلم عن ساحة النقاش كوحدة مستقلة، وكذلك غاب معه الحديث عن أهمية الدماغ، وهذا يعكس الفترة التي كتب فيها هذا الكتاب في زمن ما بعد الحداثة.
١٨- أبدع المؤلف في هضم طريقة المعالجة السليمة للموضوعات، التي تم التطرق إليها بشكل ممتاز من خلال استخدام "المنعطف اللغوي التأملي".
١٩- عرج المؤلف على جذور بعض القضايا الماضوية التي خضعت للمناقشة بشكل سريع، وكذلك مناقشة المواضيع المعاصرة بكل أريحية والوصول إليها؛ فالباحث لم يتطرق أثناء مناقشته للمفاهيم الفلسفية للنظرة المستقبلية لشؤون الفلسفة، وقد يكون سبب ذلك راجعًا لوجود خطط قادمة يناقش فيها الأطروحات المستقبلية، وهو قادر على فعل ذلك في الأيام القادمة.
٢٠- لم يقف طويلًا عند الموضوعات الماضوية، بل تم الحديث على عجالًة جدًا، والتطرق لبعض الأسماء الإسلامية التي ذكرت في حقل الفلسفة دون التعمق في أطروحاتهم.
٢١- تناسق العرض في القضايا التي تمت مناقشتها، والإتيان ببعض الأمثلة للتوضيح.
٢٢- يندرج جميع ما تم التطرق له تحت مظلة "أن الفلسفة لا موضوع لها سوى النقد، والتفكيك، والخلخلة، ولم تعد بناء لمضامين ومذاهب".
٢٣- من خلال متابعة النقاش برزت أهمية الموضوعية في طريقة المعالجة.
كخاتمة سريعة للدراسة؛ فقد تبين التوجه العام في مناقشة الموضوعات التي تم استضافتها برائحة وتوجه ما بعد الحداثة، بقلم يبحث عن الحقيقة النسبية، من خلال نقده وتحليله للمفاهيم التي تمت مناقشتها، فالباحث تجاوز مبدأ العرض والغوص في أدبيات الموضوعات إلى نقدها وتحليلها، فحالته تبين أنه وضع نفسه في مصاف القادرين على تجاوز الأدبيات الفلسفية بشكل كامل، و الولوج في مراحل متقدمة من التحليل والمكاشفة، وعرض نماذج ومتغيرات جديدة يستطيع إنتاج بعدٍ تنظيري لظواهر قادمة تحل بمظاهر وملامح جديدة، فقد تجاوز الوقيان مرحلة هضم الأدبيات، ودخل في مرحلة الصراع الفلسفي، الذي ينتج عنه إبداعات فلسفية مفعمة بالحدس الاستشرافي لمستقبل غير واضح المعالم للعالم، عالم تحكمه اللغة التي تجاوزت به الأسئلة الكبرى، وصنعت وعيه بشكل كامل، فقد يستطيع الوقيان الخروج من سجن السابقين بعد أن شبع منه تحليلًا ونقدًا، وكذلك الخروج أيضًا من سجن اللغة التي ربطت فيها الحقيقة، وقد يسبح يومًا في فضاء العالم الخارجي، ويتعلق بشيء خارج اللغة والذهن، فهو مؤهل لذلك، إذن هناك فائدة كبيرة من وجود هذا الكتاب، القابل أيضًا للنقد والتحليل من قبل باحثين متمكنين في مجال حقل الفلسفة.
المبحث الرابع
تحليل كتاب "فلسفة الآخرية: الآخر بين سارتر وليفيناس وبهجة الضيافة" عبدالله المطيري
مقدمة:
إن مفردة "فلسفة" مفردة مطاطة، لا تقف عند الشؤون الخاصة بالوجود، والأسباب الكامنة التي تقف وراء هذا الوجود، وأيضًا من يقف وراء الكيان العظيم المعقد، وصعب التنفيذ، فالفلسفة تجاوزت ذلك بعد صدمة الحقيقة، وتعذر انكشاف الحقيقة، وبدأت مرئيات الفلاسفة والمفكرين تقتحم سماء الفلسفة، وتتجاوز الميتافيزيقيا، والعالم الخارجي، وقد نجد قريبًا دراساتٍ وكتبًا عن فلسفة وسائل التواصل الاجتماعي، التي هيمنت على جماهير العالم، وهذا يدور في فلك فلسفة الآخرية.
فلسفة الآخر تعمل تحت أطر نفسية واجتماعية، أي أنها تدخل في عمق التركيبة الخاصة للمجتمع، في ظل حضور الوعي.
وعندما تنفجر الذات تضخمًا تزيل الآخر من أمامها، وتسيطر على العالم تحت إرادتها، فالمعرفة في هذه الحالة قد وسعت حدودها لدى الذات من خلال العلم، فالعلم يتقدم خطوات لفهم العالم، فسؤال الآخرية كما ذكر المطيري "هو سؤال أخلاقي حول العلاقة بين الإنسان والآخر، سواء أكان الآخر إنسانًا أم طبيعةً أم غير ذلك".
سلط الباحث المطيري على قضية مهمة، لكنها أقل صعوبةً وحدِّةً من قضية الوجود، والخالق، وغياب الحقيقة، وأتى بتفاصيل كثيرة بدأها:
*الزمن والآخر.
*الضوء وأهميته في انتماء الأشياء لنا.
*في الضوء يتم رد الوجود ليتسق مع أفق الذات.
*الاستماع فتح الذات للآخر.
*الاستماع تجربة استلام واستقبال وتخلي عن فلترة ما يدخل للذات.
*العلاقة اللغوية علاقة صوت بالأساس وعلاقة استماع.
*الاستماع باب مفتوح بدون أن نعلم حقيقة من سيدخل معه، فهو انفتاح على الجديد والمختلف والغريب والمفاجئ.
*إن آلية الميل إلى تفضيل الذات على الآخر لا تحتاج إلى صراع، أو تنافس، أو أفكار عدائية، أو ندرة في الموارد، ولكنها فقط تحتاج إلى عملية تشكيل جماعتين في الذات: جماعة الذات، وجماعة الآخر[4].
أسئلة الدراسة:
اشتملت الدراسة على مجموعة من الأسئلة، التي توضح مدى شمولية مناقشة القضايا الفلسفية المهمة الكبرى في عينة الدراسة، وهي كالتالي:
١- ما مدى استيعاب مناقشة قضية الوجود؟
٢- ما مدى استيعاب ومناقشة قضية الخالق؟
٣- ما درجة حالة السعادة والراحة النفسية للباحث في مناقشة القضايا؟
٤- ما مدى مناقشة قضية الميتافيزيقيا؟
٥- هل للإثارة وجود في مناقشة الموضوع الكبير؟
٦- ما مدى وضوح وسهولة اللغة التي يتم النقاش بها؟
٧- كيف تم مناقشة متغير الحرية؟
٨- هل توقف الباحث عند قضية الوعي؟
٩- هل ناقش الباحث البعد الأخلاقي؟
١٠- هل تطرق الباحث لمتغير العلم؟
المتغيرات الرئيسة المأخوذة في الاعتبار عند التحليل تتمثل فيما يلي:
١- الحديث عن الحقيقة.
٢- الحديث عن وجود الخالق.
٣- الحديث عن الميتافيزيقا.
٤- الحديث عن الحرية.
٥- الحديث عن التشاؤم، والقلق.
٦- الحديث عن الحدس.
٧- شفافية النقاش.
٨- الحديث عن الوعي.
٩- الرجوع إلى الفلاسفة أو المفكرين.
١٠- علامات السعادة، والراحة النفسية.
١١- الرجوع إلى المصادر العربية والأجنبية.
١٢- الحقائق الجديدة التي استعرضها المؤلف.
١٣- رجوع المؤلف إلى أبحاثه السابقة.
١٤- رجوع المؤلف إلى المفاهيم اليونانية.
١٥- رجوع المؤلف إلى الفلاسفة الغربيين.
١٦- التعرض لأهمية الدماغ.
١٧- سهولة اللغة والأسلوب.
١٨- التعرض لأهمية العلم.
١٩- التعرض لأهمية الأخلاق.
٢٠- ذكر إيجابيات الأطروحات الفلسفية.
٢١- ذكر سلبيات الأطروحات الفلسفية.
٢٢- الإشادة بفلاسفة يونانيين.
٢٣- الإشادة بفلاسفة عرب وإسلاميين.
٢٤- الإشادة بفلاسفة غربيين.
٢٥- عنصر الإثارة في طريقة العرض.
٢٦- موضوعات الماضي في الكتاب.
٢٧- موضوعات الحاضر في الكتاب.
٢٨- موضوعات المستقبل في الكتاب.
٢٩- توصيات فلسفية.
٣٠- طريقة المعالجة (ممتاز- جيد جدًا- جيد- مقبول)
٣١- حجم الكتاب.
٣٢- الرجوع إلى مراجع لمفكرين سعوديين.
التحليل:
تعمل هذه الدراسة على تحليل مضمون الكتاب حسب المتغيرات سابقة الذكر التي تسعى إلى معرفة تناول المؤلف لقضايا فلسفية متعددة، نصوغ من خلالها خاتمة التحليل.
١- خلا الكتاب من وجود مقدمة تشير لأهم القضايا الخاضعة للمناقشة في الكتاب الذي يحتوي على(٤٣٦)من الصفحات، واعتبر أن الدخول والتمهيد لفلسفة الآخرية يستحق أن يكون ذلك مقدمة تجاوزت الثمانين بصفحة واحدة، لكن تبقى أهمية المقدمة المختصرة والشاملة لقضايا النقاش ضرورية من أجل القراء؛ كي يعرفوا من خلالها طريقة المعالجة الابتدائية للكتاب من أجل اقتناء الكتاب، في صفحة (٣٠) "العمل على مناقشة مفردات الآخر، هل الآخر فكرة، مفهوم؟، هل الآخر وظيفة، دور؟، أم أن الآخر هو الموجود الكائن الآخر؟"، فحبذا لو كانت الأسئلة السابقة في مقدمة الكتاب في طبعة قادمة.
٢- الحقيقة وتجلياتها الاستكشافية شبه غائبة عن النقاش.
٣- الحديث عن وجود الخالق لم يحصل على مساحة لمناقشته.
٤- الحدس قد غاب عن النقاش بشكل كامل.
٥- التناول النقدي للقضايا التي تم طرحها تسودها الشفافية.
٦- التركيز على أدبيات الموضوعات تم نقاشها أكثر من نقدها وتحليلها.
٧- الرجوع إلى مصادر كثيرة أجنبية، والقليل- بعض الشيء- لمراجع عربية، والتركيز على مساهمات الباحث شايع الوقيان كباحث سعودي، والرجوع إلى كتابه الوجود والوعي.
٨- للوعي نصيب من النقاش مع زمنية الوعي.
٩- للبعد الأخلاقي نصيبٌ كبيرٌ في مناقشته في الكتاب؛ فهو من المحاور الرئيسة.
١٠- علامات السعادة والراحة النفسية تظهر من خلال السيطرة على نقاش الموضوعات الخاضعة للدراسة ويعكس ذلك سلاسة الطرح.
١١- النظرة التشاؤمية غير موجودة في النقاش.
١٢- لم تتم الإشادة بفلاسفة عرب وإسلاميين.
١٣- لم يتم التطرق إلى ذكر أي سلبيات للأطروحات الفلسفية.
١٤- طريقة النقاش توحي بالنظرة الإيجابية للفلسفة بشكل عام.
١٥- سهولة ووضوح اللغة والأسلوب.
١٦- غاب العلم عن النقاش.
١٧- ليس هناك أي تواجد لمناقشة أهمية الدماغ.
١٨- رجوع المؤلف إلى الفلاسفة الغربيين بشكل واضح وجلي، وخاصة سارتر وليفيناس.
١٩- رجع إلى دراسة سابقة له نشرت عام ٢٠١٨م.
٢٠- التطرق بشكل غير مطول لمفاهيم يونانية.
٢١- يمكن تلخيص واختصار الكتاب، أو تحويله إلى كتابين؛ من أجل تخفيف الضغط على القراء، ولكي لا يهابوا من كثافة النقاش.
المبحث الخامس
تحليل كتاب "في فلسفة الأخلاق" أ. حمد عبدالرحمن الراشد
مقدمة:
عندما يتم تجاوز نقاش الوجود والخالق في الفلسفة، وهما أمران عسيران على التجربة والمكاشفة، نصل إلى متغير مهم في جوف الحياة ألا وهو متغير الأخلاق، الذي يرتب ويسهل طريقة العيش وفهم مراحل دورة الحياة في الجوانب: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والدينية، وغير ذلك من أوجه الحياة وأنشطتها المتعددة، لكن هناك العديد من الخروقات التي تنسف جمال وصفاء البعد الأخلاقي، عن طريق بعض الأفراد أو سياسات بعض الدول ، فالجوانب التنظيرية تسقط أحيانًا في جوف براكين الممارسة، التي لا ترفع قبعة الاحترام والتقدير للمبادئ الأخلاقية وتدور حول وحل الأنانية والمصالح الخاصة، لكن هنا يبرز دور القانون للخارجين على أوجه الأخلاق المتعددة، فطبيعة الإنسان يعتريها -في أحايين كثيرة- سموم شيطانية تغلب الشر على الخير، فمتغير الأخلاق عنصر رئيس في أهمية الفلسفة لكن لا تقوم له قائمة دون أن تلازمه الحرية، فالحرية المسؤولة مطلب رئيس في فلسفة الأخلاق والفلسفة بشكل عام، وفي ظل الحرية يأخذ العقل مجراه؛ تحدث الكثير من المفكرين والفلاسفة عن أهمية الفلسفة الأخلاقية، فالبعض يؤمن بأهميتها وعلو قدرها، وأثرها النفسي، وما تتركه من سعادة على الذين يدورون في فلكها، والبعض الآخر هونَ وقللَ من وزنها، من خلال الفلسفة البراغماتية التي تغلب من شأن المصلحة الخاصة على حساب مصلحة الآخرين، فالحرية تعمل على الرفع وعلو كعب الفلسفة الأخلاقية، وترفع الأخلاق أيضًا من قيمة الضمير والمتغيرات الإنسانية بشكل عام، من أجل خلق مجتمع آمن ومسالم، لكن هناك تهميشات متعددة للعنصر الأخلاقي في الجوانب التجارية، والإعلامية عندما تغتال الحقيقة على حساب المصالح المادية، والسياسية، وهذا يؤثر على الحقوق الإنسانية، ويقلل من تواجد الفرد في الساحة المحلية والعالمية، وتضعف شوكته الأخلاقية.
فحياة الإنسان شكلت بوضع يصعب جدًا فهمه بشكل أخلاقي، فلو أخذنا على سبيل المثال صفة التواضع الذي يقتل الكبرياء لوجدنا، أنه يحتاج إلى طريقة عقلية، تخرجه من سطوة البعض، وإهانة من يملكون هذه الصفات الجميلة، فالتواضع الذي يخدمه العقل أكثر جمالًا ونفعًا من التواضع الذي تستخدمه العاطفة، إن نسبة الذين يلتزمون بالبعد الأخلاقي في العالم تتجاوز الذين لا يملكون الصفات الأخلاقية الراقية، فالأخلاق لها مفعول المضاد الحيوي عند الأغلبية التي لم تثقل كاهلهم الظروف الصعبة، والمشاكل القاسية، لكن المخدرات أسعرت نيرانَ قويةً هزت الاستقرار الأخلاقي في المجتمع.
في دراسة تمت عام ٢٠٢٠م "المفكرون والفلسفة في السعودية"، كان أحد المتغيرات الموضوعية التي طرحت على عينة الدراسة من الذين يملكون الهاجس الفلسفي؛ حيث تفوقت فلسفة الأخلاق في أهميتها على باقي الموضوعات الأخرى، أصبح للطرح الديني أهمية في تعزيز البعد الأخلاقي، تحت مظلة الخوف الإلهي من العقاب، وبذلك تم تجاوز الهدف التنظيري والدخول في عالم الممارسة، وتتفاوت درجات التمسك بالأخلاق "حسن الخلق" بين الناس في المجتمع الإسلامي بشكل عام؛ فقد يتنازل البعض عن العناصر الأخلاقية، رغم تمسكه بالشعائر الدينية.
أسئلة الدراسة:
اشتملت الدراسة على مجموعة من الأسئلة، التي توضح مدى شمولية مناقشة القضايا الفلسفية المهمة الكبرى في عينة الدراسة، وهي كالتالي:
١- ما مدى استيعاب مناقشة قضية الوجود؟
٢- ما مدى استيعاب ومناقشة قضية الخالق؟
٣- ما درجة حالة السعادة والراحة النفسية للباحث في مناقشة القضايا؟
٤- ما مدى مناقشة قضية الميتافيزيقيا؟
٥- هل للإثارة وجود في مناقشة الموضوع الكبير؟
٦- ما مدى وضوح وسهولة اللغة التي يتم النقاش بها؟
٧- كيف تم مناقشة متغير الحرية؟
٨- هل توقف الباحث عند قضية الوعي؟
٩- هل ناقش الباحث البعد الأخلاقي؟
١٠- هل تطرق الباحث لمتغير العلم؟
المتغيرات الرئيسة المأخوذة في الاعتبار عند التحليل تتمثل فيما يلي:
١- الحديث عن الحقيقة.
٢- الحديث عن وجود الخالق.
٣- الحديث عن الميتافيزيقا.
٤- الحديث عن الحرية.
٥- الحديث عن التشاؤم، والقلق.
٦- الحديث عن الحدس.
٧- شفافية النقاش.
٨- الحديث عن الوعي.
٩- الرجوع إلى الفلاسفة أو المفكرين.
١٠- علامات السعادة، والراحة النفسية.
١١- الرجوع إلى المصادر العربية والأجنبية.
١٢- الحقائق الجديدة التي استعرضها المؤلف.
١٣- رجوع المؤلف إلى أبحاثه السابقة.
١٤- رجوع المؤلف إلى المفاهيم اليونانية.
١٥- رجوع المؤلف إلى الفلاسفة الغربيين.
١٦- التعرض لأهمية الدماغ.
١٧- سهولة اللغة والأسلوب.
١٨- التعرض لأهمية العلم.
١٩- التعرض لأهمية الأخلاق.
٢٠- ذكر إيجابيات الأطروحات الفلسفية.
٢١- ذكر سلبيات الأطروحات الفلسفية.
٢٢- الإشادة بفلاسفة يونانيين.
٢٣- الإشادة بفلاسفة عرب وإسلاميين.
٢٤- الإشادة بفلاسفة غربيين.
٢٥- عنصر الإثارة في طريقة العرض.
٢٦- موضوعات الماضي في الكتاب.
٢٧- موضوعات الحاضر في الكتاب.
٢٨- موضوعات المستقبل في الكتاب.
٢٩- توصيات فلسفية.
٣٠- طريقة المعالجة (ممتاز- جيد جدًا- جيد- مقبول)
٣١- حجم الكتاب.
٣٢- الرجوع إلى مراجع لمفكرين سعوديين.
التحليل:
بعد الانتهاء من القراءة المستفيضة للكتاب، أتت مرحلة تطبيق المتغيرات الرئيسة والمهمة في الدراسة على ما كتب، وهي نفس المتغيرات التي طبقت سابقًا على كتاب: "العقل المؤمن - العقل الملحد" في الفصل الثاني.
هناك عدة عناصر مهمة ظهرت من خلال تحليل مضمون الكتاب كالتالي:
١- عمل المؤلف، على استعراض تاريخي سريع ومبسط، ركز فيه على العرض الحيادي بشكل عام، دون الولوج إلى عالم النقد الموضوعي السلبي والإيجابي.
٢- أخرج الباحث ذاته من محتوى الكتاب بنفس حيادي غير تشاؤمي، فالنظرة التشاؤمية شبه غائبة عن السرد الموضوعي.
٣ - تشكل الكتاب على طريقة الكتب التعليمية في تفصيل وطريقة عرضه، وبلغة سهلة وواضحة.
٤ - يعتبر الكتاب مدخلًا مبسطًا وسلسًا إلى عالم فلسفة الأخلاق، دون التعرض للشجار الفلسفي.
٥- اعتمد الباحث على الكتب العربية والمترجمة، بإجمالي (٢٠٤) صفحات من الحجم الصغير.
٦- غابت قضية الوجود بشكل مباشر عن المناقشة؛ لأن مسألة الوجود كيانٌ مستقلٌ بذاته.
٧- لم يتطرق الباحث من قريب أو بعيد للسؤال الكبير المتضمن وجود الخالق.
٨- لم تعزز العبارات والجمل أيَ توجهٍ يؤدي إلى سعادة الباحث النفسية في كتابه؛ فذات الباحث خارج المناقشة ولم تتضح درجة سعادته وراحته النفسية، أي أن ذلك لم يبرز من خلال العبارات التي دونها.
٩- لم يتطرق الباحث بشكل مباشر أو غير مباشر للميتافيزيقيا، لكن تعرض بشكل بسيط للديانات التي تهتم بالأخلاق كجزء من الغيبيات، غير أنه أراد أن يعطي فلسفة الأخلاق بعدًا مهمًا في حياة الإنسان.
١٠- الإثارة كانت خارج مدار المناقشة الواضحة والبسيطة لفلسفة الأخلاق، بسبب طريقة المعالجة.
١١- ابتعدت المناقشة بشكل كبير عن الأسلوب النقدي التحليلي، والتزمت بالتطور التاريخي مع وجود بعض الملاحظات النقدية القليلة.
١٢- نوقشت الحرية بشكل بسيط جدًا، وأنها عنصر رئيس في فلسفة الأخلاق ولم يفرد لها جزئية كاملة.
١٣- موضوع الوعي كان غائبًا تمامًا عن النقاش.
١٤- الرجوع إلى المصادر العربية في مناقشة الموضوع بشكل واسع.
١٥- متغير العلم تواجدَ في النقاش، وقد يرجع ذلك إلى وجود علاقة مهمة بين العلم وفلسفة الأخلاق.
١٦ -خلا الكتاب من الأطروحات السلبية تمامًا، وهو أقرب إلى الطرح المحايد بشكل كبير.
١٧- تابع الباحث التطور التاريخي للفلسفة الأخلاقية بشكل مقتضب.
١٨ -الاستعراض التاريخي للمتغير الأخلاقي مرَّ على المفاهيم اليونانية، ومن خلال بعض الفلاسفة الغربيين حتى عصرنا هذا.
١٩ -استعراض الموضوع الأخلاقي في الماضي والحاضر والمستقبل بنفس قصير.
٢٠ -لم يقف الباحث عند فلاسفة غربيين بشكل موسع، بل مرَّ عليهم مسرعًا، وقد يكون ذلك جزءًا من تكوين الدراسة التي قام بها الباحث.
٢١- طريقة المعالجة تمت بشكل جيد، وغير تصادمي.
٢٢- لا توجد أي توصيات خاصة بالموضوع أو إرشادات للباحث؛ أي أن بصمات وتوجهات المؤلف غير معلنة.
٢٣- تحديد مساحة النقاش أعطت الباحث نوعًا من السيطرة على الموضوع.
٢٤- لم يتم الرجوع إلى أي مراجع لكتّاب سعوديين، وقد يعود ذلك إلى قلة من كتب عن هذه المعضلة، وتقارب وقت نشر هذا الكتاب مع كتاب د. المطيري، الذي تحدث عن البعد الأخلاقي في كتابه "فلسفة الآخرية".
٢٥- لم يتطرق الباحث إلى أي من أبحاثه السابقة.
وكخاتمه سريعة، توجد نزعة أخلاقية مباشرة للباحث في تتبعه لتطور مفهوم الفلسفة الأخلاقية حتى وقتنا الحاضر، وهذا يكشف استحالة وجود مجتمع خالٍ من القيم الأخلاقية، التي تمد يدها للخير، ومحاصرة وقمع الأنفس الشريرة، التي تحاول الاستفادة من جو الحرية، واستخدام المخدرات التي زعزعت استقرار بعض الأسر التي ترغب في الهدوء، والتمتع بالحياة، ففلسفة الأخلاق تتفاوت عبر الأزمنة والأمكنة.
أصبح الكتاب مدخلًا مختصرًا لعدة متغيرات مهمة، مرتبطة بفلسفة الأخلاق، التي ينشدها الذين يرفعون من قيمة الإنسان أخلاقيًا، ويتوقون إلى اكتساح الخير للأحلام الوردية البشرية التي قد لا تنجو من نغزات شيطانية شريرة.
فالقوانين تحاول مستعجلة الحد من كم القضايا الكبيرة، التي عجزت الأبعاد الأخلاقية عن اكتساحها وتهميشها منذ البداية، لكن تظل الطموحات الفردية والجماعية تتشح برداء الأخلاق الأبيض الشفاف، في وجه رداء الجريمة الأسود غير الأخلاقي.
إن نشدان الكمال الأخلاقي يقود إلى نشدان الكمال بشكل عام في حياة الإنسان، ويسعى إلى التلامس ومصاهرة المثالية.
المبحث السادس
ملخص وخاتمة
ملخص وخاتمة:
اتضحت ملامح التحليل الخاص بالكتب الأربعة، وكانت الحصيلة شاملة على المتغيرات الرئيسة للدراسة على النحو التالي:
أولًا: عمل الدكتور الغذامي على مناقشة قضية واحدة، من زاوية واحدة، بأسلوب نقدي أغفل فيه عرض الأدبيات الخاصة بوجود الله أو الخالق، إنما استشهد بسبعة من الذين يعتقدون بأن للكون خالقًا، وآخرون بنفس العدد لم يصلوا إلى هذا اليقين، فالباحث أراد أن يسعد نفسه ويسعد القراء من بني جلدته بأن الفلسفة لها أكثر من وجه، وأنها لا تتبنى الإلحاد بشكل قطعي، تربعت الحالة النفسية السعيدة للباحث على مسرح حياته الفلسفي ببحثه الذي طال أمده؛ فالباحث لم يقف عند هذه الجزئية من قبل ولم يتطرق لها، إنما كان يسبح في فلك المدارس النقدية التي قفزت للواجهة، ويطلق عليها مدارس ما بعد الحداثة ومواضيعها المتعددة، لكنه حنَّ إلى سؤاله الكبير عندما سمحت له ظروف الكتابة، وأعاد طرحه دون الغوص فيه، الكتاب من زاوية القلب المؤمن الذي يبحث عما يسعده، وينقل سعادته للقراء وكأنه أراد أن يقول لهم شاركوني فيما قمت به من بحث أرى أنه خيرٌ ودعمٌ للقلوب المؤمنة؛ فطريقة معالجة الموضوع مختلفة تمامًا عن بقية الكتب التي خضعت للدراسة.
تغلبت روح الإثارة الموجودة في طريقة العرض في كتاب الغذامي على بقية الكتب، من أجل لفت انتباه القراء.
ثانيًا: تمكن الوقيان من السيطرة على عدة نقاشات داخل كتابة بشكل عام، وخلق نوعًا من التوازن بين أدبيات الموضوعات وبين طريقته التحليلية والنقدية، تفوقت طريقة المعالجة لدى الوقيان على البقية، استطاع من خلالها الرفع من مستوى النقاشات للمفاهيم الفلسفية الموجودة في حضن الكتاب، وهنا تحول الكتاب إلى مرجعٍ مهمٍ للقراء والباحثين؛ لعمقه البحثي النظري والتحليل النقدي، وفي ضوء ذلك غرد الوقيان خارج المجموعة، ولكن غاب عنه أن يموضع تمكنه الفلسفي على أطراف أو كل الممارسات الثقافية والفلسفية في المجتمع العربي، ترك العمق الفلسفي الذي يتمتع به نوعًا من الغطاء النفسي المريح له، وتجنب كل المنغصات السلبية والتشاؤمية.
ثالثًا: تفوق المطيري على الجميع في مساحة العرض، دون ملازمة لصيقة للأسلوب النقدي والانغماس في تحليل ونقد الأطروحات الفلسفية، التي تقل تعقيدًا عن الكتاب الأول والثاني، الراحة النفسية ملازمة للمؤلف بشكلٍ كبيرٍ، وبعيدًا عن القلق والتشاؤم في الطرح.
رابعًا: عمل الراشد على تتبع التطور التاريخي لفلسفة الأخلاق، دون التعرض للصراع الفلسفي الأخلاقي، ودور الفلاسفة في ممارسة العملية الاتصالية مع الآخرين، الحيادية واضحة في المناقشة دون التعرض النقدي والتحليلي لمفردات الكتاب، الراحة النفسية الهادئة وغير القلقة تسيّدت الموقف.
اتضح وجود قاسم مشترك لدى المؤلفين الأربعة، المتمثل بتجاوزهم لمرحلة القلق الوجودي، والصراع بين الخير والشر، فلا أحدًا منهم وقف عند هذه المعضلة الصعبة، بل هم أرواح مسالمة تكتب عن إنجازات الفلسفة، مبتعدة تمام البعد عن التشاؤم ورفاقه، سكنوا في منطقة "ما بين الجنة والنار" كما قال الشاعر نزار، حيث ابتعدوا مسافات طويلة عن عبثية الحياة وقسرية الموت، وهذا يفسر أن نور العقل قادهم إلى حياة عقلانية أقرب إلى الفضائل من ارتكاب بعض الحماقات غير الأخلاقية.
وكتشخيص مبدئي لذلك، هناك أسباب محتملة لحالة التوافق بينهم المتمثلة ﺒـ:
١- إن للبعد الديني -حتى لو لم يكن مباشرًا-والاجتماعي تأثيراتٍ أخلاقيةً شكلت القاعدة الرئيسة لهم.
٢- الانبهار بالفلسفة كصاحبة حلول تحتاجها المجتمعات التي تسير في مجال التطور والتنوير، وإغفال النظر لأخلاقيات مجموعة من الفلاسفة مثل: روسو، وشوبنهاور، ونيتشه، وراسل، وتغنشتاين، وهايدغر، وسارتر، وفوكو، فحماقات سابقي الذكر الثمانية غير الأخلاقية"[5] لم تؤثر على مؤلفي الكتب الأربعة الخاضعة للدراسة، لكن تبقى طريقة التفاهم مع الآخرين التي قد يفشل فيها البعض وقد ينجح فيها البعض الآخر حسب براغميتية وعقلانية ومملكة العطاء الموجودة داخله، ويتربع على عرشها العطاء، بل قاوموا الوقوع بالخروقات الأخلاقية.
الكتب الأربعة تجاوزت الحديث عن مفهوم الجمال، وكان خارج مدار النقاش كجزئية مستقلة لها كيانها وحضورها، وللجمال حضور في الطبيعة، وخارجها، وله لمسات فكرية وإنسانية، تترك بصماتها على الذات والآخر وأقرب مكان لمناقشته هو كتاب "فلسفة الآخرية" يكون بجوار جزئية الضيافة.
أغمض الجميع أعينهم عن النظرات الاستشرافية لمستقبل الحياة بشكل عام، ومستقبل الأطروحات الفلسفية بشكل خاص، أي أن الحدس قد غاب أيضًا في عالم يسوده انطلاقات عبثية في مجال العلوم والسياسات الدولية، وكذلك لم تكن لديهم أي هواجس وفلسفات مستقبلية لموضوعات جديدة، إنما كان حرصهم على المفاهيم الموجودة دون تجاوزها.
هناك تقارب في التطرق لبعض الموضوعات بين المطيري "فلسفة الآخرية"، والوقيان في "الوجود والوعي"، وهذا يعكس حميمية العلاقة بينهما والتقارب الفكري، مما يعطل رفع مستوى روح النقد بينهما والتحليل لبعضهما.
البعد الأخلاقي أصبح قاسمًا مشتركًا بين المطيري والراشد. لكن الشيء الواضح أن الغذامي لا يوجد معه أي قاسم مشترك؛ فكتابه عبارة عن مقالة فلسفية على شكل كتاب، تخلت عن أدبيات الفلسفة في هذا الشأن المعقد نوعًا ما، وقد يعكس هذا التباعد الكبير بين الغذامي والبقية في اختيار الموضوعات وطريقة المعالجة، لكن تبقى الموضوعات تحت مظلة الفلسفة، وتبقى القضايا "الأخطر في عالم الفلسفة التي لما تزل تحمل التحدي هي كما حددها كانط الله- الخلود- الإرادة الحرة"[6]، يعمل العقل على الإحساس بوجود الثلاثة سابقة الذكر، لكن إثبات ذلك هو العنصر الرئيس على اختفاء الحقيقة.
السؤال المهم: هل يتم المراهنة على تقييم إنتاجهم الكثيف فيما بينهم؟، أي الاستفادة من الحصيلة المعرفية في تحليل ونقد لمؤلفاتهم، من أجل خلق جو من النقد الموضوعي، الذي يرفع من قيمة الشأن الفلسفي في هذه الفترة الحالية؟
الإجابة تحتاج إلى فترة زمنية تذبل فيه نشوة التأليف وحب الظهور، وتحضر روح النقد والتحليل والنظرات الاستشرافية؛ فالحوار عنصر رئيس في عالم الفلسفة، "هناك نوعٌ من التلازم بين الفلسفة والحوار؛ فهي توجد حيث يكون، وتقوى بقوته، وتضعف بضعفه، وتكاد تغيب بغيابه"[7] فالفلسفة أيضًا لا تحبذ هذه الأحكام المسبقة "بوصفها إحدى أشكال الوعي البشري، فإن دورها ليس تثبيت ما هو سائد وتقليدي"[8]، لكن يتجاوز دورها ذلك إلى الدخول إلى عالم التحليل والنقد والرفع من قيمة العقل والوعي، الفلسفة مناقشة لمفاهيم على أرض الواقع.
المراجع:
جورج سانتيا، الإحساس بالجمال، ترجمة د. محمد مصطفى بدوي، ٢٠٠١م.
حمد الراشد، في فلسفة الأخلاق، النادي الأدبي الثقافي بحائل، المفردات، ٢٠٢١م.
خالد عاذي الغنامي، السعادة الأبدية بين الدين والفلسفة، الرياض ٢٠١٤م.
ريتشارد رورتي، الفلسفة ومرآة الطبيعة، ترجمة د. حيدر حاج إسماعيل، بيروت ٢٠٠٩م.
سليمان الشمري، المفكرين والفلسفة في السعودية، دار ابن رشيق للنشر والتوزيع، الأردن، ٢٠٢١م.
شايع الوقيان، الوجود والوعي استئناف الفينومينولوجيا، جامعة الكوفة، العراق، ٢٠٢٠م.
د. عبد الأمير الشمري، دراسات مختارة في الفلسفة الغربية المعاصرة، مكتبة مدبولي، ٢٠١٢م، ص١٣٦.
عبدالله الغذامي، العقل المؤمن- العقل الملحد، العبيكان، الرياض ٢٠٢٠م.
عبد الله الغذامي، مالات الفلسفة من الفلسفة إلى النظرية، العبيكان ٢٠٢١م.
عبد الله المطيري، فلسفة الآخرية، دار مدارك للنشر، الرياض ٢٠٢١م.
محمد وقيدي، جرأة الموقف الفلسفي، إفريقيا الشرق ١٩٩٩م،ص ١٣.
نايجل رودجرز- ميل ثومبثون، ترجمة متيم الضايع، جنون الفلاسفة، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا، الطبعة الثالثة ٢٠١٥م.
[1] ريتشارد رورتي، الفلسفة ومرآة الطبيعة، ترجمة د. حيدر حاج إسماعيل، بيروت ٢٠٠٩م.
[2] د. سليمان جازع الشمري، المفكرين والفلسفة، دار ابن رشيق للنشر والتوزيع، الأردن،٢٠٢١، ص ٧٢-٨٠.
[3] خالد الغنامي، السعادة الأبدية بين الدين والفلسفة، الرياض ٢٠١٤م.
[4] عبد الله المطيري، فلسفة الآخرية، دار مدارك للنشر، الرياض ٢٠٢١م، ص١١-٢٩.
[5] نايجل رودجرز- ميل ثومبثون، ترجمة متيم الضايع، جنون الفلاسفة، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا، الطبعة الثالثة ٢٠١٥م.
[6] د. عبدالله الغذامي مالات الفلسفة من الفلسفة إلى النظرية، الرياض، العبيكان ٢٠٢١م، ص ٥١.
[7] محمد وقيدي، جرأة الموقف الفلسفي، إفريقيا الشرق ١٩٩٩م،ص ١٣.
[8] د. عبد الأمير الشمري، دراسات مختارة في الفلسفة الغربية المعاصرة، مكتبة مدبولي، ٢٠١٢م، ص١٣٦.
جديد الموقع
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي
- 2024-04-25 يحيى العبداللطيف و ( دكتوراه ) جديدة لسجل شرف ( الينابيع الهَجَريّة )
- 2024-04-25 13298 خريجًا وخريجة أمير الشرقية يرعى حفل تخرج الدفعة الـ 45 من خريجي جامعة الملك فيصل بالاحساء
- 2024-04-25 %150 زيادة الطاقة الاستيعابية لمطار الأحساء
- 2024-04-25 16 جمعية وقفية في المناطق والمحافظات